لا تزال الغارة الجوية الاسرائيلية على <<عين الصاحب>> في سوريا تخضع ل<<التشريح>> في دمشق وبيروت بغية استخلاص مراميها الحقيقية وقياس تداعياتها، ويبدو حزب الله من المعنيين الاساسيين بتحليل <<الرسالة النارية>> والقراءة بين سطورها ومن ثم المساهمة في الاجابة عليها، وان تكن سوريا هي <<صندوق البريد>> الذي وجهت اليه الرسالة المتعددة المعاني.
في هذه الاثناء تتواصل التحقيقات لمعرفة ملابسات سقوط احد الصواريخ على منزل في بلدة حولا، الامر الذي ادى الى استشهاد طفل وجرح شقيقه، غداة الاعتداء الجوي الاسرائيلي وبعد وقت قصير من مقتل جندي للاحتلال عند بوابة فاطمة، وتفيد معلومات توافرت لأجهزة أمنية لبنانية ان عناصر تابعة لتنظيم فلسطيني هي التي اطلقت الصاروخ المفترض ان يصيب شمال فلسطين المحتلة ولكنه اخطأ هدفه وسقط في الاراضي اللبنانية.
ما هي قراءة حزب الله لشريط الاحداث؟
يحمل نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم مجهره السياسي وينظر من خلاله الى أبعاد العدوان الاسرائيلي على الاراضي السورية، محدّداً اياها بأربعة:
البعد الاول يعكس العجز الاسرائيلي عن القيام بعمل رادع في مواجهة الانتفاضة وقد جاءت الغارة لتحاول نقل المعركة الى خارج الساحة المباشرة في فلسطين، في تعبير عن حجم المأزق الداخلي لدى العدو بعدما ثبت له ان اسلوب القتل والتدمير والاجتياحات لم يجد نفعا، لا على مستوى قمع الانتفاضة ولا على مستوى جرّ السلطة الفلسطينية الى مواجهة المقاومين.
البعد الثاني ينطوي على رسالة عسكرية الى سوريا تشكل اعتراضا عمليا على دعمها وتأييدها لحقّ الشعبين اللبناني والفلسطيني في الدفاع عن النفس، بعد فشل الضغوط السياسية التي مارستها اميركا وسايرها في جزء كبير منها المجتمع الدولي، وتعتقد اسرائيل ان عدوانها سيعطي دفعاً لهذه الضغوط وسيحشر الآخرين في الزاوية.
البعد الثالث يصبّ في خانة الايحاء بأن ما تواجهه اسرائيل هو أبعد من مجرد صراع مع الفلسطينيين وان الامر يتعلق ايضا بقوى أخرى تهدد المشروع الاسرائيلي.
البعد الرابع يرمز الى التنسيق الكامل الاميركي الاسرائيلي لشد الخناق على سوريا، وهذا ما أظهره الغطاء الذي وفّره الرئيس الاميركي جورج بوش للضربة العسكرية بالتزامن مع سحب اعتراضاته على مشروع محاسبة سوريا.
يقود هذا التسلسل الشيخ قاسم الى الاستنتاج بأن العدوان الاخير خطير ولا يمكن الاستهانة به، منبّهاً الى أن تكرار هذا النوع من الرسائل الاسرائيلية، المدعومة أميركياً، سيجعل المنطقة أمام تصعيد اضافي، ثم يضيف في اشارة ذات دلالة: هم يعلمون ان الامر ليس نزهة ولا يمكن ان يبقى ضمن الحدود التي يرسمونها، وعليه فإن المنطقة ستكون مفتوحة على تطورات كبيرة إذا قامت اسرائيل بالمزيد من الاعمال العدوانية المماثلة او ما شابه.
هل يعني ذلك ان حزب الله سيعتبر نفسه في موقع الردّ على اي هجوم اسرائيلي جديد يطال سوريا ام انه معني فقط بالدفاع عن الاراضي اللبنانية في حال تعرّضها لأي اعتداء؟
تبيّن اجابة قاسم ان لا مكان في خريطة الحزب لحدود من هذا النوع <<اذ ان الفصل بين لبنان وفلسطين وسوريا في مسألة الصراع مع إسرائيل هو فصل غير واقعي وغير موضوعي ش قضايا هذه البلدان متشابكة الى حد كبير، وبالتالي نحن معنيون بما يحصل في سوريا على قاعدة الترابط بين الموقفين اللبناني والسوري إزاء التحديات الاسرائيلية التي لم تتوقف يوما ولأن تداخل المصالح والقناعات يتطلب تعزيز التماسك في هذه المرحلة اكثر من اي وقت مضى، اما كيف نتصرف حيال اي تطور فهذا تفصيل له علاقة بتشخيص القرار المناسب حين حصول المشكلة من ضمن سلة خيارات واضحة ومدروسة مع الأخذ بعين الاعتبار وجوب الا يكون هناك رد فعل آلي على اي عمل عدواني بل يجب الاستناد الى حسابات موضوعية للفائدة التي يجنيها التحرك في مواجهة شكل العدوان الحاصل او المفترض>>، ويتابع: ان لسوريا خياراتها في الدفاع عن نفسها ولنا حركتنا في مقاومة الاحتلال ولا يمكن افتراض معادلة حادة حول من يردّ وكيف ومتى.
والى اي حد يصح الافتراض بان عملية اطلاق النار على دورية اسرائيلية عند الحدود مع لبنان والتي أدّت الى مقتل جندي انما جاءت في سياق الرد على الغارة التي تعرّضت لها منطقة <<عين الصاحب>> في سوريا؟
يلفت قاسم الانتباه الى <<ان احدا لم يعلن مسؤوليته عن العملية وحزب الله نفى ان يكون له دور فيها وبالتالي فهي تحتمل تأويلات كثيرة ابرزها ان الحدود مع لبنان غير مربوطة بحل نهائي وليست مستقرة وانما هناك تطورات اوجدت هذا الامر الواقع الذي لا يستند الى وضع نهائي في ظل بقاء تهديدات الاحتلال وخطره على لبنان، وعليه يمكن ان تحصل مثل هذه الاشكالات بناء على تطورات واعتداءات اسرائيلية، ونحن لسنا في وارد ان نبرر لاحد او ندافع عن امر لم نقم به ولا ندخل في توجيه اي اتهام في هذا الشأن اذ ان العدوان الاسرائيلي قائم وهو خطر له تداعياته>>.
وكيف يقرأ حزب الله إقرار لجنة العلاقات الدولية في الكونغرس الاميركي مشروع محاسبة سوريا؟
يؤكد قاسم ان غاية المشروع <<دعم اسرائيل وخدمة مشروعها ولم يكن تأجيله في السابق مبنيا على عدم قناعة الادارة الاميركية به وانما على اعتقاد الادارة بان استخدامه كفزاعة يغنيها عن إقراره ويوفر على اسرائيل التورط في خطوات ميدانية تنطوي على شيء من المغامرة بسبب عدم ضمان نتائجها اي انهم حاولوا ان يحققوا بالسياسة ما عجزوا عنه بالحرب او ما يخشونه بالحرب، لكن عندما تبين ان جولة كولن باول الضاغطة لم تؤت ثمارها باشرت اميركا من خلال إقرار قانون محاسبة سوريا في رفع وتيرة الضغوط>>.