النص الكامل لمقابلة الأمين العام لحزب الله في "حوار خاص" على قناة المنار
يشرفني أن أكون واحدًا من المقاومين في الميدان
عماد مرمل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عامٌ مرّ على انتخاب أمين عام جديد لحزب الله، وعلى معركة "أولي البأس" الأسطورية، والقاسم المشترك بين الحدثين رجلٌ مقدام وصاحب شجاعة استثنائية سُمّيَ بالاستشهادي: إنه سماحة الشيخ نعيم قاسم، الذي تصدى لأضخم مسؤولية وخاض أصعب تحدٍّ في وقت كان يظن البعض أنه من المستحيل أن ينهض حزب الله مجدداً بعد استشهاد سماحة السيد حسن نصر الله وسماحة السيد هاشم صفي الدين ونخبة من القياديين والكوادر.
فجأة، وجد سماحة الشيخ نفسه في قلب غرفة العمليات يقود المقاومة في واحدة من أكثر المعارك المصيرية، وهو المنتقل بين ليلة وضحاها من المضمار السياسي إلى إدارة الميدان العسكري. ومع ذلك، بقي ثابتاً متماسكاً هادئاً مطمئناً وواثقاً، حتى قال بعض القريبين منه إنهم أعادوا اكتشافه خلال الحرب وتعرفوا إلى مزايا قيادية فيه كانت كامنة.
هو ليس فقط أميناً عاماً لحزب الله، بل لقد أصبح – وبمرسوم شعبي – قائداً مؤتمناً على إرث ونهج الشهيد الأسمى، ومعبراً عن آماله وآلامه. بيئته بايعته بكل جوارحها وجروحها، فصارت بينهما عاطفة متبادلة بلا تكلف ولا تكليف.
بعد مضي عام على انتخابه أميناً عاماً لحزب الله، كيف يصف سماحة الشيخ نعيم قاسم تجربته في الأمانة العامة خلال سنة؟ وماذا سيكشف عن فصول معركة "أولي البأس" وأبعادها المتعددة؟ وما الذي سيقوله عن مسار المقاومة ومصيرها وسلاحها وناسها؟ وإلى متى سيظل متسلحاً بالصبر الاستراتيجي في مقابل الاعتداءات الإسرائيلية؟ وهل يتوقع عدواناً واسعاً على لبنان من جديد؟
ثم أين الحزب من الملفات الداخلية؟ هل يريد حقاً حصول الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري؟
وإلى أين ستؤول العلاقة مع رئيسي الجمهورية والحكومة؟ وأي مكان للرئيس نبيه بري لدى القاسم؟
وكيف يقارب الانتخابات النيابية وتحالفاتها؟ وماذا حول ملفي الأعمار واستعادة الأسرى وغيرها من القضايا التي ستكون مادة لهذا الحوار الاستثنائي؟
سماحة الشيخ، أهلاً وسهلاً بك.
الشيخ نعيم قاسم:
أهلاً بكم.
مرمل: أول شيء، أنا على المستوى الشخصي مشتاق إليك كثيرا، فأشكرك على إتاحة هذه الفرصة للقائك.
سماحة الشيخ: الله يبارك فيك إن شاء الله.
مرمل:
قبل أن نغوص في محاور الحوار، هناك سؤال يحير خصوماً وأصدقاء منذ تأسيس حزب الله: وأنتم تقدمون تضحيات هائلة لا طاقة لكثيرين على تحملها – دماء، دمار، ضغوط، حصار – ومع ذلك كنتم ولا زلتم واقفين ثابتين مؤثرين وصابرين. ما هو سرّكم؟ هل هذه مكابرة أم طاقة هائلة؟
الشيخ نعيم قاسم:
بسم الله الرحمن الرحيم.
حزب الله مشروع استراتيجي له علاقة بالرؤية، وله علاقة بمعالجة قضايا الناس والمواقف من كل ما يتحداهم ويتصدى لهم.
من حيث الرؤية، نحن جماعة نلتزم بالإسلام المحمدي الأصيل، والالتزام بالإسلام يعني أن يكون الإنسان قد اختار منهجاً لحياته، هذا المنهج هو بالحقيقة منهج إيماني، فكري، ثقافي، عملي، سلوكي، سياسي، اجتماعي.
إذا أراد أن يعرف أحدٌ هذا المنهج كيف يمكن أن يُطبّق، فلينظر إلى تجربة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: كان في مكة المكرمة داعياً إلى الله تعالى إلى هذا المنهج الإلهي، وفي المدينة المنورة أقام دولة الإسلام، وكان قائداً للجيش، وخاض معارك عديدة من أجل تثبيت هذا المشروع ومواجهة الأعداء الذين اجتمعوا ضده وضد مشروعه، إضافة إلى أنه أقام بنية اجتماعية ثقافية سلوكية في داخل المجتمع، بمعنى آخر، الإسلام هو منهج حياة. نحن اخترنا الإسلام كمنهج حياة، فإذاً حزب الله هو الذي اختار الإسلام منهج حياته، هذا واحد.
اثنان: عندما نواجه تحديات معينة – سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو الأخلاقي أو تحديات على المستوى التربوي، او على مستوى الاعتداءات واغتصاب الأرض والعدوان الإسرائيلي ومن ورائه – هناك موقف يجب أن نأخذه. ما هو الموقف؟ موقف المقاومة، التحدي، المواجهة.
نحن في عملية المقاومة في الحقيقة لا نقوم بمشروع أنه عندنا أرض محتلة نحاول أن "نزبطها زبطت معنا كان به، ما زبطت معنا خلص الأمر وانصرفنا؟ لا، هذه مقاومة، هذا جهاد، هذا مشروع، هذا منهج – منهج لكل الحياة، بداية ونهاية،
هذا ليس منهجاً لجزء من الحياة، وليس منهجاً أنه إذا عملت أرباحاً تكتيكية فيه أخذته، وإذا لم أعمل أرباحاً تكتيكية تركته، لا. من هنا، عندما تأسس حزب الله على منهج الإسلام وعمل على أساس تبنّي مشروع المقاومة – لأنه فيه تحديات لا تُعالج إلا بالجهاد والمقاومة – معناها أن كل المنضوين تحت هذا الاتجاه لديهم استعداد ليعملوا أقصى التضحيات. لأنه بالإسلام يُقال: «إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة». ماذا يفعلون؟ يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون، وعدنا عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن.
يعني نحن من الأول أخذنا هذا القرار: أننا نريد أن نواجه، ممكن نحصل على الشهادة، وممكن نحصل على الانتصار.
قل: «هل تربصونا بنا إلا إحدى الحسنيين؟» إذن، ليس السؤال يوجّه إلينا: هل تعبتم أم لم تتعبوا؟
نحن لا نتعب، لأنه الحياة كلها امتحانات واختبارات. طبيعي أن تكون الحياة متعبة، غير الطبيعي أن يذهب الإنسان بسبب التعب إلى الاستسلام، أو إلى الانهيار، أو أن يغيّر مبادئه تحت عنوان ملذات آنية عادية عابرة.
لذلك، نحن الحمد لله، صلبون، مستمرون – ليس على قاعدة أفراد، لا – كل المنتمين إلى هذه المسيرة في حزب الله والمقاومة، سواء الذين كانوا داخلها منظمين أو الذين كانوا معها مؤيدين أو الذين كانوا يسيرون بهذا الاتجاه بشكل عام، هؤلاء جماعة يتحملون كل التحديات ويتجوّهرون أكثر.
لفت نظري قبل يومين، كنت أتابع إحدى القنوات التلفزيونية، فسمعت في إحدى المقدمات تقول: «كل العالم وكل الأحزاب وكل القوى تمر بمرحلة تكون فيها في القمة، ثم تأتيها ضربات، ومشاكل، وتعقيدات، فتبدأ بالانخفاض تدريجياً حتى تنمحي وتزول، إلا حزب الله، فقد ظهر بعد أن اشتدّت عليه الضربات القاسية جداً، فتجوهر أكثر، واجتمع الناس حوله أكثر، وصار عندهم تفاعل أكثر». في هذا الموضوع كان لديها موقف صحيح، فقالت: «نحن نفتش عن السبب»، فكان السبب أن هذا الاعتقاد الإيماني بالغيب هو الذي صنع هذه الصلابة. العالم الآن الذين قدروا أن يكتشفوا، فأنا أقول لك الآن: صحيح، إن هذا الإيمان بالغيب يتجوهر أصلاً ولا يصنع حالة تراجع حين يكون هناك تحديات.
هنا، ألفت إلى أية كريمة، تقول: «الذين قال لهم الناس: إن الناس قد جمعوا لكم، فخشوهم، فزادهم إيماناً وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل».
يعني كلما زاد الضغط، زاد إحساس الواحد بأنه مسؤول عن الحفاظ على هذا الاتجاه الذي آمن به – وهو اتجاه الإسلام والمقاومة والحياة العزيزة والالتفاف في إطار الوحدة.
عماد مرمل: سماحةَ الشيخ، بعد توليكم الأمانة العامة لحزب الله وقيادتكم للمواجهة مع العدو الإسرائيلي عقب استشهاد سماحة السيد حسن نصر الله وسماحة السيد هاشم صفي الدين، قيل بأن الشيخ نعيم قاسم "استشهادي" بكل معنى الكلمة، لأنه أنت تصديت لدور خطير في لحظة مفصلية، بصراحة، سماحة الشيخ، هل تهِيبتَ المسؤولية؟
الشيخ نعيم قاسم:
أولاً، أود أن أعلّق على الوصف الذي يوصفني به البعض أنني استشهادي: صحيح، لكن دون أن يدركوا أن كل من في الحزب استشهاديون.
لماذا؟ ذلك الذي يجلس على خط التماس الأول، أو الذي يقف خلف الصاروخ، أو الذي قدّم أغلى ما يملك قربةً إلى الله تعالى – تلك العائلات التي تربّي على هذا الاتجاه وتحتمل كل العقبات – كلهم استشهاديون. أنا واحد من هؤلاء الاستشهاديين.
إذن، هذه ليست ميزة خاصة بي، لا، لأن هذا الخط يصنع الاستشهاديين، وبالحقيقة لا يستمر فيه ولا يبقى فيه إلا من يريد أن يكون استشهادياً. وكلمة "استشهادي" تعني القبول باقتحام الصعاب من أجل تحقيق الفكرة التي يؤمن بها الإنسان، وليس معناها أن الإنسان يطلب الموت، لا، بل إنه لا يهاب الموت.
الآن، لما جاءت المسؤولية بشكل مفاجئ جداً جداً جداً – لأنني لم أكن أتوقع أن نخسر الأمين العام الثاني بهذه الفترة الوجيزة وبالطريقة التي حصلت – لم أكن أتوقع ذلك. لقد عبرتُ من قبل، فقلتُ: أحسست للحظات أن حياتي انقلبت، فكل شيء صار بحاجة إلى تغيير عندي: طريقة حياتي بدأت تتغير، وطريقة متابعاتي بدأت تتغير. لكن حقيقة في هكذا تفكير وتأمل شخصي، قلتُ: أنا اخترت هذا الطريق – وهو طريق الإسلام، طريق المقاومة – طيب، هذا الطريق لا يخلو من صعوبات، ولا ندري متى يأتي النجاح، ولا متى نرتاح أو نتعب، فبما أنني اخترت هذا الطريق، فعليّ أن أقبل كل ما يوجد في قلبه. لا، أنا أقول لك: قبلتُ باطمئنان، واعتبرتُ أن الله عز وجل يسدّد ويساعد، وهذا ما شعرتُ به من اللحظة الأولى وحتى الآن.
أنا لا أبالغ حين أقول لك: "الله حَدِيّ"، لأني أعتبر أن هناك تسديداً إلهياً كبيراً جداً، في النهاية، هذا المنهج منهجه، وهذا الطريق طريقه، والحمد لله هذا المسار إن شاء الله يتقدم إلى الآن.
عماد مرمل:
هل شعرتَ بأنك أصبحت وحيداً بعد استشهاد رفيقي الدرب والجهاد السيدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين؟
الشيخ نعيم قاسم:
لماذا؟ إذا كنتُ وحيداً، فهل أستطيع أن أعمل شيئاً؟ لا أستطيع أن أعمل شيئاً.
هذا حزب يا أخي، فيه شورى، فيه قيادات، فيه مجاهدون، فيه شعب، فيه كشّاف، كل هؤلاء الناس موجودون. هذا الحزب لا يُدار بفرد واحد، ليس أن فرداً واحداً هو الذي يصنع الحزب أو لا يصنعه. هذا الحزب، إذا لم يكن معه أناس يساعدونه، وأناس يعملون معه، وأناس يقومون بوظائفه، فلا يستطيع فرد واحد أن ينجز. أنا لم أشعر أنني وحيد، ولم أكن وحيداً، الحمد لله، كنا نتشاور مع الإخوان، مع أعضاء الشورى – مثلاً في القرارات التي تكون تحتاج إلى قرارات شورى – كنتُ أتداول أنا وإياهم بطريقة معينة، وكنا نأخذ القرارات بناءً على قرار جماعي. مع القيادات العسكرية، كنا نتشاور، وكنا نُعطى الأوامر، وكنا نسمع الاقتراحات، وهم أيضاً يقومون بأدوارهم.
لا، لو لم تكن هناك جماعة تعمل، لما استطعنا أن نحقق الإنجاز. أنا أقول: إنجازات معركة "أولي البأس" هي إنجازات الحزب كحزب، والمقاومة كمقاومة، وليست إنجازات فرد واحد، كل هؤلاء الأفراد مع بعضهم، وكل واحد يقوم بوظيفته.
عماد مرمل: عرض عليك خلال الحرب الذهاب إلى إيران وإدارة المعركة من هناك، ولكنك رفضت، سؤال: لماذا رفضت هذا الخيار مع أن بقاءك كان في ذلك الحين يشكل مخاطرة ومغامرة كبيرة لا سيما وأن حزب الله في وقتها لم يكن يتحمل تلقي ضربة جديدة، لماذا خاطرت وبقيت؟
الشيخ نعيم قاسم: أحد الإخوة هو قائد بالحرس كان موجود في لبنان، فطلب موعد عاجل وسريع، فرتبنا الموعد والتقينا، قال لي: أنا أرى من المناسب أن تذهب إيران. فسألته لماذا؟ فأجاب لأنه استشهد أول أمين عام، واستشهد ثاني أمين عام، والظاهر أنت أيضاً سوف تلحق بهم، وبالتالي لا توجد إمكانية أن يختبئ الواحد في هذا الوضع القائم، أو يتحرك، وأنا أضمن لك إذا ذهبت أنت إلى هناك كل ما تريده من وسائل اتصال وتواصل مع المعركة ومع الشباب ومع القيادات بحيث لا يشعر أحد أنك أنت غائب. فقلت له: المهم أن أشعر أنا بأني غبت أو لم أغب. هل أستطيع أن أترك معركة كل الناس موجودون بها، كل الشباب موجودون بها، أنا لا أستطيع. لا أستطيع أبداً، وهذا أمر محسوم بالنسبة لي. يجب أن نعمل نحن والإخوة الممعنيين بالحماية أن نؤمن الظروف الملائمة للحماية، لا أن نذهب من المكان ونغادر المكان. لم أقبل لأنه لا إمكانية إلا أن يقود الواحد في الميدان، وأن يكون في قلب المعركة. أصلاً لا يوجد حس أخلاقي أن لا يكون الشخص موجود مع إخوانه. لذلك أنا اعتبرت أن تكليفي وواجبي، ثم أن الأعمار بيد الله تعالى ولازم أن نعمل الإجراءات المناسبة وعلى الله الاتكال، والحمد لله.
عماد مرمل:
بين تاريخ استشهاد سماحة السيد هاشم صفي الدين في 4 تشرين أول وتاريخ استلامك للأمانة العامة في 29 تشرين أول، هناك مرحلة انتقالية إذا صح التعبير، من كان يدير تلك المرحلة، وهل صحيح أن الكلمة الفصل كانت لطهران في ذلك الحين؟
الشيخ قاسم:
أول ما استشهد سماحة الأمين العام سيد شهداء الأمة السيد حسن رضوان الله تعالى عليه، بحسب النظام نائب الأمين العام يحل مكانه، إلى حين انتخاب أمين عام جديد، فأنا استلمت مباشرة بعد الأمين العام، تحدثت أنا وسماحة السيد هاشم رضوان الله تعالى عليه، وكلفته وقلت له دعنا نوزع الأدوار بحسب الوضع القائم بما أنك أنت الآن في المجلس الجهادي وقريب من الإخوان، انت تابع الموضوع العسكري، وأنا أتابع الموضوع السياسي والإعلامي والموضوعات الأخرى ونتشاور بالتفاصيل حتى كنا نتشاور متى نضرب تل أبيب ومتى لا نضرب تل أبيب، في هذه الفترة القصيرة الموجودة، عندما استشهد سماحة السيد هاشم، يعني سماحة السيد كان يقول تقريباً يوم الأر بعاء قبل شهادته بيومين حسم أنه سيكون هو الأمين العام ، اتفقنا ربما السبت أو الأحد يعلن هذا الأمر، لكن كنت لا أزال أتابع، عندما استشهد يوم الخميس، أنا بقيت أتابع كنائب أمين عام محل الأمين العام، يعني لم تتغير المتابعة. وللعلم استشهاد سماحة السيد هاشم كان ب 4 الشهر، أنا اختارني الإخوان أميناً عاماً ب9 الشهر ولم بعلن عن ذلك لأنه كان هناك مشكلة أساسية، لم نستطع أن نخرج الجسد الطاهر لسماحة السيد هاشم. أيضاً احتمال الحياة كان قائماً، كيف تعلن عن أمين عام في الوقت الذي لم يكن معروفاً بعد مصير الأمين العام السابق. من هناك سواء كنت تسمي بصفة نائب الأمين العام الذي حل محل الأمين العام أو بصفة الأمين العام الذي أصبحت عليه في 9 الشهر. في الحقيقة أن كنت أتابع وتابعت بشكل طبيعي كل هذه المرحلة، حتى لم استخدم عبارة أمين عام بداخل تركيبة الحزب، لماذا؟ لأنه أولاً يجب أن نعلن والإعلان لا يحصل إلا بعد كشف المصير، من هنا بعدما حصل كشف مصير لسماحة السيد هاشم في 29 يعني بعد أسبوع على كشف مصير السيد هاشم، حصل إعلان عن الأمين العام. كل هذه الفترة الإدارة كانت بحسب النظام الموجود. قصة أن الإيرانيون يديرون هذه قصة اخترعوها، لأنهم لم يشاهدو شكل تنظيمي واضح بالنسبة لهم. لكن نحن لا يوجد مشكلة لدينا كحزب، نائب الأمين العام يحل مكان الأمين العام في كل شيء، وهذا الذي كان يحصل على المستوى العملي. أحب أن أذكّر أن الكلمة الثانية التي كانت في 8 تشرين الأول، يعني بعد أربعة أيام من شهادة السيد هاشم. في 8 تشرين الأول، كان هناك كلمة بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لطوفان الأقصى، في هذه الذكرى في الكلمة ورد أننا استكملنا منظزمة القيادة والسيطرة. بعض وسائل الإعلام والأجانب والإسرائيليين، اعتبروا أن هذا كلام معنوي لرفع معنويات الناس، لكن بعد أربعة أو خمسة أيام وجدوا أن الجبهة منتظمة ويسقط عدد من الصواريخ والطائرات المسيرة بشكل منتظم، هذا لا يحصل إذا لا توجد إدارة، إذا لا توجد طريقة في المتابعة، من هنا أريد أن أقول الحمد لله استعدنا العافية سريعا وملأنا المراكز المختلفة، وكانت الإدارة إدارة فعّالة من كل الإخوان الذين كانوا يعملون، كانوا يتعاونون، أنا أقول لك: مرّى علينا عشرة أيام، وانا دائماً هذه أقولها: من 27 يوم شهادة السيد االله يقدس روحه إلى 7 كانت صعبة كثيراً علينا، هذه الأيام العشرة، أنا سميتها أيام زلزلة بالنسبة إلينا، لكن بعدها بدأت تنتظم الأمور بشكل تدريجي، والحمد لله كانت المتابعة طبيعية، والمعركة كان يديرها حزب الله بقيادته وقياداته والشورى وبمتابعة من المجاهدين والمجاهدات وكل الذين يعملون.
