النص الكامل لكلمة الأمين العام لحزب الله في حفل إطلاق كتاب "الغناء والموسيقى" للإمام الخامنئي دام ظله
الإمام في الحقيقة اكتشف أن الدقة في الروايات والدقة في بحث هذه المسائل تساعد على استخراج نتيجة جديدة غير ما كان شائعًا في السابق.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحبه الأبرار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والصحالين، إلى قيام يوم الدين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسرني أن احضر في هذا اللقاء بحفل إطلاق كتاب الغناء والموسيقى للإمام المرجع آية الله العظمى السيد الخامنئي(دام ظله)، وفي الحقيقة إطلاق هذا الكتاب من موقعي كوكيل شرعي للإمام الخامنئي(دام ظله) بحسب ما حاول إقناعي الاخوة المعنيين. يشرفني أن أكون في هذا الموقع، وأشكر دعوة الحوزات العلمية في لبنان، ومكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئي(دام ظله)، الذين اتاحوا لي هذه الفرصة لأتحدث عن هذا الكتاب الجليل والمهم والاستثنائي في آن معا.
في هذا اللقاء سأتحدث عن أربعة موضوعات:
الموضوع الأولى: له علاقة بالكتاب، هذا الكتاب هو نتاج بحوث في بحوث الخارج أعطاها الإمام الخامنئي(دام ظله) من سنة 2008 إلى سنة 2010 حيث بلغ عددها 76 درساً، مع كل المشاغل الموجودة للمرجع القائد، مع كل التعقيدات في إدارة الدولة وشؤون الامة، مع ذلك كان حريصاً على أن يعطي هذه الأبحاث وهذه الدروس التي تحتاج إلى عمق وإلى تحضير وإلى جولة واسعة جداً مع المراجع والمؤلفين والعلماء السابقين، وفي إطار البحث عن الاحاديث المختلفة والآيات والروايات.
كما ذكر الإمام الخامنئي(دام ظله) في المقدمة يقول: "والمتحصّل: أنّ عمدة أدلّتنا في هذا البحث تتمثّل في الروايات الكثيرة الواردة في باب الغناء، والتي (قام بإحصائها) الشيخ الحرّ العاملي في إحدى رسائله قائلًا: وقد اعتبرتُها في جميع كتب الحديث التي وصلت إليّ، فوجدتها قريبًا من ثلاثمائة حديث".(ص 54).
هذا يعني أن الإمام القائد جال في ثلاثمائة حديث لأنه في القرآن الكريم توجد آيتان فقط يمكن الفهم منهما بسبب الاحاديث الشريفة أنهما في الغناء. لكن لا يوجد كلام مباشر عن الغناء إلا في الروايات. هذا يعني أن الإمام(دام ظله) بحث بثلاثمائة رواية بتفاصيل دقيقة جداً، طبعا ليست الـثلاثمائة رواية تدل على الحرمة او الحليّة أو الضوابط، ولكن لا بد من قراءتها جميعا، لا بد من البحث عن الرجال، عن صحة الحديث، عن السند، عن كل هذه التفاصيل التي تحتاج إلى باع واسع. عن رأي الفقهاء السابقين، عن الرجال وكتب الرجال وما يقول عن هذا الرجل وذاك، وهذا الصحابي والآخر والتابع.
إذا هو بحث شاق جداً، وعميق جداً، وواسع جداً، صحيح أن الإمام الخامنئي(دام ظله) ركزّ في نهاية المطاف على عشرات الأحاديث التي كان لها سند صحيح أو ناقش في سندها قبل أن يدخل إلى معناها، لكن في الحقيقة هذا بحث واسع، ولا اعتقد أنه يوجد فقيه من الفقهاء بحث مبحث الغناء والموسيقى بمدة 76 بحثاً ودرساً، يعني يمكن أن يكون عشرة، يمكن أن يكون إثناعشر، يمكن أن يكون أربعة أو اكثر، لكن ستة وسبعون درسا!ً.
السبب الأساس أن الإمام في الحقيقة أكتشف أن الدقة في الروايات والدقة في بحث هذه المسائل تساعد على استخراج نتيجة جديدة غير ما كان شائعا في السابق.
