س: سماحة الشيخ، لماذا التفت الإمام (ع) الى ناحية المجالسة وجعل لها نظاماً وقانوناً؟
وضع الإمام زين العابدين (ع) رسالة الحقوق على أساس ما يحيط بالإنسان من مفردات العلاقات اليومية الضرورية والطبيعية، والتي تميَّزت بالشمولية في دوائر العلاقات الثلاث مع الله والنفس وبني البشر، وبما أنَّ العلاقات الاجتماعية محور الاجتماع الإنساني فقد شملت حيزاً واسعاً من هذه الرسالة الغنية. ويأتي حق الجليس كتعبير عمَّا أولاه الإمام(ع) من اهتمام للصِّلات اليومية المباشرة التي تشمل لقاءات التزاور بين الأفراد والأرحام والجيران والأصدقاء، والتخاطب في المعمل والمدرسة والمتجر، وما يجري من معاملات يومية بين الناس.
وقد تفوَّق الإسلام في شرح تفاصيل وجزئيات أدب العلاقة مع الآخرين، حيث وردت آيات وروايات كثيرة تعرضت لهذه المفردة الهامة، ما يساعد على تحديد طريقة التعاطي والتخاطب بين الناس في سياق توجهات مترابطة تشكِّل أدباً خاصاً، وتُعين المخاطَبين على حسن التعاطي مع بعضهم البعض. فإمَّا أن تتحول المجالسة إلى مجال للنزاع والصراع والحديث الفاحش واللهو والفساد، وإمَّا أن تؤدي إلى أخوَّة ومصاحبة ومحبة ونفع وفائدة، والذي يساعد على إحدى النتيجتين هو السلوك المعتمد وأسس المجالسة والمخاطبة في المجلس الواحد. وهذا ما ركَّز عليه الإمام السجاد(ع) ليكون المجلس مجالاً للفائدة وحسن العلاقة مع الآخرين.