مقابلات

المقابلة التي أجرتها معه مجلة الأهرام العربي في 6/12/2008

لن نتحالف انتخابيا مع الموالاة

الزائر للبنان الآن يلمس بوضوح الأجواء الساخنة المبكرة للانتخابات النيابية‏,‏ فكل طرف يشحذ أدواته استعدادا للمعركة الفاصلة‏,‏ والتي ستسفر عن مجلس ينظر في قضايا مهمة في مقدمتها الإستراتيجية الدفاعية التي ربط حزب الله بين إقرارها والبحث في سلاحه‏,‏ كما أن جهات متعددة تضخ أموالا ضخمة للفوز بأكبر عدد من المقاعد النيابية‏...‏ ولأن حزب الله رقم رئيسي في المعادلة السياسية اللبنانية‏,‏ كان لقاؤنا مع الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله والمسئول عن الملف النيابي في الحزب‏,‏ وطرحنا عليه العديد من الأسئلة التي تشغل القارئ سواء محلية أم إقليمية أم فكرية‏,‏ فكان هذا الحوار الشامل‏:‏

‏*‏ درجت العادة علي أن تكون المشرف علي الملف الانتخابي‏,‏ هل من تغير في التحالفات الانتخابية النيابية خصوصا بعد اللقاءات الثنائية التي جرت بين قادة الحزب وقادة من احزاب الموالاة ؟

المعارضة ستشكل لوائح منها‏,‏ ولن يكون هناك تحالف مع جهات الموالاة‏,‏ أما اللقاءات الثنائية التي تحصل والمصالحات التي جرت فهي بهدف تصويب اتجاه الخلاف في لبنان‏,‏ ووضعه في محله الطبيعي‏,‏ وما جري أن المصالحات نقلت الخلاف من وهم الفتنة المذهبية إلي حقيقة الخلاف السياسي‏,‏ ولا مانع بل من الطبيعي أن يكون هناك خلاف سياسي بين الأطراف المختلفة‏,‏ خصوصا أن المعارضة تضم من كل الطوائف وكذا الموالاة‏,‏ إذن المصالحات صوبت الخلاف في الاتجاه السياسي وأبعدته عن الفتنة‏,‏ وهذا لا يعني أن يحصل اتفاق انتخابي بين الموالاة والمعارضة وهذا أمر محسوم‏.‏

‏*‏ هناك تسريبات صحفية تنبئ عن أن لبنان مقبل علي أحداث أمنية تستهدف تأجيل الانتخابات‏,‏ هل من معلومات لديكم تؤكد أو تنفي تلك التسريبات؟

نحن لا نعلم المجهول‏,‏ وبالتأكيد لا مصلحة لأحد في تأجيل الانتخابات‏,‏ ومن الممكن أن تحصل إشكالات أو تطورات تؤثر علي مجريات الانتخابات ونحن نأمل ألا تحدث‏,‏ وندعو الجميع للتعاون لإبعاد شبح أي توترات أمنية‏,‏ ولكن ليس لدينا معطيات تؤكد تلك الأنباء‏.‏

‏*‏ هل تري أن أحداث السابع من آيار كانت ضرورية‏,‏ وما النتائج الإيجابية التي حققها حزب الله من تلك الأحداث ؟

لم تكن من اختيار حزب الله‏,‏ وإنما جاءت نتيجة لتراكم عمل سياسي وعسكري‏,‏ أدي إلي ما حصل في السابع من آيار‏,‏ وفي تصورنا أن حدود الإشكال انتهت‏,‏ خصوصا بعد أن انتقل الجميع إلي اتفاق الدوحة‏,‏ وأصبحنا أمام مسار جديد ونتائج جديدة عززت التوافق علي الرئيس فأدت إلي انتخابه‏,‏ ثم أنشئت حكومة الوحدة الوطنية وأنجز قانون الانتخابات‏,‏ وترافق مع مصالحات مختلفة‏,‏ علي هذا الأساس يمكن القول إن محطة‏7‏ آيار انتهت‏,‏ ونحن اليوم أمام محطة اتفاق الدوحة ومفاعيله الإيجابية‏.‏

