مقابلات

المقابلة التي أجرتها معه صحيفة الأخبار اللبنانية في 24/2/2009

المعارضة واثقة من فوزها وتريد معركـــة انتخابيّة شاملة

■ المال الانتخابي لا يُخيفنا لكنّه يُفسد الناس

■ مستعدّون لدفع ثمن مقبول لحكومة الوحدة الوطنيّة

■ إسرائيل تلقّت صدمة ثانية في غزّة

يخوص نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في التفاصيل الممكنة للعمليّة الانتخابيّة مجدّداً ثقته بقدرة المعارضة على الفوز وبأن هذا الفريق لا يُعاني مشاكل حقيقيّة تعوقه في تأليف لوائح موحّدة. ويُشدّد على خوض الانتخابات بلوائح في جميع الدوائر الانتخابيّة

الانتخابات ستُجرى، يقول المنسّق العام للانتخابات في حزب الله الشيخ نعيم قاسم. هو لا يجزم، لكن يُحلّل: إحصاءات الفريقين تقول إن كلاً منهما سيفوز بالانتخابات، ولذلك لا مصلحة لأيّ منهما بتعطيلها، و«خصوصاً أن إحصاءات كلّ فريق تقول له إنه الفائز».

أمّا الدوائر السياسيّة العربيّة والدوليّة فجميعها تراقب هذه الانتخابات وتنتظر نتيجتها، التي من المفترض أن تغيّر في الكثير من المعطيات. لكن هذا لا يعني أن أيّاً من هذين الفريقين يستطيع أن يحكم البلد وحده، «وإذا فازت المعارضة فنحن نرغب في تأليف حكومة وحدة وطنيّة، وهذه لها ثمن معقول وثمن عالٍ، ونحن مستعدّون لدفع الثمن المعقول إذا وافق الفريق الآخر».

إذاً، نائب الأمين العام لحزب الله يتولّى مسؤوليّة تنسيق العمليّة الانتخابيّة في حزب الله «لا في المعارضة». يشرح الآليّة الداخليّة في حزبه: نحن نتخذ تدابير خاصة في الانتخابات البلديّة والنيابيّة، واليوم ألّفنا في كلّ دائرة لجنتين؛ الأولى انتخابيّة مهمّتها متابعة الأمور الإجرائيّة، والثانية سياسيّة تتابع الاتصالات مع الحلفاء، وتتجمّع هذه الاتصالات على المستوى المركزي. كذلك فإن من مهمات المنسّق الربط بين هذه اللجان وقيادة حزب الله، أي الشورى.

على هذا الأساس، يجزم الرجل بأن المعارضة ستخوض الانتخابات في جميع الدوائر في لبنان وبلوائح موحّدة، وستنافس أيّاً من المرشّحين في وجهها، بغضّ النظر عن تسميته: موالاة أم وسطيّة أو موالٍ بلون جديد، هؤلاء جميعاً منافسون، «ونرغب في أن نخوض معهم منافسة شريفة وفي جميع الدوائر». ويوزّع قاسم هذه الدوائر إلى ثلاثة أنواع: دوائر محسومة للأقليّة، دوائر فيها منافسة شديدة، وثالثة محسومة للأكثريّة. ولكنّ الأقليّة ستخوض الانتخابات فيها تحت اعتبارين: إثبات الوجود والتأسيس لحالة سياسيّة جديدة فيها.

يُضيف أن من الأمور المؤكّدة أن المعارضة لا تبغي تسويات في دوائر معيّنة، بل تريد أن تكون المعركة شاملة، «ولا تسويات تحت الطاولة أو فوقها». وعندما تسأله عن دائرة بيروت الثانية يُجيب: «هناك اتفاق في الدوحة، ونحن نلتزم به، لكن لم يحصل نقاش بيننا وبين النائب سعد الحريري أو فريقه، ولا هم اتصلوا بنا.

لكن، إذا حصل التوافق على آليّة لتطبيق هذا الاتفاق فنحن ملتزمون به».

