ومما جاء فيها:
هناك اعتداءات استعمارية كانت موجودة في التاريخ ولا زالت موجودة عند الأقوياء في مواجهة الضعفاء، واليوم أمريكا تعتبر نفسها هي حاكمة العالم، إذاً هي تريد أن تسيطر على المقدرات والعباد وعلى السياسيات وعلى الشرق الأوسط الجديد وعلى كل شيء، كيف تسيطر؟ تستخدم قوتها العسكرية، فإن لم تنفع هذه القوة أو واجهت صعوبات وتعقيدات تستخدم قوة أخرى هي التي نسميها اليوم القوة الناعمة التي تدخل من خلالها إلى كل بيت وإلى كل طفلٍ وإلى كل رجل وامرأة، فنحن في حالة حربٍ دائمة، إمَّا عسكرية صلبة، وإمَّا ناعمة إبليسية، فالصلبة معروفة فهي تُسقط البيوت والأجساد، أما الناعمة الإبليسية فهي تسقط العقول والنفوس وهذه أصعب، لأن الجسد إذا وقع يمكن أن ينهض ويعالج، أما النفس إذا ماتت فلا خلاص لها لأنها تصبح ملحقةً بالأغيار وعندها لا قيامة لهؤلاء الناس.
نحن نحذر من الخطر الذي يأتينا عبر الحرب الناعمة، والتي تأخذ الأشكال المختلفة، هي حربٌ إعلامية ثقافية أخلاقية سياسية تربوية، تدخل في كل تفاصيل الحياة اليومية، وتتدخل في العادات والتقاليد والأعراف، وتضع القواعد وتنظر من أجد أن نكون ملحقين بها، هي تحاول أن تطوقنا من كل جانب حتى إذا أردنا في يوم من الأيام أن نتحرك يميناً نرى أنفسنا نتحرك شمالاً لأن السكة التي رُسمت لنا لا تمكننا من أن نسير باتجاه اليمين ولا باتجاه اليسار. هذه الحرب الناعمة هي حرب خطرة، تدخل إلى كل بيت وتحاول أن تلعب على المفاهيم والأفكار، نحن ندعو إلى الانتباه من الحرب الناعمة وإنشاء منظومة قيّم تساعد على التحصين لأننا من دون فكر سليم ومن دون رؤية واضحة لا يمكن أن نغيِّر الواقع، ولا يمكن أن ننجح وأن نربح في هذه الحرب الناعمة التي يخوضونها ضدنا.
كل خطوات أمريكا في منطقتنا هي للسيطرة على مواردنا بكل الوسائل والأساليب من دون النظر إلى نظافتها أو طهارتها، فكل شيء متاح في النظر الأمريكي، أمريكا تطلب أولاً ثم تضغط ثانياً ثم تهدد ثالثاً ثم تستخدم القوة رابعاً وبعدها إن عجزت تستمر في حربها الناعمة حتى تتمكن من تحقيق أهدافها.
أما إسرائيل فمشروع عدواني فُرض بقوة السلاح والرعاية الدولية، وهي دائماً تهدد بالحرب، والعالم ينظر إليها من دون أن يحرك ساكناً ومن دون أن يعتبرها شذت عن القاعدة الدولية التي تتحدث عن السلام العالمي، وتشاركها أمريكا والمنظومة الدولية في تبرير إجرامها واستيطانها وظلمها وقهرها للفلسطينيين الشرفاء، هذه هي إسرائيل النموذج الذي يقولون عنه بأنه نموذج ديمقراطي! هذه مؤامرة حقيقية.
مشكلة أمريكا وإسرائيل معنا وغيرهم من الأتباع والزبانية، مشكلتهم مع حزب الله أننا نقول: لا للوصاية ولا للاحتلال وهذا يخالف كل منظومة القيم والسيطرة التي يريدونها، لذلك يهجمون علينا من كل جانب، نعم كل الدنيا الباطلة تواجهنا لأننا نريد حقنا، ونحن لا نريد شيئاً من هذه الدنيا إلاَّ ما نحن عليه وفيه، ولكن نقول لهم: سنستمر ليكون بلدنا سيداً ومستقلاً، ومقاومتنا ستبقى شاهرة حضورها مدافعة ومحرِّرة ولو كره من كره ذلك فالنصر إن شاء الله للمجاهدين الصامدين، وسنهزمهم وستبقى رؤوسنا مرفوعة لأننا أصحاب الأرض وأصحاب الحق، ولو وقف غيرنا كما نقف لفاز كما نفوز.
أمريكا وإسرائيل يضعان المنطقة على شفير الحرب للابتزار والسيطرة، ويهددان بها ظناً منهما أنهما يستثمران هذا التهديد تنازلات واستسلام، ولكن الواقع اليوم يختلف عما سبق، بعد المقاومة يختلف عما قبل المقاومة، بعد الانتصار يختلف عما قبل الانتصار، عليهم قراءة الواقع جيداً، هذه المقاومة لن تمرر مشروعاً أمريكياً ولا مشروعاً إسرائيلياً.