‏*‏ كيف تقيمون طاولة الحوار في قصر بعبدا؟ ولماذا تطالبون بتوسيع طاولة الحوار؟ وما حجمه ؟

نحن نصر علي توسعة طاولة الحوار من أجل أن تكون أكثر تمثيلا لمكونات الشعب اللبناني‏,‏ ونعتبر أن التوسعة هي الرصيد الأساسي لنجاح الحوار‏,‏ والسبب في ذلك وجود قوي سياسية فاعلة غير ممثلة‏,‏ وهذه الطاولة ستصنع إستراتيجية لبنان الدفاعية‏,‏ وسيتحمل الجميع مسئولية ما نتوصل إليه‏,‏ فمن الطبيعي أن يحضر كل الذين سيتحملون المسئولية‏,‏ والتوسعة التي نريدها هي توسعة بالرموز السياسية التي لن تغير من الاتجاهات العامة للحوار‏,‏ لأنهم إما أن يكونوا من الموالاة أو المعارضة‏,‏ وحتي من طرف الرئيس سيكون في المحل الذي يلتقي فيه مع نتيجة الحوار‏,‏ وقد لا يتجاوز العدد اثنين أو ثلاثة من كل من المعارضة والمولاة‏,‏ فالأمر ليس معقدا ونحن نقبل بالتوسعة وفق قواعد محددة نتفق عليها‏.‏

‏*‏ هل لنا أن نعرف الأسماء المطروحة في حالة الاتفاق علي التوسعة ؟

الاختيار سيكون بناء علي قواعد محددة‏,‏ والأسماء ستكون نتيجة‏,‏ لكن بالتأكيد أي قاعدة للاختيار ستأخذ بعين الاعتبار من يكون له موقع تمثيلي وركن أساسي في البلد‏.‏

‏*‏ لكن الاعتبار المحدد للطاولة كان التمثيل النيابي ؟

هذا الاعتبار الذي كان سابقا‏,‏ وهو ينطبق علي أشخاص غير ممثلين‏.‏

‏*‏ مثل من؟

مثل تجمع الأحزاب الذي يضم أربعة نواب‏(‏ أسامة سعد وأسعد حردان وقاسم هاشم ومروان فارس‏),‏ ونحن نفضل الاتفاق علي القواعد ونجري الترتيب اللازم‏.‏

‏*‏ من أين تستمدون الثقة بأن الحزب سيحقق نتائج كبيرة في الانتخابات النيابية المقبلة ؟

نحن نستمد تقييمنا الأولي لنتائج الانتخابات من أمرين‏,‏ أولهما استطلاعات الرأي‏,‏ وثانيهما معرفتنا التفصيلية بثقل القوي المختلفة في الدوائر الانتخابية‏.‏

‏*‏ وماذا عن أنباء تأجيل منتظر للانتخابات ؟

أعتقد أن الجو العام عند كل الأطراف يتجه إلي التأكيد علي إجراء الانتخابات في موعدها‏,‏ لأن الموالاة أيضا يعتقدون بأنهم سيفوزون‏,‏ وهذا أمر إيجابي أن يعتقد كل من الطرفين أنه سيحقق فوزا كبيرا‏,‏ حتي نحمي الانتخابات ونبقيها هدفا لجميع الأطراف‏..‏

‏*‏ وماذا عن دور فاعل ومؤثر للمال السياسي في المعركة الانتخابية ؟

الأموال التي تدفع للانتخابات النيابية ولشراء الضمائر‏,‏ لم يشهد لها لبنان مثيلا في تاريخه‏,‏ وهي بكميات كبيرة‏,‏ ولكل أخصام الاتجاه المعارض‏,‏ ومع ذلك لا نتصور بأن هذا المال الانتخابي يرجح المعركة‏,‏ لأن المؤيدين للاتجاه السياسي الذي نؤمن به لديهم صلابة كافية للاستمرارية‏,‏ والمال عادة يشتري أصحاب الضمائر الميتة‏,‏ وإن شاء الله تكون النتيجة لصالح المواقف والأفكار والسياسات لا الأموال‏.‏

