مقابلات

المقابلة التي أجرتها معه وكالة برس الأمريكية اللاتينية - كوبا في 9/6/2009

لبنان في هذه المرحلة أخذ وجهة فيها نوع ما من الاستقلال الداخلي للقرار

- نتائج الانتخابات كان مفاجئة جداً في لبنان للبنانيين وللخارج، أود أن أعلم إذا كانت أيضاً مفاجئة لحزب الله؟

إذا أجرينا مقارنة بين ما كنا عليه في البرلمان السابق ونتيجة الانتخابات الحالية نجد أنها نتيجة واحدة، كان لدينا 57 نائباً كمعارضة والآن لدينا هذا العدد، تغيَّر أربع أو خمس أشخاص بأشخاص آخرين، أمَّا بالنسبة لحزب الله فالمقاعد التي له فيها مرشحين قد نجحوا بالكامل، كان لدينا أمل أن نأخذ مقاعد إضافية من الموالاة، وبصراحة المراهنة لم تكن على لحزب الله لأننا حصلنا عليها بالكامل، كانت على حلفاء لنا في المعارضة، لكن للأسف لم تكن قوتنا كافية، ونعم استطلاعات الرأي تقول بأن فوز المعارضة بالأغلبية ممكن، السبب أن أداء الموالاةة أدَّى إلى مشاكل كثيرة وتعقيدات ، لكن لا يخفى أن هذه الانتخابات خضناها كمعارضة وأمريكا ضدنا وإسرائيل تهدد ودُفعت الأموال الباهظة جداً في الداخل لشراء ضمائر الناس تجاوز المليار ونصف مليار دولار، وجاء عدد كبير من المغتربين بعشرات الآلاف هذه كلها عوامل ساعدت على عدم زيادة كتلة المعارضة، ولكن هذا لن يؤثر علينا، لدينا مشروعنا وسنتابع بشكل طبيعي سنحميه وندافع عنه، وسنحاول أن نجعل له تأثير في الساحة، بالخلاص نحن لم نخسر شيئاً ولكن لم نربح شيئاً.

- إنطلاقاً من نتائج الانتخابات ما هو التنازل المنتظر؟ وما هو تأثير هذه الانتخابات ؟ بالإضافة إلى ذلك هل من الممكن أن يتعرض لبنان إلى هزات سياسية أو أمنية أو اجتماعية من جراء نتائج هذه الانتخابات؟ وأين أصبحت اتفاقية الدوحة اليوم؟

لا أستطيع الآن أن أحسم وجهة لبنان للفترة القادمة، لأن الأمر مرتبط بالأغلبية النيابية، إذا كانوا سيتصرفون كما تصرفوا في السنوات الأربعة السابقة يعني أن وضع لبنان سيكون صعباً، أمَّا إذا غيروا من طريقة أدائهم، وقدموا أفكاراً إيجابية وعرضوا ما يؤدي إلى تعاون المعارضة والموالاة عندها يمكن أن يكون بعض التحسن بالاتجاه الإيجابي سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، فإذاً الموضوع مرتبط بما سيطرحونه، عندها نحسم كمعارضة كيف نتصرف، لكن لا أعتقد أنه يوجد ما يؤدي إلى أجواء غير طبيعية، نعم إمَّا أن يكون هناك استقرار سياسي يريح في العمل أو تطور سياسي يجعل لبنان يغرق في المشاكل.أمَّا اتفاق الدوحة فعملياً انتهى لأن النقاط الواردة فيه قد طُبقت، وآخره تصديق قانون الانتخابات، خاصة أن اتفاق الدوحة كان حلاً لمشكلة مرحلية، نعم يمكن الاستفادة من روحه ومناخه وهذا ما هو موجود أيضاً في الطائف أي في الدستور.

- الولايات المتحدة وإسرائيل والاتحاد الأوروبي وكل أعداء أو معارضين حزب الله يحاولون بشتى الوسائل تشويه صورة هذا الحزب وتشويه صورة أهداف هذا الحزب، وبالتالي تحاول إظهاره كمنظمة إرهابية أو ما شابه، وكل يوم يوجد ادعاءات وحملات وافتراءات ومن ضمن الإدعاءات أن حزب الله يدور في فلك سوريا وإيران، ما هو رد حزب الله على كل هذه الإدعاءات وكيف يقنع حزب الله بأنها محاولات كاذبة ويائسة من قبل الأعداء؟ والسؤال هو للذين لا يعلمون فنحن نعلم ويكفينا رد سماحة السيد حسن نصر الله أمس على نتائج الانتخابات بهذه الابتسامة وهذا الكلام الذي صدر عنه وهو يقول أن المعارضة خسرت وبالتالي هذه انتخابات.

