أحداث متلاحقة تشهدها الساحة اللبنانية من إطلاق سراح الضباط الأربعة بعد توقيف دام أربع سنوات والانتقادات التي باتت توجه إلى القضاء اللبناني، إلى الكشف عن سلسلة من شبكات التجسس الإسرائيلية والمناورة الإسرائيلية المرتقبة آخر الشهر الجاري، قبيل الانتخابات النيابية اللبنانية، والأزمة بين حزب اللـه والسلطات المصرية، سلسلة من الملفات تبحثها الوطن مع نائب أمين عام حزب اللـه سماحة الشيخ نعيم قاسم للاطلاع منه على موقف الحزب من هذه الملفات:
ما تداعيات إطلاق سراح الضباط الأربعة على الوضع الداخلي؟
الإفراج عن الضباط الأربعة هو هزيمة لجماعة 14 آذار. وهو إعلان واضح لفشل مهنية ومصداقية بعض القضاة اللبنانيين. ومن الطبيعي أن تترك هذه الهزيمة انعكاسات على الانتخابات النيابية ولو بنسبة ضعيفة التي تضاف إلى الهزائم المتتالية خلال السنة الأخيرة التي لحقت بفريق الموالاة بعد تهاوي المشروع الذي استندوا إليه. على حين نهضت المعارضة بشعارات تبين صوابيتها. وبالطبع سيؤثر الإفراج عن الضباط الأربعة على قسم من الجمهور الذي يقف في الوسط أو يعطي تأييداً محدوداً للموالاة. وهذا أمر إيجابي. ويصب في مصلحة المعارضة.
هل وارد لدى إسرائيل شن حرب على لبنان أو القيام بعمل أمني كبير لتعطيل الانتخابات إذا تبين أن الأمور تسير في اتجاه فوز المعارضة؟
يجب أن نأخذ بالحسبان المناورة الإسرائيلية المقررة في مطلع شهر حزيران لأنها الأضخم في تاريخ الكيان الإسرائيلي، وخاصة أنها تتحدث عن مواجهة واحدة في المرحلة الزمنية نفسها لتشمل إيران وسورية وحزب اللـه وحماس. وعندما تكون المناورة بهذا الحجم فهذا يعني أن إسرائيل تهيئ نفسها بالحد الأدنى لعمل عدواني مستقبلي. وهذا خطر يجب أن يراعى. ونحن في حزب اللـه نتعاطى مع هذه المناورة بجدية، ولكن لا نتوقع حدوث اعتداء إسرائيلي عاجل. ولن تؤثر إسرائيل على الانتخابات النيابية لأنها محطة ضرورية للجميع محلياً وإقليمياً ودولياً وخصوصاً أن المسار السياسي الحاكم في لبنان اليوم أصبح مربكاً، ويعيش آمالاً وطموحات غير متوافرة. لذلك أتوقع أن تحدث الانتخابات في موعدها دون أي مشكلات باستثناء إشكالات بسيطة.
ولكن ألا تتخوفون من تأجيج بعض قوى الأكثرية الحالية للوضع إذا شعرت أنها لن تعود إلى السلطة؟
لا أريد إعطاء الأكثرية شهادة حسن سلوك لأنهم لن يقوموا بتعطيل الانتخابات حتى لو كانت نتائجها في غير مصلحتهم وخصوصاً أن تسويغهم لتعطيل الانتخابات سيكون ضعيفاً!
هل تتوقعون قيام إسرائيل بعمل أمني من خلال شبكات التجسس؟
العمل الأمني وارد في كل لحظة وفي كل مكان يمكن أن تتوقع فيه إسرائيل بالفائدة لمشروعها وخصوصاً أن الشبكات الإسرائيلية منتشرة في لبنان. ويبقى القرار في يد القيادة الإسرائيلية التي تقرر التوقيت والعمل المناسب. لذلك أتوقع في المرحلة القادمة الكشف عن المزيد من الشبكات بسبب كثافة العمل الإسرائيلي.
هل هناك تعاون بين حزب اللـه وفرع المعلومات لكشف هذه الخلايا؟
أي جهاز أمني لبناني يكشف خلايا إسرائيلية سنتعاون معه. وعندما كشف فرع المعلومات في المرحلة الأخيرة عن شبكة تجسس اعتبرنا أن هذه خطوة إيجابية بغض النظر عن مواقفه السياسية.