‏*‏ وما قول سماحتك فيما يردده البعض من بين تحديد موعد بدء المحكمة الدولية لمحاكمة المتهمين باغتيال الرئيس الحريري والذي تحدد في مارس والانتخابات النيابية في الربيع ؟

لا أجد علاقة بين توقيت إعلان بداية المحكمة الدولية في مارس والانتخابات النيابية في لبنان‏,‏ فالأمران منفصلان‏,‏ فالمحكمة لها مسارها في الاتهام والمتابعة‏,‏ والانتخابات لها مسارها في التنافس السياسي والشعبي‏,‏ أما أن يفكر البعض في استغلال المحكمة بطريقة أو بأخري لإيجاد تأثير علي الانتخابات النيابية‏,‏ فهذا ما سنعمل بكل جهدنا لفصله حتي يبقي مسار المحكمة مستقلا‏,‏ ومسار الانتخابات في اتجاه آخر‏,‏ إذ لا يجوز استغلال شيء للتأثير علي الانتخابات النيابية‏,‏ وسنتابع المعطيات وعلي أساسها سنتصرف‏.‏

‏*‏ لم تأخرت مناقشة الإستراتيجية الدفاعية علي طاولة الحوار؟ وهل تسعون لتأجيل مناقشتها لارتباط ذلك بمسألة سلاح الحزب؟

نحن دعونا إلي الإسراع بمناقشة الإستراتيجية الدفاعية حتي ننتهي من هذا الملف الإشكالي‏,‏ ولدينا أطروحة كاملة عرضها سماحة الأمين العام في آخر جلسة قبل عدوان تموز‏2006,‏ ونحن حاضرون لمناقشتها وسماع ما عند الآخرين‏,‏ لنصل إلي نتيجة مشتركة‏,‏ الحوار يتطلب تفاهما علي قواعد مشركة‏,‏ ولا شيء يعيقنا عن المناقشة أو الوصول إلي نتيجة‏,‏ كل التأخير الذي يحصل اليوم له علاقة بآليات العمل وضرورة توسعة طاولة الحوار‏,‏ وحتي سمعنا تصريحات من أحد عناصر‏14‏ آذار ـ إلياس عطا الله ـ الذي قال إنه يرغب باسم جماعة‏14‏ آذار بأن يؤجل النقاش الفعلي إلي ما بعد الانتخابات النيابية ووردنا مثل هذا الأمر عبر بعض الفرقاء منهم في النقاشات الداخلية‏.‏

نحن مستعدون للنقاش الفوري الفعلي ويبقي الأمر بمقدار تجاوب الفريق الآخر‏,‏ لأن الحوار مشترك‏.‏

‏*‏ نلحظ أن القاهرة تولي أخيرا اهتماما بلقاء قادة العمل السياسي اللبناني‏,‏ هل لنا أن نطلع علي علاقة حزب الله بمصر؟

العلاقة بين حزب الله ومصر الدولة علاقة عادية‏,‏ ليس فيها شيء خاص‏,‏ ولا توجد في الأفق القريب زيارة محددة من قبل قادة الحزب إلي القاهرة‏,‏ لكن مع توجيه أي دعوة رسمية تحصل التلبية بشكل عادي وطبيعي‏,‏ ولا يوجد أي مانع‏,‏ وهناك اتصالات موجودة سواء مع السفارة المصرية في بيروت أم مع بعض الزائرين المصريين الرسميين الذين حضروا إلي لبنان‏,‏ وجرت لقاءات معهم‏,‏ وعلي رأسهم وزير الخارجية أحمد أبو الغيط الذي التقي الوزير الحاج محمد فنيش‏.‏

