في لبنان تجاذبات سياسية بين أطراف العمل السياسي حول قضايا عديدة، وهي تهدد بانفجار خطير لعل أبرزها هذه الآونة مسألة المحكمة الدولية وما سينبثق عنها.. هل استطاع حزب الله ان يظل على الجبل أم أن إغراءات الداخل وإغواءاته تمكنت من جره إلى مستنقع السياسات الداخلية؟.. هل تستطيع إسرائيل أن تحقق نصرها عليه في الداخل اللبناني بعد أن هزمها في ساحة المعارك.. هذا وغيره نحاول قراءته في حوار خص به الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني صحيفة "الشروق".
• سماحة الشيخ.. بدايةً أريد أن أسأل رأي حزب الله في المحكمة الدولية وما تلوح به من احتمال إصدار لوائح اتهام وتسمية البعض؟
بدأت فكرة المحكمة الخاصة بلبنان على المستوى الدولي إثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان في 14 شباط سنة 2005، ويومها كان يوجد بعض القوى السياسية في لبنان التي حاولت توجيه الأنظار نحو المقاومة وسوريا والممانعة، فاتهمت هذه الأطراف زورا وعدوانا ابتداءً ومن دون دليل وقبل أن ينقل الجثمان من المستشفى، وهذا كله قبل أن يبدأ أي تحقيق وقبل أن يكون هناك أي خطوة ميدانية لكشف الحقيقة.
ونحن من البداية توجسنا خيفةً من هذه المحكمة الدولية، لأنها بيد مجلس الأمن، ومجلس الأمن تديره أمريكا ويعمل لمصلحة إسرائيل بالكامل، وأمامنا التجربة الفلسطينية وتجربة العالم العربي في كل الصراع مع إٍسرائيل كانت القرارات دائما لمصلحة إسرائيل وضد البلدان العربية والحق الفلسطيني المشروع.
لكن لم يقبل الطرف المقابل الذي يتمثل بابن الشهيد رفيق الحريري وهذه القوى السياسة المرتبطة به تيار المستقبل ومن معهم إلا بأن تكون المحكمة الدولية.
نحن في بداية الأمر راعينا الظروف الخاصة في لبنان ورغبنا أن نثبت بأننا لا نقف حجر عثرة أمام كشف الحقيقة، وكانت بوادر الفتنة السنية الشيعية قد لاحت تحت عنوان عملية الاغتيال التي حصلت فوافقنا من حيث المبدأ على فكرة المحكمة، لكن عندما بدأ مشروع قانون المحكمة رفضت الحكومة اللبنانية ممثلة برئيسها الرئيس فؤاد السنيورة، أن تسمح لنا في نقاش مواد المحكمة وقانون المحكمة، ويومها اضطررنا أن نخرج من جلسة مجلس الوزراء وتعطل مجلس الوزراء لسنة ونصف.
وقد رأينا كيف أن سوريا بقيت متهمة لمدة أربع سنوات، وكيف احتجز أربعة ضباط في مراكز أمنية مختلفة لمدة أربع سنوات، ثم تبين بعد ذلك أن كل هذا الاعتقال وكل هذا الاتهام اتهام سياسي ليس لديه أي معطيات حقيقية أو ميدانية. الآن بعد أن تغيرت بعض المعطيات وشعرت فرنسا وأمريكا أنهما بحاجة إلى علاقة ما مع سوريا بدأوا بتوجيه الأنظار نحو حزب الله، ومن يراجع تصريحات الإدارة الأمريكية بهذا الاهتمام الكبير يرى أنهم يريدون الانتقام من حزب الله بعد نجاحه في مواجهة إسرائيل عام 2006 ونرى أن المحكمة لم تعد لكشف الحقيقة ولم تعد محكمة جنائية إنما أصبحت محكمة سياسية وما تسرب من وثائق ويكليكس يبين كيف أن بلمار المدعي العام كان يتشاور مع الأمريكيين حول الطريقة التي سيتحرك بها من أجل أن يستثمر الأمريكيون هذه المحكمة وهذه من وثائقهم.
على هذا الأساس نحن اعتبرنا أن المحكمة سياسية وتريد أن تتهم حزب الله زورا وعدوانا اعتقادا منهم أنها يمكن أن تسقط حزب الله أو أن تضر بسمعته في الأوساط العربية والإسلامية بشكل عام.
