• naimkassem@naimkassem.com.lb

  • الرئيسية
  • ’شوق المنتظرين’افتتاحية العدد271
...
’شوق المنتظرين’افتتاحية العدد271

’شوق المنتظرين’افتتاحية العدد271

شوق المنتظرين

شوق المنتظرين

اللّهُمَّ  أَنْتَ كَشَّافُ الكُرَبِ وَالبَلْوى, وَإِلَيْكَ أَسْتَعْدِي فَعِنْدَكَ العَدْوى, وَأَنْتَ رَبُّ الآخِرةِ وَالدُّنْيا, فَأَغِثْ يا غِياثَ المُسْتَغِيثِينَ عُبَيْدُكَ المُبْتَلى, وَأَرِهِ سَيِّدَهُ يا شَدِيدَ القُوى, وَأَزِلْ عَنْهُ بِهِ الاَسى وَالجَوى, وَبَرِّدْ غَلِيلَهُ يَا مَن عَلى العَرْشِ اسْتَوى, وَمَن إِلَيْهِ الرُّجْعى وَالمُنْتَهى, اللّهُمَّ  وَنَحنُ عَبِيدُكَ التّائِقُونَ إِلى وَلِيِّكِ المُذَكِّرِ بِكَ وَبِنَبِيِّكَ.
 يبدأ هذه الفقرة من دعاء النّدبة باللجوء إلى الله تعالى، لينصره ويُعينه ويبرِّد حرارةَ شوقِه برؤية ومواكبة ونُصرة صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء). هذا اللجوء إلى الله تعالى هو مفتاح كل الطلبات والخيرات، فالله تعالى خالقُ الخلق، ومالكُ الملك، وواسع الرَّحمة, وله الأسماء الحسنى.
 يناجي ربَّه: "اللّهُمَّ  أَنْتَ كَشَّافُ الكُرَبِ وَالبَلْوى"، قد يغتَمُّ المرءُ من الأحداث التي تمرّ معه وكأنَّ نَفَسَه سينقطع بسببها، وهذه هي الكُرَب، وقد تصل البلاءات والاختبارات إلى ذروتها، بحيث لا نجاة ولا كشفَ لها إلاَّ بعون الله تعالى، قال تعالى: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ"(1).
 وإذا ما احتاج الإنسان إلى النُصرة، فلن يجدها إلاَّ مع الله تعالى، ولذا طَلَبَ في الدعاء: "وَإِلَيْكَ أَسْتَعْدِي فَعِنْدَكَ العَدْوى"، وفي مجمع البحرين، استعديتُ الأمير فأعدَاني، أي طلبتُ منه النصرة فأعانني ونصرني، وما أحوجنا إلى طلب النُصرة من الله تعالى، فإليك يا رب أطلب النُصرة فأنت الناصر والمعين.
 "وَأَنْتَ رَبُّ الآخِرةِ وَالدُّنْيا"، وهل يَطلبُ المرء إلاَّ من مالك المُلك؟ وهل يملك أحدٌ شيئًا في الدنيا والآخرة إلاَّ الله جلَّ وعلا؟ أنت الربُّ المدبِّرُ، ، وأنا أناجيك يا من بيده ملكوت كل شيء.
 إنَّ مناجاة كَشَّاف الكُرَبِ والبلوى، والنَّاصر المعين، الذي بيده ملكوت كل شيء، لطلب العون من غِياثَ المُسْتَغِيثِين, للعُبَيْدِ الأقل من العبد، هو اعترافٌ بالضعف الشديد والتذلل الأقصى إلى الله تعالى, للإغاثة من البلوى، "فَأَغِثْ يا غِياثَ المُسْتَغِيثِينَ عُبَيْدُكَ المُبْتَلى".
 ما هو هذا الأمر العظيم الذي استدعى هذه المقدِّمات؟
 ما هو البلاء الذي يتطلَّب غوثًا ونُصرةً من ربِّ السَّماوات والأرض، وربِّ الدنيا والآخرة؟
 إنَّه الشَّوقُ لرؤية مولانا الحجة المهدي(عج)، والعشقُ لخاتم الأوصياء القائم المنتَظَر(عج)، والرغبة بالطمأنينة والسَّكِيْنَة بالإنضواء تحت راية مُنقذ البشريَّة الخَلَف المهدي(عج).
 "وَأَرِهِ سَيِّدَهُ يا شَدِيدَ القُوى"، والمقصود بالرؤية هو الظهور والفرج، والطلب دائمًا من الله تعالى شديد القوى، الذي لا يَكِل أمرَه إلى أحد، ولا يؤخِّره لعجزٍ أو ضَعف، فهو الذي بيده كل مصادر القوة وبأعلى مراتبها وبأشدّ تَمَكُّنٍ منها، فيا شَدِيدَ القُوى، أَرِ عُبَيْدكَ المُبْتَلى سَيِّدَهُ وقائده ومولاه محمد بن الحسن العسكري(عج) ظاهرًا وباسطًا سُلطةَ عدلِه ودولته العالمية.
