مقابلات

قاسم:حزب الله حركة إسلامية مختلفة والعنوان الإسلامي وحده ليس جامعاً... الموقف الكندي يخضع للضغوط الإسرائيلية..وهو خسارة لكندا لأنه يزجها في السياق الأمريكي الظالم

كيف يقرأ حزب الله الحملة التي يتعرض لها، وآخرها من الحكومة الكندية، والتي تسِمُه بـ"الإرهاب" وما هي توقعاته للمستقبل في هذا المجال؟‏

الكاتب: نصير الأسعد-جريدة السفير 16/12/2002‏

الملخص: كيف يقرأ حزب الله الحملة التي يتعرض لها، وآخرها من الحكومة الكندية، والتي تسِمُه بـ"الإرهاب" وما هي توقعاته للمستقبل في هذا المجال؟‏

نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم يبدأ مقاربته للموضوع بالقول إن حضور الحزب من منطلق دوره المقاوم لإسرائيل شكَّل مفاجأة كبرى لـ"دوائر الاستكبار العالمية" ولإسرائيل بالتحديد، حيث اعتقدت هذه الدوائر خلال فترة طويلة أن أي مقاومة يمكن أن تُقمع عملياً بتقطيع أوصالها المساندة لها سياسياً وعملياً على مستوى المنطقة، مما يعني محاصرة أي مقاومة للكيان الإسرائيلي من داخله، من دون أن يؤدي ذلك إلى تداعيات مؤازرة في المحيط.‏

ويرى الشيخ نعيم أن تجربة المقاومة الإسلامية في لبنان أسقطت هذه المعادلة وأوجدت نمطاً جديداً ينذر بإمدادات رافضة للاحتلال الإسرائيلي، بما يؤدي إلى إعادة النظر في الحسابات السياسية حول تطور قمع الانتفاضة وما يمكن أن يتولد من نتائج تتخطى الداخل الفلسطيني. ويؤكد أن"المفاجأة" برزت في تصريحات إسرائيلية بدأت منذ العام 1986، وبتركيز أمريكي على نعت الحزب الناشئ وقتها بالإرهاب لمحاولة قطع الطريق على أي مفاعيل غير محسوبة(لدوره المقاوم).‏

على أن المسؤول الكبير في الحزب يعتبر أن أيار من العام 2000 شكَّل منعطفاً في الحملة التي تستهدفه. فمع نجاح الحزب في إخراج جيش الاحتلال الإسرائيلي من لبنان وقدرته على صوغ مشروع مقاوم يلقى القبول في ساحة متنوعة وقلقة، وعلى تقديم خطاب سياسي يأخذ في الاعتبار الأولويات الجامعة ويغلبها على الجزئيات المفرقة، ثم قيامه بأداء ميداني يجمع بين تنوع الاهتمامات الشعبية ورعايتها من دون أن تكون المقاومة"ذريعة لالتباسات العلاقة مع محيطها".. إن ذلك كله أدى من وجهة نظر الشيخ قاسم إلى اكتساب الحزب"رمزية قابلة للاقتداء والدراسة والتكرار في مواقع مختلفة وخاصة في فلسطين المحتلة".‏

عند هذا الحد، حيث من الواضح أن قاسم يشدد على علاقة الحزب بفلسطين ومعركة الاستقلال الوطني التي يخوضها الشعب الفلسطيني، طُرح برأيه سؤال مركزي في الدوائر الأمريكية والإسرائيلية، هو كيف يمكن القضاء على هذا الحزب ومفاعيل وجوده ودوره؟.‏

الحملة المخطَّطة وأهدافها‏

ويقول أن إسرائيل خاضت (حيال الحزب) تجربة الضغط العسكري الميداني عبر اجتياحين جويين كبيرين عامي 1993 و1996، لكن "هذا الخيار لم ينجح بل نتج عنه تفاهما تموز ونيسان"، وقد كرس هذان التفاهمان"معادلة الاعتراف بالحزب كمقاومة فاعلة تفرض قواعدها على عدوها وتبقى في الساحة باعتراف دولي من خلال صياغات تفاهم نيسان التي تتحدث عن طرفين وعن طلبات كل منهما" ولم تكتف إسرائيل بذلك، فقد لجأت إلى "الضربات الموضعية التي تطال البنى التحتية من أجل إيجاد شرخ بين المقاومة واللبنانيين لكن هذا الخيار لم ينجح أيضاً". وكذلك"حاولت إسرائيل أن تأخذ جماعة بكاملها هي جماعة العملاء التي تحولت بعد ذلك إلى عبء وإلى مجموعة مطاردين من القانون، عدا عن التداعيات النفسية والمعنوية التي أصابت المجتمع الإسرائيلي بكل تلاوينه بدءاً من الجيش نفسه".‏