• سماحة الشيخ.. هناك من يقول على حزب الله إنه ينتظر صدور القرار الاتهامي ومن ثم يبني على الشيء مقتضاه؟
أصبح القرار الاتهامي واضحا، وقد أعلن مرارا وتكرار من خلال ما يسمى بالتسريبات التي تريد أن ترصد ردود الفعل مسبقا لتعالج الثغرات كي تطبق على حزب الله، فكان لا بد من هذا التحرك من قبلنا كي نيأسهم من أي احتمال للتأثير على حزب الله من بوابة المحكمة، وبالتالي لا معنى لأن ننتظر أن يصدر القرار الظني وأن ندخل في الإطار القانوني للمحكمة، لأنها منذ تأسيسها وبكل أجهزتها هي بيد أمريكا وإسرائيل، وبالتالي عند من سيترافع ومن سيدافع عنا وأين ستكون الحقيقة نحن فضلنا كحزب الله أن نرفض المحكمة مطلقا كي لا ندخل في دوامتها، وعندها سيسمعون لنا ونعين المحامين وسيكون القرار جاهزا.
• سماحة الشيخ.. يقال إنه في بداية هذا الشهر وفي بداية العام 2011 سيكون شهر الحسم حتى أن دولة الرئيس نبيه بري يقول بأن هذا الشهر هو شهر الحسم، بنفس الوقت أنتم كحزب الله تقولون بأن هذا الموضوع القرار الاتهامي أصبح ميتا وهو المحكمة.. كيف يمكن أن نفسر هذا؟.
هناك أمل أن تنجح المساعي السورية السعودية قبل إصدار القرار الظني، وعندها يصبح القرار الظني بلا معنى، سواء صدر أو لم يصدر، وكل المحكمة تصبح في غيابة الجب. أما الاحتمال أن تكون هناك نتائج خلال شهر فهذا أمر لا أملك معلومات كافية حوله، إنما هي حتى من قبل رئيس المجلس النيابي أمنيات ورغبات، هو يتمنى أن يحصل هذا الأمر خلال هذا الشهر، ولكن لا أحد يملك معطيات دقيقية، إذا كانت نتائج المساعي السورية السعودية ستحصل خلال هذا الشهر أو بعد ذلك أو ستسبق القرار الظني أو ستفشل قبل القرار الظني نحن لا نعلم، لكننا قمنا بكل ما يمكن لإنجاح المساعي قبل صدور القرار الظني.
• سماحة الشيخ.. هناك من يخوف الطرف السني بأن الشيعة سيأخذون البلد وسيصولون ويجولون في حال صدور القرار الظني، ويذكر هؤلاء بما قام به الحزب ازاء بيروت السنية قبل أكثر من ثلاث سنوات؟ كيف يمكن أن يطمئن حزب الله الطرف السني بأنه لن تكون هناك احداث امنية كالأحداث التي حصلت في7 أيار؟.
حزب الله بدأ عمله في لبنان سنة 1982 ومضى إلى الآن 28 سنة من جهده وجهاده وتضحياته، وهو قد وضع في أولوياته المطلقة مواجهة المشروع الإسرائيلي بكل ما يعني من وجود لهذا المشروع وتداعيات لهذا المشروع،
هذه التجربة موجودة أمام الجميع، لعل البعض يقول إنها خدشت مرة واحدة في أحداث 7 أيار، ولكن أنا أقول تعززت في 7 أيار وأثبتت أن حزب الله ما زال على أولوياته في مقاتلة إسرائيل، لأن ما حصل في السابع من أيار هو أحداث ليوم واحد لم تتجاوز الساعات الثلاث، وأنا أريد أن أكون واضحا أكثر.. وأسأل: من الذي واجه من؟، كانت توجد مجموعات مسلحة لها استعداداتها لمواجهة حزب الله، الذي حصل أنها فشلت في المواجهة، وأن حزب الله اكتفى بأن أسقط مشروع الفتنة، ومباشرة انسحب من الشارع وسلم للقوى الأمنية اللبنانية وللجيش اللبناني مهامه ومسؤولياته، نعم بعض السياسيين يستخدمون المذهب من أجل إثارة المشاعر ويثيرون المخاوف، لكن بلا دليل، ومن ينظر إلى الحياة في لبنان يرى أن الحكومة شكلت من دون ضغط من حزب الله، ويرى أن الانتخابات النيابية حصلت من دون أي ضغط من حزب الله، وخسر حزب الله في أماكن ونجح في أماكن أخرى بحسب اللعبة الديمقراطية الموجودة في لبنان.
