حصلت حادثة أليمة في لبنان بقتل شخصين من آل قبلان وغندور ، وأدان حزب الله هذه الحادثة المأساوية ، واعتبر أنها جريمة يجب أن يُعاقب عليها ، وعلى القضاء أن يُتابع هذه المسألة إلى النهاية ليُحاسَب المسؤولون عنها ، هذه الحادثة في الاصل ليست سياسية ، وبالتالي عندما نقول جميعاً بأنها غير سياسية إنما نوصِّفها ولا يُعطي أحد شيئاً شيئاً ، لكن بارك الله بجميع السياسيين الذين أحسنوا فلم تُستغل سياسياً ولم نُتح الفرصة للطابور الخامس الخارجي الذي يريد أن يُحدث الفتنة في لبنان بأي سبب وبأي إشكال دون أي مبرر . من هنا نقول أن هذه الحادثة يجب أن تُتابع إلى نهاية المطاف من أجل معاقبة المسؤولين عنها ، ولكنها بحسب المعطيات التي وفّرتها الاجهزة الامنية حتى الآن ليست سياسية ، وكذلك نبارك للجميع أنهم لم يدخلوا في تسييسها ، وإن حاول البعض أن يُثير هذه المسألة بشكل أو بآخر ، لكن الحمد لله خرجت من هذه الدائرة .
هذا يوصلنا إلى أن الوضع في لبنان هو وضع غير صحي وغير مستقر وغير سليم . تصوروا أنه عند حصول حادثة ما ، يمكن بمواقف معينة أن تذهب الامور إلى فتنة وبمواقف أخرى أن تُرفع الفتنة في البلد ، وهذا يعني أننا لا نقف على أرض صلبة ، وأننا نتأثر بأي تصريح وبأي موقف ، لأن النفوس مشحونة ، ولأن التوتر وصل إلى كل بيت وإلى كل طفل ، ولأن الشحن الاعلامي والسياسي والمذهبي والطائفي تجاوز الحدود المنطقية والمعقولة لمثل التحركات السياسية التي يحصل فيها اختلاف . هذا يدعونا جميعاً بأن نعمل للمعالجة ، وعندما أعلن السياسيون على اختلاف اتجاهاتهم أن الحادثة ليست سياسية تنفّس اللبنانيون الصعداء ، وكأن الجميع من الاطراف المختلفة ينتظرون حلاً ولا يريدون المشكلة ، فإذا كان الشعب اللبناني توّاقاً إلى الحل فأين هي المشكلة ؟ المشكلة في السياسيين الذين لا يطرحون خطوات عملية من أجل الوصول إلى الحل .
من هنا لا بد أن نكون واضحين وأن نؤدي واجبنا في هذه المرحلة الحساسة ، نحن نقول أنه في لبنان لا ينفع الانتظار والتأجيل للحلول المُقترحة ، لأن الانتظار والتأجيل يُعطِّل الامور أكثر ، ويُدخل معادلات إقليمية ودولية تنعكس سلباً على لبنان ، بينما إذا أسرعنا في خطوات الحل السياسي الداخلي ، فهذا يعني أننا نحصِّن أنفسنا وننتقل إلى مرحلة جديدة أفضل من أجل العلاج ، وقد سمعنا كلمات إيجابية في الايام الاخيرة ، ونحن نقول رداً عليها أننا كنا في السابق إيجابيين ولم نتوقّف ، والآن نحن أكثر إيجابية أيضاً ، وأيدينا ممدودة لملاقات الاقتراحات الوحدوية والوطنية ، ونحن حاضرون لأي حلٍّ بعيد عن الوصاية وعن الاستئثار والغلبة ، وحاضرون لفتح صفحة جديدة تُنهي المآزق الموجودة على المستويات كافة وبطريقة عملية ، ونحن ندعو أن لا تبقى الايجابية في الكلمات ، بل أن تتحوّل