بمعنى آخر في السابق كان بمجرد أن تقول الغناء.. يكون الجواب حرام، لأن الجو العام هو هكذا، لكن عندما تدخل إلى التفاصيل تكتشف أنه يوجد نوعان من الغناء، يوجد تفاصيل تؤدي إلى أن يكون محرماً او غير محرم وهكذا، من هنا كانت هذه الدقة.
طبعاً يتميز إمامنا بدقته غير العادية، عندما تقرأون الكتاب ستجدون أنه يلتقط بعض العبارات ويحللها بدقة متناهية موضوعية ويحضر لها الأدلة، ويأتي بالكلمات التي وردت على لسان المراجع السابقين أو المجتهدين او الرواة، وكذلك المفسرين، ويربط بين هذه الآراء وينتقد ويناقش ويخوض عمليا إلى أن يصل إلى الاستنتاج المقنع بالأدلة التي يأتي بها، له باع طويل في هذا الأمر.
لقد لفتني في شخصية الإمام الخامنئي(دام ظله) بالمتابعة في الدرس أنه يمتلك دقة متناهية جداً في استخراج المعاني و(بطول باله كما نقول) يأخذ وقته حتى يصل إلى النتيجة النهائية.
وصل الإمام الخامنئي إلى خلاصة مميزة، يقول : "أنّ ما يحرم من الغناء هو خصوصُ الغناءِ المشتملِ على الباطل، المضلِّ عن سبيل الله تعالى (قولًا أو فعلًا) من إحدى جهات المنشأ الثلاث. وما عداه مشكوكُ الحرمة، فيكون مجرًى للبراءة".
ما هي المناشىء الثلاثة التي تؤدي إلى أن يكون مضلاً عن سبيل الله، يقول سماحته:
1) "المنشأ الأوّل: أن يكون من جهة مضمون الكلام؛ حيث قد يتغنّى المرء بكلامٍ يكون من حيث مضمونُه باعثًا على المعصية ومثيرًا للشهوة.
2) المنشأ الثاني: أن يكون من جهة اللحن، ولو لم يكن المضمون مضلًا عن سبيل الله؛ بأن يكون اللحن سنخَ لحنٍ يدفع بالإنسان إلى المعصية، من قبيل الألحان المختصّة بالرقص المحرّم.
3) المنشأ الثالث: أن يكون من جهة ملابسات الأداء المرتبطة بشخص المغنّي وما يحتفّ به من خصوصيّات؛ بحيث يكون غناؤه موجبًا لتحريك الشهوة والوقوع في المعصية، كما لو كان المغنّي امرأةً ذات خصوصيّات معيّنة".
فإذًا هو يطرح أن الغناء ليس محرماً بالمطلق، الغناء هو محرم بلحاظ أن يكون مشتملا على الباطل، ومضلاً عن سبيل الله تعالى ، من إحدى هذه الجهات الثلاث وهذه المناشىء الثلاث التي تحدثنا عنها.
لو افترضنا أن المكلف دقق بهذه الأمور لكن بقي عنده شك، يعني أنه لم يصل إلى قطع بأن هذه الأمور متوفرة، يخرج بنتيجة وهي النتيجة التي عادة يصل الفقهاء إليها: "وما عداه (يعني ما ينطبق عليه هذه الصفات) مشكوك الحرمة فيكون مجرى البراء". يعني إذا شخصت أن هذه الصفات ليس معلوما أنه تنطبق على هذا الغناء ليكون محرماً، قال: عند الشك الأصل الحليَّة.
