’الشوق مسار الخلاص’افتتاحية العدد 227
الشوق مسار الخلاص
يحرص الإسلام على وجود علاقة الحب بين العبد وخالقه، وبين العبد والرسول(ص)، وبين العبد وأئمة أهل البيت(عم)، ذلك أنَّ علاقة الحب تعبيرٌ عن المشاعر التي تتفاعل، فتولِّد اندفاعاً، وتضحية، وأُنساً، وراحةً نفسية، وهي ضرورية للاستقرار الإنساني. فالفرق كبير جداً، بين طاعة الله تعالى ورسوله(ص) والأئمة الأطهار(عم) على أساس الآمر الذي يُلزم المأمور، وبين الطاعة المجبولة بالحب والتي تحول السلوك والعمل إلى مسارٍ تغمره اللذة والسعادة. ومع الحب يأتي الأمر من الحبيب أحلى من العسل المصفَّى، وتزول حواجز الشيطان، ويحلو الأُنس بالرحمن، وتصبح قدوة النبي(ص) والأئمة(عم) هدايةً نحو النور برغبةٍ وشوق.
علاقةُ الحب بالقدوة تساعد على الاقتداء بها، وتؤسس لشوق اللقاء والنصرة، فالمنتظرون المحبون للإمام المهدي(عج) تغمُرهم اللهفة للقائه، والاستماع لأوامره، والاستشهاد بين يديه، فلا شيء يعادل حلاوة اللقاء والطاعة، مهما كانت النتائج، فالنصر معه سعادة، والشهادة معه سعادة، والالتحاق بجنده سعادة، ولو كانت مشاقُّ اللقاءِ كثيرةً لتحمَّلها المحبُّ لأنَّها مع حبيب الله ورسوله(ص) والأئمة(عم).
عن الإمام الباقر(ع): وهل الدين إلا الحب؟ قال الله تعالى: "حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ", وقال: "إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ", وقال: "يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ", إنَّ رجلاً أتى النبي(ص), فقال: يا رسول الله, أحبُّ المصلين ولا أصلي, وأحبُّ الصوَّامين ولا أصوم؟ فقال له رسول الله(ص): أنتَ مع من أحببت, ولكَ ما اكتسبت"(1).
من هنا نفهم معنى انسجام الدين مع الفطرة الإنسانية، وسمو المؤمن إلى الدرجات العليا عندما ينفِّذُ تعاليم الدين. أَطلِق أيها المؤمن العنانَ لقلبك كي يتزوَّد من كلام الله تعالى في القرآن الكريم ما يخالط اللحم والدم والفكر والجوارح، وعوِّدهُ ليتعلق بخالقه حباً وهياماً، وأرشده إلى النبي الأكرم (ص) الذي يستحوذُ على القلوب بعظمتِهِ وعبادتِه وجهادِه ورقيِّه، وذكرِّهُ بالأئمة الأطهار(عم) فهم شعلة الحب نحو الحياة الأبدية في أروع عطاءاتها، واجعل انتظارك للإمام المهدي(عج) مدخلاً إلى الطمأنينة في مسار الدنيا نحو الخير والصلاح والعدل وعلوِّ المؤمنين.
طريقُ الحب مفتاحُ قبولِ الأعمال، ومحبةُ أهلِ البيت(عم) ضمانةُ القبولِ الأكيدة، قال رسول الله(ص): "الزموا موَّدتنا أهل البيت... فوالذي نفس محمدٍ بيده، لا ينفعُ عبداً عملُهُ إلاَّ بمعرفتنا". فلا تُتعِب نفسك بكثرة الحركة وبذل الجهد الكبير إذا لم يكن مقروناً بالحب والمودة لأهل البيت(عم)، واعلم أنَّك مع حبهم ومودتهَّم تربحُ الكثير، وتختصرُ الطريق، وتضاعِفُ أعمالَك، ثم تَلقى القبولَ عند مليكٍ مقتدر.
لاحظ معي ما ذكره القرآن الكريم على لسان النبي(ص) من طلب المودَّة من المؤمنين لأهل البيت(عم)، قال تعالى: "قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى"(2)، ولا يعبِّر هذا الطلب عن أي حاجة لرسول الله(ص) من المؤمنين، فمكانتُهُ عند الله تعالى ومكانةُ أهل البيت(عم) تُغنيهم عن كلِّ ما عداه، ولكنَّ المودَّة ثمرةٌ للمؤمنين يتزوَّدون منها، وقد رُوي عن ابن عباس(رض)، قال رسول الله(ص): "لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى: أن تحفظوني في أهل بيتي، وتودوهم بي"(3)، ومؤدى الحفظ والمودة أن يقترب المؤمنون منهم، ويتفاعلون معهم، ويتزودون من بركاتهم، ويكتسبون سلوكهم... فالمودَّة خيراتٌ للمؤمنين.