وفي اعتقاد نائب الأمين العام لحزب الله أن ذلك أدى إلى أزمة مستعصية، في كيفية التعاطي مع" مقاومة يحبها شعبها ويجمع حولها الناس بالإجمال وتتكامل في أداء سياسي متناغم مع الحكم وتشكل رصيداً احتياطياً مهما". والسؤال الذي يطرحه قاسم هنا هو:هل يمكن لأمريكا أن تساعد إسرائيل في مأزقها؟‏

ويجيب أن الولايات المتحدة بدأت حربها الإعلامية والسياسية بعنوان"الإرهاب" لتشكل مناخاً ضاغطاً يفرق المؤمنين بالحزب ومحبيه عنه، ثم واصلت حملاتها المركزة والمدروسة لسنوات عدة وقررت إدراجه على "لائحة الإرهاب" لتعطي لموقفها بُعداً قانونياً على المستوى الأمريكي، وكي يشكل ذلك ضغطاً مؤثراً على المستوى الدولي والإقليمي. غير أن "هذه المحاولات فشلت أيضاً" كما يقول الشيخ نعيم"إذ جاءت ردود الفعل المؤيدة للمقاومة محلياً وإقليمياً وتجنب العديد من الدول الكبرى الانسياق وراء المطالب الأمريكية، كما كان الدعم المميز للمقاومة على المستوى السوري المباشر والإيراني المؤيد" ويضيف أن ذلك" أدى إلى كشف الخطة الأمريكية وإسقاط قدرتها على التأثير، فغلبت صفة الحزب المقاوم على النعت الأمريكي له بالإرهاب".‏

الموقف الكندي في سياق أمريكي.‏

حيال هذا الإخفاق الأمريكي-الإسرائيلي، ارتأت كل من واشنطن وتل أبيب"مواصلة الحملة على الحزب كي لا يرتاح وكي يبقى في دائرة الضوء" وفي تقدير الشيخ نعيم قاسم أن"الخطة تنطلق من بث مجموعة من الاتهامات المتلاحقة والمتنوعة كي تعطي عن الحزب صورة تريد أمريكا وإسرائيل أن تكون له، وكي تبقى حال المواجهة حاضرة في إطار ما تريده أمريكا وإسرائيل مستقبلاً في فلسطين المحتلة" ويقول أن" من يقرأ لائحة الاتهامات يلاحظ ضعفها" ويشير إلى"الحديث عن إرهاب الحزب والخلايا النائمة في الخارج والصواريخ والتهديد الدائم لإسرائيل والعلاقة مع"القاعدة" والحديث عن مجموعات التسلق الجبلي أثناء الشتاء والخطط المعدة على الحدود والاختراقات الأمنية في الداخل وإدارة بعض خلايا المقاومة في الداخل"، ويرى أن هذه العناوين تندرج في إطار"ضخ مجموعة من التهم بصرف النظر عن النقاش في مضمونها وصحة بعضها أو عدمها، بهدف تشكيل حالة ضغط تستدرج عروضاً أو تشكل سبباً رادعاً لتفكير الحزب بأي مواجهة مع إسرائيل، أو أي عمل دفاعي في مواجهة المخططات الإسرائيلي، وهي اتهامات أقرب إلى الهواجس والنوايا منها إلى الأدلة والمعطيات" ومن ذلك يصل المسؤول الكبير إلى استنتاج أن"العنوان الرئيسي الذي تندرج تحته كل هذه المظاهر، هو الاختلاف الجوهري بين مشروعين سياسيين، واحد منها هو المشروع الذي ينطلق منه حزب الله، ويرى الحق الفلسطيني حقاً مقدساً ويرفض الاحتلال ولا يجد أمامه إلاَّ المقاومة من أجل التحرير" وبما أن المشروعين متناقضان لا يلتقيان"كان النعت بالإرهاب كأسلوب سهل". ويشدد على أن "المسألة واضحة فالمقاومة شيء والإرهاب شيء آخر"، مضيفاً أنه" لم يُسجل على حزب الله موقف آخر غير مقاومة الاحتلال وفي مكان الاحتلال بالتحديد، أي على الأرض المحتلة وأن هذه هي قوة حزب الله التي أسقطت التوصيف بالإرهاب".‏

على هذا الأساس، فإن"الموقف الكندي الأخير تابع للضغوط الإسرائيلية في إطار توجيه أمريكي" ومن وجهة نظر قاسم الذي يضيف أنه" ليس موقفاً مستقلاً ولا يستند إلى أدنى المبررات الموضوعية، وهو جزء من حشد القوى السياسية للضغط على حزب الله وهو خسارة لكندا في النظر إليها في منطقتنا وزجّ لها في السياق الأمريكي الظالم". ويعلن"لقد اعتدنا على الظلم ولن يغير الموقف الكندي من أدائنا، لكنه أسقط المكانة الكندية في نفوس الناس".‏