الموضوع الثاني: لماذا اهتم الإمام بهذا المبحث؟. هناك خصوصية في البعد الفقهي عند الإمام الخامنئي(دام ظله)، أنه جاء في زمن فيه قضايا مستحدثة، تحتاج إلى إجابة، وهناك تطور في العالم نشأت من خلاله مجموعة من المسائل، لا نستطيع أن نبقى على الطريقة القديمة، أو الاعتبارات القديمة، وعلى العرف القديم وعلى الأجواء القديمة، فإذًا لا بد من استكشاف حلول لهذه المسائل الحديثة التي هي محل ابتلاء، ولا بد من اتخاذ المواقف منها. مثلاً شؤون الدولة من الأمور الحديثة، مثلاً كيفية التعاطي مع النظام بحسب التركيبة الدولية والمحلية والشؤون الاجتماعية وارتباط الناس مع بعضهم وحدود الحلال والحرام. حتى الإمام الخميني(قدس الله روحه) عالج مشكلة كانت كبيرة جداً. مثلاً إذا كان يوجد مسجد وقف وهو يمنع من مرور الشارع العريض (شق الاوتوسترادات) الذي يستفيد منه كل الناس، ماذا يفعل؟ بحسب الدقة الفقهية، لا يستطيع أن يصنع شيئاً، يعني الشارع لا يمر (لا يمكن شق الأوتوستراد)، لكن الإمام بولايته وبأفقه الرحب في استخراج المسائل الشرعية (الاحكام) قرر أن يزيل هذا الوقف من هذا المكان، لاعتبار أن له علاقة بالمصلحة الأشمل التي أجاز الله تعالى لهذا الفقيه أن يقوم بها بحسب قناعة الفقيه.
الإمام الخامنئي(دام ظله) كان يشتغل ويعمل بهذه الروحية، ووجد أن الغناء والموسيقى من محلات الابتلاء، فماذا نعمل بها؟، نقول أن الغناء محرم وانتهينا، بالتأكيد كلا فهو دخل مدخلا مختلفا، بل بالعكس هو وجد أن الفن بشكل عام هو محل اهتمام، والفن له تأثير ليس معاصرا فقط بل له تأثير على البشر. لاحظوا ماذا يقول الإمام عن موضوع الفن: "تأثيرُ الشعر والرسم وسائر صنوف الفن والأصوات الجميلة والألحان اللطيفة - وهذه كلّها فنون - يحصل في ذهن المتلقي من حيث لا يشعر. أي أنَّ الفن يؤثر من دون أن يشعر المتلقي بهذا التأثير. وهذا أفضل أنواع التأثير. اختار الله تعالى أفصح البيان للتعبير عن أرقى المعارف أي القرآن الكريم"، يعني يعتبر أن اللغة القرآنية، البيان، السجع، الموسيقى الموجودة في طريقة صياغة الكلمات والآيات، حتى استحباب أن يقرأ الإنسان بلحن معين، كل هذا نوع من الموسيقى والفن التي تساعد على إدخال المعاني إلى الروح، يقول سماحة الإمام الخامنئي: "صبَّ الله هذه المعارف في أفصح وأجمل قوالب البيان الفني، والقرآن نفسه يقول: إنَّكم لا تستطيعون الإتيان بمثل لفظه وبنائه الفني، أمَّا المعنى فهو معلوم".
فإذًا اهتمام الإمام الخامنئي بالفنون مسألة مهمة جداً، محاولة استكشاف الحدود الشرعية، العمل على توفير الموقف الشرعي للمكلفين هذا أمر مهم جداً.
اليوم لا يستطيع احد أن يقول في الوضع المعاصر، والله الجماعة المتدينين جماعة منزوين، بعيدين عن العصر، ولا علاقة لهم بالفن، بالتأكيد، لا، لماذا؟. نحن الذين لنا علاقة بالفن، قرأننا فن، بيانه فن، وبالتالي الشعر، الموسيقى، الكلمات... ولذلك تلاحظون أنه في فترة ما بعد انتصار الثورة الإسلامية وخاصة في المرحلة مع الإمام الخامنئي(دام ظله) لاحظنا أن الأناشيد ، الفرق ، الموسيقى، والانتشار بهذا العالم بات واسعا جداً. نعم، الممنوع منه هو المحرم، والمحرم له ضوابط ذكرناها ويستطيع المكلف مراجعتها ومتابعتها.
نحن أمام فقيه قدّم الفقه الإسلامي بطريقة مبدعة وفيها معاصرة، واستطاع أن يجيب عن أسئلة هي محل ابتلاء، هذه القيمة الحقيقية.
