’رضا الله في تعجيل الفرج ’افتتاحية العدد 225
رضا الله في تعجيل الفرج
يسعى المؤمن إلى تحقيق الهدف الأسمى وهو مرضاة الله تعالى، فإذا رضي الله تعالى عن عبده أرضاه في الدنيا والآخرة، علماً بأنَّ رضوانَ الله مصلحةٌ للإنسان في هداه واستقامة حياته وتحقيق سعادته، فلا يحتاج جلَّ وعلا إيمانَ الإنسان وطاعَته، وإنما يحتاجهما البشر لنتائجهما الدنيوية والأخروية، عندها يكافئ الله تعالى المؤمنين لأنَّهم أحسنوا الاختيار وسلكوا طريق الهدى، بحيث تكون المكافأة نتيجة الرضا التي تبرز من خلال عدة مؤشرات دنيوية وأخروية.
أولاً- مؤشرات الرضا الدنيوي: نذكر ثلاثة من مؤشرات الرضا الإلهي عن عباده المؤمنين:
1- الهدى: أيُّ توفيقٍ أعظم من الهداية والاستقامة؟ إنَّها نعمةٌ كبرى أن يتوفق الإنسان للإيمان والطاعة والالتزام بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، "قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى"، ولا هدى غيره، ويزيد الله المهتدين هدىً في مسارهم الإيماني إلى أن يبلغوا العلياء، ومن يؤمن بربه يربح، قال تعالى: "وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً"(1)، فمع الله لا يخاف المؤمن الخسارة ولا الظلم. قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ"(2).
2-الأمن من الفتن: يتعرض المؤمن إلى الكثير من الفتن والابتلاءات، وفي كل المجالات، فالولد فتنة، والمال فتنة، وزينة الحياة الدنيا كذلك، والفساد، والسُّلطة، والملذات المحرَّمة... وعليه أن يواجهها بصبرٍ وتوكلٍ على الله، كي لا يسقط في الاختبار. ورد في التوقيع عن الإمام المهدي(عج)، إلى الشيخ المفيد(رض) عن أسئلة أرسلها إليه، قوله: "ونحن نعهد إليك أيها الولي المخلص, المجاهد فينا الظالمين, أيَّدك الله بنصره الذي أيَّد به السلف من أوليائنا الصالحين، أنَّه من اتَّقى ربَّه من إخوانك في الدِّين, وأخرَج مما عليه إلى مستحقيه، كان آمناً من الفتنة المبطلة، ومحنها المظلمة المظلة, ومن بخل منهم بما أعاده الله من نعمته على من أمره بصلته, ، فإنَّه يكون خاسراً بذلك لأولاه وآخرته"(3)، فبركاتُ التقوى تؤدي إلى الأمن من الفتنة مهما كانت كبيرة وخطيرة، وإنما يسقط فيها من لم يستفد من نِعَمِ الله تعالى عليه، ولم يبذلها في محله طاعة لله تعالى وتنفيذاً لأوامره.
3- تعجيل الفرج: نحن ننتظر فرج الإمام المهدي(عج) بظهوره وقيادته للأمة، ولكنَّنا لا نعلم توقيت الظهور، فنحن منتظرون ومتأملون ومتشوقون وراغبون باللقاء، ولكنَّنا نتحمل مسؤولية تعجيل الفرج، بنشرِ هذا الدين، واجتماع جماعة المؤمنين، وتهيئة العدد والعدة، ومواجهة الظالمين... إذ كلما راكمنا الإيجابيات والخيرات في طريق الصلاح، كلما آذن الأمر بقرب الظهور، فالإمام المهدي(عج) ينتظرنا لنكمِّل مهمتنا ونقوم بواجباتنا، فهو منتظرٌ لنا أيضاً.
وفي تتمة التوقيع الوارد أعلاه عن الإمام المهدي(عج)، يُبيِّن لنا بأنَّ التعجيل بالظهور مرتبط بقيام المؤمنين بمسؤوليتهم في الإعداد، قال: "ولو أنَّ أشياعَنا, وفَّقهم الله لطاعته, على اجتماعٍ من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم, لما تأخر عنهم اليُمن بلقائنا، ولتعجَّلت لهم السعادة بمشاهدتنا, على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبِسنا عنهم إلاَّ ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثِره منهم، والله المستعان, وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلاته على سيدنا البشير النذير محمد وآله الطاهرين وسلم"(4). فكلما حققنا إنجازاً عجَّلنا بالفرج، وهو من مؤشرات الرضا الإلهي عن المؤمنين في الدنيا.
ثانياً- مؤشرات الرضا الأخروي: نذكر مؤشرين يبرزان رضا الله تعالى عن المؤمنين في الآخرة:
1- ثواب الجنة: يحصل المؤمنون على الخلود في الجنة، وقد عرض لنا القرآن الكريم بعض عطايا الله تعالى في الجنة، وهي وحدها عظيمة، فكيف بما لا نعرفه، ففيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمِعتْ، ولا خَطَرَ على قلب بشر. إنما يكون هذا الثواب في إطار الرضا المتبادل، فالله راضٍ عن المؤمنين، والمؤمنون راضون بما أجزل الله لهم من العطاء، قال تعالى: "لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"(5).
2- لقاء الحوض: يمنح الله المستحقين من المؤمنين والشهداء والأولياء مرتبةً عليا في الجنة، حيث يكون الرسول(ص) والأئمة الأطهار(عم) متحلقين حول الحوض، يشربون منه، ويشرب معهم الأخيار ببركتهم ورضاهم، عن أمير المؤمنين علي(ع): "أنا ورسولُ الله (ص) على الحوض، ومعنا عترتنا، فمن أرادنا فليأخذ بقولنا, وليعمل بأعمالنا, فإنَّا أهلُ البيت لنا شفاعة, فتنافسوا في لقائنا على الحوض, فإنَّا نذود عنه أعداءنا, ونسقي منه أولياءنا، ومن شرب منه لم يظمأ أبدا"(6). من منَّا لا يطمع بشفاعة محمد(ص) وآل محمد(عم)؟ ومن منَّا لا يطمح لهذا المقام الرفيع بالشرب من حوض رسول الله(ص) في جنة الخلد.
خيراتُ الرضوان الإلهي لا تحصى ولا تُعد، في الدنيا والآخرة، وهي نتيجة سلوك طريق الهدى، والاقتداء بمحمد(ص) وآل محمد(عم)، فهنيئاً لمن أحسن الاختيار، وتعرض للرضا الإلهي، لأنَّه سيكون راضياً لا يضاهيه أي شيء.
الهوامش:
1- سورة الجن، الآية: 13.
2- سورة البينة، الآيتان: 7 و 8.
3- الشيخ الطبرسي، الاحتجاج، ج2، ص: 325.
4- المصدر نفسه.
5- سورة المجادلة، الآية: 22.
6- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج65، ص: 61.