لو نظرنا إلى ما يجري في المنطقة لوجدنا أن الأنظار تتوجه إلى إيران، رفضاً لمشروعها النووي السلمي، وهم يدَّعون أن مشروعها عسكري، ويطالبون إيران أن تثبت بما يطمئنهم أن مشروعها غير عسكري، وهذا مستحيل، لا يمكن أن يطالب المتهم بأن يثبت في كل أمكنة العالم أنه لم يرتكب شيئاً في كل مكان بالدليل القطعي، وإنما على المتهِم أن يقدم دليلاً ويسمع الإجابة، مع ذلك نحن نعلم جيداً أنه لو وافقت إيران على دعم إسرائيل لكانت دولة نووية معترف بها ليس على الصعيد السلمي بل حتى على الصعيد العسكري، وأذكركم أن الشاه بدأ المشروع النووي بدعم غربي وكان هذا أمراً طبيعياً لأنه في وقتها كان جزءًا من منظومة دعم إسرائيل، أما اليوم لأن إيران الإسلام لا تقبل بإسرائيل، وتؤمن بالحق الفلسطيني والحق العربي فإنهم يواجهون هذه الخطوات السلمية التي يقومون بها.
هناك تطورات في سوريا تُشغل الرأي العام الإقليمي والدولي، ولكن ما هو العنوان الأبرز في سوريا؟ العنوان الأبرز هو العدوان الأمريكي الدولي لإسقاط النظام السوري وتضييع موقع سوريا المقاوم في المنطقة، نحن نرفض أن يزج لبنان في العدوان على سوريا، أو أن يكون مقراً أو معبراً ضد سوريا، فلنترك الشعب السوري يختار بحوار داخلي، ويتفق فيما بين الحكم والقوى المختلفة داخل هذا الشعب ليصلوا إلى نتيجة من دون أي تدخل أجنبي، هذه هي قناعتنا.
أين الصوت الدولي مما يجري في البحرين؟ إذا كنتم تهتمون بحقوق الإنسان فهناك حراكٌ سلمي لم يستخدم رصاصة واحدة، بل سقط العديد من الشهداء والشهيدات لأنهم يطالبون بالحقوق المشروعة في إدارة البلاد، ما يدل أن المقياس هو: من يؤمن مصالح الاستكبار يكون آمناً مطمئناً مهما كان حكمه ومهما كان موقعه.
الحمد لله أن مهمة بان كيمون في لبنان فشلت، فقد أبلغه الرؤساء الثلاثة بأنهم لا يقبلون استخدام لبنان منصة خلفية للإطلاق على سوريا، ولا يقبلون أن تُستخدم الأراضي اللبنانية لإيجاد ملاذ آمن للاعتداء على سوريا، وهذه نقطة مهمة.
ويُسجل للحكومة اللبنانية أنها حمت لبنان سياسياً وحصنته، سواءً بتبنيها ثلاثي القوة الجيش والشعب والمقاومة، بعنوان جدي وليس مجرد كلمات في البيان الوزاري، وهي لم تسمح باستخدام لبنان ضد سوريا، وبالتالي لو كنا في وضعٍ مختلف وفي حكومة تؤيد استخدام لبنان معبراً لتخريب سوريا وتخريب لبنان في آنٍ معاً لكنا في وضعٍ صعب جداً، ولذا يُسجل هذا العمل السياسي الجيد لمصلحة لبنان، وإنْ كنا نسجل على الحكومة أنها تأخرت كثيراً بالتعيينات، وأنها تتباطأ في تمويل مشروع الكهرباء، وأنها يجب أن تكون فعالة أكثر، وإن كنا نهنئها بالخلاص بقرار الأجور بعد معاناة طويلة.
لولا ثلاثي القوة في لبنان لأنجز التوطين، وكانت الدبابات الإسرائيلية على مشارف العاصمة بيروت، ومخيمات الاعتداء على سوريا بإشرافٍ دولي وبرعاية دولية، وكانت المخابرات والجواسيس يمسكون بمفاصل البلد ويحركونه كما يريدون، بكل وضوح المقاومة في لبنان لم تنتصر فقط، وإنما ردعت وخفّضت من آمال إسرائيل، وإسرائيل اليوم مردوعة بمعادلة القوة، ونحن مطمئنون لأن جهوزيتنا عالية جداً، وأي أداءٍ في المستقبل سنكون فيه في مواجهة إسرائيل سيكون نموذجاً أكثر تطوراً وفعالية مما كان عليه الوضع في تموز 2006.
نحن كحزب الله ننطلق من ثوابت واضحة تضيء لنا الطريق، نحن مع استقلال لبنان، ومع حرية وخيارات شعبه، ونرفض الوصاية الالتحاق والاستخدام الأجنبي، ونؤمن بتحرير الأرض، ونؤكد على الجهوزية الدائمة لحماية لبنان والدفاع عنه، ونرفض الفتنة بكل أشكالها، وندعو إلى التعاون إلى درجة الوحدة مع من يشاطرتنا في القناعات في التنمية وبناء بلدنا، هذه هي رؤيتنا نراها ناجحة ومؤثرة في مواجهة الحرب الناعمة، وإن شاء الله ستتكسر على أيدي المقاومين وعواطفهم ومشاعرهم كما تكسرت إسرائيل بسلاحها بأيدي المجاهدين.