إسرائيل احتلت فلسطين وطردت أهلها منها، وهذا حصل منذ ستين سنة، والمنطقة تعاني من الاحتلال والعدوان الإسرائيلي، وفي سنة 1982 احتلت إسرائيل لبنان ووصلت إلى عاصمته بيروت، واستمرت موجودة على الأرض اللبنانية وهي تفرض شروطها على لبنان، وعلى الرغم من وجود قرار دولي رقمه 425 لانسحاب إسرائيل بالكامل من الأراضي اللبنانية لم تنسحب إسرائيل، ليس لدينا حل إلاَّ أن نقاوم هذا الاحتلال ونطرده من أرضنا، كل شعوب العالم تقاوم لتطرد الاحتلال من أرضها، ومن الطبيعي أن تقف الدول الكبرى إلى جانب إسرائيل لمساعدتها على عدوانها، ولأن مقاومتنا فاعلة ومؤثرة حاولوا اتهامنا بالإرهاب لأنهم عجزوا عن منع هذه المقاومة، لكن هذه التهمة لن تنفع على المستوى الشعبي اللبناني ولا على المستوى العرب والمسلمين، الناس كانوا معنا، وازدادت مقاومتنا قوة، استطعنا بعد 18 سنة أي في سنة 2000 أن نخرج إسرائيل من معظم الأراضي التي احتلتها بالمقاومة، ذُهل العالم كيف يمكن لهذه المقاومة الصغيرة المحدودة أن تنتصر على دولة قوية، ولمعلوماتكم حتى بعض الدول الكبرى عدَّلت عن اتهامنا بالإرهاب، مثلاً الدول الأوروبية بشكل عام لا تصفنا بالإرهاب، ويأتي سفراؤها وزراؤها ويلتقوا معنا، وكنا جزء من طاولة الحوار اللبنانية التي اجتمعت في فرنسا، وعلاقتنا مع روسيا والصين جيدة، إذاً حتى هذه التهمة ضعفت كثيراً وبقيت عند أمريكا وإسرائيل، ولكن من يأتي إلينا من الشعب الأمريكي يسمع وجهة نظرنا ويرى الحق معنا، لسنا معقدين إلى هذه الدرجة، لأن شعبنا معنا والنتيجة ممتازة ونحن مستمرون، حتى أن الفلسطينيين المعذبين استفادوا من مقاومتنا، فتحركوا بفعالية بعد نجاحنا في سنة 2000، وفي النهاية أصحاب الأرض أصحاب حق وأصحاب الحق لا بدَّ أن ينتصروا، يحتاج الأمر إلى تضحيات وصبر في مقابل محاولة الامبريالية أن تفرض نفسها علينا، اليوم سمعة حزب الله في لبنان وفي المنطقة سمعة العزيز القوي الذي تهابه إسرائيل، ولو لم تكن المقاومة موجودة لاحتلت إسرائيل مرة أخرى.

أمَّا بالنسبة لإيران وسوريا فهما حلفاء لحزب الله، والسيد شافيز حليف لحزب الله، أي واحد في العالم يؤيد المقاومة هو حليف لحزب الله وهذه ليست تهمة، بل نحن نقول لكل دول وشعوب العالم من أراد أن يدعمنا أهلاً وسهلاً، نحن مقاومة بحاجة إلى دعم، أن يتهمونا أننا نعمل لصالح إيران وسوريا فهذا إدعاء يحتاج إلى دليل، أولاً المقاومون والشهداء والجرحى كلهم لبنانيون، الأرض التي نحررها أرض لبنانية، النتائج التي نحصل عليها نحصل عليها في لبنان ومن أجل لبنان، إذاً ما هي المشكلة في أن يكون لنا حلفاء وأصدقاء، كيف يكون طبيعياً أن تدعم الولايات المتحدة إسرائيل بثلاثة مليارات دولار سنوياً للقتل والاعتداء ولا يكون هذا غريباً، كيف تكون أسلحة الدمار الشامل ومنها القنابل العنقودية التي رُميت على لبنان مقبولة بالنسبة لإسرائيل ولا يواجهها أحد، نحن نفخر بعلاقاتنا مع أصدقائنا، وليست تهمة وهذا شرف لنا ولهم، لنا أننا نحاول أن نقوي أنفسنا بكل الوسائل المشروعة، ولهم أنهم إلى جانب حق شعب مقاوم يحرر أرضه.