ذكر العلامة الشيخ محمد رضا المظفر في كتابه عقائد الإمامية، عن عقيدتنا في حب آل البيت(عم): "قال تعالى: قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى، نعتقد أنَّه زيادة على وجوب التمسك بآل البيت، يجب على كل مسلم أن يدين بحبهم ومودتهم، لأنَّه تعالى في هذه الآية المذكورة حَصَرَ المسؤول عليه الناس في المودة في القربى"(4). هذا هو الطريق الآمن باتجاه الاستقامة، والحسرة على من لم يهتدِ إليه مع هذا التوجيه القرآني، ومع ما حفلت به الروايات من التأكيد على العلاقة بآل البيت(عم).
لقد بيَّن الرسول(ص) بأنَّ حبَّه وحبَّ آل البيت(عم) هو المقياس لقبول الإيمان، ولا معنى لإيمانٍ غير مصحوب بهذا الحب، الذي يؤدي إلى ذوبان النفس المؤمنة في ذات الحبيب، وإنما يكون وجودها بهذا الحب، متلازماً مع الإيمان، قال رسول الله(ص): "لا يؤمن عبدٌ حتى أكون أحب إليه من نفسه، وأهلي أحب إليه من أهله، وعترتي أحب إليه من عترته، وذاتي أحب إليه من ذاته"(5). لماذا؟ لأنَّه لا معنى للحب من دون تضحية في سبيله، والمحب يبذل لحبيبه مما يحب، من دون طلبٍ للبدل. والمطلوب أن نبذل في سبيل الله تعالى، وأن يكون حبنا لنبينا أكثر من حبنا لأنفسنا، لأنَّ من أحب نفسه عاش الأنانية وانجرف مع ملذاته، أمَّا من أحبَّ نبيَّهُ وآثره على نفسه، استقام بطاعته، وبذا يربح نفسه أيضاً. ومن أحبَّ عترة أهل البيت(عم) أكثر من أهله، قدَّمهم كقدوة، وواجه أهله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودعاهم إلى الاقتداء بأهل البيت(عم)، فحبُّهم يؤدي إلى الحب النافع لأهله بربطهم بآل البيت(عم).
بالحب للنبي وآله نسلك طريق الخلاص: "إنَّ مكانة النبي عظيمة عند الله تعالى، فهو الأول والأرقى بين البشر، وهو خاتم الأنبياء والرسل وسيدهم جميعاً، وقد أمرنا الله تعالى أن نصلي عليه، قال تعالى: "إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً"، وجعلَ الصلاة عليه وعلى آله جزءاً لا يتجزأ من التشهد والتسليم، في الصلوات اليومية وكل الصلوات الواجبة والمستحبة. فآل البيت خلاصة هذا الوجود، وهم الأوائل في عصمتهم ومكانتهم وكرامتهم، وهم القدوة والقيادة وسفينة النجاة، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى"(6).
فلنعمل لما يعزِّز إيماننا، قال رسول الله(ص): "ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجد طعم الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يُلقى في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه"(7).
عندما يتعلق قلبك بالإمام المهدي(عج) فأنت معه في كل آنٍ، وهو معك، وعندما يغمرك حبُّهُ فأنت على طريق الفرج، لأنَّك بشوقٍ إلى المنقذ، وهذا هو مسار الخلاص، عندها يرخص كل شيء في هذه الدنيا لتكون جندياً في معسكر صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء).
الهوامش:
1- الشيخ الكليني، الكافي، ج8، ص: 80.
2- سورة الشورى، من الآية: 23.
3- الشيخ الريشهري، أهل البيت في الكتاب والسنة، ص: 358.
4- الشيخ المظفر، عقائد الإمامية، ص: 72.
5- الشيخ الصدوق، الأمالي، ص: 414.
6- المؤلف، سبيلك إلى مكارم الأخلاق، ص: 25-26.
7- النيسابوري، روضة الواعظين، ص: 417.