س:سمعت رواية عن الرسول(ص) بأنه ظن توريث الجار، فكيف نفهم مكانة الجار على هذا الأساس؟
بلغ اهتمام الإسلام بالجار حداً جعل النبي(ص) يحدثنا عن ظنه بأنَّ الله تعالى سيورثه، فعنه(ص):"من آذى جاره حرَّم الله عليه ريح الجنة، ومأواه جهنم وبئس المصير، ومن ضيَّع حق جاره فليس منّا، وما زال جبرائيل(ع) يوصيني بالجار حتى ظننت أنَّه سيورثه"(5).
إنَّ التواصل اليومي بسبب الجوار ينعكس على حياة الإنسان في مكان استقراره وسكنه، لذا يسأل بعض الناس عن طبيعة وواقع السكان في مبنى معين أو حي معين أو قرية معينة قبل أن يستأجر المنزل أو يشتريه، فإذا ارتاح لمواصفاتهم أقبل على المكان وإلاَّ بحث عن غيره.
كما نلاحظ أن البعض يتمسك بمكان سكنه على الرغم من ضيق سعته وزيادة عياله، لما تولَّد عنده من حب وعلاقة إيجابية مع جيرانه، في مقابل من يسعى لتغيير سكنه بسبب أذية جيرانه له، وخوفه على سلوك أولاده، وطبيعة الأجواء السلبية في علاقات الجيران مع بعضهم البعض.
عندما نسمع كلام الرسول(ص) عن مكانة الجار، نشعر بالمسؤولية في الاهتمام ببعض التفاصيل التي تؤنس الجيران بعضهم مع بعض، وتحقق غرض الجوار الإيجابي بحسب توجيهات الإسلام. وهنا تكمن أهمية اللقاءات الدورية بين سكان المبنى الواحد، والتزاور بين الجيران، والتفقد في الأفراح والأتراح، وتقديم العون والمساعدة عند الحاجة لها، والمشاركة في الأعمال ذات النفع المشترك في المبنى الواحد أو الحي الواحد، من دون النظر إلى غلبة المنفعة الخاصة على منفعة الجماعة، والموافقة على المشاريع والأنشطة التي يرغب بها أغلب السكان من دون النظر إلى الكسب الشخصي، وعدم إيذاء الجار بالاعتداء على حقوقه أو ممتلكاته أو الأقسام المشتركة، وعدم إزعاجه بصوت مولد الكهرباء أو باستغلال الممرات المشتركة للأغراض الشخصية.
وفي كل الأحوال لن تكون تكاليف الأعمال المشتركة كبيرة، وهي تستحق التضحية لمصلحة الجيرة، ولن تكون الخلافات البسيطة بمستوى يستحق التفريط بحسن الجوار، ولن تخدم الأنانية صاحبها عندما يستغل الظروف لمكاسب محدودة على حساب جيرانه. فلو قارنَّا ما نقدِّمه لمصلحة حسن الجوار، وما نأخذه كمكاسب شخصية تسيء إلى الجوار، لوجدنا أن ما نقدِّمه قليل جداً في مقابل نتائجه الإيجابية، وما نأخذه تافه جداً في مقابل مساوئه.