مقابلات

المقالة التي كتبها الصحافي ثائر عباس في صحيفة الشرق الأوسط في 24/4/2009

نعيم قاسم .. من الاستاذ.. إلى الحاج.. إلى الشيخ

يعتبر الشيخ نعيم قاسم من «الثوابت» في حزب الله اللبناني. فهذا الرجل هو القاسم المشترك في أسماء «شورى الحزب» وهي القيادة العليا وصاحبة القرار الأول والأخير فيه، وهو لم يغب عن أي منها منذ بدء تطبيق نظام الانتخاب في الحزب في عام 1991، غير أن قاسم بقي «الرجل الثاني» في الحزب منذ ذلك التاريخ ما يجعله النائب الدائم للأمين العام، بالإضافة إلى حمله ملف الانتخابات النيابية الذي يعتبر من أخطر الملفات اللبنانية حاليا.

ولد قاسم في عام 1953 في بلدة كفرفيلا في جنوب لبنان، لكنه أمضى معظم طفولته وشبابه في بيروت، ما يجعله من أكثر قادة حزب الله مدينية كون معظمهم نشأوا وعاشوا في الأرياف. والده أبو نعيم كان يعمل سائق أجرة، وكانت سيارته المرسيدس معروفة جيدا في منطقة المصيطبة. كان أبو نعيم معروفاً وسط جيرانه بأنه «خلاصة الاوادم» وفقا للتعبير اللبناني الذي يستعمل للإشارة الى ذوي الاخلاق الحسنة، وكان معروفا عنه تدينه وتقواه. وقد نقل هذا التدين الى نجله الاكبر نعيم الذي كان يتولى «ادارة شؤون العائلة» والإشراف على أعمالها لأن الأب المشغول لم يكن قادرا على ذلك. فكان نعيم، مسؤولا عن استصدار إيصالات الإيجار للمستأجرين الذين يشغلون المبنى الصغير الذي كانت تملكه العائلة في منطقة الضناوي في بيروت، والذي كانت تشغل العائلة الطابق الارضي منه. هذا المبنى حل محله مبنى كبير بعدما اشترى العقار تاجر بناء أزال المبنى القديم.

إلى جانب هذا المبنى، كان نعيم يدرس مع زملائه في غرفة صغيرة ملحقة به، مساحتها نحو ستة أمتار مربعة، وفيها مقعد خشبي صغير فقط. كان نعيم ملتزما دينيا منذ صغره وكان رفاقه يقولون عنه انه «آدمي ابن اوادم». ويقول نبيل الجاك أحد زملاء الدراسة لقاسم في المرحلة الثانوية في «ثانوية بيروت الوطنية»، إن قاسم كان «طالبا مجتهدا إلى حد كبير، لكنه لم يكن بارزا في مدرسته، فلم يقم يوما بخناقة، أو بمشكلة مع أستاذ، ولم يلق يوما نكتة على أصحابه». المدرسة أزيلت بدورها وتحولت إلى ما يسمى الآن «سوق العتق».

مع هذا فوجئ زملاء قاسم بأنه رسب في الدورة الاولى للامتحانات الرسمية لشهادة الثانوية العامة (البكالوريا)، مع أن التلامذة الاقل اجتهادا منه نجحوا. تقدم قاسم للدورة الثانية، ونجح. التحق بعدها بكلية التربية ـ دار المعلمين التي كانت تخرج الأساتذة للمدارس الرسمية في عام 1970، وتخرج منها أستاذا لمادة الكيمياء باللغة الفرنسية. مارس قاسم التدريس لسنوات عدة، لكنه كان قد بدأ دراسته الدينية في الوقت نفسه، دون أن يلبس العمامة التي لم تعرف رأسه إلا بعدما تجاوز الثلاثين، وبعدما انخرط كلياً في حزب الله.

