سار الإمام من بطن العقبة حتى نزل شَراف(27)، وعند السحر أمر فتيانه أن يستقوا من الماء ويكثروا، ثم أكمل المسير حتى انتصف النهار، حيث برزت طلائع خيل قادمة، فاستقر قريباً من ذي حُسُم، وتبين أن الحر بن يزيد الرياحي قد قدم على رأس ألف فارس لمنع الحسين(ع)من الرجوع إلى المدينة وتوجيهه باتجاه الكوفة إلى ابن زياد. وكان مجيء الحر من القادسية بأمر من الحصين بن تميم الذي أرسله والي الكوفة عبيد الله بن زياد إلى القادسية بعد أن بلغه مسير الحسين(ع) باتجاه الكوفة.
رأى سيد الشهداء ما بالقوم من عطش، فأمر أصحابه أن يسقوهم ويرشفوا الخيل من الماء الذي حملوه معهم، ففعلوا حتى ارتوى الجميع، وكان آخرهم علي بن الطعان المحاربي الذي أصابه العطش الشديد وكذلك فرسه، فقال له الحسين(ع): أنخ الراوية. فلم يفهم عليه، فأوضح له أنخ الجمل. وعندما همَّ أن يشرب، جعل الماء يسيل من السقاء، فقال له الحسين(ع) : أخنث السقاء أي إعطفه. فلم يدر ما يفعل، فعطفه الإمام الحسين(ع) بنفسه حتى ارتوى وسقى فرسه(28).ثم أمر الإمام المؤذن بالأذان فأذن للظهر، بعدها خاطب القوم وقال: إنها معذرة إلى الله عزَّ وجل وإليكم، وإني لم آتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت عليَّ رسلكم، أن أقدم علينا فليس لنا إمام ولعل الله أن يجمعنا بك على الهدى، فإن كنتم على ذلك، فقد جئتكم فاعطوني ما أطمئن به من عهودكم ومواثيقكم، وإن كنتم لمقدمي كارهين، إنصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم. فسكتوا جميعاً.