سار الحسين(ع) والحر يسير بمحاذاته، وفي "البيضة" خطب الإمام الحسين(ع) في أصحابه وأصحاب الحر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إن رسول الله(ص) قال:" من رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحُرَم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله(ص)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يُدخله مدْخَله". ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرَّموا حلاله، وأنا أحق من غيَّر. وقد أتتني كتبكم، وقدمت عليَّ رسلكم ببيعتكم، أنكم لا تُسلموني ولا تخذلوني، فإن تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم. فأنا الحسين بن علي، وابن فاطمة بنت رسول الله(ص)، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، فلكم فيَّ أسوة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم، وخلعتم بيعتي من أعناقكم، فلعمري ما هي لكم بنُكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم، والمغرور مَن اغتر بكم، فحظَّكم أخطأتم، ونصيبكم ضيعتم، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه، وسيُغني الله عنكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته"(29). وروي أن هذا الكلام قد أرسله الإمام برسالة إلى أعيان الكوفة مع قيس بن مسهر الصيداوي يوم نزوله في كربلاء"(30).
وخطب الحسين(ع) بذي حُسُم (31)، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:"أنه قد نزل من الأمر ما ترون، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت، وأدبر معروفها واستمرت جدا، فلم يبق منها إلاَّ صُبابة كصُبابة الإناء، وخسيسُ عيش كالمرعى الوبيل. ألا ترون أن الحق لا يُعمل به، وأن الباطل لا يُتناهى عنه! ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فإني لا أرى الموت إلاَّ سعادة، الحياة مع الظالمين إلاَّ برما"(32).
فقام زهير بن القين البجلي وقال: قد سمعنا هداك الله يا بن رسول الله مقالتك، والله لو كانت الدنيا لنا باقية، وكنا فيها مخلدين، إلاَّ أن فراقها في نصرك ومواساتك، لآثرنا الخروج معك على الإقامة فيها. فدعا له الحسين ثم قال له خيراً.