محاضرات

الكلمة التي ألقاها في حفل الإفطار السنوي لطلاب خريجي ثانوية المصطفى(ص):30/10/2007 تحت عنوان "ليلة القدر محطة للحساب".

نجتمع اليوم في ليلة رمضانية مباركة، وهي إحدى ليالي القدر ، لأنها واحدة من العشر الأواخر الذي تحدثت عنها الروايات أن ليلة القدر فيها، وإن صوَّب العلماء على الروايات التي تؤكد على ليالٍ محددة لكنها واحدة من العشر الأواخر، في ليلة القدر صناعة للمستقبل،

نجتمع اليوم في ليلة رمضانية مباركة، وهي إحدى ليالي القدر ، لأنها واحدة من العشر الأواخر الذي تحدثت عنها الروايات أن ليلة القدر فيها، وإن صوَّب العلماء على الروايات التي تؤكد على ليالٍ محددة لكنها واحدة من العشر الأواخر، في ليلة القدر صناعة للمستقبل، وإنجازٌ وحسم لورقة من التاريخ، هي أشبه بالموازنة التي يجريها كل واحد منّا لحساباته المادية وأرقامه ومسؤولياته الاجتماعية والعائلية بحيث تكون الليلة عبارة عن جردة حساب، ما هو العمل السابق ؟ وما هوي الخطة للعمل اللاحق؟ لم أجد جردة حساب كجردة ليلة القدر، ولم أجد رقيباً متساهلاً كما يتساهل الله تعالى مع المحَاسَبين والمحَاسِبين. عادة في الموازنة السنوية نذكر الخسائر والأرباح، أمَّا في ليلة القدر فالله تعالى يقبل منَّا أن نحشر الخسائر في زاوية واحدة من دون تفنيد وهو على استعداد لأن يعفو عنّا ويمحوها بالكامل، لنبدأ برصيد جديد إذا كانت التوبة توبة نصوحاً وهذه فرصة، من هنا قال الرسول (ص):"فإنَّ الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر المبارك"، لأن مستوى الحساب فيه من التساهل ما يساعد على انشاء خطوات جديدة لمستقبل جديد، هذه الليلة المباركة فيها ثلاث خصائص تعتبر كل واحدة منها كافية لعظمة الليلة:

الخاصية الأولى: قوله تعالى:" إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ "، نزول القرآن الكريم في ليلة القدر دفعة واحدة إلى السماء الدنيا، والقرآن هو كتاب الهداية بالنسبة إلينا، هو الذي يأخذ بأيدينا إلى سعادة الدنيا وحسن ثواب الآخرة، هو الذي يبصرنا طريق الحق، هو الذي يجعل منّا بشراً يعيشون إنسانيتهم، هو الذي يحمينا من غائلة الشياطين، هو الذي يريحنا من التجارب المرَّة التي تعذب البشرية بعيداً عن الله تعالى، القرآن هو كتاب العبادة، وهذا توجيه أيضاً لنحمل القرآن ونقرأه ونعي معانيه حتى نتبصر الطريق بشكل واضح، وما حمل القرآن إنسان من البشر إلاَّ واستقر واطمأن وعاش السعادة في الدنيا والثواب في الآخرة، شرط أن يعرف كيف يتعامل مع القرآن وكيف يفهمه.

الخاصية الثانية: أن الله تعالى جعل ليلة القدر خير من ألف شهر:" إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ"، وطبعاً ليلة القدر خير من ألف شهر عندما يقولها تعالى ليس كما يقولها البشر، معنى ذلك أنه يمكنك أن تعد الأشهر عداً والأيام عداً ثم تكون الليلة خيراً منها جميعاً بالحسابات المادية فضلاً عن تكريم الله تعالى لمن أحيا هذه الليلة، وبالتالي تصوَّر أنه في ليلة واحدة إذا اهتمَّيت بالإحياء واهتميت بمراجعة الحسابات وبكيت خضوعاً وخشوعاً لله تعالى، وطلبت طلبات معينة وصممت أن تغير نمط حياتك للمستقبل بما يرضى عنه الله تعالى، وطوَّرت أداءك المستقيم ، حتى في الاستقامة هناك درجات، وامتنعت عن الانحراف وأخذت قرارات مهمة في هذه الليلة، هذا يعني أنك استفدت من خصوصيتها وسيكون التوفيق الإلهي كبيراً لك.أنا أنصح الأخوة والأخوات جميعاً أن يهتموا بإحياء ليلة القدر حتى وإن كان الإحياء في كل ليلة من هذه الليالي العشر يؤدي الغرض المطلوب لأن واحدة من هذه الليالي ، لكن على الأقل أن يركز الإنسان على بعضها حتى نأخذ توجهاً حقيقياً في أن نقف عند أنفسنا لننطلق من جديد.

الخاصية الثالثة: قال تعالى:" إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ "، فبهذه الليلة تقدر الأرزاق، وتقدر الأعمار، ويقدر المستقبل، وأنت لك طلبات عند الله تعالى، تستطيع أن ترجوه وتناجيه، وتطلب منه، وتخصص لسنتك وتتمنى ما ترغب به في دائرة الحلال، فإن الله تعالى يقسِّم في هذه الليلة، بعض الأمور التي يعطيها الله تعالى إنما يعطيها كنتيجة للدعاء، فإذا سألت أو لم تسأل فإذا كان لك حصة فهي لك، وهناك حصة ثانية هي مملوكة للدعاء فإذا دعوت يعطيك وإذا دعوت يطوِّل لك في عمرك، وإذا لم تدعو فهذه الإضافات لا تحصل، طبعاً هناك توفيقات لا نعلمها الله يعلمها، فعليك أن تطلب من الله تعالى فهو يعطيك، إذاً نحن بحاجة إلى أن نتجه إلى الله تعالى في هذه الليلة المباركة من أجل أن نكون في طريق حسم أرزاقنا وأعمارنا ومستقبلنا وتطلعاتنا لأن الله تعالى يقدِّر هذه الأمور في هذه الليلة المباركة لسنة كاملة.