ولكن هل يحاول فرع المعلومات تبييض صفحته من أجل المرحلة المقبلة؟
اطلعنا من خلال وسائط مختلفة على كلام يعود إلى فرع المعلومات أن اهتمامه بالشبكات الإسرائيلية بدأ بعد حرب تموز. وهذا مسعى جديد ونأمل أن يستمر. ومن البداية كنا نقول إذا ارتاح لبنان من مشكلاته الداخلية فسيستطيع تسليط الضوء على المخاطر الخارجية.
ماذا ستفعل المعارضة إذا ربحت الانتخابات النيابية؟
ستقوم بواجبها بتشكيل الحكومة وعرض المشاركة على الموالاة الحالية وفي صياغة بيان وزاري يركز على معالجة الثغرات التي سببت هذا الانهيار السياسي والاقتصادي في البلد. وسنطرح رؤية مستفادة من برنامجنا الانتخابي الذي أعلناه مستنداً على دعم المسار المقاوم ورفض الوصاية الأجنبية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية ومواجهة الفساد والرشا. سنتعامل مع الجميع من منطق الدولة وسنلتزم بما تلتزم به المؤسسات. وليس لدينا مشروع خاص. ولن يكون حزب اللـه في موقع أكثري متفرد. ولن يكون وحيداً أو متصدياً نيابة عن الآخرين بل سيكون واحداً من الشركاء الموجودين في المعارضة. وسيمد اليد مع المعارضة للشركاء الآخرين في الوطن. ولن يعمل بعقلية الميليشيات.
وإذا لم يشارك الفريق الآخر معكم في تشكيل حكومة وحدة وطنية لوضع حزب اللـه في موقع حماس نفسه عندما أصبحت المقاومة هي السلطة؟
نحن سنعرض بصفتنا أكثرية نيابية على الأقلية المشاركة. وما أتوقعه هو أن يقبلوا المشاركة أو أن يقبل جزء منهم المشاركة. وإذا افترضنا جدلاً أنهم لن يشاركوا فالبلد يجب أن يسير وسنحكم حسب الدستور. وهذا التشبيه الذي يحاول البعض أن يقيسه بين لبنان وغزة هو غير حقيقي لأن ظروف لبنان تختلف عن غزة، كما أن تشكيل المعارضة في لبنان يختلف عن خصوصية إدارة حماس لغزة ومن ثم هذه الخصوصية اللبنانية المتنوعة تدفع الدول الأخرى للتعاطي مع لبنان بأسلوب مختلف تماماً عما حصل في فلسطين.
هل يمكن أن تشجعوا قيام كتلة ثالثة عمادها رئيس مجلس النواب نبيه بري؟
الرئيس بري هو جزء من المعارضة. وليس هناك حاجة لتشكيل فريق ثالث. وثبت حتى الآن أن خيار الرئيس بري والمعارضة قد نجح وصمد في كل التحديات. وإذا كان لديه تجربة ناجحة فلماذا يبحث عن تجربة جديدة؟ هذه أحلام الآخرين لتفكيك المعارضة لكنها لن تحصل.
هل سيكون لرئيس الجمهورية كتلة نيابية؟
أستبعد ذلك وخصوصاً أن هذه الخطوة حسب المعطيات الميدانية غير قابلة للنجاح.
من مرشحكم لرئاسة الحكومة؟
عندما نصبح أغلبية نيابية سنتداول ونقرر.
هل يمكن أن تحدث تسوية ما مع تيار المستقبل برعاية عربية للتوافق على رئيس حكومة؟
نحن منفتحون على الحلول التي تنفع لبنان.
هل يمكن أن يكون الرئيس نجيب ميقاتي رئيس حكومة توافقياً؟
كل مواطن سني في لبنان مرشح لرئاسة الحكومة بعد سن الحادي والعشرين!
كيف قرأت الهجمة على كلام النائب محمد رعد في تغيير السلطة والتخوفات التي أطلقها فريق 14 آذار؟
لقد ضحكت كثيراً عندما رأيت هجوماً سياسياً على كلام لم ينشر أو كلام مفترض لا يريد صاحبه أن يكون موجوداً! وهذا يدل على أن فريق الموالاة يبحث عن أي شيء لمهاجمة المعارضة بعد أن فقدوا الخطاب السياسي والاجتماعي والاقتصادي المقنع لجمهورهم، ويتكلمون عن المحاكمة وإثارة القضايا التي تستفز العصبيات. وهذا جزء من خطتهم التي ثبت فشلها. فهم يعتمدون سياسة العداء للمعارضة سلماً للنجاح في الانتخابات. أما المعارضة فتعتمد على البرنامج والمشاركة وتشكيل الحكومة المستقبلية ودعم المقاومة والعمل الإنمائي والاجتماعي وإلغاء الفساد.