إذن هذه الادعاءات لا محل لها، نعم هناك إشكال على حزب الله أنه مقاومة قوية، أنا أقول بأن هذه مفخرة وليست إشكالا، لأن هذه المقاومة نفعت في طرد إسرائيل من القسم الأكبر من لبنان، ونفعت في أن تكون دعما للمقاومة الفلسطينية، ورفعت معنويات العرب والمسلمين، ونحن مستمرون ولو كره الظالمون، ولو كره المنافقون.
• سماحة الشيخ.. لنفترض فرضا أن هذا القرار صدر دون أن يكون هناك توافق الآن، ماذا ستكون ردة فعل حزب الله؟
لدينا جواب واحد، لكل حادث حديث، لا نريد أن نستبق الأمور، ولا نريد أن نتحدث عن سيناريوهات مختلفة ونغرق في تحليلها، فلنتأمل أن تنجح مساعي التسوية والتفاهم، فهذا أفضل للجميع وللبنان، وإذا لم تنجح المساعي وصدر القرار الظني عندها نتخذ القرارت المناسبة.
• سماحة الشيخ.. هناك من يأخذ على حزب الله بالنسبة للموقف من المقاومة في العراق، ماذا يقول سماحة الشيخ قاسم في هذا الموضوع؟
المقاومة في العراق محل تأييد سياسي، وقد أعلنا مرارا وتكرارا بأننا مع مقاومة الاحتلال الأمريكي عسكريا، ودعا سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله على المنبر العراقيين أن يلتفوا حول المقاومة العراقية وأن يقاتلوا الاحتلال وأن يطردوا الاحتلال، ولكن في آن معا قلنا بأن ارتكاب المجازر بحق المسلمين السنة أو الشيعة أو الأكراد أو بحق المسيحيين أمر يخالف الشرع المقدس ولا ينطبق نهائيا على العمل المقاوم، ولا يمكن القبول بارتكاب الجرائم ضد الأفراد، ولا يمكن القبول بقتل النساء والعجزة في بيوتهم وفي الأسواق، هذا لا يمكن أن نقبل به، وهذا ليس مقاومة، وحتى لو كان هؤلاء الأشخاص أو الجهات الذين يقتلون النساء والأطفال يقاومون فنحن لا نقبل منهم مثل هذه المقاومة، لأنها عمل مختلط بدماء والشهداء، فإذن نحن مع المقاومة العراقية ولسنا مع المجازر المرتكبة بحق العراقيين.
• سماحة الشيخ.. عندما نتحدث عن حزب الله يجب أن نتحدث عن المقاومة في فلسطين. لأن هناك ترابطا طبيعيا، كيف يمكن أن تفسر تلك العلاقة رغم أننا كنا نتحدث في موضوع سنة وشيعة، ولكن كيف يمكن أن تفسر هذه العلاقة بين حزب الله الشيعي وحركة حماس السنية؟
الشعب الفلسطيني شعب شريف وعزيز ومضحي، ولعلنا لا نجد في العالم اليوم شعبا كهذا الشعب قدم لأكثر من ستين سنة ولا زال يقدم الشباب والنساء والأطفال والعجزة ويقف صامدا وحيدا أمام التحديات الإسرائيلية والدولية في مؤامرة كبرى لا تعادلها مؤامرة في كل العالم اليوم.
ونحن كحزب الله منذ انطلاقتنا اتخذنا موقفا واضحا من القضية الفلسطينية ودعونا إلى تحرير كامل التراب الفلسطيني من البحر إلى النهر، ومارسنا عملنا على قاعدة أولوية الجهاد الذي أدى بحمد الله تعالى إلى التحرير الكبير عام 2000 بخروج إسرائيل من لبنان، وإلى الانتصار الكبير عام 2006 باندحار العدوان الإسرائيلي على لبنان.