‏*‏ كيف تنظرون إلي التهديدات التي أطلقها وزير الحرب الإسرائيلي إيهود باراك ؟

تصريحات باراك التي امتلأت بالتهديدات في الآونة الأخيرة‏,‏ هي تصريحات انتخابية لها علاقة بالمنافسة بين حزب العمل وحزب كاديما وحزب الليكود‏,‏ ونحن نعلم أن إسرائيل تعمل بمنطق التهويل والتهديد‏,‏ لكن لها معنا تجربة أفهمتها أن حزب الله لا يخضع لهذا النوع من الابتزاز‏,‏ ونتعامل مع هذه التهديدات كأنها غير موجودة‏,‏ إذ إن جهوزيتنا للتصدي قائمة وفعالة وحاضرة فيما لو جنح الطرف الإسرائيلي إلي عمل أحمق في أي وقت من الأوقات‏,‏ وأعتقد أن تجربة الهزيمة في تموز‏2006,‏ أعطته درسا مهما في أن لبنان ليس ساحة للتنزه وليس لقمة سائغة‏,‏ وبالتالي أي فعل إسرائيلي عدواني سيلقي رد الفعل المناسب والقوي من قبل حزب الله‏.‏

‏*‏ في أي محطة استقرت علاقتكم مع السلفيين بعدما وقعتم اتفاقا مع بعضهم وعادوا وجمدوه؟

السلفية ليست اتجاها واحدا‏,‏ بل هي اتجاهات متعددة من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار‏,‏ بعضهم اتخذ طريق التكفير والرفض للآخر بطريقة نظرية والبعض طبق بشكل عملي الرفض للآخر من خلال استخدام السلاح والبعض اعتبر أن الموضوع خلافي قابل للنقاش والحوار بطريقة دعوية‏.‏

ونحن التقينا بعض الجمعيات السلفية علي قاعدة تأكيد الوحدة الإسلامية ورفض التكفير والغلو والعمل للنقاش الهادئ وتقريب وجهات النظر‏,‏ فكان أن عقدنا اتفاقا مع بعض هذه الجمعيات‏,‏ لكن سرعان ما أعلنوا في اليوم التالي تجميدهم للاتفاق بسبب الضغوطات التي مورست عليهم من أوساط دينية وسياسية تحيط بهم في مناطقهم‏,‏ فأعلنا أننا نقدر شجاعتهم في عقد الاتفاق‏,‏ كما نقدر ظروفهم المستجدة ليقرروا متي شاءوا تفعيل الاتفاق أو الاقتصار علي هذا الحد‏,‏ من جهتنا كنا إيجابيين وأردنا أن تصل رسالة واضحة إلي الجميع بأن لا شيء يمنع من تفاهم المسلمين باختلاف مذاهبهم‏,‏ خصوصا أن الأزمة مشتركة‏,‏ وهي أزمة التسلط الأمريكي علي عالمنا والجرثومة السرطانية الإسرائيلية‏,‏ فلننتهي أولا من تلك المصيبة وبعد ذلك تكون التفاصيل الأخري‏.‏

‏*‏ إسرائيل تروج لسيناريوهات انتقام لعماد مغنية عبر طرف ثالث‏,‏ ونشرت تقارير صحفية بأن حزب الله كلف مجموعات فلسطينية متشددة صرف عليها عشرات الآلاف من الدولارات من أجل القيام بسلسلة عمليات ضد أهداف إسرائيلية‏,‏ وأن تلك المجموعات حاولت خطف جنود إسرائيليين ولكنها فشلت في القيام بالمهام المطلوبة ـ ما تعليقك ؟

رد الفعل علي عملية اغتيال الشهيد القائد عماد مغنية قرار متخذ في الحزب‏,‏ أما السيناريوهات التي يطرحها العدو فهو مسئول عنها‏,‏ ولسنا في وارد تأكيدها أو تصويبها أو نفيها‏,‏ فهذا أمر يعنينا وكل شيء يأتي في وقته‏.‏

‏*‏ ذكرتم في كلمة أمام فعاليات منطقة الغبيري أن‏`‏ أهم ثمار ومنافع التهدئة السياسية هي كشف الشبكات الإسرائيلية والإرهابية‏`..‏ كيف ؟