عماد مرمل:
أي أثر تركته في نفسك الرسالة التي وجهها إليك مرشد الجمهورية الإسلامية سماحة السيد الإمام علي الخامنئي بعد انتخابك أمينً عاماً، معرباً فيها عن دعمك شخصياً.
الشيخ قاسم: أنا أعترف كان لها قيمة كبيرة كبيرة عندي، لأن التعبير الذي استعمله سماحة الأمام القائد الخامنئي دام ظله يقول: إني سأدعمك بنفس المقدار الذي كنت أدعم فيه السيد الشهيد. ماذا يعني أن الولي الفقيه يعطي هذا الدعم بنفس المستوى الذي كان يعطيه لسيد شهداء الأمة وهو من هو وفي موقعه وفي دوره. أنا أعتبرت ان هذه جرعة من الدعم الذي يساعد على أن يستطيع الأمين العام يقوم بالقيادة المطلوبة. يعرف أن الولي وراءه والقائد حاضر لكل دعم، وحقيقة لاحظنا لاحقاَ أن الدعم المالي وكل أشكال الدعم كانت متوفرة، وكان حسب ما عرفت لاحقاً سماحة الأمام القائد الخامنئي دام ظله كان لديه متابعة تفصيلية لأجواء المعركة ونتائجها ومستوى الحاجات والدعم، وإلا كيف تأتي هذه الإمكانات وهذه المساعدات وكيف يأتي حتى التسلح في وقتها بأثناء المعركة، كان يحصل عبر سوريا وبالطرق المختلفة، هذا كله بسبب هذا الدعم. أكيد بالنسبة لي، كان يعني لي كثيراً هذا المستوى من الدعم لأني بحاجة إلى أن يساعدني أحد ويكون معي، سواء من إخواني بالشورى والقيادات أو من القائد الأعلى الذي يعطي الزخم والمعنويات، فضلاً عن أنه حقيقة هو حاضر على المستوى العملي.
عماد مرمل:
سماحة الشيخ أنا عرفت أنه خلال الحرب كان يرافقك قول الإمام علي كفى بالأجل حارساً، هل يصح الاستنتاج بأنك كنت تحتمي من الموت بالموت؟
عماد مرمل:
سماحة الشيخ، أعلمتُ أنك خلال الحرب كنت تردّد قول الإمام علي: «كفى بالأجل حارسًا». هل يصح الاستنتاج بأنك كنت تتحصّن من الموت بالموت؟
الشيخ نعيم قاسم:
الآن، هذا تعبيرك أنت: "تتحصّن من الموت بالموت". جميلة هذه العبارة.
انظر، هذا القول للإمام علي عليه السلام، له قصةٌ عندي: في يومٍ من الأيام ذهبتُ في زيارةٍ إلى إيران، وأردتُ أن أقوم بجولةٍ للتعرّف على العلماء. كانت هذه في سنة 1980، أي بعد بدايات انتصار الثورة. فقمتُ بزيارة أحد العلماء – وهو عالم فاضل وصاحب تربية أخلاقية – فصادف أن الزيارة التي قمتُ بها له كانت قريبة من وقت المغرب. انتهينا، وأردنا أن نخرج من عنده عند المغرب، تمهيدًا للصلاة. وقد وجَدْتُه يخرج معي. قلتُ: من الطبيعي أن يخرج معي إلى الباب، فأوصلني إلى الباب، وهذا أمرٌ طبيعي.
حسنًا، خرجنا من الباب، فاستمرّ يرافقني من الباب. فقلتُ له: «مولانا، إني أريد أن آخذ سيارة أجرة».
أي أن المسافة من البيت إلى الشارع العام تقريباً ثلاثين مترًا. فخشيتُ أن يظلّ يرافقني.
فقال لي: «لا، إني لستُ مرافقك إليك. إنما أريد أن أنطلق بسيارة أجرة، لأن لدي صلاة جماعة في مكانٍ آخر».
فانطلقتُ. كان حينها يجري في إيران عمليات اغتيال. فقلتُ له: «مولانا، ماذا تقول؟ الآن قد يُغتالَ أحدُكم في الطريق. لماذا لا تتخذون احتياطات؟» فأجابني: «كفى بالأجل حارسًا»، باللهجة الفارسية، ما أجمل هذه العبارة! طبعًا، كنتُ قد قرأتُها من قبل، لكنها ظهرت في مشهدٍ تربويٍّ رائع.
من ذلك اليوم، كأنّ شيئًا قد سقط في عقلي وروحي، فصرتُ أشعر أن أمر الموت، مهما يكن، فهو من عند الله عز وجل. فإذا جاء أجلُهم، فلا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون. فلماذا يحسب الإنسان حساباتهم؟ الإنسان يعمل واجبه، لأجل ذلك، نعم، أجزم أن «كفى بالأجل حارسًا».
نعم، نؤدّي واجباتنا، نؤدّي واجباتنا في الحماية، لكن هذه الواجبات لا تمنع الأجل. إنما تمنع ما نراه. أي أن ما أراه أنا أنه يؤدي إلى الموت، فواجبٌ عليّ أن أتّقيه، لكن قد تكون هناك أسبابٌ أخرى، أحيانًا لا يدري الإنسان كيف تأتي، لكن الأجل يأتي، فينتهي الأمر. ولذلك، مع أمير المؤمنين عليه السلام: «كفى بالأجل حارسًا».
عماد مرمل:
ما هي الاستراتيجية التي اعتمدتموها في قيادة وإدارة معركة "أولي البأس"؟ أي، كيف يمكن أن نرى هذه المعركة بعين من قادها؟
الشيخ نعيم قاسم:
انظر، أحد الإخوان بعد أسبوعٍ من إدارتي للمعركة قال لي: «لا يخفى عليك أننا متفاجئون». فقلتُ له: «لماذا متفاجئون؟»
فقال لي: «أي أن الإدارة العسكرية تختلف عن الإدارة السياسية». فقلتُ له: «لا تنسَ أننا حزب، في هذا الحزب هناك قيادة. هذه القيادة تضمّ عددًا من الأفراد، كلهم مؤهلون للقيادة. لماذا؟ لأنهم مستوعبون الفكر الثقافي والإيماني، ومستوعبون الفكر السياسي، ويعرفون استراتيجية العمل، وهم جالسون يديرون وينظّمون. إذن، يجب أن يكون أحدهم عارفًا بالاستراتيجية.
ثانيًا، يجب أن يكون لديه قدرة إدارية. لا يوجد أحد في هذا الموقع أو المكان إذا لم يكن لديه قدرة إدارية معينة. فحين يتوفر الرؤية الاستراتيجية وقدرة الإدارة، تسير الأمور فورًا.
أما في موضوع إدارة المعركة، ففي الحقيقة كان أحدهم يبحث عن بعض الطرق التي تتناسب مع الظروف التي نحن فيها. مثلاً: حدثت صعوبة في الاتصالات. بقيت الاتصالات، لكنها كانت صعبة لأنها مكشوفة.
حسنًا، عليك أن تبتكر طرقًا في الاتصال، وطرقًا في التواصل، وطرقًا في عقد الاجتماعات، وطرقًا في تبليغ القرارات، تتناسب مع الوضع العسكري الصعب القائم، وقد جرى كل ذلك، وبدأنا نطوّره أكثر، فأصبح التواصل والحركة والإدارة، وكذلك اتخاذ القرار. فمثلًا، القرار عندنا معروفٌ أنه قرار شورى. حسنًا، بدأ الاتصال بأعضاء الشورى، وبدأ أخذ آرائهم. أحيانًا لا توجد إمكانية لاجتماع. حسنًا، هناك طرق أخرى يمكن اعتمادها، فاعتمدناها من أجل التواصل.
ففي موضوع الإدارة والمتابعة، بالتأكيد هناك مجموعة من الطرق، لكنني لا أستطيع أن أذكر تفاصيلها. دعونا نبقي بعض الأسرار، بالتأكيد، لأنها تتعلّق بطريقة الإدارة. لكن بإمكانك أن تعرف من النتائج – أي أن الصواريخ اليوم تُطلَق منتظمةً كل يوم بمعدل 150 صاروخًا وطائرةً لمدة أشهر، شهرين – هل يمكن أن يحدث ذلك من دون إدارة؟! لكن كيف يتم التواصل؟ هنا يكمن السر الذي يبقى وفق تفاهماتنا مع الإخوان الذين يعملون. والحمد لله، هناك أيضًا أناس نعمل معهم، ولديهم كفاءات وقدرات، وقد ساعدوا في هذا الموضوع أيضًا.
عماد مرمل:
هل يمكننا أن نقول إن إطلاق الصواريخ ومواقع الاستهداف كانت تعود إلى القرار السياسي، أم كانت هناك مساحة اجتهاد لأهل الميدان؟
الشيخ نعيم قاسم:
انظر، في إطلاق الصواريخ هناك أمران أساسيان:
أولًا: إطلاق روتيني، أي مثلاً يجب أن يُطلَق كل يوم 100 صاروخ، هذا يُسمّى إطلاقًا روتينيًّا، وهو مئة صاروخٍ مثلاً يجب أن تصيب أماكن معيّنة هنا وهناك، أي تُحدّد الأماكن.
ثانيًا: نوعٌ آخر من الإطلاق، كاستهداف تل أبيب أو استهداف أماكن معيّنة في حيفا أو استهداف مواقع معيّنة في بعض الثكنات، هذا يحتاج إلى قرار خاص.
الطريقة التي كانت منسّقة بين الأمين العام والقيادة العسكرية كانت تضع جدولًا، في هذا الجدول ما يُنفَّذ على مدى عدة أيام، وهناك شيء آخر يرتبط بحادثة معيّنة، أي أننا نريد أن نضرب تل أبيب، وهذا يحتاج إلى إذنٍ في وقته.
كل هذا كان يُتابع، وفق خطة بآلية التواصل، لكن لم يكن هناك شيء عشوائي، بل كان كل شيء بناءً على اقتراحات القيادة العسكرية ومتابعة الأمين العام والقيادة العسكرية المباشرة.
عماد مرمل: خلينا نقف عند بعض المحطات في معركة "أولي البأس"، مثلاً: استهداف نتنياهو أو منزل نتنياهو، كيف خطط لهذه العملية؟ ما كانت سياقاتها؟ ما الأهداف التي كانت مرسومة؟ هل كان يُراد اغتيال رئيس وزراء العدو بالفعل، أم فقط توجيه رسالة له من خلال وصول مسيرة المقاومة إلى غرفة نومه في منزله في قيسارية؟
الشيخ نعيم قاسم:
أحد الإخوان الذين كان لهم علاقة بالميدان، وكان عنده الخارطة ويعرف التوزيعات المتعددة، أخبر مسؤوله وقال له: «إذا كان عندكم فكرة لضرب هذا المكان، فأنا قادر أن أُعدَّ الإحداثية الدقيقة من أجل ضربه». فأخذ الإذن وضرب، وكان موفقًا هذا الأخ بأنه قدر أن يركب الإحداثية بطريقة صحيحة.
مثله كثيرون، لأن الإخوان مدرّبين ولديهم خبرات عالية، بدليل أن كل الأماكن التي استهدفوها وأرادوا إصابتها أصابوها، بحمد الله تعالى.
فكان نعم، هذه الضربة مقصودة إما لإصابته، وإما لإصابة منزله، لأنه لا يعلم الواحد في هذه اللحظة أنه كان في المنزل أو لم يكن في المنزل، ليس لهذه الحدود نحن واصلون في الموضوع، بل نفس الاستهداف كان للمنزل، ولغرفة النوم بالتحديد.
وكان هذا إنجازًا استخباريًّا إضافيًّا إلى إنجاز عملياتي أيضًا، لأنه تحققت الإصابة فيه.
عماد مرمل:
علامة فارقة أخرى في معركة "أولي البأس": قصف تل أبيب بطريقة موجعة ومؤلمة، قبل أيام قليلة من اتفاق وقف إطلاق النار، وسُمّي ذلك اليوم بـ “الأحد الأسود" إسرائيليًّا. هل رُسِم سيناريو قصف تل أبيب بهذه الطريقة انطلاقًا من قرار سياسي صدر عنكم شخصيًّا، أم أن الميدان ردّ ذاته؟
الشيخ نعيم قاسم:
لا، الحقيقة كان هناك نقاش عند الإخوة العسكر، وحتى رفعوا إلينا هذا الكلام: «الروتيني الذي نحن ماشون عليه صحيحٌ يُحقّق إيلام العدو، لكن يبدو أنه غير كافٍ، فنحن بحاجة إلى شيء يُوجع أكثر».
كنا نضرب تل أبيب بين حينٍ وآخر: صاروخ أو اثنين أو ثلاثة، وحيفا صارت هدفًا دائمًا تقريبًا. فقُدِّم اقتراح: «خلينا نعمل جولة استثنائية». يعني هذا النموذج لا يحصل كل يوم، بل يحصل في بعض الأيام. هذا النموذج لو طالت الحرب لكان يمكن أن يتكرر في أيام أخرى. في ذلك اليوم، اتُّخذ قرار: «خلينا نعمل كدة خاصة، كجزء من الإيلام الذي قد يُسرّع موضوع الاتفاق على وقف إطلاق النار». والحقيقة، كان ذلك بناءً على قرار سياسي، وليس مجرد عمل ميداني. حتى القيادة العسكرية مستوى انضباطها والتزامها عالٍ جدًّا. هذا التفريق غير موجود: الجبهة والقيادة السياسية والأمين العام وأعضاء الشورى، كل الوضع القيادي واحد، وكل هذا مترابط مع بعضه، وواحدة من التوفيقات الإلهية أننا استطعنا خلال الحرب أن نكون متلاحمين ومتفاعلين، حتى إن البعض قد يستغرب أن بعض القرارات التي تظهر – مثل القرار حول وقف إطلاق النار وتفاصيله، أخذ نقاش، ليس الأمر أن نقول: «يا جماعة، عندنا هذا، فما رأيكم؟ إيه أو لا؟» لا، ليس "إيه أو لا". قد يقول أحدهم: «ربما نضع هذه الملاحظة». ويقول آخر: «لا، لدينا تعديلات معينة». حصل نقاش حقيقي، فجئنا بالاتفاق كله كما هو، ووزّعناه على أعضاء الشورى وبعض الأشخاص حول الشورى أيضًا، فبدأت تأتي آراء: هذا يقول «اعمل هكذا»، وذاك يقول «افعل كذا» ... إلى آخره. كان هناك نقاشات قبل أن تُطرح النتائج، وهذا يدل على أن هناك منظومة قيادة وسيطرة سياسية، وكذلك عسكرية.
عماد مرمل:
لكن مع ذلك، أنصار المقاومة كانوا يفترضون بأن صواريخ حزب الله قادرة على أن تلحق بالكيان الإسرائيلي أضرارًا وخسائر أكبر من تلك التي أصابته، ربطًا بما كنتم تهددون به العدو سابقًا إذا شنّ عدوانًا واسعًا.
هل كان هناك أي خلل في حساباتكم، أم أن الضربة الأولى والكبيرة التي وجّهها الكيان الإسرائيلي إلى المقاومة في بداية مرحلة توسيع الحرب كان لها الأثر الكبير على – يعني – خلخلة الخطط التي كانت موجودة؟
الشيخ نعيم قاسم:
أنا أريد أن أكون صريحًا معك. الضربة التي حصلت في 23 أيلول، قبل شهادة سماحة السيد، شهيد الأمة بأربعة أيام، والتي بلغت ألفًا وستمائة غارة، وارتقى فيها خمسمئة وخمسون شهيدًا وشهيدة – لأن المدنيين أيضًا سقطوا – كانت ضربة مؤثرة جدًّا، ولما صارت ضربات القيادات أيضًا، لعب ذلك دورًا في إنقاص القدرة وإنقاص الجهوزية. فلما جئنا نحن، وبدأنا بمتابعة المعركة، كنا نتابعها بقدرة منخفضة عن القدرة الأولى، وكذلك بمعطيات كنا نراقب من خلالها الأثر والنتائج.
يعني كان أحدهم يقول في قلب المعركة: «طيب يا عمي، خلينا نضرب عشوائيًّا». أكيد سنُصيب مباني، ونُشعل حرائق ونولع كاريش، ونفعل ما نفعل. هل نستطيع؟ نعم، لكن كنا ننظر أنه إذا أردنا أن نتصرف بوحشية، فالعدو أوحش؟ وبالتالي سنَدفع ثمنًا باهظًا. لذلك كنا محافظين على الدقة، فاستهدفنا الأهداف العسكرية فقط. وباستهداف الأهداف العسكرية، ومراعاة ظروفنا الموجودة وتقديرنا السياسي لما يجدي وما لا يجدي، كانت هذه النتيجة التي شاهدتموها أمامكم.