ألفت كتابا في سنة 2017 عنوانه "الولي المجدد"، ووضعت له هذا العنوان لأني حقيقة اكتشفت من خلال آداء الإمام الخامنئي(دام ظله) على المستوى الفقهي، وعلى المستوى الإداري، وعلى مستوى قيادة الدولة، وعلى مستوى قيادة الأمة، ووضعه للمخططات، كل هذا يعبر عن قدرة استثنائية كيف أنه يستطيع أن يُخرج من المشروع الإسلامي إنجازات معاصرة، ما يؤكد أن الإسلام صالح لكلِّ زمان ومكان، لكن علينا نحن أن نستكشف، وعلى الفقهاء والمتصدّين والعلماء والمؤثرين أن يأخذوا المضامين الحقيقة ويتمكنوا من تفسير الوقائع بناءًا على هذه المضامين.
هذا أمر مهم في شخصية الإمام الخامنئي(دام ظله) في النظرة إلى الفقه المعاصر ومحاولة تقديم هذا النموذج.
الموضوع الثالث: هو رأي الإمام الخامنئي بالحوزة العلمية. وهذا الموضوع هو كلٌ متكامل، فهو عندما ينظر إلى الحوزة العلمية نظرة معاصرة، نظرة تجمع بين دور هذه الحوزة العلمي والتربوي والديني، والدور الاجتماعي والسياسي والعلاقة مع قضايا الأمة، هذه فكرة مهمة جدا، وهي الفكرة التي أطلقها أيضا الإمام الخميني(قده). ففي المؤتمر الدولي في الذكرى المئوية لإعادة تأسيس الحوزة العلمية في قم المقدسة، والذي عقد في الثامن والعشرين من نيسان/ ابريل من العام 2025 يعني منذ عدة أشهر، تحدث سماحته عن الحوزة فقال: "الحوزة ليست مجرد مؤسسة للتدريس والدّراسة، بل هي مجموعة تضمّ العلم والتربية والوظائف الاجتماعية والسياسية"، يعني شمولية دور الحوزة، وهذا ما يجعل الحوزة في قلب الحدث، قال أنَّها:
1. "مركزٌ علمي ذو اختصاصات محدّدة؛
2. مركزٌ لتربية طاقات مُهذّبة وفاعلة من أجل هداية المجتمع على المستويين الديني والأخلاقي؛
3. الخطّ الأمامي لجبهة التصدّي لتهديدات الأعداء في مختلف المجالات؛
4. مركز لإنتاج الفكر الإسلامي وتبيينه في مجال الأنظمة الاجتماعية؛ بدءًا من النظام إلى الأنظمة المتعلقة بإدارة الدولة، وإلى نظام الأسرة والعلاقات الشخصية، وذلك بناءً على الفقه والفلسفة والمنظومة القيمية للإسلام".
يعني هؤلاء الذين ينظرون إلى الإسلام أنه دين فردي، له علاقة بالفرد، بعباداته، بمعاملاته بعلاقاته الأسرية، بعلاقاته مع الأولاد، يعني إذا أردنا أن نرفع الإسلام من المستوى الفردي بحسب رأي البعض، فإنه يرتقي إلى المستوى العائلي، يعني فردي وعائلي، له علاقة بالمحلة، له علاقة بالمسجد ، له علاقة بالتوجيهات الأخلاقية والتربوية.
الإمام القائد الخامنئي(دام ظله) يقول لا، الإسلام له علاقة بكل الحياة، له علاقة بالمجتمع، بالسياسة، بإدارة الدولة، بمواجهة الأعداء، بالجهاد في سبيل الله وهذا نوع من التوسعة الحقيقية المنسجمة مع الإسلام. هل كان رسول الله (ص) يبلّغ من اجل أن يمتلك الأنسان اخلاقًا ويذهب ويصلي ويصوم ويتعبد ويجلس داخل الأسرة، هو كان يربي هذه التربية وفي آن معا أقام دولة الإسلام في المدينة المنورة، وبالتالي إشعاعاته كانت على كل العالم، وكان قائدًا لجيوش المسلمين في مواجهة التحديات. فإذًا الإسلام ليس محصورًا في الإطار الفردي او الخاص أو العائلي، الإسلام هو حياة للإنسان في كل المجالات، هكذا كانت نظرة الإمام الخامنئي(دام ظله) إلى الحوزة العلمية.
ثم قال سماحته في البند الخامس: "مركز، بل ربّما قمة، للإبداعات الحضارية والاستشرافات المستقبلية اللازمة في إطار الرسالة العالمية للإسلام".