عندما حصلت التهدئة انصرفت كل الأجهزة المعنية لحماية الوضع الأمني الداخلي‏,‏ فكانت لديها الفرصة للتحقق والمتابعة من بعض المعلومات الموجودة لديها‏,‏ واستكشاف ما يمكن كشفه من شبكات أمنية تعمل علي الساحة‏.‏

وللعلم إسرائيل لم تترك لبنان لحظة واحدة علي المستوي الأمني‏,‏ وهي تحاول أن تخترق بالمال وبالسياسة ومن خلال بعض العلاقات الأجنبية‏,‏ ونحن نتابع بعض الخيوط‏,‏ والأجهزة الأمنية المختصة في لبنان أيضا لها متابعتها‏,‏ إذن الشبكة التي اكتشفت أخيرا شبكة علي الجراح ليست الشبكة الأخيرة ولا الوحيدة ومثل هذه الأمور تتطلب بعض الوقت والمتابعة الدقيقة‏.‏

‏*‏ هل كان لكم دور في كشف تلك الشبكة ؟

هذه الشبكة عند مخابرات الجيش اللبناني‏,‏ وما يكون لدينا نعطيه لهم‏,‏ وشبكة الجراح كانت معلوماتية ولم تكن تنفيذية‏,‏ وقامت بجمع معلومات عن الحزب وشخصياته ومراكزه وتنقلاته عن طريق الحدود‏,‏ وكذلك جمعت معلومات من عدة مناطق في سوريا تشمل ترددا لأشخاص من حزب الله وجهات أخري‏,‏ كان حزب الله المحور لكن ليس وحده‏.‏

‏*‏ في كلمة لكم في أسبوع الحاج إبراهيم البرجاوي قلت‏`‏ نحن مع حوار الأديان لكننا لسنا مع التطبيع مع إسرائيل‏`‏ في إشارة لحوار الأديان الذي عقد أخيرا في إطار الجمعية العامة للأمم المتحدة وبرعاية من الملك عبد الله بن عبد العزيز‏,‏ ما الحد الفصل بين الحوار والتطبيع من وجهة نظركم ؟

نحن مع حوار الأديان بين المسلمين والمسيحيين واليهود كحوار للأديان‏,‏ وهذا له علماؤه وأحباره ورهبانه‏,‏ لكن ما حصل في نيويورك‏,‏ لم يكن حوارا للأديان‏,‏ بل إحضار لرئيس إسرائيل ليعطي مواعظ ودروسا في مظلومية الصهاينة وجنائية العرب‏,‏ وليوجد نوع من الألفة في أن يتصدر المجلس ويتعاطي معه الحاضرون بشكل طبيعي‏`‏ هذا شكل من التطبيع‏`‏ تحت عنوان ولافتة حوار الأديان‏,‏ نحن لا نعترض علي أي حوار لكن لا نقبل بإعطاء مشروعية لمرتكبي المجازر الصهاينة ليعرضوا أنفسهم كدعاة حوار وسلام‏,‏ والآن أطلب منك أن تجري استقصاء في كل العالم ليعطوك وصفا عما جري في نيويورك‏,‏ سيبادر الجميع إلي كلمة واحدة تحدث بيريز في محضر العرب‏,‏ ولم يكن هناك حوار أديان‏.‏

‏*‏ هل ترون أن هناك فصلا بين دولة إسرائيل التي تضم غالبية اليهود في العالم مابين مقيم أو متعاطف وبين الديانة اليهودية؟

أنا أفصل بين الرسالة اليهودية كرسالة لها مضمون بصرف النظر عن قناعتنا كمسلمين بأنها فقدت الكثير من مضمونها الصحيح‏,‏ الذي نزل في وقت موسي‏,‏ وبين الكيان الصهيوني الذي قام علي احتلال الأرض وملء الاحتلال بالمضمون الديني اليهودي‏,‏ لذا نحن نعتبر أن من حق اليهود الفلسطينيين أن يكونوا جزءا من دولة فلسطين التي هي للفلسطينيين بمسلميهم ومسيحييهم ويهودهم‏,‏ لكننا لسنا مع الذين أتوا من بلدان العالم المختلفة ليصادروا بيوت الفلسطينيين‏.‏