ويقول قاسم إن «أبرز ما يُميّز هذه الانتخابات هو أنها الأولى التي «تشعر بأن صورة الاستعدادات لها محليّة بامتياز، حتى لو كان هناك كواليس غير محليّة». وأهميّتها بالنسبة إلى فريقه السياسي تتعلّق بأن هذا الفريق سيتخلّص من الكثير من المطبّات السياسيّة التي توضع له إذا حاز الأكثريّة النيابيّة، كذلك يستطيع أن يوقف القوانين التي تحتوي على تفاصيل مؤذية للمواطنين، ويتحوّل من موقع الرفض إلى موقع التأثير في تأليف الحكومة، التي يُكرّر دائماً قاسم أنه يرغب في أن تكون حكومة وحدة وطنيّة، «لأن البلد لا يُحكم من فريق وحده».

يستعمل أستاذ الكيمياء السابق كثيراً مقولة المشروع السياسي الموحّد لدى قوى المعارضة، الذي تخوض الانتخابات على أساسه. ولدى سؤاله عنه يُحدّده بالنقاط الآتية: المقاومة لحماية البلد، رفض الوصاية الخارجيّة، معالجة المشكلة الاقتصاديّة من منظار أن الوضع الاجتماعي للناس أولويّة، وعلى المستوى المالي وقف الفساد والحسابات الخاصة وعدم رهن البلد للشركات الأجنبيّة، والتنمية في جميع المناطق. هو يرغب في أن يكون هذا المشروع أكثر تفصيلاً وأوسع، لكنه «الواقع اللبناني»، بحسب تعبيره، من دون أن ينفي إمكان التغيير، «إنما ذلك يحتاج إلى المزيد من الوقت».

■ لوائح المعارضة ابتداءً من منتصف آذار

متى إعلان لوائح المعارضة؟ يجيب الشيخ قاسم إن «المعارضة بدأت منذ أسبوعين النقاش التفصيلي في الأسماء والدوائر، وبالتالي، سيبدأ إعلان اللوائح من منتصف آذار حتى نهايته، «ولو كانت الانتخابات بعد 7 حزيران لكنّا أجّلنا إعلان الأسماء». يقول الجملة الأخيرة في إطار الردّ على سؤال عن مدى تأثير المصالحة السوريّة ـــــ السعوديّة المتوقّعة خلال القمة العربيّة المزمع عقدها في الدوحة في شهر آذار، وبعد أن يُكرّر ترحيبه بهذا النوع من المصالحات لأثره الإيجابي على لبنان والوضع العربي عموماً، ولكن هذه المصالحة لن تؤثّر في الانتخابات، بل من الممكن أن تُريح الوضع الداخلي اللبناني. ويمازح قائلاً، إن هذا الفريق دفع الأموال، ولذلك لم يعد يستطيع أن يتراجع عنها.

ينفي قاسم وجود مشكلات من النوع الذي لا يُمكن حلّها بين المعارضة، «فالمشكلة بين الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون مفتعلة، إذ لم يحصل أي لقاء بين الطرفين، بل هناك أسماء مطروحة، وعندما تصل الأمور إلى طاولة البحث، كل من الطرفين سيتنازل للآخر».

ويقول إن هناك دوائر فيها 3 مرشّحين للمعارضة على مقعد واحد، وهذا يعني أنّ هناك اثنين يجب أن ينسحبا. ويشير إلى إمكان أن تكون جهة سياسيّة أو اثنتان غير راضيتين.

ولدى سؤاله عن التحالف مع الحزب الشيوعي، يقول إن المشاورات لا تزال قائمة، ويستدرك أن المعارضة راغبة في أن تتمثّل جميع القوى التي تتشارك هذا الخيار السياسي. أمّا في ما يتعلّق بالوزير طلال أرسلان والوزير السابق وئام وهّاب، يقول قاسم إن هذه ليست معضلة، وهي ستُحسم عندما تُقرّر اللوائح نهائياً.

ينفي نائب الأمين العام لحزب الله مقولة أن حزبه هو من يُقرّر لوائح المعارضة، لكن في الوقت عينه يشير إلى استحواذ الحزب على ثقة حلفائه، ما يجعل الجميع يأتمنه ويتعامل معه من منطلق الحليف لا المنافس. ويُعطي مثالاً على هذا الموضوع في الدائرة الثالثة في بيروت: حزب الله سيدعم اللائحة التي سيؤلّفها أطراف المعارضة وشخصيّاتها وجهاتها الفاعلة، ونحن لن نتدخّل في هذا الموضوع. المعنيّون بالنواب السنّة سيسمّون مرشحيهم، والمسؤولون عن المسيحيين يفعلون الأمر ذاته، كذلك الأمر بالنسبة إلى الأقليّات. ونحن سندعم هذا الائتلاف.

