ومما جاء فيها:
إذا أجرينا مراجعة لما يجري في المنطقة العربية والإسلامية بشكل عام، سنجد أن أمريكا تحاول جاهدة أن تتدخل في كل أمرٍ صغيرٍ أو كبير لتتحكم بمسار الإدارة السياسية والثقافية والاقتصادية والعسكرية في كل البلدان الموجودة في منطقتنا لتستثمرها لمصالحها، ولم تتدخل أمريكا في بلد إلاَّ وخربته، وإذا فتشنا عن أسباب الفتن والمشاكل والانهيارات والتوترات والفوضى سنجد أن أمريكا وراءها، هذا ما رأيناه في أفغانستان والعراق، وفي هذه المنطقة بأسرها وعلى رأس هذه المشاكل مشكلة إسرائيل المدعومة من قبل أمريكا، وقد تدخلت أمريكا في لبنان عبر بعض زبانيتها أحياناً أو مباشرة أحياناً أخرى، ووجدنا أن كل التوترات التي نشأت في لبنان كان مصدرها التوجيه الأمريكي والإدارة الأمريكية.
واليوم الثورات العربية أمام تحدٍّ كبير اسمه السرقة الأمريكية لإنجازاتها، وكذلك التدخل الأمريكي في بعض الأحيان لإسقاط قدرة الثورة كما يحصل في اليمن وليبيا والبحرين.
خيرٌ لحكام العرب أن يلتفتوا إلى مطالب شعوبهم، وأن لا يتكوا على الدعم الأمريكي لأن أمريكا تتهاوى، ولأن هذه الشعوب لم تعد قابلة لأن ترضى بالظلم والقهر والضغط وقمع الحريات، وعدم إعطاء المصالح لجميع الناس، وتمييز المحاسيب على غيرهم، على هذه الأنظمة أن تقوم بإصلاحات، وأن تلتفت إلى المطالب الحقة، لا يُعفى أي نظام بأن يتهم ليبرز نفسه بقيامه بواجباته، فحيناً يتهمون المتظاهرين بالطائفية والمذهبية، وأحياناً أخرى يتهمونهم بأنهم عملاء لبلد آخر، وثالثة يتهمونهم بأنهم فوضويون، ولكن لو دقَّقنا في العمق سنجد أن الطبقة الحاكمة طبقة فاسدة منحرفة، تأخذ أموال الناس وتقمع الحريات، ولا تقوم بما عليها اتجاه فئات الشعب المختلفة، هذا أمر لا يمكن أن يطول، ففي النهاية النتيجة ستكون ضد هؤلاء الحكام إن لم يصلحوا.
أمَّا مع إسرائيل، فالعالم كله يعرف بأن إسرائيل متبناة بكل سيئاتها وكلها سيئات من قبل أمريكا بالكامل، لدرجة أن "بيريز" أمس يطلب من الأمم المتحدة أن توقف الصواريخ التي تطلق من غزة على الكيان الإسرائيلي! بينما المطلوب أن تتحرك الأمم المتحدة لإلغاء الإسرائيلي الذي سبَّب المقاومة وردات الفعل وإطلاق الصواريخ، هم يزحفون إلى النتائج العادية والمحدودة وينسون أنهم ظلمة ومعتدون، وأن العالم المستكبر للأسف يدعم هؤلاء ويقف إلى جانبهم.
من حق المقاومة في أي بلد وفي أي مكان أن تكون قوية وعزيزة، فكيف إذا كانت مقاومة للاحتلال الإسرائيلي والعدوان، من حق المقاومة أن تكون قوية ومسلحة، وقد أثبتت جدارتها بإنجازاتها الساطعة أمام العالم، لم تكن إسرائيل لتخرج من لبنان عام 2000 لولا المقاومة، ولم يكن عدوان تموز 2006 ليفشل لولا المقاومة، ولم يكن لبنان في مأمن من القصف الجوي اليومي والاعتداء على القيادات والناس لولا المقاومة، ولم يكن بالإمكان أن يرفع لبنان رأسه عالياً أمام الناس ويصبح محط أنظار لولا هذه المقاومة، هذا شرف موجود أمام الجميع.
