’من آداب المنتظرين’افتتاحية العدد 236
من آداب المنتظرين
ادَّخَرَ الله تعالى للأمة صاحب العصر والزمان المهدي المنتظر(عج) إلى آخر الزمان، ليكون المنقذ، والقائد، والحاكم بالعدل على مستوى المعمورة، والموجِّه إلى طريق السعادة الأبدية، فغيبتُه كالشمس التي يحجبها السحاب، حيث تعمُّ بركاتُ وجوده وانتظاره مصحوبة بأمل الفرج وإقامة الدين، وهذا ما يُلقي علينا مسؤولية تجهيز أنفسنا لنكون من جنده وأعوانه، ولنعبِّر عن شكرنا لله تعالى على هذه النعمة الكبرى، ما يستلزم سلوكاً وآداباً للتصرف حيال هذا الحدث العظيم، ولعلَّ أبرز الآداب التي تنسجم مع الانتظار ما يلي:
1-معرفة أهداف الانتظار: ذكر السيد ابن طاووس في زيارة صاحب الزمان، في يوم الجمعة وهو اليوم الذي يظهر فيه: "السلام عليك يا حجة الله في أرضه، السلام عليك يا عين الله في خلقه، السلام عليك يا نور الله الذي يهتدي به المهتدون ويفرج به عن المؤمنين، السلام عليك أيها المهذب الخائف، السلام عليك أيها الولي الناصح، السلام عليك يا سفينة النجاة، السلام عليك يا عين الحياة، السلام عليك صلى الله عليك وعلى آل بيتك الطيبين الطاهرين"(1).
لاحظ هذه الأهداف الواضحة في انتظار الإمام المهدي(عج)، فهو حجة الله في أرضه، ومن لم يتوفق للإيمان والارتباط بهذه الحجة فقد خسر خسراناً مبيناً، وابتعد عن جادة الصواب. وهو عين الله في خلقه، يرى المؤمن من خلاله عظمة الخالق، وضرورة العشق له، والارتباط بنهجه تحقيقاً لرضاه. وهو نور الله الذي يهتدي به المهتدون، وهل لأحدٍ هداية من دون هذا النور؟ وأي ربحٍ يحقِّقه أولئك البعيدون عن إشعاعات هذا النور!. وهو باب الفرج، الذي يفتح الطريق إلى الهداية والفلاح والنصر والثواب وكل الخيرات، في الدنيا والآخرة. وهو الولي الناصح، الذي يُرشد ويصحح ويوجِّه إلى الصواب والاستقامة، ويا حسرتاه على من حُرم من ولاية الولي. وهو سفينة النجاة، في بحر الدنيا المتلاطم والمليء بالبلاءات والآثام، فمن ركب السفينة نجا، ولا سفينة غيرها، ولن ينتفع أحد من الهروب إلى الجبل فإنَّه لا يعصم من الغرق في ماء الطوفان إلاَّ ركوب سفينة النجاة. وهو عين الحياة الرقراقة والعذبة، التي إذا ما شرب منها الإنسان ارتاحت نفسه وارتاح جسده، ليعيش رَغَدَ الحياة الدنيا في الطاعة بإمرة الولاية، ثم جنة الخلد مع النبي(ص) وآلة الأطهار(عم).
2-التقرُّب بآل البيت(عم): ومما ذكره السيد ابن طاووس، في زيارة صاحب الزمان، المشار إليها أعلاه: "أتقرب إلى الله بك وبآل بيتك، وانتظر ظهورك وظهور الحق على يديك، واسأل الله أن يصلي على محمد وآل محمد, وأن يجعلني من المنتظرين لك, والتابعين والناصرين لك على أعدائك, والمستشهدين بين يديك في جملة أوليائك"(2).
إنَّ التقرُّب إلى الله تعالى بآل البيت(عم) وسيلةُ النجاة بمن خلق الكون لأجلهم، وتعبيرٌ عن خيار السلوك إلى الحبيب بأحبائه، ودرجةٌ عاليةٌ من التفاني مع الأطهار للعروج إلى الكمال. ولهذا التقرُّب ترجمة عملية من خلال: انتظار الظهور لإظهار الحق ونشر العدل على يد المهدي(عج)، والعبور من الانتظار إلى الإتِّباع والنصرة في مواجهة الأعداء، والاستعداد الكامل للشهادة مع أولياء الله بقيادة ولي الله الأعظم الحجة المنتظر(عج). وسرعان ما تظهر آثار التقرُّب بآل البيت(عم) من خلال الفهم والسلوك والمسار العملي، وذلك لتثبيت منهجهم في كل مفاصل الحياة الشخصية والعامة.