نحن ننظر إلى لإمام الخامنئي بهذه الروحية، بالروحية التي ينظر فيها إلى الحوزة، وإلى امتدادها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي والمحلي والعالمي. هذا هو الموقع الحقيقي.
الإمام الراحل، الإمام الخميني(قده) يقول: "الحوزويّين برواد الشهادة في جميع الثورات الشعبية والإسلامية؛ وبالمقابل، عدّ طريق الشهداء وعملهم مصداقً لبلوغ حقيقة التفقه". يعني الشهيد هو الذي استوعب حقيقة الفقه الإسلامي. ما هذا الربط العظيم بين أن يتفقه الإنسان ويتعرف على الدين وإذ به يتحول إلى مشروع شهيد، فيستشهد في سبيل الله تعالى. أين؟، في إطار المواجهة للأعداء وحماية المجتمع والعمل السياسي، بمعنى آخر ليس الإسلام محصورا بالمسجد ولا في إطار الحالة الفردية ولا الحالة العائلة ولا الحالة الاجتماعية، بل هو شامل لكلِّ الحياة.
عندما نقول أن إمامنا الخامنئي(دام ظله) هو ولي أمرنا، وهو مقتدانا، نحن بالحقيقة نعطي الولاء على أساس هذا الفهم الإسلامي، هذه القناعة الإسلامية، من حق كل واحد منا أن يختار قناعاته وأن يختار الرؤيا التي يريد أن يسير عليها في حياته، المنهج الذي يريد أن يسير عليه في حياته.
نحن نعتبر أن الإسلام هو الأكمل هو الأعظم، "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً"(المائدة).
الإمام الخامنئي(دام ظله) على نهج الإسلام وأهل البيت(عم)، محمد وآل محمد (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، هو الذي يتصدى الآن لكل النواحي الإسلامية ونحن نتزود من هذا المعين، البعض سيقول ولكن هو بإيران وأنتم في لبنان، يا أخي، الفكر، الدين، القناعة لا علاقة له بالحواجز الجغرافية، هذه قناعة للعقول، العقول لا يحدها جغرافيا، العقول تنتقل تنطلق عبر العالم وتتواصل، وتتناغم وتستفيد، عندما جاء الأنبياء، هل كان عملهم محصورا ببلد، ووطن ولا علاقة له بالآخرين.?
محمد(ص) كان في شبه الجزيرة العربية، وبشبه الجزيرة العربية انتقل من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، لكن اليوم الإسلام دين عالمي.
المسيح(ع)، عندما جاء من الناصرة وفلسطين وكان بهذا الموقع، اليوم أين السيد المسيح(ع)، هو منتشر في كل العالم، لأنه هو دين عالمي، هو فكر، هو ثقافة، هو حياة.
لذلك عندما نؤكد على ارتباطنا بالإمام الخامنئي(دام ظله)، فإننا نؤكد على العالمية والتي هي حق مشروع ولا علاقة لها أبدا بالوطنية، لأن الوطنية هي ما نقوم به مع المواطنين في حماية بلدنا، هذه هي الوطنية، وليست الوطنية أن نفكر كلنا مثل بعضنا بالقضايا التي نتبناها، هناك الكثير من الاختلافات والقناعات على المستوى الفكري، وعلى المستوى السلوكي، وعلى المستوى العملي.
أن تكون وطنيًّا يعني أن تلتزم بعقد اجتماعي بينك وبين المواطنين الآخرين هذا هو المعيار، وليس معناه أن يكون فكرك مثلهم، والا فلماذا لا يكون فكرهم مثلنا، وإلا لماذا هم المقياس وليس نحن المقياس؟، لا علاقة لهذه المعادلة بالوطنية.
الموضوع الرابع: وهو دور الولي في عملية التربية والتوجيه والقيادة، نحن في حزب الله نعمل في الحقيقة على قاعدة الاستفادة من توجيهات وقناعات وأوامر الإمام الخامنئي (دام ظله) في المنهجية العامة لحياتنا، في المنهجية العامة التي تُبرئ ذمّتنا أمام الله تعالى.