هذا نتيجة تقدير وقدرة.
الآن، قد يقول البعض: «لو كانوا يضربون كل يوم تل أبيب لكان أفضل».
أولًا، يجب أن تنظر إلى قناعتنا وقتها، نضرب كل يوم تل أبيب أو لا. هذه واحدة. ثانياً كيف كنا نريد أن ندير المعركة بحيث نستطيع أن نضمن أطول فترة ممكنة من المواجهة، ولا نجد أنفسنا أمام وضع لا قدرة لنا على الاستمرار فيه. كل هذا يدخل في الحسابات.
عماد مرمل:
طيب، أيضًا من الأسئلة التي سمعتها من الناس بعد استشهاد سماحة السيد حسن نصر الله: لماذا لم يُبادل حزب الله في تلك اللحظة إلى ردٍّ قاسٍ بحجم الجريمة التي ارتكبها العدو الإسرائيلي؟ هل من اعتبارات معينة كبلت خياراتكم في ذلك الزمن؟
الشيخ نعيم قاسم:
هو نفس الجواب السابق تمامًا. نحن بعد شهادة السيد حسن الله يُقدّس روحه بيوم، ضربنا منطقة أدوميم معاليه أدوميم، التي تبعد 150 كيلومترًا عن الحدود، وهي في منطقة القدس. هذه واحدة من الردود التي حصلت.
الآن، نحن في النهاية عملنا ما نقدر عليه، بتقديرنا هذا الذي فعلناه هو الممكن.
قد يخرج أحدهم ويقول: «كان عليكم أن تفعلوا أكثر أو أقل». لكن الذي ينظر من خارج الميدان شيء والذي يدير الميدان شيء آخر، أعتقد أننا عملنا الذي يجب أن نفعله ونقدر عليه.
عماد مرمل: المعروف بحكم توزيع الأدوار والمهامات في حزب الله أنكم كنائب للأمين العام لم تكونوا محيطين بكل تفاصيل الجانب العسكري، كيف استطعتم بعد تولي الأمانة العامة معالجة هذا الأمر، وأنتم في قلب المعركة حيث المطلوب حينها اتخاذ قرارات وليس اكتساب خبرات؟
الشيخ نعيم قاسم:
الآن، في قلب المعركة، ما المطلوب من الأمين العام؟
المطلوب أن يقول: هل نقصف؟ وكم نقصف؟ وأين نوجه القصف؟ ومتى نتوقف؟ وما الكمية؟ وما هي الاستهدافات؟
ليس المطلوب من الأمين العام أن يعرف تركيب المدفع والدبابة والمدايات والصاروخ والقذيفة والطائرة.
لديّ فكرة كأمين عام: إنه صار لازم نقصف حيفا. نسأل المسؤول العسكري: «كيف نقصف حيفا لنُوصل الوجع إلى المستوى الفلاني؟»
فيقول: «هناك ثلاث وسائل: واحد، اثنان، ثلاثة».
فأقول: «برأيك أنت كمسؤول عسكري، أيها أفضل وماذا يفعل؟»
فيقول: «هذا يُصيب هنا لكنه يفعل كذا، وذلك يُصيب هناك لكنه يفعل كذا».
فنقول: «أعطينا الخيار الثاني، وتوكلنا على الله».
فإذا أنت تعتمد على الخبرات الموجودة، فهي التي تقدّم لك الاقتراحات. حتى في قلب المعركة، كان الإخوة الجهاديون العسكريون يقولون مثلاً: «نحن نقترح أن نضرب تل أبيب مرة كل ثلاثة أيام».
ويقول آخر: «لا، لازم نضربها يوميًّا».
ويقول ثالث: «لازم الآن نركّز على حيفا».
كانت تُقدَّم اقتراحات، وكنا ندرس: أي اقتراح أفضل حسب الوضع السياسي؟ لا توجد معركة بلا بعد سياسي، لأنه يجب أن تنظر أولًا: كم يمكن أن تستمر المعركة؟ هذا يلعب دورًا في كيفية الرد.
ردود فعل العدو تلعب دورًا. ما الذي تريد أن تستهدفه؟ وأين تريد أن تصل؟
وإذا تذكرت، فقد قلنا أثناء المعركة: «نحن نريد إيلام العدو». لا أخفي عليك أن بعضهم اعترض عليّ وقال: «ما هذا الإيلام؟ امسح الأخضر واليابس فيهم!»
فقلت له: «لا. إذا قلت لهم إني سأمسح الأخضر واليابس ولم أفعل، فماذا أكون قد عملت؟ أكون بلا مصداقية».
«إيلام العدو» هو هدف واقعي يمكن الوصول إليه.
وبالحقيقة، آلمنا العدو. كم بلغ مستوى إيلامنا للعدو؟ هذا يُقاس.
فهذا الموضوع مرتبط بقراءة الظروف وتقدير الموقف، وكيف يجب أن نعمل.
دعني أقول لك بوضوح: في معركة "أولي البأس"، نحن بدأنا ننتقل إلى مرحلة جديدة تختلف عن المرحلة التي كانت قبل معركة "أولي البأس"، يعني الأدوات مختلفة، هناك أشياء كثيرة تحتاج إلى تعديل بطريقة التعاطي، الجمهور عليه ان يتقبّل أشياء ما كان بالأول عايشها ولا يتقبلها.
في النهاية، عندما يتغيّر عندك الوضع هناك أشياء سوف تتغيّر، بدها تتغيّر بالإدارة، بدها تتغيّر بالتصريح، بدها تتغيّر بتقبّل الجمهور، بدها تتغيّر بالتفاعل. ما بتقدر، أنت في مرحلة كان لها ظروفها، تنقل كل التفاصيل التابعة لها للمرحلة التانية؟ لا، تختلف، نحن أصبحنا في وضع مبين أنه ما في توازن بالقوة بيننا وبين إسرائيل بشكل فاضح جداً، مع الضربات التي ضربونا إياها: مش هيني، يعني بين البيجر وبين اللاسلكي وضرب القدرة النوعية، واستشهاد أمينين عامين وقيادات... هذه كلها يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار بكيفية متابعة المعركة وكيفية الاستمرار.
عماد مرمل:
من المعروف عنكم، سماحة الشيخ، بأنكم لديكم براعة في الإدارة، إلى أي درجة استفدت من هذه الخاصية في إدارة ملفات الحرب؟
الشيخ قاسم: الإدارة واحدة. يعني، إذا كان عند الإنسان قدرة إدارية، فهذا يعني كما يستطيع أن يدير مؤسسة، أو يدير بالسياسة، يدير شؤونًا عسكرية أو شؤونًا اجتماعية، لكن تختلف التفاصيل، وتختلف الاختصاصات، وتختلف الأدوات، لكن المنظومة الإدارية لها منهجية معينة في كيفية المتابعة.
الحمد لله، أنا أشكر الله عز وجل ولا أتوقف عن الشكر على الإطلاق، بأن التجربة السابقة في الإدارة في المواقع المختلفة – سواء المواقع التربوية أو الثقافية أو الاجتماعية أو الانتخابات النيابية أو بإدارة النواب والعمل الحكومي – كلها مواقع متفاوتة ومختلفة عن بعضها البعض، وقد أكسبتنا خبرة. أكيد استفدنا منها.
فكلما تصدّى الإنسان لموقع معين، يتصدّى بكفاءة معينة يمتلكها، وينظر كيف يوظفها في الموقع الذي يشغله. فإذا كانت مناسبة، فمن المفروض أن تعطي نتيجة مناسبة. وقبل هؤلاء جميعًا توفيق الله عز وجل.
عماد مرمل:
هل بالغ حزب الله في عرض أو باستعراض فائض القوة قبل الحرب الأخيرة؟
الشيخ نعيم قاسم: فائض القوة التي كانت تعرض بالأول، أدت ثمارها؟ من سنة 2006 إلى 2023، الردع لإسرائيل كان بسبب إبراز فائض القوة. فكانت هذه الطريقة أدت خدمتها ولديها فائدتها في المرحلة التي كنا فيها. فإذا جاء أحدٌ يقول: "لماذا فعلتم ذلك؟ ولماذا لم تفعلوه؟"، فالسؤال ليس: هل فعلناه أم لم نفعله، بل: هل أدّى فائدته أم لا؟
الآن، بعد معركة "أولي البأس"، هل ينفع أن تقول: "عندي فائض قوة" أو "ليس عندي"؟
برأيي، الآن صار تكتيك مختلف، والعرض مختلف. بالعكس، الآن لا نعرض فائض القوة، ولا عندنا فائض قوة. نحن نشتغل بطريقة عادية. لدينا القوة التي لدينا، فلماذا أفيضها؟
عماد مرمل:
على كل حال، فيها رسائل.
عماد مرمل:
سماحة الشيخ، لو عاد الزمن إلى الوراء، ووجد حزب الله نفسه بين خيارين: أن يخوض حرب الإسناد دعماً لغزة ويُستشهد سماحة السيد حسن نصر الله، أو ألا يخوض هذه الحرب ويبقى سماحة السيد على قيد الحياة... ماذا كان يختار الحزب؟
الشيخ نعيم قاسم:
هذه الافتراضات لا معنى لها، لكننا إذا أردنا أن نستعرض الواقع: أنا إذا أردت أن أجلس في عقل سماحة السيد الله يقدس روحه عندما أخذ هذا القرار مع قيادة الشورى، أخذه عن قناعة أو لا؟ أخذه عن تكليف أو لا؟ لا، نحن كنا مقتنعين مئة بالمئة أنه لا يمكننا أن نفعل غير ذلك.
أنت تستطيع أن تسألني: «لو واجهتم نفس القضية اليوم، ماذا ستفعلون؟» نأخذ نفس القرار.
لماذا؟ لأنه لا يُعقل أن يكون العدو على حدودك يضرب مقاومة بطريق الإبادة، ليتفرغ بعد ذلك لبقية المنطقة، فيصبح الجميع صريعاً، لاحقاً أصبح نتنياهو يعلنه فيقول إسرائيل الكبرى وما شاكل.
فمن ناحية سياسية، ومن ناحية أدبية، ومن ناحية أخلاقية، ومن ناحية إيماننا وقناعتنا: نعم، مشاركتنا في معركة الإسناد كانت في محلها وصحيحة، ولو تكرر الأمر، لكررناه على نفس المبدأ.
أما لو افترضنا أننا كنا نعلم أنه سيُستشهد... فإن الأعمار بيد الله تعالى. ثم، من قال لك إن سماحة السيد لم يكن يتمنى الشهادة؟ وبالتالي، فإن من يعلّق عشوائياً على أمرٍ هو بيد الله تعالى، وعلى أمرٍ يتمناه القائد أن تختم حياته في الوقت الذي يقرره الله تعالى بالشهادة هذا لا لعلاقة له بالإسناد لها علاقة بانتهاء العمر.
فالربط بينهما في نوع من الاتجاه السياسي لتشويه صورة المشاركة بعملية الإسناد... كل ما حصل كان في محله، ونال سماحة السيد ما تمنّى أسمى المواقع والشهادة. وعلى كل حال، أثبت هذا الرجل العظيم أنه ترك وراءه حزباً وأمة تستطيع أن تحمل هذه التعاليم التي رسخها في حياته بقوة عظيمة، وهذا بحد ذاته إنجاز غير عادي.
كل الناس كانت تراهن، وكل الأعداء كانوا يراهنون أن ما حصل مع حزب الله يمكن أن يُبيدَه عن بكرة أبيه. تبيّن أن هذا الحزب – الذي كان قائده سماحة السيد حسن رضوان الله تعالى عليه، سيد شهداء الأمة – بيّن أنه مأصَل بطريقة ومبني بطريقة يستطيع أن يستمر إن شاء الله إلى تسليم الراية لصاحب العصر والزمان، أرواحنا لترابي مقدمة الفداء. لن يسلمها أحد إلا نحن.
عماد مرمل:
ما تفسيرك للصمود الأسطوري الذي أظهره المقاومون خلال معركة "أولي البأس"، فيما كان العدو الإسرائيلي يتوقع انهيارهم عسكرياً ونفسياً بعد استشهاد قائدهم سماحة السيد حسن نصر الله؟
كيف تحولت شهادة سماحة السيد إلى طاقة إضافية لهؤلاء المقاومين، في حين أنه العدو كان مفترضاً أن استشهاده يكون سبباً لإحباطهم وانهيارهم؟
الشيخ نعيم قاسم:
هناك تعبير كان يستعمله الإمام الخميني قدس سره "اقتلونا فإن شعبنا سيعي أكثر فأكثر»، ورددها سماحة السيد عباس الموسوي رضوان الله تعالى عليه أكثر من مرة، وكان يرددها سماحة السيد حسن رضوان الله تعالى عليه:
«بالحقيقة القتل والشهادة ولّادة للحياة».
من قال إن الشهادة تعني أن الإنسان يتقهقر إلى الوراء؟ بالعكس. فشهادة الإمام الحسين عليه السلام – التي هي استثنائية بكل المعايير، سيد شهداء الجنة وسيد شهداء العالمين من الأولين والآخرين، هو ومجموعته كلهم سبعون رجلاً استُشهدوا – ماذا حصل بعدها؟ تبيّن أنه وُلدت طاقة استثنائية.
واليوم، واحدة من عوامل البناء المركزي عندنا هو عاشوراء.
ما يحصل في عاشوراء من صناعة الأجيال وتربية الأفراد – رجالاً ونساءً، شباباً وشابات وأطفالاً – لا يمكن أن يحصل بأي طريقة أخرى.
أقول لك : انظر إلى النتيجة التي ظهرت الآن، وقد مرّ علينا عام، اليوم: البيئة، المجاهدون، الوضع القائم... كيف تنظر إليهم؟ أنا اليوم أحسن مما كنا عليه قبل معركة "أولي البأس". أي أنه يوجد تحسن في التفاعل، وفي العاطفة، وفي القوة، وفي الصلابة، وفي العزة، وفي التحدي، وفي قرار الاستمرار.
أما بالنسبة للمجاهدين الذين كانوا على الخطوط الأمامية، فبالحقيقة هم ليسوا فقط استشهاديين، بل هم استشهاديون ولائيون "واللهويين"، أي مغسولون من فوق إلى تحت بعشق رب العالمين والتفاعل معه، وحب أن يكونوا أقرب إلى رضوانه. هم باعوا جماجمهم لله تعالى. كل واحد منهم قبل أن يذهب، كان يعلم أنه لن يعود. أي أنه يعلم أنه سيُستشهد في سبيل الله تعالى. هم جماعة كانوا يقاتلون حتى آخر نفس. كان الواحد منهم يقاتل ويُجرح ويظل في مكانه، ثم يعود ليقاتل مرة ثانية وثالثة.
بعض الذين عادوا لا يصدقون أنهم عادوا، لأنه يُفترض بحسب ما فعلوه أن لا يعودوا... لكن ماذا عساهم أن يفعلوا؟ الذين أمامهم جبناء، أي أنهم لا يقتربون كثيراً، ولذلك لم يتمكنوا من اصطيادهم إلا بالقدر الذي تمكنوا منه.
فأقول إن شباب المجاهدين من المقاومين بالحقيقة أسطوريون. هل يقول لك أحد أنهم أوقفوا أمام خمسة وسبعين ألف جندي؟ كم عددهم هم؟ هم مئات. أي ليس عدداً ضخماً، بل الإرادة الموجودة عندهم، والإيمان الموجود عندهم، لا شيء يخيفهم على الإطلاق إلا الله تعالى. وقد أعطاهم الله هذه العزيمة وهذه القوة الاستثنائية. لذلك صمدوا، وصمودهم جعل العالم كله مندهشاً: كيف يصمد هؤلاء؟
بالتأكيد، شهادة سماحة السيد – الله يُقدّس روحه – أعطت زخماً إضافياً. أي أنهم استشهاديين، ولكن مع الشهادة... طيب، إذا كان قائدهم قد قدّم روحه وقدّم نفسه، فهذا أكثر دافع لأن نكون نحن على استعداد، إذا استلزم الأمر، أن نقدّم أرواحنا.
من هنا، النموذج غير عادي وأسطوري. والحقيقة، أقول لك إن العالم كله مندهش: العدو والصديق من عطاء المجاهدين.
بالحقيقة، هؤلاء يستحقون أن يُتقبّل التراب تحت نعالهم، لأن ما قدّموه سيبقى على مستوى المستقبل كله.
هم لم يرسموا معركة "أولي البأس" فقط، بل رسموا معركة البأس التي ستستمر إلى يوم القيامة إن شاء الله.
عماد مرمل:
أي انعكاسات تركها ثبات المقاومين عند الحافة الأمامية على مجريات الحرب وعلى توازنات اتفاق وقف الأعمال العدائية؟
لو افترضنا أن العدو تمكن من تجاوز الخط الأول، فأي واقع كان ممكنًا أن يفرضه على لبنان؟
الشيخ نعيم قاسم:
أنت تعيدني إلى الفرضيات؟ أنا لا أشتغل بالفرضيات ولا أجيب على الفرضيات، لأنه نضيع وقتًا. يكفيني أن أخبرك أنه بوجودهم منعوا خمسةً وسبعين ألفًا من التقدم. يعني منعوا احتمال الوصول إلى مجرى نهر الليطاني. منعوا احتمال أن تصل إسرائيل إلى العاصمة بيروت. منعوا احتمال أن تحقق إسرائيل أهدافها.
ماذا نريد أفضل من هذا؟
بالتأكيد، صمودهم لعب دورًا. يعني مثلما كانوا صامدين على الجبهة الأمامية، لا ينبغي أن ننسى أن الذين في الجبهة الخلفية – الذين يطلقون الصواريخ، ويطلقون المدافع، ويطلقون الطائرات، ويرابطون في أماكن مختلفة – يعني على كل المستويات، فالحقيقة أن الجبهة لم تكن فقط في الأمام، بل كانت في كل الأماكن. لكن هؤلاء قاموا بدور الصد في هذا الموقع. من هنا، أقول: إن هذا التكامل الذي كان موجودًا، ودورهم العظيم، كان أحد أسباب أن الإسرائيلي وصل إلى وضع لم تعد نافعة المعركة.