نشاط قاسم الإسلامي بدأ في السبعينات، وكان في جانب منه دينيا ـ سياسيا. انضم الى «اتحاد الطلبة المسلمين» و«اللجان الإسلامية» التي كانت الفرع اللبناني لحزب الدعوة، حيث مارس العمل الإسلامي، وكان معروفا عنه حبه للعمل «التبليغي»، أي التبشيري، وكانت الدروس التي يعطيها الحاج نعيم كما كان معروفا، تستقطب الكثير من الرواد. ويقول الكاتب قاسم قصير الذي عايش تجربة قاسم أنه إذا أراد أحد ما أن «يهدي» شخصا آخر الى الاسلام، كان يصطحبه الى دروس الحاج نعيم التي كانت «دروسا استقطابية». ويضيف أن الدروس الدينية التي كان يلقيها الحاج نعيم في تلك الفترة من «أهم الدروس، فهو كان يمتلك القدرة على الاستقطاب والإقناع»، مشبها دروسه بالطريقة التي يعتمدها الداعية الإسلامي المعاصر عمرو خالد.

عندما بدأ الإمام موسى الصدر نشاطه في لبنان، منبها العصبية الإسلامية للطائفة الشيعية التي كنت تميل يسارا بشكل حاد خلال تلك الفترة، جرى نقاش داخل جماعة المتدينين عن الموقف من السيد الذي أنشأ حركة «أمل» مشكلا «تسونامي» في مواجهة الاقطاع واليسار. كان الحذر سيد الموقف حيال مشروع الصدر، فقد طرح المتدينون علامات استفهام كبيرة على نشاطه، الذي وإن اتخذ الطابع الإسلامي، إلا أن تعاونه مع بعض المفكرين العلمانيين جعلهم يترددون في الانغماس في حركته. أخيرا اتخذ هؤلاء خيارهم، فاتفقوا على أن لا يتركوا تلك الحركة الوليدة «وحيدة» فتزول عنها صفة التدين، وفي الوقت نفسه أن لا يندمجوا فيها تماماً. وقرروا أن يذهب قسم منهم الى الحركة ويبقى الآخرون في أماكنهم يترقبون. كان الحاج نعيم من ضمن الذين انخرطوا في حركة الامام الصدر، كما انضوى في حركة «أمل» لفترة وجيزة قبل أن يتركها ويتفرغ للعمل في «جمعية التعليم الديني الإسلامي» التي أنشأها مع مجموعة من المتدينين ولا يزال «رئيسها الروحي» حتى اليوم. تولى قاسم لفترة طويلة إدارة هذه المؤسسة التي ساهمت في إدخال التعليم الديني الإسلامي الى المناهج الدراسية في المدارس الرسمية والخاصة، والتي اسست مجموعة «مدارس المصطفى» التي تعتبر ابرز المدارس الإسلامية الشيعية في لبنان وأهمها، والتي تحاول تقديم تجربة مشابهة لتجربة الإرساليات المسيحية.

انخرط قاسم في حزب الله مع بداية انطلاقته في عام 1982، لكنه لم يكن من «المؤسسين» وان كان من الذين عملوا بجهد وجدية في عملية انطلاق الحزب. وكان قاسم من المجموعة التي اعتقلها في عام 1983 الجيش اللبناني خلال رئاسة أمين الجميل الذي خاض معارك عنيفة مع «الشطر الغربي» من بيروت. حينها لم يكن الحزب معلنا بشكل رسمي، بل كان يعمل وفق إطار مجموعات منفصلة. أوقف الجيش آنذاك مجموعة من المتدينين كان قاسم من بينهم، وقد أثار هذا الاعتقال تظاهرات في الشارع الإسلامي.

يربط البعض بين هذا الاعتقال، وبين قرار قاسم اعتمار العمامة لما تشكله من حماية دينية وسياسية، غير أن الذين يعرفون قاسم يقولون إن وضعه العمامة لم يكن إلا مسألة وقت لا أكثر، وأن هذه العمامة كانت الطريق الطبيعية لقاسم المعروف عنه حبه للعمل التبليغي وتعمقه في أمور الدين.

مع تطور العمل الإسلامي في لبنان، ذهب قسم من المنضوين في اطار اللجان الإسلامية الى ايران لمتابعة دروسهم الدينية، فيما بقي قسم آخر للدراسة في الحوزات الدينية اللبنانية ومنهم الشيخ قاسم الذي ارتدى العمامة في عام 1984، وانتقل للدراسة العليا على يد المرجع الشيعي السيد محمد حسين فضل الله. ورغم أن قاسم لا يذكر في سيرته الذاتية دراسته هذه، فإن المقربين من فضل الله يؤكدون أنه درس على يد «السيد» لأكثر من 10 سنوات، وأنه بقي يدرس حتى ما بعد تعيينه نائبا للأمين العام لحزب الله في عام 1991. وفيما يقول المقربون من فضل لله أن قاسم أتاهم معمما (واضع العمامة) يقول آخرون إن فضل الله هو من وضع له العمامة وحوله من «الحاج نعيم» الى «الشيخ نعيم» بعدما بدأ حياته «الأستاذ نعيم».

