’صفات الأئمة(عم) بعيداً عن المغالاة’افتتاحية العدد 204
صفات الأئمة(عم) بعيداً عن المغالاة
صفات الأئمة(عم) بعيداً عن المغالاة
حفظ أئمة الهدى المعصومون الرسالة الإسلامية التي أتى بها خاتم الأنبياء محمد(ص)، فنقلوها إلينا صافية نقية، وفسَّروا الغامض منها والملتبس، ووضَّحوا لنا ما نحتاجه مع تغيُّر الزمان، فكانوا الاستمرارية لنهج النبوة، يتكاملون معه، ولا ينفكَّون عنه. وهذه نعمة آلهية كبرى منَّها الله تعالى علينا، بأن أبقى حماة الرسالة وحملتها الحقيقيين حاضرين في حياة المؤمنين، حيث كانوا يباشرون شؤون الناس بعد وفاة رسول الله(ص) إلى زمن الغيبة الصغرى للإمام المهدي(عج) التي انتهت عام 329هـ، فتحولت المتابعة مع صاحب العصر والزمان في زمن الغيبة الكبرى إلى نمط الرعاية والحضور الخافي عن الأنظار، بانتظار الظهور المباشر وإقامة دولة العدل الإلهية العالمية على الأرض.
فإذا ما أردنا أن نفهم جيداً ما أراده الله تعالى منَّا، وما كلَّفنا به، وما يريدنا أن نؤمن به ونعتقد به، عدنا إلى روايات أئمتنا(عم) لنفهم القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة فنتعرَّف على الكلمة الحق والموقف الصواب، وقد شارك إمامنا المهدي(عج) في هذا الدور، فكان يتواصل مع الناس في غيبته الصغرى من خلال سفرائه الأربعة، ويرسل معهم إجاباته عبر كتبٍ يوقعها، وهذا ما اشتهر في الروايات عن الإمام المهدي(عج) عندما يُذكر "التوقيع"، ومقصوده إجابات الإمام المهدي(عج) عن أسئلة الناس.
وضَّح إمامنا المهدي(عج) صفات الأئمة(عم)، وعلاقتهم بالله تعالى، ودورهم على هذه الأرض، مبيِّناً أثر هذه الصفات في إرشاد الناس إلى طريق الحق، فلولا الأئمة(عم) المعصومين من الأخطاء والذنوب لما تحدَّدت القدوة، ولادَّعى كل واحد من الناس صحة موقفه وتفسيره، وعندها يلتبس على الناس الحق فلا يميزونه عن الباطل، فالعصمة ضرورية لحفظ الشريعة وإيصالها نقية إلى الناس، وهي المفتاح للمحافظة على نهج الاستقامة على المستوى العملي عندما يدبُّ الخلاف في الأمة، فإذا اعترض المنحرفون مدَّعين العمل للإسلام، فضحهم وقوفهم ضد الأئمة المعصومين(عم) الذين أرادهم الله تعالى هداة وقادة.
أرسل أحد أصحاب الإمام المهدي(عج) يستوضح ما قرأه في كتاب للإمام جعفر الصادق(ع)، فخرج الجواب من صاحب الزمان(عج) عن صفات الأئمة ودورهم، ومما قال فيه:"بأنْ عصمَهُم(الله) من الذنوب، وبرَّأهم من العيوب، وطهَّرهم من الدنس، ونزَّههم من اللبس، وجعلهم خزان علمه، ومستودع حكمته، وموضع سره، وأيَّدهم بالدلائل، ولولا ذلك لكان الناس على سواء، ولادَّعى أمرَ الله عزَّ وجل كلُّ أحد، ولما عُرف الحقُّ من الباطل، ولا العالمُ من الجاهل"(1).
هذه العصمة للنبي(ص) والأئمة(عم)، والتي صرَّح بها القرآن الكريم في حديثه عن أهل الكساء الخمسة بقوله تعالى:" إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً"(2)، والتي تبرز أهميتها في تبليغ النبي للرسالة في أنَّها عن الله تعالى بتمامها وكمالها حيث يجب التسليم بها، قال تعالى:" وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَ وَحْيٌ يُوحَى"(3)، إنما ترفع من مقام النبي والأئمة إلى مصاف التفوق البشري في القيادة والقدوة، فنبينا محمد(ص) سيد البشرية من الأولين والآخرين، وأولهم وأعظمهم بلا منازع، والأئمة(عم) من بعده سادة البشرية وأشرف نماذجهم، وقد حصلوا على أعلى المراتب البشرية التي يمنحها الله تعالى للأنبياء والأئمة.