في المعركة، لم يأتِ الأمريكيون ليقولوا في اليوم الذي كان فيه هوكشتاين يعمل الاتفاق: «تعالَ أُقْلْكَ، أنت ماذا حققتَ؟ تقتل وتقتل وتقتل وتقتل، هؤلاء الجماعة لا يستطيع أحد أن يقدر لهم، هؤلاء سيظلون هكذا دائمًا».
طبعًا، أنا أفترض هذا السيناريو، وليس عندي معلومات عنه.
هؤلاء سيظلون دائمًا. هؤلاء، إن أردت أن تزيلهم، هم يزيلون الذي أكبر منك، ولن يتركوك. فهذا الذي جعل نتنياهو يذهب إلى فكرة الاتفاق بسبب هذا الصمود، وبسبب صمود كل المقاومة بشكل عام.
عماد مرمل:
العدو الإسرائيلي ادّعى خلال الحرب بأنه قضى على معظم قوات الرضوان. هكذا كان يقول، ما الذي يمكن أن تخبرنا به عن وضع هذه القوة؟
الشيخ نعيم قاسم:
قوة الرضوان هي جزء من قوة المقاومة، أصابها ما أصاب المقاومة: يعني بالتأكيد توجد خسائر، وتوجد تضحيات، مثلما هو الحال في المقاومة، ومثلما هو الحال في إمكاناتها، ومثلما هو الحال في كل البيئة الموجودة. لكن اليوم، ومع الاستمرارية، فهي مستمرة. هل تألمت؟ نعم. هل خسرت؟ نعم. هل ضحّت؟ نعم. لكنها بعد ذلك موجودة، مثلما المقاومة موجودة اليوم.
قال لي أحدهم: «مولانا، أنت تتحدث عن التعافي، لا تتحدث كثيرًا عنه، لأن الإسرائيلي أخذ عليكم وقالوا: ها قد شفتم؟».
فقلت له: «لماذا؟ هذا الموجود في الشارع الآن وبين الناس، هل هو متعافٍ أم غير متعافٍ؟ ماذا تقول عن التشييع المليوني؟ ما اسمه؟ هل اسمه أن يكون الواحد مريضًا قاعدًا في المستشفى؟ لا، اسمه تعافٍ.
ماذا تقول عن الكشافة الخمسة والسبعين ألفًا؟ هل هؤلاء اسمهم أن يكون الواحد ليس عنده حيل؟ هناك أناس يصنعون المستقبل في هذا الموضوع، من هنا أقول: إننا أصبنا بأضرار كثيرة، ودفعنا خسائر كثيرة، وفي تضحيات كبيرة، كلها ظاهرة. لكن مثلما التضحيات واضحة كذلك أننا نمشي على أقدامنا واضح أيضاً.
حسنًا، إذا كان هذا يكفي، مشي الحال. كنا لا نمشي على أقدامنا جيدًا، أصبحنا الآن نمشي على أقدامنا. هذا يكفي، هذا يكفي! وإلا فالأساس ليس السلاح، بل الإيمان والإرادة: هذا الإيمان وهذه الإرادة موجودان عند الطفل لدينا. بل أجتهد وأقول إنهما موجودان في الأجنة.
نحن عندنا في الإسلام أنه أثناء الحمل إذا قرأت المرأة القرآن، وأكلت التمر، وفعلت بعض الأعمال، فإن الجنين يتأثر بذلك.
فكيف إذا كانت امرأة مجاهدة تدعو الله عز وجل لنصرة المجاهدين وتدفع أولادها للذهاب؟ بالتأكيد، هذا يتعلّم في الداخل.
نحن هكذا.
الآن، يفسّر هؤلاء كما يشاؤون، يعجبهم أو لا يعجبهم، فيقول لك: «والله يظهر عليهم، يؤمنون بالغيب». يظهر أنه نفع هذا الإيمان بالغيب على كل حال فليبقَ من لا يؤمن بالغيب حتى نتميّز عنهم، وحتى يظهر الحق من الباطل.
الحمد لله، نحن كمقاومة موجودون ونؤدي واجباتنا. الأساس في استمرارية المقاومة هو الإيمان والإرادة.
أما الباقي – الذي يسمّى سلاحًا ويسمّى عددًا – فهو من المكمّلات لمن يمتلك الإيمان والإرادة.
عماد مرمل:
في خضم المعركة، بعث إليك المقاومون برسالة مؤثرة، خاطبوك فيها لأول مرة كأمين عام لحزب الله وقائد لهم في المعركة
وأنت، سماحة الشيخ، أجبتهم برسالة وجدانية أيضًا. كيف تصف هذا التفاعل الذي حصل خلال الحرب بينك وبين المجاهدين، وأي أثر تركه على نمط إدارتك وتعاملك مع هذا التحدي الذي كنت تواجهه؟
الشيخ نعيم قاسم:
لا أخفي عليك أن أول فكرة طرأت على بالي بعد شهادة السيدين الجليلين، أنني كنت حين يطلُع سماحة الأمين العام السيد حسن رضوان الله تعالى عليه ليتحدث ويقدّم الموقف، كنتُ واحدًا من الناس – مثلي مثل الجمهور – كنتُ أستأنس وأبتهج وأشعر أنه فتح لي الطريق. فقلت الآن أنا أريد أن أفعل هكذا، وكيف أفعل هكذا.
صارت الناس تريد أن تنظر منّي أن أقدّم شيئًا تحسسّها بالطريقة التي كنتُ أشعر بها كفرد كمجاهد.
بالتأكيد، كان هذا الموضوع مؤثرًا جدًّا بالنسبة لي.
حين قدّم المجاهدون تلك الرسالة، بالتأكيد قدّموها بأحاسيس مفعمة بالحب والأمل والرغبة في إيجاد هذا التواصل والتماسك، لنتمكن معًا من اجتياز هذه المرحلة. فهم يعرفون كم أن هذا يُثقلهم روحيًّا، وفي الوقت نفسه يثقل روحية الأمين العام.
دعني أقول لك شيئًا آخر: لا يظنّنّ أحد أنه حين بعث الأمين العام رسالةً للمجاهدين، هو المتفضّل لأنه يجيب على رسالة، ولأنهم كانوا ينتظرونها. لا، الأمين العام ينتظر رسالتهم كما أنهم ينتظرون رسالته، لأنه يتغذّى منها كما يتغذّون هم.
بالحقيقة رسالة المجاهدين كانت بالنسبة للأمين العام غذاءً. والجواب الذي جاء كان وفق المشاعر، وليس واحدًا جالسٌ يكتب كتابًا منظّمًا ومنقّحًا. أقص عليك قصة بسيطة، الإخوان قالوا لي: «نريد أن نصنع درعًا لنوزّعه على عوائل الشهداء». فأرسلوا لي الرسومات، لأختار واحدةً من أربع. الأخ الذي أرسلها لأنه على قدر كبير من الأدب واللطف، أرسل لي النص الذي يقترح أن يكون في قلب الدرع – على قاعدة أنه يخفف عني أيضًا.
فظهر نصٌّ جميل. فقلت له: «اسمع، أريد أن أعتذر منك. نصّك جميل وحسن، لكنني أحب أن أعبّر عن مشاعري مع الشباب، فاسمح لي أن أكتب نصّي أنا. على الرغم من أن نصّك حسن، وقد يكون أحسن من نصّي، لكن نصّ المشاعر أقوى من النصّ المرتّب».
رسالتي للإخوان كانت هي المشاعر التي كنتُ أعيشها معهم. وأحب أن أقولها لهم – وأقولها الآن لهم – أنتم أعطيتموني زخمًا ودفعًا للإمام، لأنني حين أشعر أنكم العيون والأيدي والبنادق والحماة، وترغبون أن تتواصلوا لتعرفوا هل الأمين العام ملتفت لكم أم لا، معكم أم لا، يسمعكم أم لا...أنا حين أرسلت لكم الرسالة، كنتُ أقول لكم: لستُ فقط معكم، بل أنا جزء منكم، ويشرفني أن أكون واحدًا من المقاومين في الميدان.
عماد مرمل: حين نتحدث عن معركة "أولي البأس"، لا يمكننا أن ننسى دور الناس، الذين كانوا ركيزة أساسية في هذه المعركة، كيف انعكست هذه الروحية التي ظهر فيها جمهور المقاومة خلال الحرب؟ وكيف انعكست هذه الروحية عليكم وعلى قيادتكم للمعركة؟
الشيخ نعيم قاسم:
من الواضح أن الناس هم الرقم الأول في المعركة، وليس الأمين العام ولا المقاومون هؤلاء يكونون في المرتبة الثانية. لماذا؟ لأن هذا المحيط عندما يكون مفعمًا بالإيمان والقوة والعزة والعزم، فإنه يمنحك قوةً للإمام ودفعًا للإمام. لدينا أناس لا مثيل لهم في العالم. لدينا أناس – الصغير والكبير – كلهم على نفس الدرجة من الوعي. قبل أيام شاهدنا طفلًا جريحاً عمره أربع سنوات يتحدث كلاماً يجعلك تظن أنه محصل لشهادة دكتوراه من أهم الجامعات، يتحدث عن السياسة، وعن العواطف، وعن الالتزام، وعن عزة نفسه، يتحدث عن كل شيء! من أين أخذ هؤلاء هذا؟
هذه البيئة، وهؤلاء الناس الذين لديهم هذا المستوى من التفاعل، والذين بايعوا على كل شيء، وتحمّلوا النزوح، ولديهم استعداد للتضحية...والآن ترى في بعض المقابلات التي تُجرى، وفي بعض الاجتماعات التي يجتمعون فيها: هل الذي يجري المقابلة لا يسأل الشخص سؤالًا مفاجئًا، فيجيب على الهوا؟ جميعهم، جميعهم يجيبون مثل بعضهم! كلهم متقبلون وحاضرون. أكثر من ذلك، يأتي أحدهم فيطلب: «نريد أن ننزع السلاح». فيقولون: «خذوا أرواحنا ولا تنزعوا السلاح». ونحن حاضرون أمامهم، يسبقون الناس كلها.
أعتقد أن هؤلاء الناس لا يمكننا أن نوفّيهم حقّهم. لكنني أحب أن أقول لهم: أنتم الذي تقومون به صحيح، بهذه المعنويات التي تحملونها، أنتم تجعلون المسيرة قوية، اعرفوا أنكم جميعًا جزء لا يتجزأ من انتصارات المقاومة.
المقاومة ليست فقط قتالًا على الجبهة، المقاومة حب، المقاومة عشق لله تعالى، المقاومة كلمة، المقاومة موقف، المقاومة دعم مالي، المقاومة خدمة اجتماعية، المقاومة دفاع مدني، المقاومة أمّ وأخت وبنت... كل هؤلاء مقاومة.
وبالتالي، فإن هذا الجمهور بالحقيقة الذي أعطاه كان استثنائيًّا جدًّا. قال أحد الأشخاص في مقابلة قبل يومين: «لقد صار لزامًا أن يفكّر كل الناس، خاصة أعداء المقاومة: إذا كان هناك مليون شخص في قلب لبنان لديهم استعداد لفعل ما لا يفعل حتى يحافظوا على حضورهم ووجودهم ومقاومتهم وسلاحهم، فقد صار لزامًا على الآخرين أن يعيدوا النظر ويتأملوا كيف يتعاملون مع هذا الواقع». هؤلاء لا ينضغطون، ولا يمكن أن يمررّ أحد عليهم شيئًا. أنا أشكر هذه البيئة كلها، وأشكر هؤلاء الناس، وأقول لهم: على كل حال، مقامكم كبير عند الله عز وجل.
عماد مرمل:
خصومكم يقولون لكم: «إنكم تُستَنزَفون قاعدتكم الشعبية بحربٍ تلو الأخرى. ألم يحن الوقت – كما يقولون لكم – ألم يحن الوقت لإراحة هذه البيئة وأخذها إلى الاستقرار والازدهار، بدل أخذها من حرب إلى أخرى؟».
الشيخ نعيم قاسم: الحرب ليست نحن من يصنعها، نحن من يُعتدى علينا. عند الاعتداء، إما أن تواجه، أو تستسلم. نحن نواجه، نحن لا نصنع حربًا، نحن مقاومة، نحن حالة دفاعية. حرب الإسناد كانت دفاعيةً بالكامل، من أولها إلى آخرها.
الإسناد كله لماذا كان؟ ضد عدوٍّ محتلٍّ لأرض، ضد عدوٍّ يبيد جارك ويريد أن يبيدك، ضد عدوٍّ ما زال يحتل أراضي في لبنان ويحتل فلسطين. نحن لا نصنع الحرب، نحن نواجه الحرب. لذلك، لا يُقال للذي يدافع: «لماذا تدافع؟».
قال لي أحدهم مرةً في إحدى الفترات: كان هناك رجل في الشارع، معروف أنه "أزعر" الشارع، أي أنه لا يمكن تحمّله، فجاء طفل صغير يبكي. فقال له: «لماذا تبكي؟». فقال: «ضربني فلان». فقال: «أين ضربك؟». فقال: «في هذا الشارع».
فقال: «لماذا تمرّ من هذا الشارع؟». "فبيطلع" الخطأ منه لأنه مرا في هذا الشارع، فلماذا مرّ؟ «ألا تعرف أن هناك "أزعر" فلماذا تمرّ منه؟». حقًّا! الآن، بدل أن يزال ذاك المتسلط يُقال للطفل: «لا تمرّ من هنا».
اليوم يقولون لنا: «لا تردّوا على إسرائيل». إذا لم نردّ عليها، فبدل أن يكون لها شبر أرض، سيكون لها كل الأرض.
بدل أن يكون لها سيطرة صغيرة، سيكون لها سيطرة كبيرة. بدل أن تقضي على هذه المجموعة، ستقضي على الأجيال القادمة.
نحن لا نأخذ شعبنا إلى خيارات سيئة، نحن نأخذهم إلى خيارات عظيمة. بدليل أنه لا عِزّة في المنطقة إلا ببركة المقاومة.
وهذه المقاومة هي التي خلال اثنين وأربعين سنة – من سنة 1982 – حرّرت لبنان، ولقّنت إسرائيل درسًا كبيرًا، وطردت إسرائيل من لبنان.
الآن، اختلّ ميزان القوى. مرحلة. كم ستبقى إسرائيل، كما سيبقى الاختلال في ميزان القوى، إلى متى ستبقى إسرائيل تستطيع أن تعمل ما تريد أن تعمله؟ ربما نجدها غدًا قد تفجرت من الداخل، غداً ربما نرى نتائج مختلفة. لا أحد يقول إن القصة انتهت. هذه مرحلة، لكن لا ينبغي أن تُؤخذ بمعزل عن المراحل الأخرى التي فيها عزّة واستمرار، والتي أهم من كل المراحل أن الشخص ماذا يريد؟ هل يريد حياة عزيزة أم لا؟ إذا أراد حياة عزيزة، فعليه أن يتحمّل الحلوة والمرة، وفي النهاية، كل شيء سيصبح حلوًا لأنه فيه عزّة.
- عماد مرمل:
حسنًا، لنُختِم محور العلاقة مع الناس، من المفترض أن أصداء تصلك سماحة الشيخ، فيقولون إنك لم تعد بالنسبة للناس مجرد أمين عام لحزب الله، بل أصبحت رمزًا لهم، وهم ينظرون إليك كمسؤول عنهم، الكبار والصغار دائمًا يعبرون عن حبهم وولائهم وبيعتهم لك، هل يحملك هذا الشعور الجياش بهذه العاطفة مسؤولية إضافية؟
- الشيخ نعيم قاسم:
بالتأكيد، نظرة الناس مؤثرة، وأقول لك: حين كنتُ نائب أمين عام، لم أكن أعيش هذا الشعور تجاه الناس كما الآن. الآن، أشعر أنهم في قلبي وعقلي، صرتُ أشعر أن كل واحد منهم أنا معني به، ويجب أن أنظر إلى كل الأوضاع الموجودة بعين أن هذه الجماعة التي أنا معها على مركب واحد، هم ينتظرون منّي شيئًا، وأنا يجب أن أكون عند آمالهم، وإذا كانت لديّ عوامل نقص، فعليّ أن أنظر كيف أعالجها، وإذا كانت لديّ عوامل عجز، فعليّ أن أنظر كيف أسدّها، لأنه لا يجوز أن أقول لهم "لا" بل يجب أن أقول لهم "نعم". لكن بحسب ما أستطيع، وأسعى، وأعمل دائمًا. بالتأكيد، لقد حمّلونا مسؤولية كبيرة، وأحيانًا أقول بيني وبين نفسي: «الآن أنا أدعو لنفسي بالشهادة، فيقولون لي: لا، الله يطول عمرك، فماذا يفعلون بي؟». أحيانًا يضعون عقبات في طريقي، على كل حال، ما قدّره الله عز وجل ليس بأيدينا، أقول لهم: أنا شاكر لكم جدًّا على هذه الثقة، وإن شاء الله أكون عند حملها.
أعلم أن هذا الموقع من مستلزماته أن أكون أمينًا على المسؤولية، لن أقول: «كيف تعملون؟ ولماذا تعملون؟». بل يُقال: «ما تعملونه هو نبل وأخلاق وإيمان وصدق ووفاء». إن شاء الله أكون عند حملها، وسأسعى جهدي وأستعين بالله تعالى على ذلك.
- عماد مرمل:
سماحة الشيخ، دعنا ننتقل إلى موضوع آخر، يتعلق بدور الرئيس بري في المعركة الدبلوماسية التي خيضت للوصول إلى وقف إطلاق النار.
أولاً، سماحة الشيخ، ماذا تستطيع أن تقول عن تجربة التعاون والتنسيق مع الرئيس نبيه بري في خضم العدوان؟
- الشيخ نعيم قاسم:
انظر، العلاقة مع الرئيس بري علاقة ممتازة جداً، وكانت طوال فترة العدوان قائمة على تنسيق دائم.
نحن نُطلِعه على الأجواء وما لدينا في الموضوع المقاوم، وهو يتابع ما لديه.
وكان أبرز وأهم محطة في معركة "أولي البأس" حين أُبرم الاتفاق، لأن الاتفاق كان يُقدَّم من هوكشتاين، فأرسله إلينا الرئيس بري، وحصل تبادل وجهات نظر بين الرئيس بري وبين مجلس الشورى من خلال الأمين العام.