إذا استلمت المعارضة السلطة فكيف ستكون العلاقات اللبنانية السورية؟
موقف المعارضة في أصعب الظروف كان واضحاً تجاه سورية. فالعلاقات بين لبنان وسورية يجب أن تكون مميزة. أما استحضار الماضي وكيفية دخول سورية إلى لبنان فكان له ظروف لبنانية وإقليمية ودولية وجاء بتواطؤ أولئك الذين يغسلون أيديهم مما فعلوه! وهل حصل اتفاق الطائف بمعزل عن الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية وبعض الدول العربية وسورية وقيادات أساسية في لبنان من المسيحيين والمسلمين! هذه حقبة انتهت. لذلك نحن مع إعادة العلاقات المميزة بين لبنان وسورية.
ماذا ستفعلون بالمجلس الأعلى اللبناني السوري والاتفاقات الموقعة بين لبنان وسورية؟
الاتفاقات تبقى سارية المفعول إلى أن يتفق الطرفان على تعديلها إذا كانت بحاجة إلى ذلك. المجلس الأعلى اللبناني السوري يبقى موجوداً حتى تقرر السلطة السياسية في البلدين إلغاءه. ولا أعتقد أنه حتى الآن هناك من يريد إلغاء أي من الاتفاقات بل هناك حاجة إلى دعم اتفاقات إضافية.
كيف ينظر حزب اللـه إلى الحركة الأميركية في المنطقة؟
فشلت إدارة جورج بوش في أخذ المنطقة إلى الدائرة الأميركية بالكامل وفي التصويب على إيران والحركات المقاومة لتحقيق الأهداف الإسرائيلية. ومع تغيير الرئيس الأميركي جاء الرئيس الجديد معتمداً على الحوار والدبلوماسية بدلاً من الضغط العسكري والأعمال الحربية. وهذا التغيير الذي حدث في الولايات المتحدة الأميركية لم تتبلور نتائجه بعد. في المقابل حدث تغيير سلبي في إسرائيل عندما جاء ليكود إلى السلطة. ومن الطبيعي أن نجد بعض الخلاف بين الإدارتين الأميركية والإسرائيلية. فالأخيرة تريد أن تجر الأولى إلى معركتها، أما الولايات المتحدة الأميركية فتعمل على أن تكون الأولوية للخيار الأميركي. فمثلاً كانت حرب تموز خياراً أميركياً بيد إسرائيلية! على حين يريد بنيامين نتنياهو حرباً على إيران بيد أميركية إلا أن الولايات المتحدة الأميركية لا تجد أن هذا أولوية بالنسبة إليها لأنها تواجه مشكلة مع باكستان وأفغانستان وتحتاج إلى مساندة إيران في هذه المنطقة. كما أن كل محاولات الولايات المتحدة الأميركية للضغط على سورية لم تأت مفاعيلها. لذا تبحث الإدارة الأميركية الآن عن خطوات لسياستها المستقبلية. وهي اليوم في مرحلة برزخية ستبقى في إطار التجاذب بين وجهتي النظر الأميركية والإسرائيلية إلى أن تتبلور خطة عمل الإدارة الأميركية، عندها سنرى هل ستبقى إسرائيل ممانعة ومخالفة أم إن الولايات المتحدة الأميركية ستطوعها ضمن معادلة القوة الأميركية.
ماذا عن محاولة فتح قنوات حوارية بين حزب اللـه وبعض الجهات الأوروبية وخاصة بريطانيا؟
نحن لم نقبل في السابق فتح حوار مع الإدارة الرسمية الأميركية، وقبلنا مناقشة إعلاميين ومثقفين وسياسيين أميركيين خارج الإدارة الأميركية لأننا نعتبر أن نقاش حزب اللـه مع الإدارة الأميركية لن ينفع لأن تلك الأخيرة ستأتي بإملاءات. وكل ما في الأمر أنها تريد الحوار لإبلاغ تعليمات ولتظهر أمام شعبها أنها تكلمنا مع حزب اللـه. أما الحوار بين أميركا وسورية وإيران فموضوعاته متشعبة. وهناك فرص لمكتسبات معينة تستدعي مثل هذا الحوار الذي سيكون مبنياً على حاجات مشتركة. وهذا ليس متوافراً في الحوار بين حزب اللـه وأميركا. أما بالنسبة لأوروبا فنحن لم نقطع حوارنا معها كل الفترة الماضية. ولقد اتخذت بريطانيا إجراء منذ عام بقطع الحوار ثم تراجعت عن موقفها. ونحن نعتبر أن الدور الأوروبي يمتلك بعض المساحة التي قد تنفع في الحوار وإن كانت نتائجه محدودة وخاصة أن إدارة المنطقة بيد أميركية.
