س: كأني فهمت من الإجابة وجود مجالس مستنكرة ولا يجوز انعقادها، فهل هذا صحيح؟
يؤثر المجلس على روَّاده، ويخرج كل واحد منهم حاملاً لأثر ثقافي أو تربوي أو نفسي أو روحي، فلننظر إلى المضمون النافع الذي يحدد طبيعة المجلس إذا أردناه إيجابياً، وإلاَّ فعدم انعقاده أفضل إذا برزت منطلقاته السلبية.
عن أبي عبد الله(ع):"لا ينبغي للمؤمن أن يجلس مجلساً يُعصى الله فيه ولا يقدر على تغييره"(6)، لأن بقاءه في المجلس من غير فعَّالية مشاركةٌ في المعاصي والمنكرات، وتحمُّل للتبعات والنتائج كشاهد صامت، أمَّا إذا استطاع التغيير فوجوده نهي عن المنكر بالحد الأدنى، وربما حقَّق فوائد ومنافع أخرى للجالسين.
عن أبي عبد الله(ع)، قال رسول الله(ص):"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس في مجلس يُسب فيه إمام،أو يُغتاب فيه مسلم، إن الله تبارك وتعالى يقول:"وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ.."(7).
فالبديل المناسب هي مجالس الورع والحكمة التي تؤدي إلى صلاح الجالسين في دنياهم وآخرتهم، فعن أمير المؤمنين علي(ع):"جالس أهل الورع والحكمة وأَكثِر مناقشتهم، فإنَّك إن كنت جاهلاً علَّموك، وإن كنت عالماً ازددت علماً"(8).
وقد احتاط الإسلام من مجالسة بعض الأفراد لخصوصية في واقعهم بصرف النظر عن تفاصيل أحاديثهم، لأنَّ شخصياتهم قد انطبعت بمضمون وسلوك إجمالي ينعكس سلباً على الطرف الآخر المقابل بمجرد الجلوس معهم، وأبرز نموذج من هؤلاء: الغني المترف، الذي يجعله غناه مغروراً بطراً ويحمل نفسية استعلائية مريضة، فإذا جلس إليه الطرف المقابل انقبض وتأثرت روحيته من الإغراق في الحديث عن الزينة وملذات الدنيا. فعن رسول الله(ص) عند حديثه عن الأربعة التي تميت القلب منها:"ومجالسة الموتى، فقيل له يا رسول الله، وما الموتى؟ قال: كل غني مترف"(9).
وأشار الإمام زين العابدين(ع) في دعاء له إلى أهمية مضمون المجالس بتوجيه تربوي مؤثر، حيث اعتبر أُلفة مجالس المنكر عقوبة تُخرج من رحمة الله، وعدم ارتياد مجالس العلماء خذلاناً وخسارة، فقال:" أو لعلَّك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني! أو لعلَّك رأيتني في الغافلين فمن رحمتك آيستني! أو لعلَّك رأيتني آلف مجالس البطالين فبيني وبينهم خلَّيتني!" (10).