لذلك، حين يقول الإمام الخميني(قدس سره) إنَّ فلسطين هي بوصلة، ويجب تحريرها، وعلى المسلمين المشاركة، فهذا يعني أنَّه أصبح لديّ ضابطة شرعية، فإذا واجهتُ من أجل فلسطين وقتلتُ في سبيل الله تعالى، فأكون مُبرأ الذمة عند الله تعالى، لأنَّ هذه النفس البشرية لا يجوز أن أُزجّها في غير محلّها. من الذي يمنحني الشرعية؟ نحن جماعة متدينين، المتدين هو من ينظر إلى آخرته، ومن ينظر إلى آخرته، ينظر إلى مرجعه، وقائده، ووليّه، هل يُجيز له هذا الأمر أم لا؟
ليست المسألة مسألة وضوءٍ وصلاةٍ وذهاب إلى الحجّ. هذه الأشياء معروفة. لكن كيف نختار في حياتنا؟ من هو العدو؟ من هو الصديق؟ أين أستطيع أن أبذل نفسي ومهجتي؟ متى أكون مُبرأ الذمة في أن أكون مع الجماعة مترابطًا من أجل مصلحتها؟ كل هذا يحتاج إلى توجيهات شرعية.
من هنا، فإن ارتباطنا بالولي الفقيه الإمام الخامنئي (دام ظله) هو ارتباط بالإسلام، ارتباط العقيدة، ارتباط الإيمان، ارتباط العقل والروح، ارتباط الحق المشروع لكلِّ إنسان في أن يتخذ خياراته. " لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"(البقرة 256). وبالتالي، نحن اخترنا هذا الخيار، وآخرون اختاروا خيارات أخرى. وكلٌّ يتحمّل مسؤولية خياراته.
لقد كان للولي الفقيه الإمام الخامنئي (دام ظله) بعد الإمام الخميني(قدس سره) الفضل الكبير والواسع على هذه الروحية التي انتشرت في منطقتنا في مقاومة المحتل الإسرائيلي، وفي العمل على استعادة الأرض والكرامة والعزة. كان هذا الأمر ضمن منظومة الحق يعني هذه الأرض للفلسطينيين، وهذه الأرض للبنانيين، وهذه الأرض للمصريين. من حق كلِّ شعب أن يسترد أرضه. وهذا أمر جزء من الحق، لأن المشروع الإسلامي هو مشروع حق، وليس مشروع سلطة، ولا مشروع مصلحة آنية لجماعة تتفرد، أو تأخذ بأنانية ما ليس لها.
من هنا، أمامنا نموذج من العمل من أجل أن نكون مترابطين مع بعضنا. وهذه القناعات لا تحدّها الجغرافيا، والخيارات هي ضمن الحرية.
الموقف السياسي.
اليوم يقولون لنا: لكن أنتم لولا الدعم الإيراني، لما وصلتم إلى هذا المستوى، ونحن نقول هذا صحيح، لولا الدعم الإيراني لما كان التحرير، ولا الصمود، ولا الانتصارات، وهذا نوع من الشرف والكرامة والعزة.
هذا لا يعني أن هذه تهمة. التهمة هي لأولئك الذين تخلّوا عن فلسطين، لأولئك الذين تآمروا مع "إسرائيل"، لأولئك الذين ساندوا الاستكبار العالمي في ضرب إخوتهم وأحبّتهم، لأولئك الذين لم يقفوا ضد الإبادة في غزة بشكل فعلي وعملي، لأولئك الذين صبروا وانتظروا لمدّة سنتين والإبادة قائمة والقتل للأطفال والشيوخ والنساء، وتدمير البيوت، وهم يساهمون أيضًا من خلال مواقفهم وتصريحاتهم وسياساتهم وإعلامهم. هذه هي المشكلة الأساسية التي كانت قائمة.
