• naimkassem@naimkassem.com.lb

  • الرئيسية
  • ’هادي الأمة إلى صلاحها’افتتاحية العدد 206
...
’هادي الأمة إلى صلاحها’افتتاحية العدد 206

’هادي الأمة إلى صلاحها’افتتاحية العدد 206

هادي الأمة إلى صلاحها

هادي الأمة إلى صلاحها


1- الإمامة استمرار للنبوة.
حافظ الأئمة الأطهار(عم) على نقاء وسلامة الدين كما نزل على خاتم الأنبياء(ص)، وعملوا كحلقة متصلة لتفسيره وتفصيله وتبيان خفاياه، وطبقوا في حياة الناس ما ثبَّت معالمه الحقَّة، وواجهوا الانحراف بتضحيات أدت إلى شهادتهم بين مقتول ومسموم، وبقي حجة الله الأعظم الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر(عج)، غائباً عن الأنظار، حاضراً في حياة الأمة، يظهر في آخر الزمان ليحكم بما أنزل الله تعالى على محمد(ص)، محيياً لسنته وتعاليمه، معيداً للأمة مجدها وعزَّها وحضورها، مثبتاً لتعاليم السماء بعيداً عن البدع والانحراف.
إنَّ مشروع الإمام المهدي(عج) استمرار لمنهج النبي محمد(ص)، وعندما يقاتل المهدي(عج) الذين يواجهون الإسلام أو يحرفون السنَّة الشريفة، فهو يقوم بالدور الذي قام به النبي(ص) عند نزول الوحي من الله تعالى، فعن أبي سعيد الخدري (رض) عن النبي(ص) في حديثه عن المنتظر(عج):" هو رجلٌ من أمتي، يُقاتلُ على سُنَّتي كما قاتلتُ أنا على الوحي"(1). وعن النبي(ص):" هو رجلٌ من عترتي، يقاتلُ على سُنَّتي كما قاتلتُ أنا على القرآن"(2).
 أما الهدف من ظهور القائم في آخر الزمان فهو العمل بسُنَّة رسول الله(ص)، وإحياء الدين، وإقامة العدل، فعن رسول الله(ص):"وهو رجلٌ مني ، اسمه كإسمي، يحفظني الله فيه، ويعمل بسُنَّتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً بعد ما تمتلئ ظلماً وجوراً وسوءاً"(3).
2- الأمين على الرسالة.
 عندما نؤكد على الارتباط بصاحب الزمان وانتظار الفرج بظهوره، إنَّما ندعو إلى إقامة الدين في حياتنا كما نزل على رسول الله(ص)، فالإمام الثاني عشر قائد في سلسلة القيادات الواجبة الطاعة على المؤمنين، وهو الأمين على الرسالة الإسلامية وحاميها والحاكم بتعاليمها، ولا تبرأ الذمة ولا يرتفع التكليف الشرعي عن كواهلنا إلاَّ بالتسليم لقيادته، فهو التعبير الأصدق عن الطاعة لله تعالى وإتباع منهج الإسلام المحمدي الأصيل، فإذا ما أردنا الاطمئنان لحسن التزامنا بالتعاليم الإلهية علينا التسليم بقيادته، وتهيئة الظروف المناسبة لظهوره، وإعداد العدة اللازمة لتعجيل فرجه، والاستعداد الكامل من دون إبطاء لنكون من جنده، فطاعته طاعة لرسول الله(ص)، ومعصيته معصية لرسول الله(ص)، وأي خروجٍ عن قيادته خروجٌ عن خط الاستقامة، فالمهدي هادي الأمة إلى صلاحها وفلاحها.
عن الإمام الصادق(ع) عن أبيه عن جده (عم)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله": القائم من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، وَشَمَائله شمائلي، وسنَّته سنَّتي، يُقيم الناس على ملَّتي وشريعتي، ويدعوهم إلى كتاب ربي عزَّ وجل، من أطاعه فقد أطاعني، ومن عصاه فقد عصاني، ومن أنكره في غيبتِه فقد أنكرني، ومن كذَّبه فقد كذَّبني، ومن صدَّقه فقد صدَّقني، إلى الله أشكو المكذِّبين لي في أمره، والجاحدين لقولي في شأنه، والمضلِّين لأمَّتي عن طريقته، " وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ "(4).
3- ابشروا بالخلاص.
 إنَّ ثمار الارتباط بالمهدي(عج) واضحة وجليَّة وحتميَّة، عزٌ وعدلٌ وسعادةٌ للبشرية جمعاء، مهما طال الزمان، ومهما انتشر الفساد والانحراف، وقد يشعر الكثيرون بالضيق من الظلم والاستكبار والفساد والانحراف، ومع ذلك عليهم التشبث بالأمل، كما قد يقارب اليأس بعض النفوس لكثرة الضغط وشدة البلاء، فعليهم أن يثقوا بوعد الله تعالى للمؤمنين بالفرج، ولا ينظرنَّ أحدٌ إلى مرارة الواقع وكأنَّها النتيجة المستمرة، إذ ستنقلب الأمور وتتغيَّر بإذن الله تعالى، وسيكون الظهور صاعقة على الكافرين ورحمة للمؤمنين. فعن رسول الله(ص):" يا حذيفة: لا يزال ذلك البلاء على أهل ذلك الزمان، حتى إذا أيسوا وقنطوا وأساؤوا الظن أن لا يفرج عنهم، إذ بعث الله رجلاً من أطائب عترتي وأبرار ذريتي، عدلاً مباركاً زكياً لا يغادر مثال ذرة، يُعزُّ الله به الدين والقرآن والإسلام وأهله، ويُذلُّ به الشرك وأهله، يكون من الله على حذر، لا يغتر بقرابته، لا يضع حجراً على حجر، ولا يقرع أحداً في ولايته بسوطٍ إلا في حَد، يمحو الله به البدع كلها، ويميتُ به الفتن كلها، يفتحُ الله به كل باب حق، ويُغلق به كل باب باطل"(5).