وبالتالي، كنا في كل المحطات على رأي واحد، وعلى قواعد وحدة، وعلى فهم واحد، وهذا سهّل عملية الاتفاق بالصيغة التي ظهرت بها.
وبعد الاتفاق، حتى الآن — وقد مضى عام على معركة "أولي البأس" — التنسيق بيننا وبين الرئيس بري هو تنسيق على أعلى المستويات، بل هو محل حسد من الآخرين نأنه لماذا متفاهمين؟ الآن يخرج أحدهم ليقول: "يا أخي، لا يمكن أن يستمر التفاهم، لابد أن ينشأ بين الشيعة طرف ثالث ورابع، يا أخي، لماذا؟ هل هذه قاعدة ملزمة؟
الوحدة خيرٌ من التفرقة، تعالوا إلينا، طالما نحن متفاهمون، تعالوا إلينا، ولكم الحصة، ولكم مكان، فلا تخافوا.
فالحقيقة، العلاقة بين حزب الله وحركة أمل، علاقة بين الأمين العام والرئيس بري، ممتازة جداً.
الشيء الذي أسّسه سماحة سيد شهداء الأمة في العلاقة مع الرئيس بري، والذي كان حريصاً جداً على أن تبقى على أعلى وتيرة، أقول لكم الآن إنها على نفس المستوى، وما زلنا نتابعها، والحمد لله تعالى، وهذا يتجلى في كل المواقف وكل المحطات. فالرئيس بري يُشهد له بالتفاعل والتعاون الكامل، وبعد ذلك، نحن وإياه نتشارك وجهة نظر واحدة، ونتقاطع في الفهم، والوعي، والحرص على الطائفة، والحرص على لبنان، والحرص على المقاومة، أي أن قواعدنا واحدة، ولذلك نحن متفاهمون.
- عماد مرمل:
كيف تطور الجانب الشخصي في العلاقة بينك وبين الرئيس نبيه بري منذ اختيارك أميناً عاماً لحزب الله؟
لأنه حسب معلوماتي — إن شاء الله تكون صحيحة — يحصل أحياناً تبادل رسائل ذات طابع شخصي ووجداني بينكما.
هل هذا صحيح؟
- الشيخ نعيم قاسم:
دعني أخبرك بشيء لا يعرفه كثير من الناس، علاقتي بالرئيس بري ليست وليدة اليوم، فقد كنت في يوم من الأيام عضواً في حركة أمل، وكنت في الموقع القيادي الذي كان يُسمّى "حركة المحرومين"، بعد اختفاء الإمام الصدر — رحمه الله ورَدَّه مع الرفيقين، تولّى الرئيس الحسيني منصب الأمين العام للحركة، وكان هناك أمين عقائدي وثقافي، وأمين سياسي وأمين اجتماعي، كنا نُسمّى "الأمناء"، أنا كنتُ أمين العقائدي والثقافي، وكان هو الأمين السياسي، أي أننا كنا زملاء في قيادة الحركة لمدة سنة تقريباً قبل أن نغادرها، إذن، هناك معرفة قديمة، وتعاون سابق في هذا المجال.
الآن، بعد أن تولّيتُ المنصب، أول ما فعلته أنني حين عُيّنتُ أميناً عاماً، أرسلتُ إليه رسالة قبل أن نعلن عن تعيين الأمين العام، أخبرته فيها ليكون على علم قبل الجميع، بالطبع، أرسل تهنئة واستعداداً للتعاون، وحصلت عدة مراسلات بيننا، بعض هذه المراسلات، نعم، احتوت على مشاعر وجدانية متبادلة منّي ومنه، أريد أن أقول إن المعرفة قديمة، لكن طبعاً في هذا المنصب المعرفة جديدة، إلا أن حرصه وحرصي على أننا نحمل نفس المبادئ العامة يفرض أن نعمل معاً. عادةً، حين يكون هناك تفاعل كهذا، إن لم يكن فيه جانب عاطفي، فلا ينجح، وبصراحة، أنا أحب الأستاذ نبيه أعني لا يسوى إلا أن يعمل سياسي بمعنى أفكارك مثل أفكاري؟ هل يبقى المرء واقف جامدا؟ كلا، ألا يبدو أننا بعد الأمانة العامة تعلّمنا الحب أكثر؟
- عماد مرمل:
بالانتقال إلى الوضع الراهن، بعد مرور نحو عام على معركة "أولي البأس"، لا أدري إن كان من المناسب طرح السؤال أم لا، لأنك ذكرت لي قبل قليل أن موضوع التعافي أصبح حساسيات، لكن واجبي أن أسألك، وأنت مدعو للإجابة:
هل اكتمل تعافي المقاومة بعد عام من معركة "أولي البأس"؟
وإلى أيّ حد وصلت التحقيقات التي أجراها حزب الله حول مكامن الخلل التي سمحت للعدو الإسرائيلي بتنفيذ بعض الاختراقات الأمنية والاستخباراتية؟
- الشيخ نعيم قاسم:
انظر، بصرف النظر عن مستوى التعافي الذي حصل في حزب الله، نحن مقاومة، ونقول أمام العالم كله: لو كان لدينا أظافر، ولو كانت لدينا عصا، لظللنا مقاومة، ولن نتوقف.
توقفوا عن البحث حول كم لدينا من إمكانات، وابحثوا كم لدينا من إيمان، وكم لدينا من التزام، هذا ليس متعافيا، بل هذا بقي متعافيا، ليس أننا تعافينا الآن، بل إن هذا التعافي يزداد باستمرار، كما ترون.
من هنا، أقول: حين نقول نحن كمقاومة إننا جاهزون، فجاهزون لماذا؟ جاهزون للدفاع، وليس جاهزين لشن معركة، ليس لدينا قرار لشن معركة، ولا قرار لمبادرة بالقتال، لكن إن فُرضت علينا معركة، ولو لم يكن لدينا سوى خشبة، فلن نسمح للإسرائيلي أن يمرّ، سنقاتله حتى لو لم يبقَ منا رجلٌ أو امرأة، هذا قرار، حلّهم يفهمون، والإسرائيلي يعلم هذا جيداً.
طبعاً، نحن لسنا كذلك، لسنا فقط أظافر وعصا، بل لدينا شيء مع العصا، ليس المهم العدد والكمية، بل الإرادة هي الأساس، والقرار هو الأساس، من هنا، أقول: نحن في موقع الدفاع، ولن نتخلى عن هذا الموقع نحن في خط المقاومة، وهي جزء من دمائنا وأرواحنا وتاريخنا وشهدائنا ومستقبلنا، وهذا سيستمر مهما كانت القدرة التي نمتلكها أو التي تكون معنا، وهذا يجب أن يكون محسوباً ومعروفاً جيداً.
نحن مستمرون في التحقيقات، حين تنتهي، سنُعلن أن التحقيقات انتهت، ونقول الذي يجب أن نقوله للناس، لقد وعدتُ سابقاً، وإن شاء الله نفي بوعدنا.
- عماد مرمل:
إن المقاومة، بشكل أو بآخر، تستعيد عافيتها، ولياقَتُها البدنية كما نريد أن نصف هذا تتحسن وتتقدّم، لكن السؤال: كيف تفعل ذلك في ظل بيئة استراتيجية غير مؤاتية، بسبب انسداد الرئة السورية بعد تغيّر النظام، وإغلاق شرايين الإمداد التقليدية من إيران؟
- الشيخ نعيم قاسم:
حزب الله يُدوخ، تسد له وتسكر عليه من هنا وهناك، لكن كما قلتُ مرة في سنة 1996، حين كان أحد الصحفيين الكنديين يجري معي مقابلة عن عدوان 1996، وكنا في مركز الإعلام، قال لي: "حسناً، أنتم مغلَقٌ عليكم كل الطرق، فمن أين تحصلون على ما تحتاجونه؟" فقلتُ له: "الله يبعث"، فقال: "لا، أنا أسألك سؤالاً جدّياً"، فقلتُ: "أنا آتيك بجواب جدّي: الله يبعث".
فمن يملك إرادة ويتوكّل على الله عز وجل، لا تسد أمامه السبل، سيظل يجد طرقاً مناسبة للاستمرار، ثم إن الأساس الذي نعمل عليه الآن في مجتمعنا سواء على المستوى المدني أو الإعمار والإيواء والترميم أو النشاط الثقافي أو الصحي أو ما شابه فهل هذا جديدا بالنسبة إلينا؟ كلا، ليس جديداً. فكل تاريخنا هكذا.
نحن لسنا كبعض النواب الذين، حين تأتي النيابة، يفتحون مركزاً اجتماعياً قبل شهرين من الانتخابات، وفور تعيينه نائبا يغلقونه بعد شهرين، كأن هذه التكلفة جزء من كلفة النيابة، فيكفي هذا القدر، فنحن لسنا كذلك بعض النواب، وليس كلهم.
نحن جماعة هكذا هو إيماننا، إيماننا أن نكون مع الناس، وأن نخدم، وأن نثقّف، وأن نربّي، وأن تستمر المسيرة، إذن، ما ترونه على الأرض مرتبط بالقناعات التي لدينا وبالإمكانات، وبما توفّر لنا بحمد الله تعالى، وسنظل ندبّر أمرنا.
نعم، أننا لسنا على راحة، وليس لدينا الإمكانات التي نحتاجها، ونتمنّى أن نفعل أكثر من ذلك، هذا مؤكد، لكننا أن نتوقف، فلن نتوقف، وإن شاء الله ستنفتح الأبواب.
عماد مرمل:
سماحة الشيخ، خلال الحوار ركّزت كثيراً على البُعد العقائدي — إن صح التعبير — الذي يشكّل رافداً أساسياً لحزب الله والمقاومة.
السؤال أن بعض اللبنانيين يقول لك: "هذا بلد متنوع ومتعدد الطوائف، فلماذا يدفع الآخرون ثمن خصوصياتكم العقائدية وما تمليه عليكم من قرارات وخيارات؟"
الشيخ نعيم قاسم:
أولاً، نحن لا ندفع أحداً، ولا نُجبر أحداً، أولاً، دعنا نرى من يستشهد، ومن يُدمّر بيته، ومن يدفع الأثمان الباهظة، إن كان هو يضطر إلى إلغاء سهرة، فنحن لم يعد لدينا أحد ليذهب ويسهر، لا يمكن المقارنة بهذا الشكل، نحن ندفع 95%، وهو يدفع 5% — بل لا أقول إنه لا يدفع شيئاً.
ثانياً، ماذا نفعل نحن؟ نحن نُجبره على الخيارات؟ إسرائيل تُجبره على الخيارات، أمريكا تُجبره على الخيارات، هم يعتدون على لبنان.
لقد قمنا بأشرف وأسمى عمل يمكن أن تقوم به مقاومة في العالم، فبعد شهرين من معركة "أولي البأس"، وافقنا مع الدولة اللبنانية على اتفاق، وتولّت الدولة المسؤولية، والتزمنا عشرة أشهر بالاتفاق، ولم نُطلِق طلقة واحدة، حسناً، لماذا وافقنا على اتفاق؟ ولماذا لم نُطلِق طلقة؟ ولماذا سلّمنا الأمر للدولة اللبنانية؟
واحدة من الأسباب أننا أردنا أن نريح البلد، وألا نكون نحن سبباً أو ذريعة، حسناً، إن هذا لا يتوقف، فمن يُسبّب المشكلة إذن؟
ارجعوا وانظروا إلى إسرائيل، وإلى أمريكا التي ورائها، التي تأمركم بخلاف ذلك، وإلى أمريكا التي تُثير الفتن وتحرضكم وتقول لكم: "اذهبوا وقاتلوهم، وأوقعوا بهم مشكلة"، لذا، أقول: من يظن أننا نفعل هذا بالبلد، فهو مخطئ جداً.
لأننا ندفع ثمن هذه النتائج السلبية أكثر من غيرنا بأضعاف مضاعفة.
لذلك، نحن نقول: المقاومة في لبنان هي مقاومة وطنية، صحيح أنها في بيئة شيعية بالغالب، لكنها مقاومة لكل الطوائف، مقاومة للبنان، ألسنا مواطنين لبنانيين ندافع عن أرضنا؟ حين أدافع عن الأرض، لأنني ملاصق للعدو الإسرائيلي حضوراً ووجوداً، ألا أدافع عن الوطن كله؟
هذه الأرض غير قابلة للتجزئة، لبنان واحد، وليس اثنين، كفّوا عن قول "أنتم ونحن"، لأن البلد واحد، والمقاومة واحدة، ولماذا عاد البلد إلى انتعاشه؟ أليس بسبب طردنا لإسرائيل سنة 2000 وتحرير لبنان؟ أليس كل هذا من نتائج التحرير؟ حتى وقف لبنان على قدميه واستقراره، أليس من نتائج ذلك؟
نحن أيضاً نساهم في الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بأفضل مساهمة، أقول: ابحثوا عن سبب المشكلة، لا عن من يدافع.
- عماد مرمل:
ثمة سؤال مطروح الآن، وهو يشغل بال اللبنانيين: هل هناك حرب أو لا؟ إليك يا سماحة الشيخ:
هل العدو الإسرائيلي في صدد إعداد لعدوان واسع على لبنان، أم أن التصعيد الذي يمارسه حالياً سيبقى مضبوطاً ضمن الوتيرة الراهنة؟
- الشيخ نعيم قاسم:
انظر، وفق القراءة المباشرة والمعلومات المتوفرة، فإن الإسرائيلي يتبع هذه الوتيرة، لأن هناك قراراً أمريكياً-إسرائيلياً يقول إن هذه الوتيرة تساعد في ممارسة الضغط لتأخذ أمريكا بالسياسة ما لم تحققه بالحرب. الإسرائيليون يجربون منذ عشرة أشهر على نفس الوتيرة، ويُبْقون الضغط قائماً تحت عنوان: "ربما نحقق بهذه الطريقة ما نريده سياسياً"، لأن إسرائيل لم تحقق خلال شهرين الأهداف التي تريدها. الآن، إن عادت وشنت حرباً، هل ستحقق أهدافها؟ لن تقدر على تحقيقها اليوم.
إن أراد أحد أن يتأمل: لماذا لم تقع الحرب حتى الآن، ونحن في الشهر العاشر على نفس الوتيرة؟
لأن الحرب ليست مضمونة لتحقيق أهدافهم، ولأن هناك قدراً من الردع موجوداً — ليس قدراً يمنع الحرب، بل قدراً يمنع تحقيق الأهداف.
وأقول لكم الآن: إن فكّرت إسرائيل بشن حرب، مهما كانت كبيرة وضخمة كمعركة "أولي البأس" أو أكثر، فهي لن تحقّق شيئاً، أي أن هناك فشلاً، فلا نتيجة مضمونة أبداً. ليعرفوا من الآن — ليس لأننا الآن صرنا قادرين على فعل كذا وكذا — كلا، بل لأنهم لا يستطيعون.
من هنا، أقول: إن وصلوا إلى قناعة بأن يجربوا أنفسهم، وربما يشنّوا حرباً لتغيير المعادلة قليلاً، لأن الوضع الحالي لا يسير معهم كما يريدون، فعندها يصبح احتمال الحرب وارداً، لذا، أستطيع أن أقول الآن باختصار: احتمال الحرب موجود، لكنه غير مؤكد، ويعود ذلك إلى حساباتهم بناءً على المعطيات الموجودة في الساحة.
إن أردتُ أن أنصح بنصيحة، وإن كانوا أعداء: اذهبوا وطبّقوا الاتفاق الذي تمّ، الجميع سيجني منه ربحا، لماذا؟
ألم تُبرموا أنتم الاتفاق يا إسرائيل على قاعدة أن جنوب نهر الليطاني يجب أن يكون منزوع السلاح، وتحققوا أمن المستوطنات؟ هذا هدف لكم، نحن وافقنا مع الدولة اللبنانية لأننا نرى أن الحرب وصلت إلى حدّ لا توازن قوى فيه، وأن من الأفضل أن يرتاح البلد، إذن، هذا هدف لكم، وهذا هدف لنا، ويتحقق كلاهما عبر الاتفاق.
إن لم تطبّقوا الاتفاق واستمررتم على هذا النهج، فلن تحصلوا على نتيجة، نحن سنستمر في الاستعداد لمواجهة أي عدوان قد يحصل، ومن المؤكد أنكم لن تحققوا أهدافكم، بل ستضيعون وقتاً دون فائدة.
لذلك، أقول: ليس لدينا خيار سوى أن نبقى مستعدين لهذا الاحتمال.
- عماد مرمل:
لماذا تبدو واثقاً إلى هذه الدرجة من أن العدو الإسرائيلي لن يحقق أهدافه إن شنّ حرباً جديدة على لبنان، في حين أن التجربة الأخيرة أظهرت أنه يمتلك تفوقاً في مكان ما لدينا؟
- الشيخ نعيم قاسم:
تقول لماذا أثق؟ رأيت بعيني، ألم ترَ كيف وقف أولئك الشباب على الحدود، ومنعوهم شهرين، رغم أن عددهم خمسة وسبعون ألفاً، وأبْهَروا العالم كله؟
من يملك مثل هؤلاء الناس ومثل هذه المقاومة، ألا يخشى أن يحققوا شيئاً؟ لأنهم لم يحققوا شيء أهدافهم، ولا يزالون لم يحققوها حتى الآن.
ماذا يفعلون الآن؟ يقتلون مدنيين، ومهندسين، وأطفالاً، ونساء، ويُدمّرون بيوتاً.
أهذه هي الأهداف؟ أهذه مرجلة؟ الآن، هل هذا يحقّق أهدافاً؟ كلا، لا يحقّق أهدافاً، إنما يحاولون إثارة مشكلة بيننا وبين بيئتنا، وتفكيك العلاقة، لكنهم لن ينجحوا، ولن يصنعوا مشكلة مع بيئتنا، لأن البيئة تدرك أن هذه حالة عدوان، وأن ثباتها وصمودها هو الحل للمستقبل والأجيال.
من هنا، أقول: في معركة "أولي البأس" لم تحقّقوا أهدافكم، وأكثر من هذا الاتفاق لا يمكنكم أن تحققوا، الآن إن استمررتم بأي شيء، فلن تحقّقوا أهدافكم، لأننا حاضرون وجاهزون، والمقاومة موجودة، ولديها الدافع، وهم لن يستطيعوا أن يفعلوا أكثر من ذلك.