ما رأيته من اهتمام في هذا الشهر المباركة لا يعادله اهتمام بأي شهر آخر، وللأمر سبب جوهري أن الله تعالى يريدنا بين الحين والآخر أن نقف عند محطة حتى لا تتحول حياتنا إلى روتين طبيعي، يقول لك: مرة في السنة توقف ، امتنع عن الطعام، اجعل جسدك يذبل ويضعف، اجعل شهواتك تعيش حالة من الارباك، اجعل عقلك يفكر بمغزى الصوم، عش حالة من الانطباع الروحي الذي يساعدك بشفافية تربطك وتذكرك مجدداً بالله تعالى، وكل هذا من أجل أن يعيد الإنسان صياغة المستقبل، وما وضعه الله تعالى من خيارات في هذا الشهر كبير جداً، فعندما يقول الرسول(ص):"من تطوَّع فيه بصلاة كُتب له براءة من النار، ومن أدَّى فيه فرضاً كان له ثواب من أدَّى سبعين فريضة في غيره من الشهور، ومن أكثر فيه من الصلاة عليَّ ثقَّل الله ميزانه يوم تخف الموازين في يوم القيامة". الهدف المركزي هو تقوية إرادة الإنسان من أجل أن يمسك زمام نفسه حتى يتمكن من الانتقال إلى حالة مؤثرة في أن يكون سيداً لنفسه لا أن يكون منقاداً للشيطان، فالشيطان قال لله تعالى:" قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لاَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ "، لأنَّ المخلصين عندهم حصانة بإرادتهم وإخلاصهم لله تعالى، فالمطلوب أن يكون عندنا هذه الحصانة وهذه الإرادة ، عندها" وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى "، وبإمكان كل واحد منها أن يضبط إرادته وأن يكون عظيماً على المستوى الإنساني وأن ينال رضوان الله تعالى، هكذا نريد أن تكون الطاعة في حياتنا، ليس في الصلاة والعبادات فقط، وإنما في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والجهادية، حيث نعبِّر عن المضمون الإسلامي في كل موقع من المواقع.

اليوم، الهجمة على الإسلام المحمدي الأصيل الذي تمثله المقاومة الإسلامية ويمثلها الإمام الخميني(قده) والقائد الخامنئي(حفظه الله ورعاه) وكل هؤلاء الذي يسيرون على هذا المسار الذي يمهِّد للإمام المهدي(عج)، كل هذه الهجمة سببها الأساسي أن هذه التربية الإيمانية فيها فاعلية اجتماعية عظيمة ومؤثرة وتستقطب الناس إلى الإيمان وإلى الطاعة وتؤثر في كل مناحي الحياة.

اليوم أنتم تمثلون الطليعة، وهذا الجمع المبارك إنما يريد أن يؤكد على أن الارتباط الثقافي والفكري والإيماني الذي يتفيَّأ بمحمد(ص) وبالبتول(ع) إنما يريد أن يعبِّر عن استمرارية توجب التواصل بين المدرسة والمجتمع وبين أفراد المجتمع تمهيداً لصناعة المستقبل من خلال مواقعكم، ليكون كل واحد منكم شعاراً ورمزاً وداعية إلى الله تعالى ليعطي الإسلام حيث كان ، فيعطي النور الذي أتى به محمد وآل محمد(ص).

نحن اليوم نتمسك بالمقاومة الإسلامية التي رفعت رؤوسنا ، وجعلت لنا موقعاً ودوراً وأثبتت إنسانيتنا، لا لأنها تعبير عن حمل السلاح بل لأنها تعبير عن المنهج الذي يقوي الإرادة فينا، ويساعدنا في أن نصنع استقلالنا وعزتنا ومستقبلنا بعيداً عن أي وصاية وبعيداً عن أي سيطرة دولية، لذلك عندما تتجه أمريكا ضدنا إنما تريد أن تضرب المقاومة، لضرب قدرة الممانعة وضرب قدرة الصمود في مواجهة الاحتلال والاعتداءات السياسية المنظمة على المستوى الدولي، نحن لا نواجه احتلالاً إسرائيلياً فقط، وإنما نواجه احتلالاً أموياً يريد أن يغزو العقول والأفكار والبلدان، نحن لا نواجه اعتداءاً إسرائيلياً فقط بل نواجه اعتداءاً استكبارياً منظماً علينا وعلى أطفالنا وعلى بلداننا، نحن لا نواجه جماعة تريد أن تسيطر في بقعة خاصة فيها وإنما نواجه قرارات دولية تريد أن تصادر حريتنا وكرامتنا وإنسانيتنا بعناوين مختلفة، ولذا عندما ترون الهجمة قوية على المقاومة فهي ليست قوية عليها لأن المقاومة تحمل سلاحاً، وليست قوية عليها لأن المقاومة تتصرف بطريقة لا تنسجم مع الواقع اللبناني، بل الهجمة عليها لأن المقاومة أثبتت أنها قادرة على تعبئة الشعوب في المنطقة وعلى حماية الاستقلال في لبنان، وعلى إلهام الأحرار في منطقتنا وعلى رفض التبعية والوصاية ، لذا هم يريدون مواجهة المقاومة لإسقاط هذه الأهداف، وليس فقط من أجل السلاح.