الهوامش:
1-السيد ابن طاووس، الملاحم والفتن، ص: 178.
2- المصدر نفسه.
3-الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج1، ص: 161.
4- الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص: 411.
5- السيد ابن طاووس، الملاحم والفتن، ص: 265.
سرّ قوّة معنويات المؤمنين

ما الذي يجعل المؤمن بالله تعالى مطمئناً وواثقاً ومرتاحاً؟
لماذا يتحمَّل شدة البلاء
وكثرة التضحيات من دون أن يتزلزل؟‏
كيف يتابع المؤمن حياته من دون تعقيدات نفسية وهو محرومٌ من الملذات؟‏
ما سر قوة معنوياته مهما تكاثر عليه الأعداء؟‏

-1 المنهج الواضح‏
عبَّر القرآن عن الإسلام بأنه كمالُ الدين وتمامُ النعمة ومرضاة الله تعالى بقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} (المائدة: 3)، ذلك أنَّ سرَّ الطمأنينة والصبر وقوة المعنويات وعدم الاستسلام لتعقيدات الحياة يكمن في الالتزام بالإسلام، الذي يضيء لنا الطريق ويهدينا إلى الصراط المستقيم.‏
هذه هي البداية، أن نعرف كيف نسير في حياتنا، وما هو المفيد لنختاره، والمضرُّ لنبتعد عنه، وكيف لا نضلُّ أثناء المسير، وما هو الطريق الأفضل لنصل إلى النهاية، فنحقق مبتغانا في الدنيا، ويكبر رصيدنا عند الله تعالى يوم الحساب لندخل جنَّته. هذا هو المفتاح إلى السعادة الأبدية، أن نختار الإسلام ونسير على نهجه، ولا نحيد عنه، فهو طريق الخلاص والفوز، قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(يوسف: 108).‏
-2 القوة في الدين‏
ولا داعي للقلق أو التردد. إنَّه دين الله الخالد. وهو الذي يتفوق بمراحل كثيرة على كل ما عداه. وهو المرسل إلينا من الخالق البصير، فعلينا أن نأخذه ونتمسك به بقوة، ونسير على هديه في حياتنا بمعنويات عالية، فهو الأعلى والأسمى والأصلح والأهدى. ولنقل لجميع من خالفنا: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.ولن يكون لديهم برهان. وإذا ظنوه كذلك، فسينكشف زيفه عندما نقارعهم بحجة الإسلام، قال تعالى: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِين} (الأعراف: 145).‏
ليس لدينا أي حيرة أو شك. إنَّه الاعتقاد الجازم بالدين المتين من الرب القدير. وقد مرَّت الأزمنة الكثيرة التي تصارع فيها الحق مع الباطل، فماذا كانت النتيجة؟ جولات الباطل فاشلة ومخزية وضعيفة. ولا زال الحق يصدح. وقد مرّت كل المناهج بتجاربها البشرية فسقطت وأسقطت معها من راهن عليها، وبقي الإسلام خالداً يطرح نفسه مجدداً براية عالية ومبشِّرة، ولذا قال تعالى للنبي يحيى(ع): {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً} (مريم: 12)، فمن حمل دين الله تعالى ليحكم به، لا يعوزه معه أي شيء، فهو مسددٌ من الله تعالى ولو كان صبياً.‏
وفي وصف أمير المؤمنين علي(ع) في خطبة له يتحدث عن صفات المتقين يقول: «فمن علامة أحدهم: أنك ترى له قوة في دين، وحزماً في لين، وإيماناً في يقين»(1).‏