- بما أنكم أشرتم إلى الموضوع الفلسطيني أود أن اعرف منكم لو سمحتم بصفتكم استراتيجيين ناجحين في هذا المضمار كيف ترون مستقبل القضية الفلسطينية على المدى المتوسط أو البعيد؟ وإلى أين تسير هذه القضية؟ وهل للصراع العربي الإسرائيلي محطات قادمة منظورة؟

من خلال دراسة الوقائع والمعطيات لا أجد خلاً لا قريباً ولا متوسطاً للقضية الفلسطينية، أولاً إسرائيل تفكر كيف تسيطر على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي الفلسطينية، وهي تطبل أن طول الوقت من أجل أن تهضم الاحتلال والتوسع التدريجي، وكل الاتفاقات التي عقدت حتى الآن من خطة "ميتيشل" إلى "خارطة الطريق" إلى "أنابوليس" لم تلتزم بها إسرائيل نهائياً، مع العلم أنها لا تعجبنا أصلاً، ولن هم لم يوقفوا المستوطنات، ويأخذون الأراضي الفلسطينية غصباً وأيضاً الملكيات الفلسطينية، ويبنون الجدار في الأراضي الفلسطينية، ويسجنون 12 ألف مواطن فلسطيني، بينهم أطفال ونساء، ودائماً يقتلون الفلسطينيين، إذاً أين هو الحل؟ إضافة أن نتنياهو صرَّح بوضوح بأنه يريد معالجة اقتصادية اجتماعية للموضوع الفلسطيني، ولا يريد معالجة سياسية، فهو يريدهم أن يأكلوا ويشربوا حتى لا يموتوا، كي لا يكون محرجاً أمام العالم، لكن لا يريد الحديث عن الدولة الفلسطينية وعن الكيان المستقل. ثانياً المشروع الإسرائيلي في حدِّه الأدنى يريد أن يأخذ 9/8 من الأرض، ولتوضيح الصورة مساحة فلسطين 27 ألف كلم2، التي يسمونها الآن أراضي 48 أي التي احتلت سنة 1948 تساوي 21 ألف كلم2، وهذه محسومة أنها لإسرائيل على المستوى الدولي، النقاش هو في الأراضي المحتلة سنة 67، أي مساحة الستة آلاف الباقية، إسرائيل تريد منها ثلاثة آلاف، وتريد أن تكون الدولة الفلسطينية بلا حدود مستقلة، أي لا تكون الحدود مع مصر حرة بل أن يكون هناك قوات دولية، ولا أن يكون هناك قوات مسلحة في داخل الدولة إلاَّ بأسلحة خفيفة من أجل الشرطة، فهم يريدون إعطاء الفلسطينيين مخيماً كبيراً وليس دولة، هذا لا يمكن أن يكون حلاً، والفلسطينيون لا يستطيعون القبول بها، لذا من ناحية إسرائيل أطماعها لا تتوقف وليست مستعجلة على حدود دولة تكون أصغر مما تريد، وترى أمريكا وأوروبا ومجلس الأمن معها ويؤيدها في عدوانها، وتأخذ أموال وسلاح وعتاد بلا حساب، إذاً من سيضغط عليها بالحل؟ في المقابل الفلسطينيون يجدون أنهم لا يملكون شيئاً ما الذي سيحرصون عليه حتى يتوقفوا عن القتال والمقاومة؟ يتأملون بالمقاومة أن يستردوا أرضهم، إذاً المقاومة تشكل أملاً للمستقبل، وكما حصل في لبنان يمكن أن يحصل في فلسطين، على هذا الأساس لا أرى حلاً قريباً، وكل هذه الحركة الأمريكية الآن لحل القضية الفلسطينية مسرحية، لأنهم إذا أرادوا أن يضغطوا على إسرائيل لا يستطيعون، أمَّا أن يتكلموا في الإعلام ويقولون: نحن ندعو إسرائيل للحل ولا يفعلون شيئاً، ويقول "أوباما": هذا رأينا ولكن لن نوقف المساعدات عنها، يعني أنه لا يفعل شيئاً.

- حزب الله مع محافظته على المقاومة هل هو مستعد للمفاوضات مع إسرائيل؟

ليس لنا قضية لنفاوض عليها مع إسرائيل، المسألة ترتبط بالفلسطينيين، ما يقرره الفلسطينيون في نهاية المطاف هو شأنهم وقرارهم، ولكن بالنسبة إلينا على إسرائيل أن تخرج من باقي الأرض اللبنانية المحتلة من دون مفاوضة ومن قيدٍ أو شرط، من الخطأ أن نعطيها شرعية التفاوض، ولكن أقول لك من الآن: مهما كانت نتيجة المفاوضات مع الفلسطينيين نحن لن نعترف بالدولة الإسرائيلية لأنها قائمة على الاحتلال وهذا هو موقفنا السياسي.

