عاشوراء مدد وحياة

خطبة الحسين(ع) الثانية

خطبة الحسين(ع) الثانية

لمَّا عبَّأ ابن سعد أصحابه، فأحاطوا بالحسين(ع) من كل جانب حتى جعلوه في مثل حلقة، خرج الحسين من أصحابه فأتاهم فاستنصتهم، فأبوا أن ينصتوا فقال لهم: ويلكم! ما عليكم أن تنصتوا إليَّ فتسمعوا قولي! وإنما أدعوكم إلى سبيل الرشاد! فتلاوم أصحاب عمر بن سعد، وقالوا: أنصتوا له، فقال:

تباً لكم أيتها الجماعة وترحاً! استصرختمونا والهين، فأصرخناكم موجفين، سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدونا وعدوكم، فأصبحتم ألباً لأعدائكم على أوليائكم، بغير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، فهلاَّ لكم الويلات، تركتمونا والسيف مشيم والجأش طامن، والرأي لما يستحصف، ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبا، وتداعيتم عليها كتهافت الفراش، فسحقاً يا عبيد الامة، وشذاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ومحرفي الكلم، وعصبة الآثام، ونفثة الشيطان، ومفطئي السنن! أهؤلاء تعضدون، وعنّا تتخاذلون؟! أجل والله، الغدر فيكم قديم، وشجت إليه أصولكم، وتأزرت عليه فروعكم، فكنتم أخبث ثمر شجى للناظر وأكلة للغاصب!

ألا وإن الدعيِّ ابن الدعيِّ قد ركز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلة، يأبى الله ذلك لنا، ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حميّة، ونفوس أبية، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإني زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد وخذلة الناصر. ثم أنشد أبيات فروة بن مسيك المرادي :

فإن نَهزم فهزّامون قدماً        وإن نُهزم فغير مغلبينا
وما إن طبّنا جبن ولكن        منايانا ودولة آخرينا
إذا ما الموت رفع عن أناس     كلاكله أناخ بآخرينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا         سيلقى الشامتون كما لقينا
فأفني ذلكم سرواة قومي        كما أفنى القرون الأولينا
فلو خلد الملوك إذاً خلدنا       ولو بقي الكرام إذاً بقينا

ثم أيم الله لا تلبثون بعدها إلاَّ كريثما يُركب الفرس، حتى تدور بكم دور الرحى، وتقلق بكم قلق المحور، عهد عهده إليَّ أبي عن جدي"" فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلاَ تُنْظِرُونِ " " إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ".

ثم رفع يديه نحو السماء وقال: اللهم احبس عنهم قطر السماء، وابعث عليهم سنين كسني يوسف، وسلط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأساً مصبرة، فإنهم كذبونا وخذلونا وأنت ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير(55).