ويشير قاسم إلى أن حزب الله لا يُمكنه التعاطي بملف الانتخابات كما تعاطى بموضوع الوزارة، «فوزير واحد يكفي لإيصال رأيك السياسي، لكن النيابة هي تمثيل للمواطنين، وهي أمانة لا نستطيع التخلّي عنها».

كلام قاسم يوحي بإمكان بعض التضحيات من قبل الحزب في حدود ضيّقة «فكتلتنا المؤلّفة من 14 لن تُصبح 7 أو 8 نوّاب». ويُبرّر ذلك بأن النواب هم صلة الوصل مع الناس ويرفعون مطالبهم، كذلك فإنهم ممثّلوهم ويعملون في موضوع الخدمات.

لا يتخوّف «الشيخ» من تأثير المال الانتخابي، وخصوصاً في الجنوب، «فنحن لا نشكّ في حجمنا التمثيلي، وهذا المال عبثي لن يصل إلى نتيجة». لكنه في الوقت عينه يرى أن من أسوأ نتائج هذا المال أنه يعمل على إفساد الناس، وكذلك على التأثير في الدوائر التي تُخاض فيها معارك متقاربة تُحسم على 100 أو 200 صوت. يُضيف: «إن هذا المال لا يؤثّر في الملتزمين سياسياً لأي فريق انتموا، بل في ضعاف النفوس أو غير المبالين بالانتخابات».

وعندما تسأل الرجل عن موقف حزب الله من إجراء الانتخابات في يوم واحد يُجيب: «هذا هو القانون ونحن نلتزم به. ولكن حليفكم الجنرال ميشال عون يُطالب بإجرائها على يومين؟

يقول الرجل إن عون متخوّف من الوضع ومن حصول إشكالات تؤدّي إلى تعطيل العمليّة الانتخابيّة، «وهذه هواجس مشروعة، وخصوصاً أنه لا أحد يستطيع الجزم بعدم حصول إشكالات والبلد مفتوح، وقد تكون هناك جهات مستفيدة من هذا الأمر».

■ تأثيرات حرب غزّة على الواقع اللبناني

عندما تقول للشيخ نعيم قاسم إن حزب الله لم يستطع مساندة الفلسطينيين خلال الحرب على قطاع غزّة بسبب القرار 1701، يبتسم ليسأل بهدوء: وما الهدف من إشعال الجبهة اللبنانيّة؟

نحن مقاومة ولسنا جيشاً، والمقاومة تعمل على إشغال العدو في أرضه. كذلك فإن فتح الجبهة اللبنانيّة سيحوّل الأنظار عن اجتياح القطاع إلى الحدود الشماليّة لفلسطين المحتلّة، حيث تسوّق فكرة أن إسرائيل هي الضحيّة بسبب تحرّشات حزب الله، وهذا أمر يضرّ بالمقاومة في فلسطين. ويلفت قاسم النظر إلى أن العدوان الإسرائيلي على غزّة أظهر إسرائيل بصورة المجرمة، وهذا فضل لغزّة. وفي رأيه أن المراكمة على هذا الموضوع سوف تُحرج الدول الداعمة لإسرائيل أمام شعوبها، ويستعين بكلام وزيرة خارجيّة إسرائيل تسيبي ليفني أثناء الحرب، حيث طلبت من أوروبا تفهّم إسرائيل لا دعمها.

ويقول نائب الأمين العام لحزب الله، إن إسرائيل تعرّضت لصدمة ثانية بعد صدمة حرب تموز. وظهرت في تلك الحرب بمظهر القوّة التي لم تستفد من دروس حرب تموز. فهي لجأت إلى الضربات الجوية على مدى سبعة أيّام، رغم أن تقرير فينوغراد أظهر عدم جدوى ذلك كخطوة وحيدة. وهي لا تزال تُعاني من عدم القدرة على دفع الثمن البشري للحروب، رغم كلّ التهيئة النفسيّة لشعبها في السنتين الأخيرتين.

