س - ما هي الآداب المعنوية والمادية للصلاة ؟
الآداب هي الأعمال التي تؤدي رعايتها والقيام بها إلى إتمام عبادة الصلاة لتحقيق أهدافها، وهي تشتمل على الواجبات والمستحبات، كما تشتمل على صورة الصلاة ومضمونها للوصول إلى الصلاة الفضلى. فعلى المستوى المادي توجد واجبات الصلاة ومستحباتها. أما الواجبات فلها علاقة بمقدمات الصلاة كالطهارة والوضوء واستقبال القبلة وغيرها، ولها علاقة بالصلاة نفسها بدءً من تكبيرة الإحرام وانتهاءً بالتسليم، ضمن تفاصيل مذكورة في كتب الفقه التي تبيِّن كيفية أداء الصلاة الصحيحة.
أما مستحبات الصلاة كالآذان والإقامة والقنوت وغيرها، إضافة إلى النوافل من الصلوات المستحبة فهي سياج يحمي الواجب، ويعطيه شحنة إضافية تضفي المزيد من الروحانية على الصلة بالله تعالى.
أمَّا الآداب المعنوية فهي الرصيد الذي ينعكس على النفس الإنسانية عندما يعيش المرء أبعاد الصلاة، وحقيقة كلماتها وذكرها ومفعول حركاتها. فإذا كنت تقرأ الفاتحة، عليك أن تعيش معنى كلماتها، فالبسملة ابتداء برحمة الله وأمل بشمول رحمانيته ورحيميته حياتك، والحمد لله بأن تحمده على نعمه التي أعطاك إياها دون أن تسأله وعندما سألته، وإياك نعبد فلا معبود غيره في كل الكون وكل الحياة، وإياك نستعين فأنت العون في الشدة والرخاء، وقد خاب من لجأ إلى غيرك وفاز من بقي في حصنك، ونتابع على هذا المنوال ليحصل التفاعل الروحي مع الصلاة.
وقد تحدث الإمام الخميني(قده) عن الآداب بمعنييها، فقال:" إن للصلاة غير هذه الصورة لمعنى، ولها دون هذا الظاهر لباطناً. وكما أن لظاهرها آداباً يؤدي عدم رعايتها إلى بطلان الصلاة الصورية أو نقصانها، فإن لباطنها آداباً قلبية باطنية يلزم من عدم رعايتها بطلان أو نقص في الصلاة المعنوية"(*).
عندما قال النبي(ص):" إن الله تعالى جعل قرة عيني الصلاة"، فلأنه عاش الصلاة المملوءة بالروح الإيمانية التي تقرب من الله تعالى، والتي تجعله يشعر بظلاله ووجوده وعظمته ورحمته في كل جارحة من جوارحه. والتي كان يستأنس بها ويشعر بلذتها، فهو يتمنى أن يأتي وقتها بسبب الحالة المعنوية الكبرى التي كان يعيشها ."كان النبي(ص) ينتظر وقت الصلاة، ويشتد شوقه، ويترقب دخوله، ويقول لبلال مؤذنه:" أرحنا يا بلال، أشار بذلك إلى أنه في تعب شديد من عدم اشتغاله بهذه التكليفات وقيامه بوظائف الصلاة"(10).
ومن المفيد في هذا المجال قراءة كتاب الآداب المعنوية للصلاة، وكتاب أسرار الصلاة للإمام الخميني(قده)، فإن فيهما من التوجيهات والالتفاتات ما يُهيء سبيل الروح لتلقي آثار الإقبال على الصلاة.
ليس سليماً أن تستقر صلاتنا على نمط رتيب، دون أن نشعر بالحالة المعنوية المميزة في العلاقة مع الله تعالى أثناء الصلاة، وليس صحيحاً أن نرضى عن أنفسنا لمجرد الإكتفاء بضوابط القراءة والحركات كما ورد في الروايات فهي بحاجة إلى تعبئة روحية، ولا يكون الانصراف إلى الشكل دون المضمون مقياساً مقبولاً، ولا يكون أداء التكليف كافياً دون النظر إلى آثاره في الحياة.
قرأت للشهيد الإمام السيد محمد باقر الصدر(قده)تمييزه لمرتبتين من مراتب الصلاة، مرتبة رفع التكليف ومرتبة القبول. أما رفع التكليف فيتم عندما تُؤدى الصلاة بشروطها، فيسقط وجوبها بأدائها، وتبقى في ذمتنا قضاء إلى أن نقضيها، وعندما يكون الوضوء صحيحاً وواجبات الصلاة وأركانها صحيحة، فهذا يعني رفع التكليف عنا. وأما القبول فهو ما بعد رفع التكليف، وهو درجات تختلف من إنسان لآخر، فبمقدار التفاعل الروحي مع الصلاة ترقى النفس الإنسانية وتحقق درجة من درجات التقوى، فالصلاة معراج المؤمن، والصلاة قربان كل تقي، ويكون مستوى العروج وقيمة القربان بحسب مستوى تفاعل هذا المؤمن. لذا نرى مصلياً تصل به الصلاة إلى مستوى حسن، وآخر إلى مستوى جيد، وثالث إلى درجة الذوبان في القرب من الله تعالى.
روي أنَّ الإمام زين العابدين(ع) كان إذا قام إلى الصلاة، تغير لونه، وأصابته رعدة، وحال أمره، فربما سأله عن حاله من لا يعرف أمره في ذلك، فيقول: إني أريد الوقوف بين يدي ملك عظيم. وكان إذا وقف في الصلاة، لم يشغل بغيرها، ولم يسمع شيئاً لشغله بالصلاة(11).
تذكر أنك تتقرب من الله تعالى، فلو قيل لك ستلتقي مع زعيم تحبه أو قائد تبجله، أو أنك ستلتقي مع صاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، فكيف سيكون حالك؟! فما بالك بأنك ستلقى الله تعالى في الوقت الذي تختار، وفي المكان الذي تختار، وستناجيه بكلماتك ومستواك، وهو يقول لك وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ "(12).