يأتون ويقولون كيف تدعم إيران؟ كلُّ الشرف في هذا الدعم الإيراني، ونحن نفتخر بهذا الدعم الإيراني. لولا هذا الدعم لما تحرّر جنوب لبنان. لولا هذا الدعم لما انطلقت الانتفاضة المسلحة. لولا هذا الدعم لما كان هذا العطاء الكبير في مواجهة التحدي الإسرائيلي، ولما كان هذا الانتشار على المستوى العالمي بأن إسرائيل حقيقةً بدأ يشعر العالم من أقصاه إلى أقصاه، وحتى في داخل أمريكا، أنها جرثومة سرطانية خبيثة حقيقة، وأنها تشكّل خطرًا على الإنسانية. من أين كان سيحصل هذا لولا هذا الدعم الموجود؟
بدل أن نشكر إيران، يقول بعضهم: ينبغي أن نضع لها حدًّا. إيران ماذا تفعل؟ إنها تدعمنا، إيران أعطتنا ولم تأخذ منا شيئًا، والعلاقة معها ليست تُهمة، بل مكرمة. ونحن سعداء أن إيران استطاعت أن تصمد بعد معركة شرسة من قبل العدو الإسرائيلي والعدو الأمريكي لمدّة اثني عشر يومًا، واستطاعت أن تقف بإمكاناتها وقدراتها. هذا أمر عظيم للقيادة والشعب الإيراني والحرس وكل القوى التي قاتلت وواجهت.
دعوني أقولها لكم من الآخر: إن هذا الاستعراض الذي أقامه ترامب في شرم الشيخ ليس مشروعًا للسلام. سمّاه سلامًا، لكن ليس مشروع سلام. وفي الحقيقة، نحن أمام محطة من محطات الصراع، فيها الكثير من الألم والأمل في آنٍ معًا. لماذا؟ لأن إسرائيل لم تحقّق أهدافها، ولن تحقّقها، حتى مع كل هذه التظاهرة العالمية التي أقاموها في شرم الشيخ.
في البداية، حين عُقد الاجتماع، قيل إن هناك جديدًا في المنطقة. الجديد كان المسرحية، لكن لا جديد على المستوى العملي سوى أن أمريكا تحاول أن تأخذ بالسياسة ما لم تتمكن إسرائيل من اخذه بالحرب. وهذا أمر غير متاح وغير ممكن. رغم التواطؤ الدولي الطاغوتي لم تحقّق إسرائيل أهدافها، ولن تحقّقها. إنها معتدية ومجرمة، وهي تعمل على الإبادة، لكنها ليست منتصرة، ولن تتمكّن من تثبيت احتلالها.
اليوم، يمكن لنتنياهو أن يقول إنه قوة كبيرة، ويمكنه أن يقول إنه يستطيع أن يقتل في كل مكان - يمكنه أن يقول هذا - لكن لا يمكنه أن يقول إنه استقرّ، ولا أن يقول إن المستقبل للكيان الإسرائيلي، ولا أن يقول إنه انتصر.
أما التدخل الأمريكي، فهو سيّئ جدًّا في لبنان وفي المنطقة. وأقول لكم: إن الأمريكي يثبت يومًا بعد يوم أنه هو من يقود الإبادة والمجازر، لأنه يملك مشروعًا توسعيًّا مع المشروع التوسعي الإسرائيلي. حين يطرح نتنياهو "إسرائيل الكبرى"، فإن "إسرائيل الكبرى" هي في خدمة "أمريكا الكبرى"، لأننا نرى ما يفعله ترامب في العالم كله، وليس في هذه المنطقة فقط. إنه يُلزّم إسرائيل هنا بأن تتوسّع كـ"إسرائيل الكبرى"، وبما أنها أداة، فتكون هي جزء من "أمريكا الكبرى".
هل هذا ممكن؟ هذا لا يمكن أن يتحقق ما دامت هناك شعوب حرة أبية تواجه.