-3 الطمأنينة‏
فإذا كان السير على بصيرة، والمنهج قوياً ومتيناً يقوى به حامله، فمن النتائج الأكيدة أن يكون المؤمن مطمئناً يعيش السكينة في نفسه وروحه. فهو مطمئنٌّ إلى حسن الاختيار. وهو مطمئنٌّ إلى كماله. وهو مطمئنٌّ إلى مرضاة الله تعالى. وهو مطمئنٌّ إلى نتائج عمله. فأي سعادة أعظم من هذه الطمأنينة في الدنيا والآخرة؟ إنَّه ذكر الله تعالى الذي يحيط بحياة الإنسان ليوصله إلى الكمال، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28).‏
ستوصلنا هذه الطريق إلى الإمام المهدي(عج)، فهو بقية الله في الأرضين، حامل رسالات الأنبياء وخاتمهم محمد(ص)، ومسار الأوصياء وهو خاتمهم، ولن يلتبس شخصه على أحد. ولا داعي للخوف من المنافقين والدجالين الذين يدَّعون المهدوية، فلكل شيء علامات تدل عليه، ورايات الحق أصدق دلالة على طريق الهدى من رايات الضلال. وعندما يحين الظهور سنعرف تماماً إمامنا بشخصه وواقعه، فعن الشيخ أبي عبد الله جعفر(رض)، عن توقيع صاحب العصر والزمان(عج): «وليعلموا أنَّ الحقَّ معنا وفينا، لا يقول ذلك سوانا إلا كذابٌ مفترٍ، ولا يدَّعيه غيرنا إلا ضالٌّ غوي، فليقتصروا منَّا على هذه الجملة دون التفسير، ويقنعوا من ذلك بالتعريض دون التصريح إن شاء الله»(2).‏
يعلمُ كل مؤمن ما عليه فعله أثناء الغيبة، فالأمور واضحة، والقيادة معلومة ومُنتظَرَة. فإذا ما تأخرت، فلأنَّ زمان ظهورها لم يحن بعد، ولأنَّ الثلة المؤمنة التي تمهد للظهور لم يكتمل عددها وعدتها. فهو ينتظر الظهور علينا كما ننتظره. ينتظر أن نؤدي ما علينا لنستحق هذا الظهور وتكتمل مسيرة البشرية. ففي نسخة التوقيع عن صاحب الزمان(أرواحنا لتراب مقدمه الفداء): «إنَّه من اتَّقى ربَّه من إخوانك في الدين، وأخرج مما عليه إلى مستحقه، كان آمناً من الفتنة المبطلة ومحنتها المظلمة المضلة، ومن بخل منهم بما أعاده الله من نعمته على من أمَرَهُ بصلته، فإنَّه يكون خاسراً بذلك لأولاه وآخرته، ولو أنَّ أشياعنا وفَّقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخر عنهم اليُمنُ بلقائنا، ولتعجَّلتْ لهم السعادة بمشاهدتنا، على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلاَّ ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم»(3).‏
الهوامش‏
(1) نهج البلاغة، من الخطبة: 193.‏
(2) الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص: 511.‏
(3) الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، ج 1 ، ص:40.‏