وهنا يلفت إلى قدرة حركة حماس على استيعاب الضربة القاسية التي تعرّضت لها من خلال الضربة الجويّة الأولى «التي راهن الإسرائيليون على انهيار المنظومة القياديّة لحماس بعدها، ما يسمح لها بدخول القطاع». ويشرح هنا سبب ذلك: فالضربة طالت الشرطة، وهي جهاز علني واستهدافه ليس إنجازاً على المستوى العسكري، بينما لم تستطع أن تطال الجهاز السياسي أو العسكري (المقاومة)، وهذا دليل إضافي على الفشل الاستخباري عند الإسرائيليين، وهو يعني أن هذا الكيان لم يستطع أن يستعيد صورة الردع.

يُضيف الرجل وتعابير وجهه تُشير إلى الراحة أن الإسرائيليين أعلنوا وجود مراحل لعمليّتهم العسكريّة من أجل إرضاء ذاتهم، والكذب على جمهورهم، فحتى خلال المرحلة الثانية لم تُستخدم القوات البريّة جدّياً.

■ لا شيء اسمه محور اعتدال

عندما تغوص مع نعيم قاسم في الملفين الإقليمي والدولي، تجده مرتاحاً أكثر بكثير من الكلام عن الداخل بما هو تعبير عن نظام سياسي هجين. هو ينفي أن يكون لتصريحات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بشأن مصر خلال الحرب أثر سلبي على المقاومة، «فنحن لم نحوّل الأنظار عمّا يجري، بل قلنا ما لا يستطيع البقيّة قوله، لأنه لا مصلحة عندنا مع مصر ولسنا جزءاً من النظام العربي

الرسمي».

يُضيف أن هدف هذه التصريحات كان دفع مصر ودول أخرى إلى الانفصال عن العدوان، لذلك، فإن حزب الله ركّز على نقطة وحيدة وهي فتح معبر رفح «لأنه لا يجوز لمصر أن تقفل هذا المعبر مثلما تفعل إسرائيل، على الأقل لسبب إنساني».

لكن، هل انهار محور الاعتدال العربي؟ يوضح الشيخ نقطة أساسيّة: هو ليس محوراً.

فللمحور شروط، على الأقل أن تكون هناك قيادة مشتركة، فهؤلاء مجموعة دول ومصالح تديرها وتوجهها الإدارة الأميركيّة.

فمصر تريد أن تمر جميع التسويات المتعلّقة بغزة عبرها، لسبب جغرافي، فيما السعوديّة ترى نفسها مموّل النظام العربي الرسمي والدولة الأكبر، لذلك يجب أن تكون نقطة الارتكاز السياسيّة لهذا النظام.

ويُشير قاسم إلى أن هذه المجموعة من الدول أُصيبت بالكثير من الخسائر في المرحلة الماضية، لكنّها لم تُهزم. هو يقول إنها تستطيع أن تُكمل السياسة ذاتها، لكنّها ستهزم مجدداً.

وفي الوقت عينه، يقول قاسم إن بإمكان هذه الدول استعادة أدوارها الإقليميّة وزمام المبادرة من باب المصالح العربيّة المشتركة، لا انطلاقاً من سياساتها القديمة. ويُقدّم نصيحة في هذا الإطار لهذه الدول، وهي قراءة المتغيّرات في السياسة الأميركيّة

بهدوء.

وعندما تدخل في التفاصيل معه عما كان يقوم به هذا المحور، يختصر الموضوع بجملة: هي دول سلّمت بالهيمنة الأميركيّة على المنطقة العربيّة، وإعطاء إسرائيل كلّ ما تريده، وتمويل جميع الاتجاهات والخيارات التي تؤدي إلى سلام أو استسلام عربي.

وهذه القراءة تصحّ على الواقع الداخلي أيضاً من وجهة نظره. فبعد الحرب الدوليّة على حزب الله، التي نفّذتها إسرائيل في صيف 2006، مارس بعض اللبنانيين حرباً سياسيّة على المقاومة، وهم فريق 14 آذار الذي يمثل أدوات المشروع الأميركي، والمحاولة الأميركية لتجريد المقاومة من سلاحها، وعدم إعطائها دوراً في الحياة السياسيّة الداخليّة، والاستمرار بالحكومة رغم خروج فئة أساسيّة منها، لكن هذه المحاولات لم تنجح ولم يستطع فريق 14 آذار الحكم، «إلا عندما ذهبنا إلى الدوحة».

هكذا يكون الشيخ قد أكّد موقفه: لبنان لا يُحكم إلّا بالتوافق.