يتمتع قاسم بقدرات ادارية مميزة ما ساعده على أن يتقدم في مسيرته داخل حزب الله بسرعة كبيرة، فانتخب في اول هيئة شورى منتخبة نائبا للأمين العام ولا يزال في منصبه هذا حتى اليوم.

ويعتبر قاسم ـ نظريا ـ الرجل الثاني في حزب الله، لكن وجوده في موقعه هذا لم يجعله يتولى الأمانة العامة للحزب عندما اغتيل السيد عباس الموسوي في عام 1992، اذ تم فورا انتخاب السيد حسن نصر الله أمينا عاما وبقي هو نائبا له. لكن نشاط قاسم حول منصب نائب الامين العام، من منصب فخري الى منصب فعلي وبدا منذ عام 1992 يضيف اليه المهمة تلو الاخرى. لكن اللافت أن جميع مهمات قاسم كانت «مدنية»، فهو ليس من فئة العسكر، ولا يمكن أن تجد له صورة بالزي العسكري، أو حاملا بندقية كما كانت حال زعماء الحزب كالشيخ صبحي الطفيلي والسيد عباس الموسوي والسيد نصر الله. ويرد البعض عدم تقدم قاسم الى المنصب الاول في الحزب الى هذا السبب أكثر من غيره كتحدره من «حزب الدعوة». ويشير الى أن قاسم «لم ينخرط في معمعة الصراعات الداخلية في الحزب، وخاصة في ما يتعلق بالجانب الامني ـ العسكري». ويلفت الى أنه «لم يكن يوما رقما في الحزب، بمعنى أنه لم ينخرط في صراعات ولم يشكل محورا، وبقي دائما في الصف الثاني».

كان الشيخ نعيم أقرب الى الامين العام السابق للحزب الشيخ صبحي الطفيلي بالاضافة الى علاقة مميزة مع رئيس كتلة نواب الحزب محمد رعد والوزير محمد فنيش لاعتبارات تتعلق بقدومهم من «حزب الدعوة»، لكنه مع هذا حافظ على علاقة ممتازة بالموسوي ونصر الله. وعندما حصلت «الحركة التصحيحية» داخل الحزب في عام 1992 طار الطفيلي ورعد وفنيش من شورى الحزب، وبقي قاسم محافظا على علاقة جيدة بالأمين العام الذي يكن له احتراما كبيرا على ما يؤكده كثيرون رغم كل ما يشاع عن «خلافات» بينه وبين نصر الله تبين انها مجرد «شائعات» على الطريقة اللبنانية. فقاسم يعمل بعقل منظم «يعرف حدوده ويعرف الى أين يمكن أن يصل»، كما يقول الكاتب في الشؤون الإسلامية ـ السياسية علي الامين الذي يرى أن قاسم «وقع ضحية صناعة شخصية السيد نصر الله»، معتبرا أن قاسم «عانى الكثير وتحمل الكثير خلال هذه العملية التي اقتضت تهميش الجميع حول القائد». فيما يقول قصير إن قاسم يعرف انه «نائب» أمين عام، وأنه عندما تولى السيد نصر الله منصبه لم يعد هناك تنافس على هذا المنصب، لكن المعروف أيضا ـ يقول قصير ـ أن السيد نصر الله يحرص على بقاء اسمين في شورى الحزب (القيادة) بشكل دائم وهما الشيخ قاسم والشيخ محمد يزبك. مشيرا الى أن قاسم «منسجم تماما مع نصر الله ولا ينافسه ومن ميزاته أنه يدرك من أين يبدأ وأين يمكن أن يصل».

