• naimkassem@naimkassem.com.lb

  • الرئيسية
  • ’الحب والإستخلاص’افتتاحية العدد250/تموز 2012
...
’الحب والإستخلاص’افتتاحية العدد250/تموز 2012

’الحب والإستخلاص’افتتاحية العدد250/تموز 2012

الحب والإستخلاص

الحب والإستخلاص

 روى العلامة السيد ابن طاووس في كتاب مصباح الزائر دعاء الندبة، في الفصل الخاص بأعمال السرداب المقدَّس، الذي يُستحب أن يُدعى به في الأعياد الأربعة: عيد الفطر، والأضحى، والغدير، ويوم الجمعة. وهو دعاءٌ يركز على التفاعل مع المعصومين ومكانتهم وشوق اللقاء بالإمام الحجة المنتظر(عج) الذي يحقِّق الآمال والسعادة الحقيقية، ويعمم العدل ويُنهي الظلم.
1- مفتاح كل خير.
 يبدأ الدعاء بـ: "الحمد لله رب العالمين"، فالعلاقة مع الله تعالى مفتاح كل خير، وهدىً إلى الاستقامة، ونورٌ في الدنيا، وثوابٌ في الآخرة، قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ"(1). فمن كان مع الله تعالى لا يبالي، ومن أدرك نِعمَه فحمَدَهُ فقد أوصله حمدُه إلى سبحات عزِّه جلَّ وعلا، فربِّي أَحمدُ شيءٍ عندي وأحقُّ بحمدي.
2- الاستخلاص.
 ثم يقول في الدعاء: "اللهم لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في أوليائك، الذين استخلصتهم لنفسك ودينك". أولياءُ الله تعالى محاطون بالتوفيق الإلهي الذي اختارهم، واستخلصهم لنفسه, ذائبين في حب الله تعالى، ولِهِينَ بعشقه، واستخلصهم لدِينه, عاملين في سبيل نشره والدعوة إليه وتثبيت أحكامه في حياة الأمة. أولياءُ الله تعالى في رعايته مهما جرى عليهم من قضاء، يوالي بعضهم بعضاً، فالمؤمنون بعضهم أولياء بعض، والأولياء المعصومون هم أولياء الله حقاً، ولك أن تتصور تلك المنظومة الرائعة التي تربط الأولياء بالأولياء بالله تعالى، ليمتد حبلُ النور محيطاً بهم، بمددٍ يجعل القلوب معلَّقةً بالسماء، في رباطٍ لا انفكاك له، يُغني عن كل شيء، ولذا فالحمد كلُّه لله تعالى لا شريك له.
3- يحبهم ويحبونه.
 الاستخلاصُ مفعمٌ بالحب، والحبُّ متبادلٌ بين الله تعالى والأولياء، "يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ"، في انعكاسٍ مؤثرٍ في هذه الحياة الدنيا، بحيث يولِّدُ الحبُّ تسامحاً خالصاً مع المؤمنين من دون حواجز، "أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ"، وموقفاً صلباً لا يقبل المداهنة والضعف، "أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ"، في إطار عطاءٍ لا يتوقف ولا يحول دونه شيء من نفسٍ أو مال، "يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ"، من دون خوف حالي أو مستقبلي، دنيوي أو أخروي، "وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ"، وهذه هي النتيجة الحتمية لعلاقة الحب مع الله تعالى، "ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ"(2).
 يتمظهرُ الحبُّ في العلاقة مع أولياء الله تعالى، وخاتمهم الإمام المهدي(عج)، ومن أراد أن يكون من المخلَصين والمستخلصين فليكن موالياً للأولياء، ولتصل شذرات حبه لله تعالى إليه. فعن الإمام الباقر(ع) فيما نقله عما جرى مع رسول الله(ص) ليلة الإسراء والمعراج، خطابُ الله تعالى للنبي(ص) عن الأئمة(عم) وولايتهم، وأنَّهم من نورٍ واحد، ثم خاطبه قائلاً: "يا محمد، أتحب أن تراهم؟ فقلت: نعم. فقال: تقدَّم أمَامَك، فتقدمتُ أمَامي, فإذا علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والحجة القائم كأنَّه الكوكب الدري في وسطهم. فقلت: يا رب، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الأئمة(عم)، وهذا القائم(عج)، محلِّلُ حلالي، ومحرِّمُ حرامي، وينتقم من أعدائي. يا محمد، أحبِبْهُ فإني أُحبُّه, وأُحبُّ من يحبه"(3).
4- الولاية والحب.
 ما أعظم هذا الاستخلاص، المفعم بالحب، والمجلَّل بالولاية لمحمد(ص) وآل محمد(عم). فلا تتعب نفسك أيها الموالي في البحث طويلاً، ولا تَهِمْ على وجهك حائراً سائلاً كي لا تنحرف بك الطريق، فمصدرُ النور جليٌّ، والطريقُ إليه مستقيمة، فإذا واليتَ أولياء الله تعالى فقد وصلت، وأنت الآن في زمن ولي الله الأعظم الإمام الحجة المنتظر(عج)، فالتحق برَكْبِه، وقدِّم له البيعة، وعاهد نفسك على مناصرته والسير تحت لوائه، وليكن ولاؤك بقلبك وعملك. استحضره في مشاعرك، وجريان دمك، ومع كل شهقة وزفرة، فهذه هي الموالاة التي تُغني عن كل شيء، وتُوصِل إلى الملكوت الأعلى.
 عن الإمام الرضا(ع)، يرفعه إلى سيد الشهداء الإمام الحسين(ع)، عن أبيه علي(ع) عن رسول الله(ص) يتحدث عن موالاة الأئمة(عم) ليصل إلى صاحب الزمان(عج) فيقول: "ومن أحبَّ أن يلقى الله وقد كَمُلَ ايمانه, وحَسُنَ اسلامه, فليوالِ الحجة صاحب الزمان القائم المنتظر المهدي محمد بن الحسن, فهؤلاء مصابيحُ الدجى وأئمة الهدى واعلام التُقى, فمن أحبَّهم وتولاَّهم كنتُ ضامناً له على الله الجنة"(4).
 إنَّه الحبُّ لله تعالى، الذي يؤدي إلى الاستخلاص، والمحروم منه أعمى البصيرة في سعة النور وشموليته، فعن الإمام الحسين(ع) في دعاء عرفة: "عميت عين لا تزال [ لا تراك ] عليها رقيبا، وخسرت صفقةُ عبدٍ لم تجعل له من حبك نصيبا"(5).
 ترجِم هذا الحب في الأرض حباً لأولياء الله تعالى، فانَّه الطريق الموصلة الى الفوز, فعن رسول الله(ص): "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه, وأهلي أحب إليه من أهله, وعترتي أحب إليه من عترته, وذريتي أحب إليه من ذريته"(6).
فهنيئاً لمن تعرَّض لاستخلاص الله تعالى بمحبته وموالاة أوليائه.
نائب الامين العام لحزب الله
سماحة الشيخ نعيم قاسم
1- سورة فصلت, الآية: 30.
2- سورة المائدة, من الآية: 54.
3- النعماني, كتاب الغيبة, ص: 94 و 95.
4- شاذان بن جبرئيل القمي, الفضائل, ص: 166 و 167.
5- الريشهري, ميزان الحكمة, ج 1, ص: 511.
6- المتقي الهندي, كنز العمال, ج 1, ص: 41.