• naimkassem@naimkassem.com.lb

  • الرئيسية
  • ’يا حبيب العاشقين’افتتاحية العدد270
...
’يا حبيب العاشقين’افتتاحية العدد270

’يا حبيب العاشقين’افتتاحية العدد270

يا حبيب العاشقين

يا حبيب العاشقين


 من دعاء الندبة: "بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ مُغَيَّبٍ لَمْ يَخْلُ مِنّا, بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ نازِحٍ ما نَزَحَ عَنّا, بِنَفْسِي أَنْتَ أُمْنِيَّةُ شائِقٍ يَتَمَنَّى مِنْ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ ذَكَرا فَحَنَّا، بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ عَقِيدِ عِزٍّ لا يُسامَى, بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ أَثِيلِ مَجْدٍ لا يُجَارى, بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ تِلادِ نِعَمٍ لا تُضاهى, بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ نَصِيفِ شَرَفٍ لا يُساوى. إِلى مَتى أُحارُ فِيكَ يا مَوْلايَ؟ وَإِلى مَتّى وَأَيُّ خِطابٍ أَصِفُ فِيكَ وَأيُّ نَجْوى؟".
 الغَيْبَةُ الكبرى حالةُ تواصلٍ خاصة بين القائم(عج) والمؤمنين، وهي علاقةٌ تُرسي الارتباط بين الإمام ورعيته، ولذا يكون الشوق حاراً لللِّقاء، وقد عبَّر دعاءُ الندبة عن هذه الحالة من الحب ورغبة لقاء المؤمنين بإمامهم المهدي(عج).
 في الدعاء: "بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ مُغَيَّبٍ لَمْ يَخْلُ مِنّا"، أفديك بنفسي يا إمامنا الحاضر في قلوبنا، وعلى الرغم من غيبتك عن أنظارنا، فإنَّ نفوسنا لا تَخْلُ من ظِلالك وتأثيرك. أمَّا كيف يتحقَّق هذا الأمر؟ فقد أجاب الإمام الصادق(ع) (أحد أصحابه) سليمان عندما سأله: فكيف ينتفعُ النَّاس بالحجة الغائب المستور؟ قال(ع): "كما ينتفعون بالشَّمس إذا سَتَرَها السَّحاب"(1). وهكذا يكونُ دفء الإمام في القلوب.
وقد أخبرتنا الروايات بحضوره بطرقٍ مختلفة, فيرانا ولا نراه, ويحضر في مواسم الحج، فعن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: "يفقد الناس إمامهم، يشهد الموسم، فيراهم ولا يرونه"(2). فهو قريبٌ من قلوب مُحبِّيه ولو يروه.
 وفيه: "بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ نازِحٍ ما نَزَحَ عَنّا"، والنَّازحُ هو البعيد، ولكنَّ الإمام(عج) قريبٌ ما نَزَحَ أو ابتعد عنَّا، فحبُّ الإمام عندنا ليس مُجرَّدَ علاقةٍ عاطفية عابرة، بل هو بلسمُ الرّوح، ونُور الحياة، وعونُ الجوارح، ورضوان الآخرة، إنَّه خفقان القلب بحبِّ الولي.
 وفيه: "بِنَفْسِي أَنْتَ أُمْنِيَّةُ شائِقٍ يَتَمَنَّى مِنْ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ ذَكَرا فَحَنَّا"، فالمشتاق يتمنَّى لقاءَ الحبيب، وأنت يا إمامي أمنيةُ المشتاق الذي لا أمنية له أسمى منها، وهي تُشعِلُ القلوب لهفةً وشوقا، وتشمل المؤمن والمؤمنة الذين يذكرانك دائماً، ويلهجان بالدعاء لظهورك، أو لم يقل رسول الله(ص):"سلوا الله من فضله، فإنَّ الله عزَّ وجل يحبُّ أن يُسأل، وأفضل العبادة انتظار الفرج"(3)، حينها, يَعُمُّ حنانُك وعطفُك المؤمنين، فيستهدون بحضورك بينهم ولو لم يروك.