 ما أعظم آثار مناجاة الله تعالى "يا شَدِيدَ القُوى". شكا رجل إلى الحسن(ع) مظلمة، فقال(ع): إذا صلَّيْتَ الركعتين بعد المغرب فاسجُد، وقُلْ يا شديد القوى، يا شديد المحال، يا عزيزًا ذللت بعزَّتك جميع من خلقت، صلِّ على محمَّدٍ وآلِ محمد، واكفني مؤنة فلان بما شئت"(2). فسمع الصراخ على موت ظالمه من ليلته.
 "وَأَزِلْ عَنْهُ بِهِ الأَسى وَالجَوى"، الأَسى هو الحزن الذي يتطلب التعزية بالفَقد والخُسران، والجَوى هي الحُرْقة وشدَّة الوَجْدِ من العشق أو الحزن، فما أبْلَغَ الشَّوق الذي أحزَنَ عُبَيْدكَ المُبْتَلى, وزَادَ من حرقة قلبه، المنتظِر لظهور الطَّلعة البهيَّة.
 ما أروَعَ لهفة القلب المتعلِّق بولي الله الأعظم(عج)، شوقًا يُقرِّبُ زمان اللقاء، ويرقِّقُ حواجز الخفاء عن العيون، ومن هنا كان انتظار الفرج أفضل العبادة، لإستقبال الظهور في أوانه بأفضلِ استعدادٍ وأداء، فيزولُ الأَسى والجَوى.
 الظهور يُبرِّدُ الغليل، ويُطفئ نيران الوَجد، ويُلقي السَّكِيْنَة في القلب.
 فيَا مَن على العَرْشِ اسْتَوى, ويا مَن إِلَيْهِ الرُّجْعى وَالمُنْتَهى، وبيده السلطة المطلقة ونهاية كل شيء، عجِّل فَرَجَ ولِّيك ليقودنا إلى الفلاح. هذا الشوق الكبير لرؤية مولانا في ظهوره، لا يعني التَّحسُّر، أو الإنتظار السلبي بلا حراك، أو اليأس من تأخر الظهور عن موعد توقعاتنا أو رغباتنا، بل هو شوقٌ يربطُ القلبَ بالحبِّ الأبدي الذي لا يضاهيه حبٌّ آخر، ويدفعُ لبذل أقصى الجهود للمساهمة في التَّمهيد للظهور، فالإمام(عج) يَنتظرُ أن تكتمل عُدَّتنا وعددنا ليأذن الله تعالى له بالفَرَج.
 الشَّوقُ إلى الإمام(عج) هو شوقُ المنتظرين، والمنتظرون هم العابدون الطائعون المتأمِّلون برحمة الله تعالى، الذين لا تتوقف حركتهم لإعلاء كلمة الله تعالى على الأرض، وهم المجاهدون الذين لا يخافون في الله لومة لائم، قلوبهم كزبر الحديد، ولكنَّهم يخشعون فترقّ قلوبهم بمناجاة الله تعالى.
 شوقُ المنتظرين جُرعةٌ قويةٌ للثَّبات والتقوى، ونورٌ يُضيىءُ طريق الحياة على نهج محمد(ص) وآل محمد(عم). "اللّهُمَّ وَنَحنُ عَبِيدُكَ التّائِقُونَ إِلى وَلِيِّكِ المُذَكِّرِ بِكَ وَبِنَبِيِّكَ". ألم يصف ربُّ العالمين حال المُنعَّمين بالجنَّة بقوله: "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ"(3)، فالحال في النعيم عيشٌ لللِّقاء نظَرٌ إلى رحمة الله تعالى، وهكذا يكون لقاءُ الدنيا مع الإمام المهدي(عج) مُذَكِّرًا بلقاء الله تعالى ورسوله(ص).
 اللّهُمَّ إنَّا نسألك تعجيلَ الفَرَج، وتسكينَ القلوب بحبِّ محمدٍ(ص) وآل محمد(عم)، وتبريد الشَّوق بلقاءِ ونُصرةِ وليِّ الله الأعظم(عج)، اللّهُمَّ  وأنت المعين والمغيث والنَّاصر لعبيدك الملتجئين إليك.
1- سورة البقرة, الآية: 214.
2- السيد البروجردي, جامع أحاديث الشيعة, ج 7, ص: 277.
3- سورة القيامة, الآيتان: 22 و23.