نقول للإدارة الأمريكية، وخاصة براك: كفى تهديدًا للبنان، تارة تريدون أن تضمّوا لبنان إلى الشام، وتارة تريدون أن تتركوا الإسرائيلي يوجه ضربات قاسية لتردع، وتارة تقدّمون إمكانات مالية للجيش اللبناني لتفتعل فتنة بين الجيش وشعبه في لبنان. والهدف كله هو إعدام قوة لبنان تمهيدًا لجعله ملحقًا بإسرائيل كجزء من "إسرائيل الكبرى". هذا هو المشروع. نحن نرى هذا المشروع، ونعلم أنكم تعملون لهذا المشروع. أنت تريد استقرار لبنان؟! إن استقرار لبنان يتحقّق بكفّ يد إسرائيل. أما تحقيق مشروع إسرائيل من خلال الضغط على لبنان، فلا يمكن أن يُعطي لبنان إسرائيل ما تريد، ولا أمريكا يمكن أن تأخذ ما تريد، ما دام في لبنان شعبٌ أبِيّ، وما دام هناك تضحياتٌ كبيرة قدّمت، وهناك تضحياتٌ كثيرة قابلة لأن تقدم أيضًا، لكن لبنان يجب أن يبقى سيدًا حرًّا عزيزًا مستقلًّا قويًّا قادرًا، هو يُدبّر شؤونه. إذا كنتم تتحدثون عن ترتيبات لها علاقة بين لبنان والكيان الإسرائيلي، فقد حصل اتفاق في تشرين الثاني، هذا الاتفاق أنهى مرحلةً وأدخلنا في مرحلة جديدة، هذا الاتفاق يحتوي بلا شك على مصالح لـ"إسرائيل" ومصالح للبنان، لكنه يُنهي المسألة المتنازع عليها. لماذا لا تطبّق "إسرائيل" الاتفاق؟ لأن "إسرائيل" لا تريد إنهاء النزاع بينها وبين لبنان، "إسرائيل" تريد أن تبتلع لبنان، "إسرائيل" تريد أن تلغي وجود لبنان. إذا ظنّ البعض أن إلغاء سلاح حزب الله يُنهي المشكلة، فهو مخطئ، لأن سلاح حزب الله هو جزء من قوة لبنان، وهم لا يريدون للبنان القوة، والدليل أنهم حين يسلّحون الجيش يسلّحونه من أجل أن يضرب القوة الموجودة في لبنان، وممنوع من أن يتسلح بأي قوة ممكن أن يستشعر منها الإسرائيلي أنها يمكن أن تُعطي قدرة في مواجهة إسرائيل في يومٍ من الأيام. قد حان الوقت ليفهموا هذا الموضوع.
على كلٍ، نحن لا نمشي بتهديد، ولا يؤثر فينا التهديد. هناك اتفاق، اذهبوا وطبّقوه، وقد طبّقه لبنان. وبالتالي، فإن كل هذه المناورات التي تقومون بها، وكل هذه الضغوطات، إنما أنتم تستنزفون وتضيّعون الوقت، أنتم تخلقون حالة ضغط لا أعرف ما ستكون نتيجتها لاحقًا، وكيف يمكن أن تحصل، وكيف ستكون النتائج.
هنا أودّ أن ألفت نظر الحكومة اللبنانية:
أولا: هناك وظيفة أساسية ملقاة على عاتقكم، أنتم مسؤولون عن السيادة، فاعملوا بطريقة صحيحة لحماية السيادة.
ثانيا: أنتم مسؤولون عن إعادة الإعمار، قوموا بالإجراءات التنفيذية لإعادة الإعمار.
ثالثا: حاكم مصرف لبنان ليس موظفًا عند أمريكا كي يعمل كضابطة عدلية ويحاول أن يضيّق على المواطنين اللبنانيين في أموالهم. على الحكومة أن تضع له حدًّا.
وزير العدل ليس ضابطة عدلية عند أمريكا وإسرائيل. عليه أن يتوقّف عن منع المواطنين اللبنانيين من إنجاز معاملاتهم لدى كُتّاب العدل، وإلا هل أصبح لبنان سجنًا لمواطنيه بإدارة أمريكية، فلنعرف؟! هؤلاء المسؤولين، سواء وزير العدل أو حاكم مصرف لبنان، هم عبارة عن موظفين لدى الإدارة الأمريكية في "السجن الأمريكي" في لبنان؟! نحن لا نقبل أن يكون لبنان سجنًا، ولا أن يكون أحد تحت إمرة أمريكا وإدارتها. عليكم أن تكونوا تحت إمرة وإدارة الحكومة اللبنانية لمصلحة الشعب اللبناني والمواطنين اللبنانيين.
كل التحية لكم جميعا، وأشكركم على المساهمة في حفل إطلاق كتاب "الغناء والموسيقى" الذي هو عبارة عن بحوث للإمام الخامنئي(دام ظله). والحقيقة من بركات هذا العصر أن بيننا وبقيادتنا الإمام الخامنئي(دام ظله). والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.