والشيخ قاسم هو المسؤول عن العمل النيابي والوزاري في الحزب، وهو من يتولى المفاوضات والنقاشات بشأن تشكيل اللوائح، ما عدا تلك التي تتخذ طابعا حساسا جدا والتي يتولاها نصر الله نفسه كما حال المشكلة القائمة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون. التي أنهاها نصر الله من «كيس الحزب» فضحى بنائبه في بيروت لصالح «فض المشكل» بين حليفيه. والشيخ قاسم من أنشط قادة حزب الله في العمل الفكري، ويقول قصير إنه «الوحيد من بين قادة الحزب لجهة اهتمامه بالعمل الثقافي بشكل مباشر سواء عبر إعطاء الدروس أو عبر إصدار الكتب، في حين أن الكتب الاخرى هي مجرد جمع لخطابات». وتتعدى كتب قاسم العشرة حتى الان، أما محاضراته فكثيرة وهي موثقة ضمن أرشيف ثقافي يناهز عدد المحاضرات فيه الألف شريط لموضوعات ثقافية، تربوية، دينية مختلفة. ويمتلك قاسم القدرة على إدارة فريق عمل بشكل ناجح، وهو قادر على توزيع المهمات بطريقة جيدة، ويسعى لإقناع كل فرد في فريقه بجدوى المهمة التي توكل إليه مهما صغرت. ويقول الامين إن قاسم «إداري ناجح يرتب الملفات وينظمها ما يجعله حاجة لأي فريق يدير الحزب، وحتى اذا افترضنا وجود مراكز قوى داخل الحزب فهو ليس فيها».

ومن ميزات قاسم قدرته على تقديم الامور بشكل مجرد، أما ما يأخذه عليه معارضو الحزب من تعنت وتصلب، فان قصير يبرره بان قاسم «يقدم أفكاره بطريقة علمية قد تفسر أحيانا على أنها تصلب وتهديد». ومن المعروف عن قاسم أنه أكثر شخصيات الحزب تساهلا مع الإعلاميين والأكثر استقبالا لهم من بين قادة الحزب. وهو مستمع جيد «يناقش ويحلل، لكنه يقدم أفكاره على أنها من الثوابت».

ويعتبر ملف الانتخابات النيابية من أبرز الملفات التي ينكب عليها قاسم حاليا، وهو يتولى مسؤولية تنسيق العملية الانتخابية في حزب الله، علما أن قاسم هو من وضع الآلية الداخلية في الحزب الذي يتخذ تدابير خاصة في الانتخابات البلدية والنيابية. ويؤلف الحزب في كل دائرة انتخابية لجنتين، الأولى انتخابية مهمتها متابعة الأمور الإجرائية، والثانية سياسية تتابع الاتصالات مع الحلفاء، وتتجمع هذه الاتصالات على المستوى المركزي. ومن مهماته أيضا الربط بين هذه اللجان وقيادة حزب الله، أي الشورى.

ويؤكد قاسم ثقته بقدرة المعارضة على الفوز وبأن هذا الفريق لا يُعاني مشكلات حقيقية تعرقل تأليف لوائح موحدة. ويُشدد على خوض الانتخابات بلوائح في جميع الدوائر الانتخابية. وينفي مقولة أن حزبه هو من يُقرر لوائح المعارضة، لكن في الوقت عينه يشير إلى استحواذ الحزب على ثقة حلفائه، ما يجعل الجميع يأتمنه ويتعامل معه من منطلق الحليف لا المنافس. ويُعطي مثالا على هذا الموضوع الدائرة الثالثة في بيروت، مشيرا الى أن الحزب سيدعم اللائحة التي سيؤلفها أطراف المعارضة وشخصياتها وجهاتها الفاعلة، «ونحن لن نتدخل في هذا الموضوع. المعنيون بالنواب السنة سيسمون مرشحيهم، والمسؤولون عن المسيحيين يفعلون الأمر ذاته، كذلك الأمر بالنسبة إلى الأقليات. ونحن سندعم هذا الائتلاف».

ويشير إلى أن حزب الله لا يُمكنه التعامل مع ملف الانتخابات كما تعامل مع موضوع الحكومة، «فوزير واحد يكفي لإيصال رأيك السياسي، لكن النيابة هي تمثيل للمواطنين، وهي أمانة لا نستطيع التخلي عنها».

والشيخ قاسم متزوج وله ستة أولاد (أربعة ذكور وابنتان)، وهو «أب مثالي» كما يقول عنه أصدقاؤه. علما أن بعض أولاده الذكور انخرطوا في العمل العسكري داخل الحزب، وتقول المعلومات إن أحدهم أصيب خلال حرب يوليو (تموز) 2006 في إحدى المواجهات مع الإسرائيليين.