حزب الله والأصوليات‏

وماذا عن ربط "حزب الله" ببعض الأصوليات المتطرفة من مثل "القاعدة"؟‏

إذا كان حزب الله يحاذر عادة الخوض علناً في موضوع من هذا القبيل، فإن الشيخ نعيم قاسم وكي يتجاوز الحديث العمومي عن الاختلاف في البنية الفكرية مع تلك الأصوليات، يرى ضرورة لتوضيحات إضافية. يقول" قدمنا مشروعاً إسلامياً يرى تفسيراً للتعاطي مع القضايا وأولوياتها مختلفاً عن تفسير بعض الحركات الإسلامية في العالم" ويؤكد أن أداء الحزب انطبع بهذه التجربة المتميزة كتجربة مختلفة عما سبقها وما يواكبها، لا كنقيصة في الآخرين إنما كأمر قائم بذاته لا يمكن توصيفه بغيره". ويوضح" عندما تقول أن حزب الله حركة إسلامية فهذا يعني الحديث عن حزب المقاومة الصادق في مواجهة الاحتلال، والمنفتح على الآخرين والمتمسك بالحوار السياسي، الذي لا يستخدم قوته لفرض قناعاته على الآخرين، ولا يلجأ إلى سياسة التكفير لمن خالفه واختلف معه، ويعتمد في المواقع الداخلية الأساليب السياسية الشائعة في التعبير والرفض والتحالف على قاعدة اعترافه بوجود الآخرين كحقيقة لا يمكن إغفالها".‏

أمَّا الحديث عن حركة إسلامية أخرى فإنه"يأخذ مواصفاتها الخاصة التي تتقاطع مع الحزب في مجالات محددة بسبب التشارك في الرؤية الإسلامية، لكنها تختلف في الأسلوب والمنهجية وساحة العمل وطريقة التعبير والظروف المحيطة". ويلفت إلى أن "هذا ما دعانا إلى رفض الحديث عن الحركات الإسلامية كعنوان يضع الجميع في سلة واحدة وفي رؤية واحدة، ذلك أن لكل حركة إسلامية منهجها وأساليبها". ويشدد على أن "العنوان الإسلامي وحده لا يكفي كي يكون جامعاً لأن التفاصيل أوجدت تمايزاً في خطوات هذا العنوان، ولم يعد العنوان معبِّراً عن نسخة واحدة في كل شيء، إنما هو عنوان معبِّر عن بعض الأمور بطريقة غير شاملة".‏

ويؤكد الشيخ نعيم أنه" مهما حاول البعض اليوم أن يشمل كل الحركات الإسلامية في دائرة واحدة فسينكشف سريعاً لأن الظروف الموضوعية والتجربة المعلنة تثبت نفسها وتبين اختلافاً". ويشير إلى أن"حزب الله كحركة إسلامية يختلف عن الحركة الإسلامية في تركيا والحركة الإسلامية في أفغانستان والحركات الإسلامية الأخرى"، ويوضح أن"هذا التنوع طبيعي لأنه مرتبط بفهم الإسلام وتقدير الظروف"، ويقول" لن أدخل في المفاضلة بينها فالناس يختارون ويولّفون أو يختارون أمراً جديداً، فذلك لا يرتبط بمسلمات عند الجميع".‏

ويختم نائب الأمين العام مؤكداً أنه" في انتظار ما سيؤول إليه العدوان المحسوم على العراق، نتوقع أن تبقى الحملة في الإطار الإعلامي-السياسي الضاغط، لكن بحسب مقدمات العدوان على العراق والنتائج المحتملة يمكن رسم الصورة المستقبلية بدقة أكبر". لكن" مع هذا، نتعامل مع التهديدات الإسرائيلية بالحذر الشديد والاستعداد الدائم لنكون جاهزين في الموقع الدفاعي الملائم أمام أية أخطار مفاجئة أو تعديلات في الرزنامة الإسرائيلية تجاه لبنان".‏

مقاربة الشيخ نعيم قاسم تقدم تفسيراً للحملة التي تستهدف الحزب، مبنياً على علاقته بالمقاومة.. وبفلسطين، وتقدم تفسيراً للفوارق مع الأصوليات الأخرى ليس لاعتبارات مذهبية فقط، هو تفسير للملاحظات النقدية التي لحزب الله على هذه الأصوليات"الخطيرة"، والتي لولا الواقع الضاغط الراهن لكان الشيخ نعيم ربما "ترحرح" أكثر في الكلام.‏