ولماذا لم يحقّقوا أهدافهم في غزة؟ لم يحقّقوها، بل اضطروا بعد سنتين إلى التراجع، وبالتالي، اليوم لا تنسَ النتائج على إسرائيل، العالم كله اليوم يتحدث عن إسرائيل المتوحشة، صاحبة الجرائم الإبادية ضد الفلسطينيين، التي لا تراعي الإنسانية. هذا وحده أسقط المشروع الإسرائيلي عالمياً. هذا بحد ذاته، ناهيك عما يحدث داخلياً لديهم، وأشياء كثيرة أخرى.
نعم، أنا واثق أن إسرائيل لا تستطيع تحقيق أهدافها في لبنان، هل تريد أن تكتفي بما حصل؟ كأنها تقول: "إذا نجح معي هذا القدر، وإلا فنحن جاهزون للدفاع".
نحن نقول: نحن للدفاع، لا للهجوم، يأتي أحد ويقول: اضربوهم ما زال تقولون إنكم أقوياء، نحن نقول إننا سندافع وليس أن نباشر بهذا الموضوع.
لدينا قدرة دفاع نعم لدينا هذه، عندما توقفت معركة "أولي البأس" هل كنا غير قادرين على الدفاع؟
كنا آنذاك في موقع الدفاع، لو افترضنا أننا بقينا كما كنا في اليوم الأخير، فهذه هي قدرة الدفاع.
- عماد مرمل:
في سياق الدفاع، سماحة الشيخ، يقول لكم البعض: لماذا لا يرد حزب الله على الاعتداءات الإسرائيلية شبه اليومية،
والاغتيالات والغارات والضربات والتحليق، أي كل أنواع انتهاك السيادة اللبنانية التي ترتكبها إسرائيل، ومع ذلك يتحلّى حزب الله برباطة الجأش ويضبط نفسه؟ ألا تعتبر أن الرد الآن هو دفاع مشروع؟
- الشيخ نعيم قاسم:
انظر، قبل معركة "أولي البأس"، كان الحزب والمقاومة الإسلامية يتصدّون مباشرة تحت فكرة: فإن اعتدت إسرائيل، سنردّ عليها، أي أننا كنا نتولّى موقع وموقف المدافع عن لبنان وعن المقاومة وعن الشعب وعن هذا المشروع كله.
نعم، بعد الاتفاق سلّمنا هذه الأمانة للدولة اللبنانية، لأننا لسنا وحدنا في قلب البلد، ومن الطبيعي أن يُسأل: "لماذا أنتم وحدكم تدافعون؟" فالآخرون أيضاً مسؤولون عن الدفاع، لكن هؤلاء الآخرين الذين يعتبرون أن الدفاع يجب أن يكون عبر الدولة، سرنا معكم.
الآن، أصبحت الدولة مسؤولة عن الدفاع، وبسط السيادة، والضغط الدولي، ومنع العدوان، والانتشار، أصبحوا مسؤولين عن الموضوع، منذ أن أصبحوا مسؤولين، لم يعد أحد يسألنا: "لماذا لا تردون؟"
لأنه إن رددنا الآن، سيبدو أننا انتهكنا الاتفاق، وسنمنح إسرائيل ذريعة، وبالتالي، ستقول الدولة اللبنانية: أنتم لم تتركون أكمل مشروعي.
نقول للدولة اللبنانية، مضى عشرة أشهر، ولم تقدروا على التقدّم، فلتتحرّكوا، وتمارسوا الضغط، وتصيحوا، وتأخذوا مسؤولياتكم، وهذه تجربة أمام الآخرين.
تقول لي: الظاهر عليكم أنكم صبرتم جيدا، نقول نعم، هذا يجب أن يُمنح الحزب شهادة عليه، فإن التزم الحزب بأمر، التزم به، وهذا يعني أن الاتفاق قابل للتطبيق بناءً على هذا الأداء، إن لم يتعلّم الآخرون منه درساً، فهذه مشكلتهم.
نعم هذا لا يستمر طويلاً، قد تقول الدولة اللبنانية يوماً: "تعالوا، دعونا نتفاهم كيف نرد على إسرائيل"، إن شاء الله يُلهم الله قلوبهم بالحمية، ونرى كيف نتوصل معهم إلى خطة غير الخطة الدبلوماسية التي يتحدثون عنها، لكن حتى الآن، نعتبر أن المسؤولية على الدولة.
- عماد مرمل:
هل هناك مدة صلاحية محددة للصبر الاستراتيجي؟
- الشيخ نعيم قاسم:
في هذا الموضوع، لا يتكلم أحد عن مدة بل يُنظر إلى الظروف والملابسات والمعطيات، دعونا نترك الأمر للمتابعة.
- عماد مرمل:
نعود إلى القسم الأخير من هذا النقاش مع الأمين العام لحزب الله، سماحة الشيخ نعيم قاسم.
سماحة الشيخ، كما تحدثنا قبل الفاصل، هناك منطق في لبنان يقول لك:
"مجرد احتفاظ حزب الله بسلاحه يمنح العدو الإسرائيلي ذريعة لمواصلة اعتداءاته".
السؤال موجّه لكم: لماذا لا تسحبون هذه الذريعة وتسلّمون السلاح للجيش اللبناني تحديداً، وليس للعدو الإسرائيلي؟
- الشيخ نعيم قاسم:
دعونا نسأل سؤالاً أولاً: لماذا لدى حزب الله سلاحه؟
من أجل مقاومة إسرائيل المحتلة للأرض، والتي تمثّل خطراً استراتيجياً على وجود لبنان والمنطقة بأسرها، حتى بإيماننا، نحن ندافع عن فلسطين، في الحقيقة، نحن ندافع عن فلسطين ولبنان ومصر وسوريا والعالم كله، حين نكون جزءاً من هذا الدفاع في مواجهة العدو الإسرائيلي الذي تمتد أطماعه إلى الجميع، الآن، هناك من يقول: "أنا أريد فقط الدفاع عن لبنان".
حسناً، نحن نقول: ماذا قدمتم بمواجهة إسرائيل؟
حسناً، إسرائيل بقيت من سنة 1982 إلى سنة 2000، وقبلها بأربع سنوات لم تنفذ القرار 425.
قولوا لي: خلال 22 سنة، ماذا قدّمتم أيها السياديون للبنان حتى تطردوا إسرائيل؟ كلمة لم تتكلموا مواجهة أن هذا عدو لم تقولوا، لاحقا بدأتم تقولون ذلك حين خرجت إسرائيل وغير ذلك.
حسناً، نقبل منكم الآن، لكن الآن، الوجود العسكري لحزب الله مرتبط بوجود العدو المحتل، أي أن المقاومة ردّ فعل، وليست فعلاً، يمكن لو لم يكن هناك عدوان في المنطقة ربما كان الحزب موجود ثقافياً وسياسياً وتربوياً، ولما كان معه سلاحا لأنه لم يكن هناك عدو يواجهه، إذن، هذا كان ردّ فعل وهذا الردّ مستمر لأن العدو مستمر، والاحتلال مستمر، واحتلال الأراضي مستمر، والتهديد مستمر، بل أكثر من ذلك، هناك تصريحات تتحدث عن "إسرائيل الكبرى"، أي أن هناك خطراً وجودياً الآن وفي المستقبل، لذلك، نعتبر أن امتلاك السلاح جزء لا يتجزأ من حقنا المشروع في الدفاع عن وطننا ووجودنا، لأنه لا فصل بين وجودنا ووجود وطننا، نحن مندمجون مع بعض، لأن هذه أرضنا، ونحن واللبنانيون يجب أن ندافع عن أنفسنا.
أما فكرة الذرائع: هل إسرائيل تحتاج إلى ذرائع؟ ما الذريعة في سوريا؟ حتى لم يُبقوا لهم مخزناً ولا ثكنة ولا إمكانية عسكرية، ولا أحد يقاتلهم؟ ومع ذلك ما زالوا يضربونهم ويدخلون متى شاؤوا، ويعتدون عليهم متى أرادوا، أين الذريعة؟ هناك توسع، وليس هناك ذريعة. الآن، لو أزلنا الذريعة، سيجدون ذريعة أخرى، الآن، ماذا يقولون؟ يقولون: "إنهم منذ عشرة أشهر يعتدون علينا لأن حزب الله يخرق الاتفاق". قل لي أين نخرق الاتفاق؟
قالوا أن هناك مكان قلنا للجيش اللبناني أن يذهب لمداهمته ولم يذهب، فنحن مضطرون للضرب".
ويقولون أيضا أن هناك مكان استشبهنا فيه، في آخر ما عمر الله، فلا بد من ضربه، يقولون: "هذه ذريعة".
ثم يبتدعون فكرة أخرى: "الذريعة أنهم يستعيدون قدرتهم"، حسناً، من يستطيع أن يقول متى توقفت؟ لا أحد.
قلتُ لهم مرة: "من الأفكار أنه عندما يُسحب 50% من السلاح، فنتوقف"، فقلتُ لهم: "كم هي 100%؟ سيظل العدو يطالب بالمزيد حتى يبقى عندك قطعة واحدة، ويقول: لم نصل بعد إلى ال 50%، وأحياناً لا يرى القطعة، لكنه يقول: "ربما تكون هناك قطعة"، هناك نقطة التي يجب أن نعرفها: من أين نبدأ؟ نبدأ من أن هناك عدواً، هذا العدو يطلب من لبنان شيئاً ليس له فيه حق، يقول: "أمنوه، يُؤمن بالطريقة المناسبة، فليعقد الاتفاقات التي يريدها، ولكن هو ماذا يطلب؟
يطلب صياغة نظام سياسي في لبنان ينسجم معه، ويطلب عقوبات على لبنان لتدمير فئة من الفئات، ويطلب مسح مناطق جغرافية ليتحكّم فيها، كل هذا اسمه عدوان واحتلال.
كيف أقبل به؟ إذن، أختم قائلاً: هناك عدو، لا يمكنني أن أناقش العدو بذرائعه أناقشه بعدوانه، هل له حق في الاعتداء أم لا؟
إن لم يكن له حق، فعليه أن يتوقف، أو أن نواجهه.
لمواجهة اعتدائه يجب على الجيش اللبناني أن يواجه الاعتداء، بغياب قدرة الجيش اللبناني، يجب أن تكون هناك مقاومة شعبية تواجه الاعتداء، ومع وجود الجيش والمقاومة، يجب أن يكون هناك تنسيق بينهما لمواجهة الاعتداء، لكن لا أحد يقول: "أنزع السلاح لننزع الذريعة"، هل وقفتَ العدوان حتى نتحدث عن نزع الذريعة؟ أولاً، أوقف العدوان، وبعدها حدثني بموضوع السلاح.
من هنا، أقول: كنا واضحين قلنا لهم أوقفوا العدوان ليتحقق الانسحاب، وليُنفَّذ الإعمار، وليُفرَج عن الأسرى، ونحن مستعدون لمناقشة استراتيجية دفاعية إيجابية مع الدولة اللبنانية والجيش اللبناني، للوصول إلى استراتيجية أمن وطني.
حسناً، ما علاقتهم بهذا التفصيل؟ قالوا: لا، نحن نريد أن نسألكم: هل تضعون سلاحاً أم لا؟ هل تكون هناك مقاومة أم لا؟ هل يسكن هنا أم لا؟"
هذا عدوان، مع وجود العدوان، المقاومة موجودة.
- عماد مرمل:
خصومكم يقولون: "سماحة الشيخ، المقاومة لم تعد موجودة في جنوب الليطاني، أي أنها لم تعد على تماس مباشر مع الاحتلال، وهي لا ترد على الاعتداءات حالياً، ولا تقوم بعمليات لتحرير الأراضي المحتلة في الجنوب.
وبالتالي، فإن هذه العوامل كلها تؤدي إلى انتفاء — أي — مبرر وجود المقاومة،
وتضرب فلسفة وجودها، فما داعي للسلاح، طالما أن حزب الله لم يعد يؤديها؟
- الشيخ نعيم قاسم:
يبدو أننا بحاجة إلى أن نُعيد التذكير، هناك فرق بين المجموعة المسلحة في جنوب نهر الليطاني، وبين المقاومة الوطنية التي تواجه المشروع الإسرائيلي.
يمكنهم القول إنه لا توجد مجموعة مسلحة في جنوب نهر الليطاني، صحيح، لم يعد هناك، لأن الجيش اللبناني أصبح مسؤولاً، لكن المقاومة مرتبطة بكل منظومة مواجهة العدوان، طالما أن العدوان مستمر، يجب أن تكون هناك مقاومة،
سواء وصلت إلى الحدود أم لم تصل، كانت في الداخل أم لا، وكانت تعدّ لمرحلة بعد عشر سنوات.
في النهاية، المقاومة حق مشروع، ولا علاقة له بالجغرافيا، ولا بالجنوب وشمال النهر والبقاع وجبل لبنان، ليس له علاقة.
من هنا، أقول: لم ينتفِ دور المقاومة، لأن العدوان مستمر، لو لم يكن هناك عدوان إطلاقاً، عندها يمكن أن نتحدث عن انتفاء دور المقاومة.
أما على الحدود نقدر أو لا نقدر، فالمقاومة ليست حدوداً، المقاومة قرار وإرادة، واستقلال وسيادة، ومواجهة للعدوان،
وليست حدوداً جغرافية، أو واحد يقول أنتم ليس لديكم القدرة الآن لأن تتغلبوا على إسرائيل، ليست مشكلة غدا يصبح دلينا قدرة، المقاومة والمواجهة يوم لك ويوم عليك، وتلك الأيام نداولها بين الناس ومن قال كل ذلك سيبقى؟ الشيء الأهم متى كان هناك مقاومة على وجه الأرض تقارن نفسها بإمكانية المستبد أو المعتدي أو المحتل؟ المقاومة هي فكرة ومشروع وإرادة ومواجهة حتى لو كانت من شخص واحد بقي لوحده كي يموت.
- عماد مرمل:
حسناً، هناك مقولة أخرى تقول إنكم وافقتم أصلاً على مبدأ تسليم السلاح حين وافقتم على اتفاق وقف الأعمال العدائية،
الذي ينص في أحد بنوده على أن القوى المخوّلة بحمل السلاح في لبنان تقتصر على الجيش، وقوى الأمن الداخلي، والأمن العام، وأمن الدولة، والجمارك، والشرطة البلدية. ما تعليقكم على هذا التفسير؟ وهل صحيح أنكم وافقتم على اتفاق غير متوازن أصلاً؟
- الشيخ نعيم قاسم:
يجب أن نميّز بين القرار 1701 — الذي يحتوي على كل تلك المعاني التي تتحدث عنها — وبين اتفاق وقف الأعمال العدائية، وقف إطلاق النار الذي تم في 27 تشرين الثاني.
وقف الأعمال العدائية: ينص الاتفاق على جنوب نهر الليطاني حصراً — وقد ذُكر جنوب نهر الليطاني خمس مرات — وهذا الاتفاق هو مقدمة عندما يُنفَّذ نذهب للقرار 1701.
2 إسرائيل وكيانها وعلاقتها مع الدولة اللبنانية تكون في حدود الاتفاق: أي أنهم يُنفّذون في جنوب نهر الليطاني، والدولة اللبنانية تنسحب وتُنفّذ كل الإجراءات الأخرى — من وقف العدوان إلى غير ذلك — فيُنفّذ الاتفاق ويُختَتم، عندما ينفذ، القرار 1701 فيه مسؤوليات على الدولة اللبنانية. الدولة اللبنانية هي التي تقرّر كيف تريد أن تعمل داخلياً: تتنشر سيادتها، وتُنسّق الوضع مع المقاومة، وحتى تجد كيفية حلّ مسألة السلاح ومشكلة السلاح وهذه التفاصيل التي يطرحونها، فيصبح ذلك شأناً لبنانياً داخلياً، يُناقَش داخلياً ويُعالَج داخلياً، وليس لإسرائيل علاقة به.
الآن، تتدخل إسرائيل في شأن لبناني داخلي؟ نحن يجب أن نتفق داخلياً في الدولة اللبنانية، في الوقت الذي كل المرحلة الأولى المعنية بها إسرائيل لم تنفذ منها شيئاً، ليس لها علاقة.
- عماد مرمل:
ما ردك على القائلين بأن قرار تسليم السلاح أو الإبقاء عليه هو في نهاية المطاف قرار إيراني، باعتبار أن هذا السلاح مصدره جمهورية إيران الإسلامية، وبالتالي هي التي تحدد مصيره؟
- الشيخ نعيم قاسم:
هل الإيرانيون يرسلون الحرس السوري ليحمل السلاح ويحمي المخازن؟ أم نحن الذين نحمل السلاح ونحمي المخازن؟
نحن لبنانيون، هذا قرارنا، وهذا بأيدينا، وهذا سلاحنا. يا صديقي، نحن وإيران نتقاطع في الأفكار نفسها: فنحن ضد إسرائيل، وهم ضد إسرائيل. ونحن وإيران نتقاطع في أنهم مع تحرير فلسطين، وهم يقفون مع تحرير فلسطين. لكننا في أرضنا لبنان، قاتلنا نحن، وحرّرنا نحن، واستشهدنا نحن، وسنستمر نحن، والسلاح لنا، وسيظل السلاح بأيدينا وقراره لنا.
أليس هذا يجب أن يكون معروفاً؟ أن إيران تكون سعيدة جداً لو أننا لا نسلّم سلاحنا؟ نعم، فليفرحوا، وليكونوا سعداء. تفكيرهم مثل تفكيرنا، والله يوفقهم إن شاء الله، كما أننا نكون سعداء حين ينجَحون ويضربون إسرائيل اثني عشر يوماً، ولا يسمحون لها بتحقيق أهدافها، فنحن نفرح. لكن أن يأتي أحد ويقول: "هذا حزب الله وراء الأيام الاثني عشر التي حدثت في إيران؟". الجماعة هناك هم الذين يقاتلون، فكما أنهم يربحون، نحن منهم سعداء، وضحكتنا تملأ وجوهنا أيضاً.
ونحن حين نكون مرتاحين وسعداء، تكون ضحكتهم تملأ وجوههم، صحتين على قلوبهم وصحتين على قلبنا.