 أفديك بنفسي يا عقيد العز، يا أصيلاً وثابتاً ملازماً للعز الذي لا يسمو ولا يصل إليه أحدٌ غيرك في مكانتك وعظمتك، "بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ عَقِيدِ عِزٍّ لا يُسامَى"، كيف لا يتعلَّق قلبي بكنفِك، وأنت العزيز السامي.
 "بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ أَثِيلِ مَجْدٍ لا يُجَارى". الأثيل هو المتأصل في الشرف، وأثيل المجد بانيه، فيا إمامي الحبيب، أفديك بنفسي وأنتَ باني المجد الذي لا يجاريه أحد، فهو أحدُ كمالاتك يا صاحب المكانة العظيمة، ولطالما أفاضَ الكمالُ نورَ الحبّ في قلوب المؤمنين.
 "بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ تِلادِ نِعَمٍ لا تُضاهى". تلادُ النِّعَم تعني توليد النِّعم أو إقامتها في المكان الذي يصبح مصدراً لها، والتي لا تُضاهى، فأنت تُعطي ولا تأخذ، وتُحسنُ ولا تنتظرُ ردَّ الإحسان، وتفيضُ ببركات غيبتك الكبرى، وإشعاع ظهورك المنتظر، بما يولِّدُ لهفةً في القلوب إلى لقياك، فمتى الفرج يا مولاي لقلوبٍ عاشقة والهة؟.
 أفديك بنفسي يا نَصيفَ الشَّرف، يا من يَعُمُّ الشرفُ منك فلا يساويك أحدٌ مكانةً ومحتداً، "بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ نَصِيفِ شَرَفٍ لا يُساوى".
 إنًّ انتظار المؤمنين يا سيدي هو انتظارُ العاشقين المحبِّين، وهو انتظارُ الدَّاعين لله تعالى بتعجيل الفرج، وهو انتظارُ من يلاحق الكلمة والإشارة التي تُنبئُ باحتمال الظهور، وهو خفقان القلب شوقاً لللِّقاء، فـ: "إِلى مَتى أُحارُ فِيكَ يا مَوْلايَ؟"، وهي ليست حيرة التائهين عن الطريق، وإنما هي حيرة القلوب التي تنتظر استقرارها برؤية معشوقها لتكون في خدمته وتنفِّذ أوامره.
  عن الإمام الرضا(ع) عن آبائه عن الإمام الحسين(ع), قال: "قال لي أبي، قال أخي رسول الله (ص): من سرَّه أن يلقى الله تعالى مقبلاً عليه غير مُعرِض عنه، فليوالِ علياً، ومن سرَّه أن يلقى الله تعالى وهو عنه راض، فليوالِ ابنه الحسن(ع)، ومن أحبَّ أن يلقى الله تعالى وهو لا خوفٌ عليه، فليوالِ ابنه الحسين(ع)، (ثم ذكر الأئمة(عم)) إلى أن قال: ومن أحبَّ أن يلقى الله وقد كَمُلَ إيمانه وحَسُنَ إسلامه، فليوالِ الحجَّة صاحب الزمان, القائم المنتظر, المهدي محمد بن الحسن، فهؤلاء مصابيحُ الدّجى، وأئمة الهدى، وأعلامُ التّقى، فمن أحبَّهم وتولاَّهم كنتُ ضامناً له على الله الجنة"(4).
 كلماتي قاصرةٌ يا مولاي من أن تُعبِّر عمَّا في قلبي، "وَإِلى مَتّى وَأَيُّ خِطابٍ أَصِفُ فِيكَ وَأيُّ نَجْوى؟"، فخطابي أتلوه على الملأ، وهو لا يعبِّر عمَّا يختلج في صدري، ولو استبدلته بمناجاتك بحيث لا يسمعني من البشر أحدٌ سواك، فلا أدري ماذا أقول، فأنا عاجزٌ عن شرح مرادي. يكفيني يا مولاي, مع ضعفي وعجزي, أنْ أُطلِق العنان لحبّي لك، فأنا أحبُّك، ولعلَّ مشاعر الحبّ تعفيني من التعبير العاجز، وأنت المتفضل بإحاطتك للمؤمنين. عجَّل الله تعالى فَرَجَك، فنحنُ بانتظارك يا مولاي، يا حبيب العاشقين.
1- الشيخ الصدوق، الأمالي، ص : 253.
2- الشيخ الكليني، الكافي، ج1،  ص : 339.
3- الترمذي، سنن الترمذي, ج5، ص: 225.
4- شاذان بن جبرائيل القمي، الفضائل، ص: 166 و 167.
 نائب الأمين العام لحزب الله
سماحة الشيخ نعيم قاسم