إلى إجراءات عملية ، ونحن حاضرون لإجراءات عملية ، أي عندما نقول تعالوا للمشاركة فنحن حاضرون لأن نتّفق على برنامج المشاركة غداً أو بعد غد كي يرى الناس أننا أنجزناها ، وإن كنتم تريدون حلاً من نوع آخر فتعالوا إلى الانتخابات النيابية المبكرة لنُنجز القانون في أيام أو أسابيع ، وندخل إلى الانتخابات النيابية المبكرة لإعادة إنتاج السلطة ، وإذا قلتم بالحوار الذي يُنتج حلاً فقدِّموا إجراءات عملية حتى لا يكون الحوار تقطيعاً للوقت أو نقاشاً لا فائدة منه ، بمعنى آخر : نحن نمدّ اليد للوصول إلى المعالجة الجدية العملية وفق إجراءات محددة وحاضرون لأي طريق تريدونه ، فإذا أردتم طريق المشاركة فنحن حاضرون ، وإذا أردتم طريق الانتخابات فنحن حاضرون ، وإذا كان لديكم أفكار أخرى تُخرج البلد من هذا المأزق فنحن حاضرون ، لكن لنُترجم هذه الامور عملياً ، أما أن يقول أحد مثلاً أننا حاضرون للحلول لكن بعد أربعة أو خمسة أشهر ، عندما يأتي وقت الانتخابات الرئاسية ، وهنا أقول لكم أنه إذا لم يحصل اتفاق مُسبق فإن الخلاف على الدستور لن يُنتج رئاسة ولن يحلّ المشكلة ، ولن يكون هناك معالجة على شاكلة أحد، فإذا كان التجاذب لتفسير الدستور بحسب ما يراه كل فريق فهذا يعني أن البلد سيبقى غير مستقر ، وأي تفسير دستوري له رأيان سوء أكان أحدهما صحيحاً والآخر خاطئاً أم لا ، فمعنى ذلك أننا لن نصل إلى حلّ ولن نصل إلى نتيجة . نحن ندعو بكل جرأة ـ وأقول بكل جرأة لأن الحل يحتاج إلى جرأة ـ إلى وضع برنامج عملي جدي للخروج من الأزمة ، وأن يكون هناك تنازلات مشتركة ، وأن يكون هناك تسوية تُعطي الجميع ما يريدونه وهذا متاح وليس هناك مشكلة على الاطلاق ، بغير هذه الطريقة لا يمكن أن نصل إلى نتيجة ، ليس الوقت وقت مناورة لأن اللبنانيين تعبوا ، ولأن المناورة لن تُنتج حلاً ، وليس الوقت وقت تسجيل نقاط لأن النقاط تضيِّع الفرص وتضع الازمات فوق بعضها البعض ، أنظروا اليوم إلى المنطقة ، هي في حالة غليان والعالم في حالة إشكال، والتداعيات نسمعها في كل بلد من البلدان التي تُحيط بها بشكل مأساوي وصعب ومعقّد ، أنظروا ماذا يحصل في فلسطين وفي العراق وفي الوضع العام في هذه المنطقة ، والتفجيرات المتنقلة التي تُقلق وتقضّ مضجع الجميع ، من المغرب إلى الجزائر إلى باكستان إلى كل مكان في هذا العالم ، أفلا نعتبر مما يحصل لنشدّ أزر بعضنا البعض ، من أجل أن نكون موحّدين سياسياً كي نوصل الامور إلى الاستقرار الذي يؤدي إلى الضبط الأمني والسياسي ، ويطلِقُنا في الحالة الاقتصادية الاجتماعية لمعالجة مشاكلنا . نحن نكرر بأننا مستعدون للحلّ ، ولكن يجب أن يكون الحل لمصلحة لبنان ، بعيداً عن الوصاية وعن الاستئثار وعن الغلبة ، هذا هو مسارنا بإجراءات عملية ، فتفضّلوا نحن حاضرون للمعالجة.