الحقوق الثلاثة

من أخلص بلغ الآمال

من أخلص بلغ الآمال

س: يقول الإمام زين العابدين (ع):" تعبده لا تشرك به شيئا " كأن الإمام (ع) يقول عودوا الى سورة الإخلاص ؟
لماذا يريدنا الله أن نعبده؟ هل هو بحاجة لنا حتى يطلب منا العبادة وهو الغني؟

إنَّ العبادة تركز على شخصية الإنسان بما يستفيده من علاقته مع الله، فالله غني عن العالمين، وسواء أعبدناه أم لم نعبده، فهذا لن يزيد أو ينقص في ملكه وغناه. لذلك عندما يتحدث رب العالمين عن الصلاة -وهي عبادة - يقول:" إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ"(3)، فأنت أيها الإنسان ستستفيد من الصلاة، ومن التبس عليه الأمر لقوله أثناء النية: أصلي قربة إلى الله تعالى. نقول له: أنت تصلي لله عز وجل على قاعدة أنك تلتزم بأمره لمصلحتك، ولست تصلي لله تعالى لأنه بحاجة إليك ، فأنت الذي تستفيد من القرب منه لتأخذ منه ومن هذه الصلاة بالانتهاء عن الفحشاء والمنكر. كذلك الصوم:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"(4)، فأنتم الذين تستفيدون منه، لعلَّكم تتقون، وهذا يساعدكم على الإخلاص والاستقامة في حياتكم. إذاً نعبد الله لأنه الخالق، ولا بدَّ أن تكون لنا صلة مع خالقنا، حيث تتم من خلال الإيمان والالتزام بالأوامر والنواهي، فنكون معترفين ومقرِّين بهذه الصلة عملياً، وهذا ما ينعكس على حياتنا اليومية، فنستفيد من أدعيتنا وصلواتنا وصومنا وحجنا وتتأثر نفوسنا بهذه العلاقة مع الله تعالى .

نأتي إلى تتمة حديث الإمام (ع) بقول:" فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة "، إنَّ آثار العبادة مرتبطة بالإخلاص، ولكن هل توجد عبادة بلا إخلاص ؟ نعم. توجد عبادة بلا إخلاص ، إذ يمكن للإنسان أن يصلي ليراه الناس فهو مُراءٍ وليست صلاته لله تعالى، ولا يمكن أن تؤتي الصلاة ثمارها من دون إخلاص ، والإخلاص يتطلب التوجه نحو الواحد الأحد فقط، للوصول إلى الكمال الإنساني، قال أمير المؤمنين علي(ع):"أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له"(5). فالموضوع لا يقبل المساومة إذ لا يمكن اجتماع عبادة الله تعالى بتنفيذ أوامر غير الله تعالى وعبادة الشيطان. أما الشيطان فهو كل الدائرة الأخرى التي تكون في مقابل الدائرة الأولى وهي دائرة العبادة لله تعالى، فلا يجوز سلوك طريق الإزدواجية في العمل بل يجب أن تخلص لله وأن تكون مع الله. من هنا فالشرك بالله ليس منحصراً بالشرك النظري فقط، بل يمتد إلى الشرك العملي ويؤدي إلى ازدواجية في الشخصية والى ضياع، ويصل في كثير من الأحيان إلى نقطة اللاعودة، عندها:" إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ"(6).

لنسمع أمير المؤمنين علي (ع) كيف يحدد لنا طريقة الوصول الى الإخلاص، يقول(ع) :"الإخلاص ثمرة العبادة"(7)، فالعبادة طريق للإخلاص. إذا صليت وصمت وتصدقت وقمت بالواجبات العبادية الملقاة على عاتقك ، وأنت متوجه بهذه العبادات الى الله تريده أن يتقبل منك هذا العمل ،فستتفاعل هذه الأمور في نفسك لتصبح يوماً بعد يوم جزءاً لا يتجزأ من شخصيتك وحياتك. إنَّ هذه الأعمال التي قمت بها هي عملية تربوية، تتراكم مع الزمن ومع الاستمرار، لتولِّد الإخلاص بسبب سلامة طريقة الأداء والالتزام بالتكاليف الملقاة على عاتقك ،هذا التفاعل مع العبادات هو الذي ينعكس على شخصيتك فتُخلص لله تعالى.

إضافة إلى ذلك فمن أراد تحقيق الأهداف الكبيرة والعظيمة، عليه أن يسلك طريق الإخلاص ،يقول أمير المؤمنين علي( ع):"من أخلص لله بلغ الآمال"(8)، أي منتهى الوصول إلى ما يريد، وسيجد أن الطريق ممهدة أمامه، وتتحقق رغباته المستقيمة، وتهون العقبات التي تعترضه، مع حسن الثواب في الآخرة. أما الشيطان رمز الكفر والانحراف والذي يوسوس للإنسان فهو عاجز عن التأثير مع الإخلاص ،كما ورد في كتاب الله:"قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لاَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ"(9)، لأنَّ المخلص قد حصَّن نفسه بطريقة سد معها كل الأبواب بوجه الشيطان .