- بالإشارة إلى مصر والدول العربية التي أطلق عليها صفة "الدول المعتدلة" نحن نعلم أن مصر دخلت في المعركة الانتخابية من وقت متقدم عندما بالحديث عن شبكة حزب الله، ما هو دور هذه "الدول المعتدلة" في مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية اللبنانية؟

لبنان في هذه المرحلة أخذ وجهة فيها نوع ما من الاستقلال الداخلي للقرار، وفشلت المحاولات الأمريكية خلال السنوات الأربعة السابقة ومعها بعض المحاولات العربية لوضع اليد عليه، كانوا يظنون أن خروج السوريين من لبنان يمكنهم من أن يحلوا محلهم، لكن المعارضة وقفت بشدة ضد الوصاية الأمريكية من يتبعها ونجحت، وسنبقى كمعارضة متيقظين حتى لا نسمح لأي دولة عربية أو أجنبية من أن تسيِّر لبنان في سياستها، طبعاً هم يأملون التدخل والتأثير واستخدام لبنان كساحة لمصالحهم، ولكن التوازن السياسي الموجود في الداخل يمنع هذا التدخل، حيث أن فعالية المعارضة فعالية قوية ولا تستطيع الأكثرية النيابية أن تأخذ البلد إلى أي وصاية، فالفرق في عدد النواب ليس كثيراً، وبالتاي أيضاً الوضع الشعبي متوازن، إذاً لا يوجد هناك أكثرية مريحة، ولا يمكن أن تقوم من خلالها إلى فرض شروط ووصاية علينا.

- بالانتقال إلى أمريكا اللاتينية كيف هي علاقة حزب الله معها بشكل عام ومع القوى والأحزاب الموجودة في أمريكا اللاتينية؟ وما هو تعليقكم على هذا التحول التي يتسجل يومياً في أمريكا اللاتينية باتجاه اليسار وباتجاه الموقف الثوري؟

بسبب بُعد المكان واختلاف القضايا التفصيلية لا توجد هذه الصلات المدروسة والمنظمة بيننا وبين القوى الموجودة في أمريكا اللاتينية، استطيع أن أقول أنه توجد علاقات وتراسل متباعد بين الحين والآخر، من خلال بعض المؤتمرات أو الزيارات أو بعض النقاشات، ولكن الحالة العاطفية بين حزب الله والقوى اليسارية الموجودة في أمريكا اللاتينية فيها مودة وحب متبادل، لأن المشاكل التي يعانونها في أمريكا اللاتينية من الامبريالية الأمريكية هي شبيهة بالمشاكل التي نعانيها نحن من أمريكا ومن معها، نشعر بمظلوميتكم كما تشعرون بمظلوميتنا ونفرح لكم كما تفرحون لنا، لأن الحرية لا تحتاج إلى جغرافيا، ولا إلى عقيدة سياسية خاصة، فالحرية مطلب إنساني لذلك نشعر أننا واحد رغم بُعد المسافة، وموقفكم في أمريكا اللاتينية مهم جداً بسبب قربه من أمريكا، والعدد السكاني مهم أيضاً، على هذا الأساس نحن نشعر أن تقارب الشعبي والعاطفي متقدم كثيراً على مستوى العلاقات السياسية، كان لدينا مؤتمراً دولياً لدعم المقاومة وجاءنا من مختلف دول أمريكا اللاتينية قيادات وأعداد جيدة، نحن نتمنى لكم أن تبقوا في الخندق المتقدم لمواجهة الامبريالية، لأننا نتقوى بكم وأنتم أيضاً تتقُّوون بنا.

- مثل كوبا بالنسبة لشعوب هذه المنطقة كان دائماً مميزاً إلاَّ أن الموقف الذي أخذه الرئيس "تشافيز" بضرب التفكير الإسرائيلي كان له وقع إيجابي وجميل جداً على الشعب اللبناني، وكوبا لها عقود من قطع العلاقة ومع إسرائيل؟

نظرة فيدال كاسترو هي نظرة الثائر الذي يعمل لمصلحة شعبه، ومن الطبيعي أن يبرز "تشافيز" في هذه المرحلة بسبب الموقف المباشر في قطع العلاقة مع إسرائيل، ومستوى التصريحات التي لها علاقة بمنطقتنا أثر على انطباعات الناس، ولكن في الحقيقة النظرة إلى السيد فيدال كاسترو نظرة الثائر القوي وهي نظرة محترمة، عندنا في الشرق يحبون الشخصيات البطلة الناجحة الشعبية، وهذا ينطبق على السيد كاسترو وعلى السيد تشافيز وعلى آخرين.