- عماد مرمل:
لأختم هذا المحور: البعض ينصحكم بأن تتخلّوا عن السلاح طوعاً وبإرادتكم، وإلا فإن العدو الإسرائيلي سينزعه منكم عنوةً وبالقوة. ماذا تقول، سماحة الشيخ، أمام هذه المعادلة؟
- الشيخ نعيم قاسم:
يد العدو الإسرائيلي وما تلحّق، ونحن موجودون والحمد لله، وتعلّمنا الركض؟ فنحن إن شاء الله بالسرعة سنكون على المستوى المطلوب، وفي المواجهة المطلوبة. لقد جرّبوا في "أولي البأس"، ولم يخرجوا بشيء. إن أرادوا أن يجربوا مرة أخرى، فماذا نفعل؟ أمرنا إلى الله.
لكن قرارنا الدفاع والمقاومة حتى آخر نفس، وثقَتُنا بالله تعالى كبيرة جداً أننا منصورون، باستمرار المسيرة.
- عماد مرمل:
ألا تخشون أن يُسبّب هذا الموقف مشكلة لكم مع الداخل اللبناني — سواء الدولة أو القوى الأخرى المعارضة للسلاح؟
- الشيخ نعيم قاسم:
الآن، إذا كان هناك أناس خائفون، فهل تريد أن تقول لي: "إما أن تكون خائفاً مثلهم ليقبلوك، أم أن الأمر لن يمشي؟"
فلماذا هم خائفون إلى هذا الحد، وجالسون يختبئون ويتوارون، ما هو مطلبهم؟ أنهم يريدون أن يعيشوا يومين أو ثلاثة لا ندري أين ثم يعيشوا يومين جيدين حسب رأيه، من يمنعك؟ أليس الناس تُضرب، وأنت جالس تلهو وتخرج وتنزل؟ هل هناك من يقف في وجهك؟ يا أخي، ألا تفعل ما تريد؟ أم تريد أن تُلزمَنا أن نفعل كما تقول؟ لن نفعل كما تقول يا أخي.
نحن جماعة: لنا عزّة، ولنا كرامة، ولنا وطن، نفعل ما نراه نافعاً. أنا لن أرد على هؤلاء، أنا أردّ على الوطنيين الذين يعتبرون أن الدفاع عن الوطن أساس، والذين يعتبرون أن السيادة أساس، والذين يثبتون عملياً أنهم سياديون، ليس على من يخرج ليُعظّنا، وهو في الحقيقة فاشل، لا هنا ولا هناك. كلا، لن نقبل بهذا الأمر.
- عماد مرمل:
وسط الرفض الدولي لإعادة الإعمار قبل تسليم السلاح، وفي ظل الإمكانيات المتواضعة للدولة اللبنانية... ماذا سيفعل حزب الله بهذا الملف؟ ونحن نعرف أن البيئة الحاضنة — أو البيئة المتماهية، أو حتى صرنا نسميها "بيئة المقاومة" لأنها لم تعد تفصلها مسافة أو حدود — رغم كل مواقفها، إلا أنها تعاني أيضاً: فجزء منهم لا يستطيع الإعمار، ولا يستطيع العودة إلى بيوتهم، كيف سيعالج حزب الله هذا الملف؟
الشيخ نعيم قاسم:
انظر، حزب الله يتصدى بشكل كبير جداً لما يستطيعه، ولما لا يستطيعه يحاول أن يحقّق الاستطاعة. حين أعدنا 350 ألف أسرة إلى بيوتها — إما بالترميم أو بالإيواء: 300 ألف ترميم، و50 ألفاً من المهدم كلياً بالإيواء — فماذا تسمّي هذا؟
هذا عطاءٌ وبذل. ونحن نعتبر أنفسنا مقصّرين تجاه بيئتنا، لكننا نؤدي واجبنا في هذا الموضوع.
عملية الإعمار مسؤولية الدولة أولاً وأخيراً، لأن من يعتدي هي إسرائيل، ومن يُعتدى عليه هو لبنان، والمواطنون في لبنان. أهم مهمة للدولة أن تحمي مواطنيها، وأن ترعى شؤونهم وقضاياهم، وأن تُعَمّر لهم بيوتهم التي دُمّرت، وهي مسؤولية على الدولة، وقد أعلنوا في البيان الوزاري هذه المسؤولية، وكررها رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية. لذا، أقول إن الدولة هي المسؤولة.
تقول إن هناك ضغوطات خارجية تمنع تدفق الأموال إلى الدولة؟ أقول: صحيح. لكن الدولة يجب أن تبدأ. تقول الدولة إنها لا تملك إمكانات كافية؟ أقول: بما تملكه، فلتبدأ بالحد الأدنى. قال لهم إخواننا: "إذا وضعتوا في الموازنة 100 مليون دولار، وهذه سهل تأمينها من الموازنة، وابدأوا بها، ثم تدريجياً نرى أين نصل. نحن لا نطلب من الدولة شيئاً لا تستطيعه.
نقول: لتضع الدولة — الحكومة — جزءاً من المشروع من أجل إعادة الإعمار، ليس فقط البنى التحتية، بل من أجل إعادة الإعمار، وتفتتح صندوقاً، وتدعو إلى تبرعات من الخارج، وتمارس ضغوطاتها اللازمة. لا يصح أنكم تضغطون على الدولة بهذا الشكل، الأمريكيون وغيرهم، اتركوا الناس تسكن، أنتم تدمرون الدولة؟ هل تستقر الدولة إن لم يكن هناك إعمار؟ يا أخي، لن تستقر. والإعمار يولّد حركة اقتصادية، وحركة اجتماعية، ويسهم في بناء الدولة. على الدولة أن تبدأ بما تستطيع.
لا أريد أن أحمّلها أكثر من طاقتها، لكن لا تقل: "لأنهم لا يدعموننا، فلن نبدأ". فليبدؤوا، وهي مسؤولة.
ما الذي نستطيع فعله نحن؟ لن نقصّر، ولا نقصر. تحتاج الأمور إلى صبر حتى تكتمل القضايا، وحتى تتحرك الدولة أكثر، ونحن أيضاً إن شاء الله مستمرون بما نستطيع.
عماد مرمل:
لكن العدو أيضاً يحاول منع أي مظهر من مظاهر الترميم والبناء في الجنوب، هل المقصود هو الضغط على البيئة لتقليبها عليكم؟
الشيخ نعيم قاسم: هذا هو الهدف الأساسي؟ يقول لك: إذا أنا أمنع الناس من العودة إلى بيوتهم، وأبقيهم مشردين، أجعل هؤلاء يولّدون ردة فعل ضد حزب الله والمقاومة، وبالتالي يؤثّر ذلك على مستقبل المقاومة؟
حسناً، هل ترى النتيجة؟ هم يدمّرون أكثر، والبيئة تتماسك أكثر، وتُعلن تمسّكها بالمقاومة بشكل أكبر. هذا مسار لن تنجح به إسرائيل، فلْيخرجوا منه الآن، وبالتالي، يجب أن تتحرك الحكومة اللبنانية بشكل أكثر فعالية. ماذا تفعل "الميكانيزم"؟ ماذا يفعل رئيس "الميكانيزم"؟ رئيس "الميكانيزم" هذا "الأمريكاني" هل هو موظف من أجل أن يدمّر ويساعد إسرائيل على التدمير؟ أم يجب عليه أن يقول أين هي الخروقات فيعمل على توقيفها. بعد قليل سأقول: "يا أخي، عيدوا النظر في وجودهم، فوجودهم لا ينفع، وجودهم من أجل إسرائيل. فهم يزوّدون إسرائيل بالمعلومات، ويحاولون الترويج لها، ويدافعون عنها.
حسناً، كل الخروقات تصدر من إسرائيل، ولا نرى أنهم يوقفون خرقاً واحداً. فلتقل "الميكانيزم": "ما هي الخروقات التي أوقفوها؟ لا شيء، إنهم جالسون يعملون ضدنا وضد بيئتنا وعلى الشبهة، والاعتداءات مستمرة ".
أقول إن دور الحكومة اللبنانية هي التي يجب أن تعمر البلد.
عماد مرمل:
ماذا عن ملف الأسرى في سجون العدو الإسرائيلي؟ ماذا يفعل حزب الله من أجل استعادتهم؟
وهنا سؤال يخطر على بال البعض: لماذا لم تطالب حركة حماس بالإفراج عن الأسرى اللبنانيين في سياق صفقة التفاوض والتبادل مع العدو الإسرائيلي، خصوصاً أن حزب الله كان سباِقاً في إسناد غزة؟
الشيخ نعيم قاسم:
وضع حماس في غزة لا يسمح بأن تنجز أكثر مما أنجزت؟ وأنت تعلم أن هناك حتى قيادات فلسطينية لم يستطيعوا إطلاقها.
قالوا لنا يوماً إنهم سيحاولون إخراج الأسرى من عندكم كجزء من الصفقة، لكنني أعتقد أن الأمر لم يُيسَّر لهم، وكان الإسرائيلي متشدداً، أما بالنسبة للأسرى لدينا، فالمسؤولية الأولى على الحكومة اللبنانية، لأنها ترعى الاتفاق، وهي الملتزمة به، وهي التي يجب أن تتابعه. لا تبدو هناك طرق أخرى غير الضغط من الحكومة اللبنانية والرعاة. يجب أن يستمر هذا الأمر، يجب أن نرفع الصوت أكثر، يجب أن نتحرك أكثر، وبالتالي، هذا جزء من مواجهة العدوان التي يجب أن تتصدى لها الحكومة اللبنانية.
عماد مرمل:
بالانتقال، سماحة الشيخ، إلى العلاقات مع القوى السياسية والرؤساء، لنبدأ بالعلاقة الأكثر التباساً وتوتراً، وهي مع رئيس الحكومة، هل يمكن الوصول إلى نوع من رَبط نزاع بين حزب الله ورئيس الحكومة نواف سلام من الآن حتى موعد الانتخابات النيابية على الأقل، أم تجد صعوبة في تنظيم الخلاف معه؟
الشيخ نعيم قاسم:
انظر، أول ما بدأنا، رئيس الحكومة لم نسمّه، لكننا أعطينا الحكومة الثقة. أي أننا مدّيناً أيدينا، ونحن حاضرون للتعاون.
هناك خلاف في الرأي في بعض الأمور، ويمكن احتماله، وليس مشكلة. لكن حين يكون الخلاف جوهرياً، وبالتالي يريد رئيس الحكومة أن يتصدى لأشياء قد تسبب مشكلة في البلد — مثل جلسة "5 آب" — نحن مضطرون أن نقول إن هذا خطأ، ولا نقبله، وإلا، بعد ذلك، وبعد قضية "الصخرة"، في الأيام الأخيرة، هناك بعض التصريحات لرئيس الحكومة تُظهر رسائل إيجابية.
أقول لرئيس الحكومة: نحن أيضاً إيجابيون، ونريد التعاون معك، ونريد نجاح البلد، ولا نريد أن نختلف معك، لكن هذه القضايا الكبيرة التي فيها مشكل استراتيجي أو قد تسبب أزمة في قلب البلد، فدعها جانباً، وإذا أردت، فنحن معك لمناقشتها في جلسات مغلقة، ونصل إلى قواسم مشتركة، لأننا نرغب أن يكون البلد موحداً، ونرغب أن تنجح الحكومة. لذا، أقول لك الآن وبكل وضوح: بيننا وبين رئيس الحكومة لا توجد مشكلة، ونحن حاضرون للتعاون وإيجابيون، إذا اقترب هو خطوة فنحن نقترب عشرة أضعاف، وبالتالي، لا نطلب أن يبادر هو أو نحن نبادر. بطريقة طبيعية، إن شاء الله الأيام ستثبت أننا سنلتقي ونتفاهم ونتحدث، والله يلعن الشيطان، ودعونا نزيل الأمور التي قطعت، فقد أصبحت وراءنا، وبالتالي، لا موقف شخصي، الأمور مرتبطة بالمواقف التي لها علاقة بالبلد واتجاه البلد.
عماد مرمل:
الآن، لا أريد أن أفسد هذه الأجواء الإيجابية بينكما، وهو صحيح، كما تقول، سماحة الشيخ، أن التصريحات الأخيرة أعطت إشارات إيجابية، خصوصاً حين قال إنه يقدّر تضحيات حزب الله التي ساهمت في تحرير الجنوب، لكن في مكان آخر قال إنه يجب على حزب الله أيضاً أن يتحوّل إلى حزب سياسي، وأن يتخلى عن جناحه العسكري.
الشيخ نعيم قاسم:
أنا لا ألومه على هذا الكلام، فليقل رأيه لا توجد مشكلة، لكن ليس هو من يحوّلنا! هناك فرقاً بين أن يقول أحد: "رأيي كذا، أنت حر في رأيك"، وبين أن يقول: "أريد أن أجبرك حتى تفعل"، يا أخي، طول بالك علينا شوي". لذا، أقول إن لا أحد يمنع أحداً من إبداء رأيه، لكننا لا نريد أن نتصادم.
عماد مرمل:
كيف تصف العلاقة مع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في هذه المرحلة؟ وإلى أي درجة تشعرون بأنه أصبح أكثر واقعية وبراغماتية — إن جاز التعبير — في مقاربة ملف السلاح؟
الشيخ نعيم قاسم:
الرئيس جوزاف عون منذ البداية، كان لديه نَفَس إيجابي في معالجة الأمور بالتفاهم، وقد عبر عن ذلك في محطات مختلفة.
الآن، حدث ما قبل "5 آب"، وجلسة "5 آب"، وما بعدها لم يُعكّر الجو، لكننا نعتبر أن تنسيقنا مع الرئيس تنسيق أساسي وضروري ومستمر. والآن، التواصل موجود من خلال بعض المراسيل بيننا وبينه. إن شاء الله بهذه الطريقة نحقق إنجازات للبنان. لكن لبنان لا يستطيع أن ينجز دون توافق. فلنعرف الحل: لا أحد يستطيع أن يصل إلى نتيجة بالتصادم. هؤلاء البعض الذين يدعون إلى التصادم، فهؤلاء أصلا يبحثون عن دور، بل يعتبرون دورهم في التصادم حتى تقتل الناس بعضها بعضاً، فيبقوا هم. مساكين هؤلاء، لا يعرفون أن نفسنا طويل، ولن يجرّونا إلى التصادم، وبالتالي، سيُكشف أمرهم يوماً بعد يوم. وإن كنتم الآن ترون أنفسكم تنفشون ريشكم قليلاً، فهذه لا تدوم. حسنوا أفعالكم نحن مدّيناً أيدينا للجميع، وقلنا: "يا أخي، حتى الذين نختلف معهم، نحن حاضرون، لكن لا تعادوِنا، ولا تدخل كعدو". ما العدو؟ العدو هو من يتخذ إجراءات أو يدعو إلى إجراءات تضربنا، ما الذي تريد أن أفعله بهؤلاء؟ لذا، أقول: رئيس الجمهورية بعيد تماماً عن هذا الجو، بل هو مستهدف منهم لهؤلاء الجماعات، إن شاء الله بمزيد من التعاون، سيكون كل هذا لمصلحة لبنان.
عماد مرمل: ما توصيفك، يا سماحة الشيخ، للعلاقة مع الجيش اللبناني؟ وكيف تتعاملون مع خطته لحصر السلاح؟
الشيخ نعيم قاسم:
الجيش اللبناني جيش وطني، عقيدته وطنية، وأداؤه طوال الفترة الماضية كان جيداً، وأداؤه الآن أيضاً جيد، لذا، نحن نعتبر أن الجيش الوطني نجح في أن يكون محل إجماع اللبنانيين، هذا يجب أن نحافظ عليه، ويجب أن يستمر على هذا المسار.
في متابعة خطة السلاح، يعمل بطريقة متوازنة، أنا أدعو إلى الاستمرار في أخذ بعين الاعتبار ألا يكون هناك أي تفكير في التصادم مع البيئة في مقابل أي ضغط. والآن، يُحمّلونه هذا الضغط، لأنه لدينا لبنان قبل كل شيء، واستمرارنا نحن وإياهم كوطن واحد أهم من كل شيء.
إن شاء الله سيكون المستقبل لمصلحة قوة الجيش اللبناني أكثر، وإن شاء الله سيتسلّح أكثر، وإن شاء الله سيكون لديه قدرات أكثر، ونحن دائماً مع شعار: جيش، شعب، مقاومة.
عماد مرمل: هل لا تزال هذه المعادلة سارية المفعول؟
الشيخ نعيم قاسم:
سارية، لأنه حين تتحدث عن وطن، يجب أن يكون له دفاع عنه، كل الأيدي يجب أن تكون موجودة، لا يصح أن نترك الجيش وحده، إلا إذا كان قادراً، وهو ليس قادراً، فنحن كمقاومة يجب أن نكون معه، ونحن كشعب يجب أن نكون معه.
عماد مرمل:
إلى أي درجة يمكن أن نقول إن قوة المقاومة فقدت غطاءها الرسمي نتيجة التحوّل في موقف السلطة بعد قرارات "خمسة وسبعة آب " الشهيرة؟ طالما كنتم، سماحة الشيخ، تتمتعون بغطاء أعطاكم شرعية مستمدة من الدولة اللبنانية التي كانت متوافقة معكم في العهود السابقة، الآن هناك تحوّل في موقف هذه الدولة، هل تشعر أن هذا أضعف الغطاء الذي كان يحتمي به حزب الله داخلياً؟
الشيخ نعيم قاسم:
انظر، المقاومة في الفترة السابقة عملت على أن يكون لديها عدة أغطية:
لديها الغطاء الشعبي، ولديها غطاء التعاون مع جميع المقاومين، ولديها غطاء الوحدة الوطنية، ولديها غطاء قوى سياسية إضافية، ولديها غطاء البيان الحكومي. أي أن لديها عدة أغطية، لأنه كلما كنت حاضراً في الساحة، وكلما استطعت أن تجمع حولك، كان ذلك يعطيك قوة أكثر. نعم، في موقف السلطة السياسية فقدنا شيئاً، بالتأكيد فقدنا شيئاً، لكن هذا ليس كل شيء، وبالتالي، الحمد لله الأغطية الأخرى موجودة، وحتى هذا الغطاء — تبع السلطة — كيف أقول لك: اتمزّق، لكننا نرى كيف نخيط.
عماد مرمل:
الآن، أسألك عن تحضير الانتخابات النيابية، لأنه هناك من يعتبر أن الاستحقاق الانتخابي المقبل هو امتداد للحرب بوسائل سياسية، وأنه ستكون صناديق اقتتال — أي مرادف لصندوق الذخيرة، إن جاز التعبير.