ومن الطبيعي عندما نحمل هذا الشعار المقاوم أن نكون أقرب إلى كل مقاوم إلى كل تنظيم مقاوم، فعندما وجدنا الأخوة في حركة حماس والجهاد الإسلامي والفصائل الفلسطينية المجاهدة يواجهون ويقاتلون إسرائيل وقفنا إلى جانبهم، قدمنا الدعم بحسب استطاعتنا وظروفهم، واعتبرنا أنهم يمثلون رأس الحربة من الموقع الفلسطيني كما نمثل رأس الحربة من الموقع اللبناني، وبالتالي زالت الفوارق، عندما تتحدث عن المقاومة في لبنان يتبادر إلى ذهنك حزب الله، وعندما تتحدث عن المقاومة في فلسطين يتبادر إلى ذهنك حركة حماس والجهاد الإٍسلامي والفصائل المقاومة. مع العلم أن حزب الله يحمل المنهج والمذهب الشيعي والفصائل المجاهدة في فلسطين تحمل المذهب والاتجاه السني على المستوى الديني، لكن لا تشعر بوجود أي خلاف وأي فرق بين حزب الله والمقاومة في فلسطين، وعلى رأسها حماس، بل يتماهيان مع بعضهما وكأنهما حركة واحدة، ومع العلم أن لكل منهم خصوصيته بحسب بلده وبحسب ظروفه، هذا أكبر دليل أن المنهج الذي نعتمده هو منهج صحيح يتجاوز المذهبية ويتجاوز الخلافات الفكرية والثقافية حتى مع القوى الأخرى لمصلحة أولوية الالتحام حول القضية الشريفة الكبرى والأساسية في منطقتنا وهي قضية فلسطين، وهذا رد عملي ضد كل أصحاب الفتن وضد كل دعاة المذهبية الضيقة، لأننا قدمنا تجربة عملية وممارسة عملية وكذلك قدم إخواننا المجاهدون في فلسطين.
• السؤال الأخير سماحة الشيخ، ماذا يقول نائب أمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم للشعب الجزائري، الشعب الذي قدم مليونا ونصف الملبون شهيد في ثورة عظيمة هزمت الاستعمار الفرنسي وحررت كامل التراب وامتلكت كامل السيادة، وله تجربة متميزة في المقاومة والجهاد؟.
أحيي الشعب الجزائري على نضالاته وجهاده.. وأنا منذ نعومة أظفاري وأنا أسمع عن شهداء الجزائر وبطولات هذا الشعب الذي قدم مليونا ونصف المليون شهيد في مواجهة الاستعمار الفرنسي، وأبى إلا أن يكون حرا في قراره وكلمته، وهذا موضوع عزيز وكريم، وبالتالي يجعل لهذا الشعب مكانة مميزة ومهمة، ويجعل هذا التاريخ مسؤولية كبيرة أيضا، لأن الحفاظ عليه أصعب من القيام به، فالشهداء ذهبوا عند ربهم وهم أحياء يرزقون، (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران، 169].
بقيت المهمة على من أتى من بعدهم أن يحفظ هذه الأمانة، وأن يبقي على استقلال الجزائر، وأن يهتم بالقضايا التي تشعر كل مواطن جزائري بأنه صاحب حق، وأنه يأخذ حقه كما يقدم واجبه.
اليوم الجزائر تحتاج مثل دول عالمنا الإسلامي إلى أن تفهم القوى السياسية بعضها بعضا، وإلى أن تلجأ للأساليب الشريفة والمعروفة في حق الاختلاف وإبداء الرأي، والاعتراض والموافقة لا على قاعدة الضغط الذي يمكن أن يمارس أو على قاعدة القتل الذي يمكن أن يحدث الفتنة أو على قاعدة الارتباط بالاستعمار والاستكبار العالمي للاستقواء من قبل أفرقاء على أفرقاء، نحن نعلم أن المحافظة على الاستقلال يتطلب أن يكون كل واحد كل مواطن موضوعيا، فإذا كانت لديه أفكاره فليطرحها أمام الناس ومن يقبل به الناس ويكون الأغلبية في آرائهم يكون له الحق في أن يعبر وأن يتصدر وأن يكون له الموقف وقد دعانا الإسلام الى العدل ودعانا إلى إعمار الأرض التي نحن فيها وهذه مسؤولية الجميع.