ماذا إذا تطور الحوار الأميركي الإيراني وأدى إلى تفاهمات معينة وخصوصاً أننا سمعنا مؤخراً تصريحاً لرئيس الجمهورية الإيرانية أحمدي نجاد مفاده قبول إيران بقيام دولتين إسرائيلية وفلسطينية على حين كان المطلب الإيراني إزالة إسرائيل من الوجود. ماذا سيكون موقفكم؟
يجب أن نميز بين الموقف المبدئي والسياسي وبين ما يختاره ممثلو الشعب الفلسطيني. وأنا فهمت من كلام الرئيس أحمدي نجاد أنه يتحدث عن هذا التمييز. فإيران تريد استعادة كامل فلسطين ولكنها لن تعمل خلافاً لما يختاره الفلسطينيون احتراماً لخيار الشعب الفلسطيني. ونحن في حزب اللـه لا نعتبر أن المفاوضات التي تجري بين أميركا وإيران تعنينا بشكل مباشر. ومن السابق لأوانه التحدث عن انعكاس نتائج الحوار الأميركي الإيراني على المنطقة.
فيما يتعلق بالكشف عن خلية حزب اللـه في مصر: يحاول البعض من خلاله تأكيد وجود امتدادات لحزب اللـه خارج لبنان على حين إنكم دائماً تنفون ذلك. إلى أي حد تخفف هذه الحملة على حزب اللـه بصفتها حركة مقاومة؟
ما الجرم الذي ضبط به سامي شهاب في مصر؟! لقد أعلن المدعي العام المصري بما لا يقبل الشك مساهمة شهاب في إيصال الأفراد والعتاد إلى داخل غزة لدعم الفلسطينيين ونشرت صحيفة المصري اليوم نص التحقيق مع سامي الذي قال فيه إنه مكلف من قيادته بعدم التعاطي بالشأن المصري. هذا هو الموضوع بكامله. وهذا محل مفخرة بالنسبة إلينا. وإذا أجرينا اليوم استفتاء في كل العالم العربي لقالوا: على الأنظمة والشعوب العربية أن تفعل ما فعله حزب اللـه من أجل دعم الفلسطينيين في غزة. وهذه ليست تهمة ولا يدل أن لحزب اللـه خلايا تعمل في بلدان أخرى لأننا لا نملك تنظيماً يمتد في داخل الدول. ما حصل مع سامي شهاب أنه كان في نقطة عبور لمصلحة غزة، ولم يكن للأمر علاقة بالنظام المصري أو تفاصيل الواقع المصري. ومهما حاول النظام المصري الإساءة إلينا فلن ينفع لأنه أحسن إلينا وأوضح أموراً لم نكن قادرين على التحدث عنها في السابق. والسؤال: لماذا أثار هذه القضية بعد خمسة أشهر من الاعتقال الذي حصل في 17 تشرين الثاني 2008 يعني قبل أحداث غزة بشهر وعشرة أيام؟ هذا يعني أن هناك قراراً سياسياً لمواجهة حزب اللـه والمقاومة!
هل ترى أن الموقف المصري جاء رداً على انتقاد حزب اللـه لأداء الحكومة المصرية أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة؟
هذا انتقام واضح ومسوغاته مكشوفة. ولن يثنينا أي شيء عن استمرار العمل لمصلحة فلسطين. فمصر تعاني من مشكلة فقدان الدور حتى اتجه الأميركيون إلى إيران وتركيا لتعويض غيابها. هذا عدا عدم فعاليتها في الموضوع الفلسطيني بسبب كثافة الشروط الإسرائيلية التي لا يستطيع أن يتحملها أحد لا الفلسطيني ولا المصري، فيحاولون البحث عن ضحية حسب وجهة نظرهم ليقولوا إنها هي السبب، ولتبييض صفحتهم لدى الأميركي والإسرائيلي. ولكن كل هذه الهمروجة لن تنفعهم!
ولكن الرئيس المصري قال إنه لن يسمح للميليشيات بخرق السيادة المصرية ومن يرغب في دعم غزة يجب أن يكون من خلال الحكومة المصرية!
الحكومة المصرية لها التزامات. ونحن لا نريد أن نوقعها في الحرج. وعندما نعمل بطريقة سرية لدعم فلسطين لنخفف من الواجب عن الآخرين الذين لن يقوموا به ولا يستطيعوا القيام به. ونحن لا علاقة لنا بخرق السيادة المصرية ولا يدخل هذا في دائرة اهتمامنا بل نهتم بمواجهة إسرائيل.