بداية، هل يريد حزب الله حقاً إجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري، أم يعتبر أن الظروف الراهنة غير مؤاتية له، وربما يفضّل تأجيلها؟
الشيخ نعيم قاسم:
نحن مع إجراء الانتخابات في موعدها، لعدة اعتبارات:
الاعتبار الأول: هذا هو الانتظام العام.
الاعتبار الثاني: حتى نثبت أننا في الانتخابات، كما كنا قبلها، الحمد لله لدينا تمثيل واسع ومؤثر في قلب المجلس النيابي.
الاعتبار الثالث: ربما تتغير بعض المعادلات في داخل المجلس النيابي، ويكون الوضع أفضل مما نحن فيه.
فإذا بين الالتزام بالضوابط والقانون، ومع إمكانية إدخال تحسينات، نحن نعتبر أن إجراء الانتخابات في موعدها أريح للرأس وأفضل. لا التأجيل يومين ينفع، ولا الصيفية تنفع، ولا شيء آخر، إلا إذا كان لأحد أهداف. نحن ليس لدينا أهداف.
نرى أن إجراء الانتخابات في موعدها هو في محله. يوجد قانون نافذ، فنفّذوا القانون. ليس كل واحد يأتي ليصنع قانوناً على مقاسه. لذا، نحن مع القانون الساري، فليذهبوا وينفّذوه.
عماد مرمل: لماذا لديكم هذه الحساسية تجاه منح المغتربين حق التصويت للنواب الـ 128؟
الشيخ نعيم قاسم:
أولاً، نحن مع القانون. القانون يعطي حقاً للمغتربين، ويقول إن لهم ستة مقاعد خارج الدوائر.
حسناً، السؤال: لماذا حين اتفقنا في 2017، وضعت جميع القوى المغتربين في الخارج ضمن المقاعد الستة؟
لماذا؟ لأننا كنا نرى أنه لا ينبغي أن يؤثر من هم في الخارج على كل الانتخابات داخل البلاد، ونحن لا نملك القدرة على الحركة خارجاً.
دعني أكشف لك سراً: وافقنا في 2022 على أن ينتخب من هم خارجاً، لأن بعض حلفائنا كانوا مصرين على هذا الموقف، فمشينا مع حلفائنا. الآن غيروا. الآن أدركوا أن من هم في الخارج لا نستطيع نحن ضبط الإيقاع، لأننا لا نملك القدرة على الحركة خارجاً، والدول كلها تراقب الشباب والنساء، وبالتالي، لا نستطيع نحن أن نتحرك خارجاً. لذا، نحن لا نقول: لا ينتخب المغتربون. لماذا؟ منذ تأسيس لبنان حتى الآن، كان المغتربون يأتون ويصوّتون؟
عماد مرمل: ما المعيار الذي سيكون ناظماً لتحالفاتكم الانتخابية؟ وإلى أي حد أزعجكم أن ينفضّ بعض الحلفاء عنكم؟
الشيخ نعيم قاسم: الآن، في معايير الانتخابات النيابية، عادةً ما تكون المصلحة الانتخابية هي الحاكمة. وبالتالي، أحياناً ترى في الانتخابات النيابية أشخاصاً لا يتفقون سياسياً، لكنهم يتفقون انتخابياً. على كل حال، معاييرنا الآن: حيثما تكون هناك مصلحة انتخابية ومصلحة سياسية، نعقد تحالفاً. أي أن ليس لدينا قاعدة مطلقة بأن نتحالف مع فلان ولا نتحالف مع فلان. نتحرك حسب التفصيل الميداني.
عماد مرمل: على المستوى السياسي، لاحظتم أن بعض الحلفاء ابتعدوا عنكم في الفترة السابقة، هل أزعجكم ذلك؟
الشيخ نعيم قاسم: في النهاية، قد تقول إن هذه خسارة، فقدت حليفاً. نعم، لقد خسرنا، لكن ماذا نفعل؟ نحن نفعل ما علينا، وعلى الله التوكّل. أنا مسؤول عن نفسي، لست مسؤولاً عن الآخرين. يذهب حليف، ويأتي حليف مكانه. الله بيبعت.
عماد مرمل: ستتحالفون مع التيار الوطني الحر في الانتخابات حسب الظروف؟
الشيخ نعيم قاسم: ليس كقاعدة عامة، أي أن لا شيء يمنع، حسب مصلحتهم ومصلحتنا.
عماد مرمل: سمعت بعض الأخبار أو الهمسات بأن النائب الحاج محمد رعد قد لا يكون رئيس كتلة الوفاء للمقاومة في المرحلة المقبلة، وبمعنى آخر أنه قد لا يترشح للانتخابات حتى يتفرغ لمسؤوليات أخرى في حزب الله، هل هذا صحيح؟
الشيخ نعيم قاسم: لم نتخذ بعد قراراً من سيترشح ومن لن يترشح.
عماد مرمل: في خطابك الأخير انتقدت حاكم مصرف لبنان ووزير العدل بسبب الإجراءات التي اتخذاها بحق المواطنين اللبنانيين المدرجين على لائحة العقوبات الأمريكية، أو حتى القريبين من حزب الله، أي أن يكفي أن تكون قريباً من الحزب حتى يتم التضييق عليك، حسب التدابير التي اتخذها البنك المركزي ووزير العدل، سؤالي لك: هل توحي هذه الإجراءات بأن نفوذ حزب الله في الدولة اللبنانية قد تراجع، وأن الكلمة الآن باتت للوصاية الأمريكية؟
الشيخ نعيم قاسم: نحن لا نقارب المسألة من زاوية أن نفوذ حزب الله موجود أو غير موجود. هناك قوانين لبنانية.
هذه القوانين تمنح المواطن حقاً في أن تكون حقوقه المدنية محمية: أي أن يستطيع أن يحصل على بطاقة هوية، وأن يبيع ويشتري، وأن ينقل ملكية، وأن يودع أمواله في بنك، إلى آخره.
هذه حقوق مدنية، يُفترض أن تكون مشتركة بين جميع اللبنانيين. أي مسؤول في الدولة — سواء كان وزيراً أو حاكم مصرف لبنان أو في أي موقع — عليه أن يعامل جميع المواطنين اللبنانيين بالمساواة بالطريقة التي يعمل بها. حين يصدر قرار من حاكم مصرف لبنان أو من وزير العدل أو تعميم يقول: "لأن الأمريكيين وضعوه على القوائم"، فقل لي: ما شأنك أنت بهذا؟ وضعوه على القوائم، فليفعل الأمريكيون في بلادهم ما يريدون. حتى أنت، قل للأمريكي: "أنا لا أستطيع، أنا مسؤول عن هذا المواطن في بلدي، وأريد أن أعطيه حقوقه، لا أقبل، ألا أعطيه حقوقه". ثم، إذا لاحظت، لسنا وحدنا من اعترضنا، التيار الوطني الحر اعترض، قانونيون اعترضوا، لأن هناك مشكلة أخرى: كاتب العدل لديه مهام محددة، وحين تحمله مسؤولية تتبع الأموال وغيرها، فأنت تحمله مهاماً لا تخصه، أنت تربكه، وتحمله تبعات القانون لا يقبل بذلك. إذن، هناك مخالفة قانونية حقيقية. نحن نناقش الموضوع ليس من زاوية أنه يمسّنا فقط، بل من زاوية أنك لا يحق لك قانونياً أن تستخدم موقعك وتتصرف بهذه الطريقة. يجب أن يُوضع حد لهذا الموضوع، لأن أي مواطن لبناني له الحق أن يتصرف في لبنان مثل سائر المواطنين، ولا يكون وكأنه يعمل كضابطة عدلية عند الأمريكيين.
عماد مرمل: ما مصير الدعوة التي وجهتها للسعودية من أجل فتح صفحة جديدة في العلاقة معها؟ هل كان هناك صدى إيجابي لهذه الدعوة في الرياض، حسب معلوماتك؟
الشيخ نعيم قاسم: لم نتلقَّ أي تغذية راجعة، أي ألا أحد تحدث معنا حول هذه الدعوة الإيجابية تجاه السعودية، وبالتالي إن جاء، فلا بد أن يظهر، لكن ما علينا نحن أن نفعله فعلناه، ونعتبر أن أي شخص يرى أن هناك مشكلة أو تعقيداً له علاقة بحزب الله، فقد قلنا له علناً — وليس سراً — إن حزب الله منفتح على الجميع، ويمد يده للجميع. وحتى إن كانت هناك مشاكل سابقة هنا أو هناك أو مع دولة معينة، باستثناء أمريكا وإسرائيل، فلتغير أميركا سلوكها، عندما تفتح أميركا العلاقة هل تظن أنها تفتحها لتتعاون، تفتحها لتضرب الآخر كفاً أو لتقول له أسلم تسلم.
عماد مرمل: حركة حماس فاوضت الأمريكان؟
الشيخ قاسم: لديهم ظروفهم، ثم أنهم فاوضوا بمقدار ما يرونه مناسباً، نحن في ظروفنا لا نجد فائدة من فتح العلاقة، وبالتالي، لماذا نجلس معهم؟ حتى يُعطونا مواعظ، أو ليزيدوا الضغط علينا أكثر؟ لا فائدة.
عماد مرمل: هل تُغضبك تصريحات وسلوكيات الموفدين الأمريكيين إلى لبنان، وخصوصاً توم براك؟
الشيخ نعيم قاسم: في الحقيقة، أنا لم أتوقع منه غير هكذا. بالعكس، هذا أفضل من جاء إلى لبنان، لأنه دبش وصريح، والحمد لله بلا غطاء. لكن أريد هذه الألسن التي بلعت أن تخرج لتُجيب، أليس هذا خرقاً للسيادة؟ وضعنا مع الشام، وهدّدنا بإسرائيل، وقال: "ما في إعمار"، وشتم الجميع، وأصدر أوامره للجيش اللبناني أن يصطدم بالمقاومة؟ كل هذا ألا يسمى تدخلاً؟ والحمد لله، كل هذه المشاهد تُظهر تصنيفات الناس والقوى السياسية، وتكشف من مع السيادة ومن ليس مع السيادة.
عماد مرمل: وصلنا إلى ختام الحلقة، سماحة الشيخ، بضع أسئلة أخيرة، وعودة إلى بداية الحلقة، ما الذي تغيّر في نمط حياتك كأمين عام لحزب الله؟
الشيخ نعيم قاسم: كانت لدي حياة اجتماعية، وقد ذهبت. أي أننا الآن في مكان، والعائلة في مكان آخر. كان لدي نظام عمل يومي يسير على الدقيقة والساعة، لم يعد هذا النظام على هذا الشكل، بل أصبح له ترتيبات وطريقة أخرى. كانت لدي مهام نقوم بها، وكان لدي فسحة من الوقت، الآن لم يعد لدي فسحة، لأن المهام أصبحت أكبر وأوسع.
لكن إن سألتني: "هل أنت مرتاح فيما أنت فيه؟" فأقول: أنا مرتاح، لأنني أؤدي تكليفي، وبالتالي، نحن أبناء مسيرة: مسيرة الإسلام، مسيرة حزب الله، مسيرة المقاومة. ابن المسيرة عادة لا يتحدث عن تعب أو راحة، بل يتحدث عن حُسن أداء التكليف أو التقصير فيه. إن شاء الله نكون نؤدي الأداء المطلوب. بالتأكيد تغيّرت أشياء في حياتي، وأتعلّم أشياء جديدة، كل يوم أنا أتعلّم: المجاهدون يعلمونني، والناس يعلمونني. قلت لهم مرة — والذين ظنّوها تكريماً لهم، كنت أُلقي محاضرة، فقلت لهم: "هل تصدقون أنني حين أُلقي المحاضرة، أتعلّم منها شيئاً أضيفه، حتى قبل أن أتحدث معكم؟"
لأن وجود الجو، ووجود المتلقي، ووجود التفاعل، وولادة فكرة بسببهم، وحتى بطريقة عرضها أحياناً، يتعلم الإنسان أشياء.
أنا اليوم كثيراً ما أستفيد من الناس، ومن المجاهدين، وطبعاً من إخواني، لأننا قيادة جماعية، أي قيادة الشورى والقيادات الموجودة. الحمد لله، نقول إن هناك نمطاً جديداً، لكن هذا جزء من المسيرة.
عماد مرمل: أحد المقرّبين منك، سماحة الشيخ، قال لي إنه قبل تولي الأمانة العامة، كنت تعدّ إلى ثلاثة حتى تنام حين تضع رأسك على الوسادة، الآن، بعد تولي الأمانة العامة، هل تعدّ إلى العشرة؟ أأصبح الفرق بهذا القدر؟ أنت تنام مطمئناً؟
الشيخ نعيم قاسم: الآن، ربما يكون هذا مرتبطاً بالتنظيم، أحد الأمور التي أشعر أنها تساعدني على ألا أقلق — وقد تكون مرتبطة بجسدي — فكل إنسان قد يكون على شاكلة مختلفة، فلا يقول أحد إنه فريد. لا أترك شيئاً يشغّل بالي. مثلاً: لدي متابعات معينة، فأدوّنها. تخطر لي فكرة، فأكتبها. ما يفعله الناس عادةً حين يقولون: "ذكّرني أن أشرب الدواء"، أو "تذكّرني"، فأنا أكتب ورقة أو أضبط المنبّه على وقت معين ليذكّرني بالدواء. أي أن هناك تقنيات معينة تساعد الإنسان على ألا يظلّ ذهنه مشغولاً أكثر من اللازم. فالحمد لله تعالى نؤدّي الوظيفة المطلوبة. ومن المؤكد أن هناك أيامًا كانت تتطلّب وقتاً حتى يستطيع الإنسان أن ينام. لكن بشكل عام، نسير بنظام، إن شاء الله يتوافق مع القدرة: قدرة الجسد، ولأن هذا الجسد إذا استراح في مكان، أعطى في مكان آخر، فهذا جزء من الموضوع.
عماد مرمل: كيف تتعامل مع خطر الاستهداف الإسرائيلي لك؟
الشيخ نعيم قاسم: أنا لا أشعر بالخطر، لأنني أؤدّي ما عليّ، والله يتولّى الأمر. أي خطر؟ هل أندب حظّي؟ لا، الأمر عادي، طالما نقوم بالإجراءات اللازمة، فالوضع عادي.
عماد مرمل: بعد الحرب الأخيرة — وهذا سؤال ما قبل الأخير، حتى نتأكد أننا وصلنا إلى الأخير — بعد الحرب الأخيرة، سمعنا مقولات من قبيل: "إن حزب الله انتهى، أو ضعف، أو هُزم، أو تراجع". الأمين العام للحزب، سماحة الشيخ نعيم قاسم، كيف يرى مستقبل الحزب اليوم؟
الشيخ نعيم قاسم:
أول نقطة أحب أن أركّز وأُنَبّه عليها، هناك زرع له علاقة بسماحة السيد حسن — قدّس الله روحه — فلا ينبغي أن ننساه. وهناك زرع له العلاقة بالقادة المجاهدين كل هذه الفترة، أيضاً لا ينبغي أن ننساه. هذه مسيرة. الذين زرعوا، ورأينا ثمارهم في "أولي البأس". وبعد "أولي البأس"، تبيّن أنه رغم هذا الضغط الاستثنائي — أربعة آلاف بايجر ولا سلكي، وقيادات من الصف الأول، وأمينان عامان، وضرب قدرة بـ 1600 غارة دفعة واحدة في يوم واحد — فإن هذا يزلزل جبال، ولا يزيل أحزاباً فحسب، بل يزيل دولاً، ومع ذلك استمرّ الحزب. أنا موجود في هذا الحزب الذي أرى فيه تألقاً أكثر ونمواً أكثر، وعلى فكرة، هناك أمر لم نمرّ عليه: تحدّثنا عن العائلات، لكنني هنا أريد أن أركّز على المرأة، وعلى الصبية، وعلى البنت، وعلى الأم. هؤلاء هم مصانع العزّ، وهم الذين يبنون، وهؤلاء هم الاستشهاديات، لأن ما يفعلونه ليس عادياً، ولا طبيعياً أبداً.
أرى أن مسيرة كهذه، مع هذه الضغوطات، ومع هذه النتائج، لا يمكن أن تكون إلا مستمرة، بل وتزداد استمراراً وتحسّناً.
وحتى الآن، ما زالوا يحسدوننا على استمرارنا، وما زالت هذه المذيعة البارحة تقول: "لماذا هؤلاء يستمرون في التحسّن أكثر فأكثر؟" وإن شاء الله أكثر فأكثر.
نحن جماعة الانتظار للإمام المهدي، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، هل يستطيع أحد أن ينتزعه من رؤوسنا؟ هل يستطيع أحد أن ينتزعه من قوّتنا وقدرتنا؟ لدينا إمام، ولدينا الله، ولدينا مجاهدين، ولدينا دماء شهداء، ولدينا هؤلاء الأخوات والأمهات، ولدينا هؤلاء الشباب والرجال وهذا العطاء، إن شاء الله مستمرّة، وإلى الأمام.
عماد مرمل: هذا في حقّ حزب الله. أما اللبنانيون عموماً، فماذا تقول لهم؟ ما هي رسالتك لهم، خصوصاً وأنهم يعيشون قلقاً... أقصد من المستقبل؟
الشيخ نعيم قاسم: أقول للبنانيين: إذا اتفقنا فيما بيننا — حتى القوى السياسية المختلفة — وحيّدنا المشاكل التي نختلف عليها، مثل السلاح أو غيره، جانباً، وعملنا معاً على بناء الاقتصاد، والإدارة، ومواجهة الفساد، وتعاونّا — حتى لو اختلفنا في التفاصيل — على قاعدة أن نعمر بلدنا، ونتوقّف عن كل ما يخدم إسرائيل وينفعها، فليتوقف البعض عن إعطاء تصريحات تفيد إسرائيل وتنفع إسرائيل، اجعلوهم ييأسون منا، إذا كنّا نحن موحّدين ويأّسنا الأخرين منا، فإن بلادنا ستُعَمّر، ونحن وإياكم نَتَفاهم.
عماد مرمل: بهذا الكلام الجميل والجامع، نختم الحوار الشيّق والممتع معك، سماحة الشيخ نعيم قاسم، بمناسبة مرور سنة على توليك الأمانة العامة، ومرور عام أيضاً على معركة "أولي البأس"، وإن شاء الله تحقّق المقاومة ولبنان الكثير من الإنجازات خلال فترة تولّي هذه المسؤولية في حزب الله.