3- تجديد العهد: نستيقظ في كل يوم جديد، لنستقبل الحياة من جديد، وما نذكره في الصباح يساعدنا على مسار اليوم بأكمله، فلنفتتح صباحنا بتجديد العهد للإمام المهدي(عج)، حيث ينعكس هذا التجديد على يومنا باختيار خط الولاية، ويضاف إلى أيامنا الأخرى التي راكمناها في البيعة، التي تتجذر في حياتنا وأدائنا كلما طال بنا الزمن ونحن بالانتظار.
تجديد العهد مقدَّمٌ على كل شيء، وأول خطوة في برنامجنا اليومي، وأصدقُ تعبير عن الولاء، فعن الإمام الصادق(ع) أنَّه قال: "من دعا إلى الله أربعين صباحاً بهذا العهد, كان من أنصار قائمنا: اللهم إني أجدد له في صبيحة يومي هذا, وما عشت من أيامي, عهداً وعقداً وبيعةً له في عنقي، لا أحولُ عنها ولا أزولُ أبدا، اللهم اجعلني من أنصاره وأعوانه, والذَّابين عنه, ، والمسارعين إليه في قضاء حوائجه، والمحامين عنه, والسابقين إلى إرادته، والمستشهدين بين يديه"(3).
4- العبادة لله تعالى: أوَّلُ خطوات التجهيز لسلوك درب الولاية والطاعة لله تعالى أداءُ العبادات، فهي التي تُصقلُ الشخصية المؤمنة، وترقى بها إلى مستوى اللائق للالتحاق بأنصار الإمام المهدي(عج)، ولذا يتميز أصحاب المهدي(عج) بقيام الليل، الذي يشحنهم بقوة مواجهة أعداء الله تعالى، وهم الذين ينيرون طريق الهدى للناس، ويحملون أرواحهم على أكفهم في سبيل الله تعالى. فعن الإمام الصادق(ع): "رجالٌ لا ينامون الليل، لهم دويٌ في صلاتهم كدوي النَّحل، يبيتون قياماً على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم، رهبانٌ بالليل ليوثٌ بالنهار، هم أطوعُ له من الأَمَة لسيِّدها كالمصابيح, كأنَّ قلوبهم القناديل، وهم من خشية الله مشفقون, يدعون بالشهادة، ويتمنَّون أن يُقتلوا في سبيل الله"(4).
5- الورع ومحاسن الأخلاق: عن الإمام الصادق(ع): " من سرَّه أن يكون من أصحاب القائم, فلينتظر, وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده, كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدُّوا وانتظروا، هنيئاً لكم أيتها العصابة المرحومة "(5).
من آداب الغيبة، أن لا يدَّعي المرء ولايته لصاحب الزمان(عج)، إلاَّ إذا كان من أصحاب الصفات الإيمانية التي تحيطها التقوى والورع، وتتجلى في محاسن الأخلاق في العلاقة مع الناس، ليكون قدوة حقيقية في مجتمعه، ونموذجاً عملياً لأنصار القائم(عج)، فأنصاره هم المؤمنون المجاهدون وأصحاب الأخلاق السمحاء، فهم موسومون بالآداب الإسلامية في السلوك بدافع الورع، وهذا ما يؤهلهم ليكونوا من أنصاره وأعوانه.
6- إحياء أمرهم: إنَّ إحياء أمر الأئمة(عم) هو الترجمة العملية للاقتداء بهم وترويج منهجهم، وهو المؤشر على مدى الارتباط بهم، عن الإمام الصادق(ع): "أحيوا أمرنا رَحِمَ الله من أحيا أمرنا، ودعا إلى ذكرِنا"(6). من المعلوم أن الإكثار في ذكر أمرٍ ما، هو التعبير العملي عن الحب والتفاعل، ومن أقل الوفاء والأدب مع ولي أمرنا المعظم أن نُكثر ذكره ونحيي أمره، بذكر سيرته، وتأكيد ارتباطنا به في غيبته، وانتظار ظهوره، ونشر تعاليمه، والأنس بما ورد عنه.
هذه بعض الآداب التي تجعلنا لائقين لنكون من جند الإمام المهدي(عج)، يجمعها الالتزام الكامل الراقي بمنهج أهل البيت(عم).
الهوامش:
1-السيد ابن طاووس, جمال الأسبوع, ص: 41 .
2- المصدر نفسه, ص: 42 .
3- العلامة المجلسي, بحار الأنوار, ج 53, ص: 96.
4- المصدر نفسه, ج 52, ص: 308 .
5- النعماني, كتاب الغيبة, ص: 207 .
6- عبد الوهاب، عيون المعجزات، ص: 5.