يحاول البعض تجاوز حدود صفات الأئمة(عم) التي منحها الله تعالى لهم بالمغالاة، والاقتراب من موقع الربوبية، مخالفاً في ذلك ما ورد في الصحيح من الروايات عن النبي والأئمة، علماً بأنَّ ما يرتبط بالعصمة هو الأعلى، وهو الاقتراب من محضر قدس الرحمن من دون الوقوع في الشرك.
نذكر حادثة جرت مع جماعة من المسلمين أجاب عنها الإمام المهدي(عج)، فقد اختلف جماعة من الشيعة في أن الله عزَّ وجل فوَّض إلى الأئمة(عم) أن يخلقوا أو يرزقوا؟ فقال قوم: هذا محال، لا يجوز على الله تعالى، لأنَّ الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله عزَّ وجل. وقال آخرون: بل الله تعالى أقدَرَ الأئمة على ذلك، وفوَّضه إليهم، فخَلَقوا ورَزَقوا. فتنازعوا في ذلك نزاعاً شديداً، فقال قائل: ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري، فتسألونه عن ذلك، فيوضِّح لكم الحق فيه، فإنَّه الطريقُ إلى صاحب الأمر(عج)، فرضيت الجماعة بأبي جعفر وسلَّمت وأجابت إلى قوله، فكتبوا المسألة وأنفذوها إليه، فخرج إليهم من جهته (جهة الإمام المهدي(عج)) توقيعٌ، نسخته:"إنَّ الله تعالى هو الذي خلق الأجسام وقسَّم الأرزاق، لأنَّه ليس بجسم ولا حال في جسم، ليس كمثله شيء وهو السميع العليم، وأمَّا الأئمة(عم) فإنَّهم يسألون الله تعالى فيخلُق ويسألونه فيرزُق، إيجاباً لمسألتهم وإعظاماً لحقهم"(4).
فلننصرف إلى ما يرفع عنَّا التكليف بدل الغرق في الصفات التي تُوقعنا في الإشكالات التي نحن في غنىً عنها، خاصة وأنَّ الروايات واضحة في هذا الشأن، ولنبحث عما يُسجَّل في صحيفة أعمالنا من الإيمان والعمل الصالح، ويمهِّد الأرضية المناسبة لتعجيل فرج إمام زمننا(عج)، وليكن همنا فيما ننجزه في حياتنا اليومية بدل الجدل الذي لا ينفعنا ولا يوصلنا إلى نتيجة.
خط الاستقامة ميسَّر وواضح، إنَّه طريق الله الخالق الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا يشبهه شيء ولا يعادله شيء، أرسل أنبياءه المعصومين ليبلغوا رسالة السماء إلى البشرية من أجل صلاحها، وأتبعهم بالأئمة المعصومين(عم) لاستكمال هذا الهدف، فالله ربٌ لا يُنازع في الربوبية، والأنبياء والأئمة(ع) بشرٌ لا ينافسهم البشر في قدوتهم وصلاحهم، عن يوسف بن السخت البصري قال: رأيت التوقيع بخط محمد بن علي فكان فيه:"الذي يجب عليكم ولكم أن تقولوا: إنَّا قدوةُ الله وأئمة، وخلفاء الله في أرضه وأمناؤه على خلقه، وحججه في بلاده، نعرف الحلال والحرام، ونعرف تأويل الكتاب، وفصل الخطاب"(5). ونحن نعبد ربنا ونقتدي بنبينا وأئمتنا ليهدونا إلى طريق الفلاح والاستقامة، وهو الطريق الذي يجعلنا من جند الإمام المهدي(عج) إذا ما أحسنا الفهم والأداء، جعلنا الله وإياكم من جند الإمام المهدي(عج).
الهوامش:
1- الشيخ الطوسي، الغيبة، ص: 288.
2- سورة الأحزاب، من الآية: 33.
3- سورة النجم، الآيتان: 3 و 4.
4- الشيخ الطوسي، الغيبة، ص: 293 و 294.
5- تفسير العياشي، ج1، ص: 16.