لماذا يتم التركيز على البكاء في مجالس عاشوراء؟
إنَّ البكاء على مأساة كربلاء عنوانٌ أساس لهذه المجالس، ويجب أن يستمر كعنوان محوري ومركزي حيث لا تقوم هذه المجالس من دون التركيز عليه والاهتمام به. ومن لم تتحرك مشاعره لمثل هذه الحادثة العظيمة فكيف يمكن أن يتحرك قلبه للأحداث والشجون والتضحيات في سبيل الله تعالى؟ ومن لم يتأثر بما جرى على الإمام الحسين(ع) فكيف يمكن أن نضمن تأثره بالمظلوميه الكبرى التي استهدفت الإسلام والمسلمين؟
روي عن الإمام الرضا(ع) قوله:" إن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلَّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء، أورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإن البكاء يحط الذنوب العظام"(6). وعنه أيضاً:" من تذكر مصابنا فبكى وأبكى لم تبكِ عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلساً يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب"(7).فالأجر عظيم عند الله تعالى، لأن مجالس الحسين(ع) للطاعة وذكر المصيبة والتأسي بسيد الشهداء(ع).
هذا البكاء العاشورائي هو بكاءٌ تعبوي وبكاءٌ تربوي، فالمؤمنون الحسينيون يتأثرون ويتفاعلون مع الإمام الحسين(ع) ليؤثِّروا في حياتهم العملية. يقول الإمام الخميني(قده):" لا تظنوا أن هدف هذه المآتم والمواكب وغاياتها تنتهي عند حد البكاء على سيد الشهداء(ع)! فلا سيد الشهداء(ع) بحاجة إلى هذا البكاء، ولا هذا البكاء ينتج شيئاً بحد ذاته. إنما الأهم من كل هذا هو أن هذه المجالس تجمع الناس وتوجههم إلى وجهة واحدة"(8)، ويقول أيضاً:"في هذه المجالس يُقام العزاء، وتُلقى المراثي على شهادة سيد المظلومين، الذي ضحَّى بنفسه وبأولاده وأنصاره من أجل رضا الله ، وبذلك دفع الشباب للتأثر به، وجعلهم يسارعون إلى الجبهات ويتسابقون نحو نيل الشهادة ويفتخرون بها، وإذا ما حُرموا منها حزنوا وتأثروا، وبذلك أيضاً ظهرت أمهاتٌ يقدِّمن أبناءهن شهداء ثم يقلن إننا نملك المزيد من الأولاد ومستعدات لتقديمهم في سبيل الله"(9).
إنَّ تجربة شهداء المقاومة الإسلامية في لبنان دليلٌ ساطع على أثر هذا النهج الحسيني في الحياة، ولولا تربيتهم على حب الشهادة وعشق الإمام الحسين(ع) وذرف الدموع الطاهرة خشية لله وطاعة له في المجالس العاشورائية وفي صلواتهم وأدعيتهم، لما قدَّموا وجاهدوا في الميدان بكل صدق وإخلاص ولما نصرهم الله جلَّ وعلا.