لمَّا عبَّأ ابن سعد أصحابه، فأحاطوا بالحسين(ع) من كل جانب حتى جعلوه في مثل حلقة، خرج الحسين من أصحابه فأتاهم فاستنصتهم، فأبوا أن ينصتوا فقال لهم: ويلكم! ما عليكم أن تنصتوا إليَّ فتسمعوا قولي! وإنما أدعوكم إلى سبيل الرشاد! فتلاوم أصحاب عمر بن سعد، وقالوا: أنصتوا له، فقال:
تباً لكم أيتها الجماعة وترحاً! استصرختمونا والهين، فأصرخناكم موجفين، سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدونا وعدوكم، فأصبحتم ألباً لأعدائكم على أوليائكم، بغير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، فهلاَّ لكم الويلات، تركتمونا والسيف مشيم والجأش طامن، والرأي لما يستحصف، ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبا، وتداعيتم عليها كتهافت الفراش، فسحقاً يا عبيد الامة، وشذاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ومحرفي الكلم، وعصبة الآثام، ونفثة الشيطان، ومفطئي السنن! أهؤلاء تعضدون، وعنّا تتخاذلون؟! أجل والله، الغدر فيكم قديم، وشجت إليه أصولكم، وتأزرت عليه فروعكم، فكنتم أخبث ثمر شجى للناظر وأكلة للغاصب!
ألا وإن الدعيِّ ابن الدعيِّ قد ركز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلة، يأبى الله ذلك لنا، ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حميّة، ونفوس أبية، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإني زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد وخذلة الناصر. ثم أنشد أبيات فروة بن مسيك المرادي :