كفى أولئك الذين يتباكون ويستسلمون بحججٍ مختلفة، وكفى مواعظ من أصحاب النفوس المريضة والمهزومة، وكفى أحاديث ترجح التخلي عن القوة لمصلحة مواجهة إسرائيل من موقع الضعف، فإسرائيل هي المعتدية وأصبح المطلوب منّا أن نجرد أنفسنا من القوة حتى نحرج إسرائيل أمام المجتمع الدولي، إسرائيل احتلت وتوسعت ودعمها المجتمع الدولي، هي لم تقف إلاَّ بالمقاومة، لأن المجتمع الدولي ومجلس الأمن وأمريكا كلهم متآمرون مع إسرائيل، إذاً لا يوجد حل إلاَّ أن نكون أقوياء.
على هؤلاء الذين يطلبون ضعفنا لمواجهة إسرائيل أن يبحثوا عن مطالب أخرى ومع غيرنا، لأننا لا يمكن بعد أن ذقنا طعم العز والكرامة والتحرير والاستقلال والسيادة أن نعود إلى التبعية والذل والاستسلام والارتهان للأجنبي أو لإسرائيل.
كانت لدينا في لبنان حكومة سابقة، وأصبحت حكومة تصريف أعمال، بكل وضوح إدارة الحكومة السابقة فشلت فشلاً ذريعاً في المجالات المختلفة، والآن لو طلبنا منها أن تقدم جدول إنجازات لرأينا الورقة بيضاء خالية من الإنجازات، ولكنها سوداء من كثرة الإساءات التي تحققت، هذه الإدارة فشلت فشلاً سياسياً ذريعاً لأنها أبقت حالة التوتر في لبنان، وغلَّبت المصالح الفئوية على مصلحة الوطن، وبدأت تستغل موقعها لقهر الفئات اللبنانية المختلفة باسم الإدارة وباسم الرئاسة المختصة بالحكومة. وفشلت اجتماعياً وتراكم القضايا المختلفة منها قضية سجن رومية والسجون الأخرى، ومنها تقصير القضاء في كيفية إجراء المحاكمات، ومنها الأعمال التي ركزت على الفساد والرشى وكان هذا بإشراف المسؤولين الذين كانوا يديرون البلد آنذاك.
نحن نعلم أن مسؤوليات الحكومة الجديدة كبيرة جداً، بسبب تراكمات الأخطاء وتراكمات الفساد والتقصير الذي حصل من حكومات سابقة وخاصة من سنة 2005 حتى الآن، نعم المطلوب أن نسرِّع كأكثرية جديدة لتشكيل الحكومة، ونحن نسعى لذلك، ونعلم أن التأخير ليس مناسباً لا على المستوى المعنوي ولا على المستوى العملي، ولكن هناك ظروف موضوعية تتطلب بعض الصبر للوصول إلى الحلول، لكن نتمنى أن يخفف جماعة 14 آذار من نصائحهم لنا، كان الأولى أن ينصحوا أنفسهم عندما كانت تتشكل الحكومات على زمانهم، وكان الأولى أن يراجعوا حساباتهم في كيفية العمل في لبنان.
للأسف جماعة 14 آذار اليوم تسعى لتخريب البلد لأنها ليست في السلطة، وتسعى لإحداث الفوضى لوجود الأكثرية النيابية والشعبية في مكانٍ آخر، وتعمل للتحريض الإقليمي والدولي ولجعل لبنان مسرح لخلافات، وساحة لا ينتفع منها لبنان لمجرد أن الأمور ليست بيدهم وأنهم لا يتحكمون بمقادير الأمور، هل الخروج من السلطة يستدعي تخريب لبنان؟ هل عدم القدرة على إقناع الفئات المختلفة بأن يكون الحكم بأيدي شخص أو جهة معينة يستلزم إحداث الفوضى وتخريب الواقع الاقتصادي والسياسي في لبنان؟ على كل حال الناس ترى ونحن ننبه ونوضِح وعلى الجميع أن يتحمل مسؤوليته أمام الله وأمام الناس.