‏*‏ هل يعني ذلك أنكم ضد الدولة الدينية ؟

نحن ضد هذه الدولة الصهيونية التي قامت علي حساب الفلسطينيين‏,‏ ليس لنا علاقة بفكرهم أو بدوافعهم‏,‏ ونحن نرفض هذا الفكر المنحرف عن الإنسانية‏,‏ لكننا أمام دولة صهيونية استولت علي أراضي وممتلكات الشعب الفلسطيني بصرف النظر عن التسمية‏.‏

‏*‏ التعبئة السياسية لعناصركم المقاتلة هل تكون دينية أم وطنية ؟

عندما نعبئ شبابنا ونربيهم علي أساس الرؤية الدينية التي تنتج إيمانا بالوطن ودفاعا عن الأرض‏,‏ ومواجهة للصهيونية وكل هذه العناوين الشريفة‏,‏ هي نتيجة من نتائج إيماننا الديني‏,‏ نحن لم نقل في يوم من الأيام إننا نؤمن بالوطن بمعزل عن هذه التربية الدينية التي أفهمتنا ضرورة المحافظة علي أرضنا‏,‏ ففي الحديث الشريف‏`‏ من قتل دون أرضه فهو شهيد‏`‏ هنا تحولت الرؤية الدينية إلي فاعلية في مسرح العمل السياسي والعمل الوطني‏,‏ ولا مانع الجمع بين أن أكون مؤمنا ووطنيا وعروبيا ووحدويا في ذات الوقت‏.‏

‏*‏ ما رأيكم في البيان الذي أصدره بعض من المثقفين الشيعة العرب‏,‏ يدعون فيه إلي مناقشة بعض المفاهيم لتصحيح صورة الشيعة العرب مثل ولاية الفقية والخمس وغيرها؟

أنا لا أمنع أحدا من أن تكون له وجهة نظره‏,‏ سواء بولاية الفقيه أم غيرها‏,‏ وليعبر كل عن رأيه وليختر ما يشاء من مفاهيم‏,‏ ولكن بالنسبة إلينا عندما نؤمن بالولي الفقيه فهذا يعني أننا نؤمن بالقيادة الدينية التي تعطي المشروعية والتي يحتاجها كل مسلم علي وجه الأرض‏,‏ لكن بالنسبة لنا اليوم الولي المتمثل في الإمام الخامنئي‏,‏ وبالنسبة لغيرنا قد يكون مرجعية دينية أخري‏,‏ والمرجعية الدينية لا تأخذ بعين الاعتبار البلد وإنما المضمون الديني‏,‏ من هنا نري أن الكاثوليك مرجعيتهم الدينية في الفاتيكان‏,‏ لكن البابا قد يكون بولنديا أو ألمانيا‏..‏ إلخ‏,‏ هذه مرجعيتهم‏,‏ كما لمرجعية الأزهر خصوصية بالنسبة للعالم الإسلامي‏,‏ وهذا الأمر ليس هو الحاكم علي طبيعة التوجه إنما الأداء العملي‏.‏

وأمامنا حزب الله يؤمن بولاية الفقيه‏,‏ ويقوم بمقاومة إسرائيل وله تواصل عربي‏,‏ ما الذي قام به حزب الله بما لا ينسجم مع وطنيته وعروبته؟ لا أحد يستطيع أن يأتي بمثل واحد‏,‏ ما يدل أن استخدام بعض العناوين هو فقط لإيجاد عصبية‏,‏ تمنع امتداد من يملك القدرة علي إقناع الآخر‏,‏ واليوم يجب أن تتعاون الدول العربية مع إيران وتركيا لتشكل حالة من التحالف والتعاون في القضايا المشتركة‏,‏ علي الأقل تتمثل بالاتحاد الأوروبي الذي جمع‏25‏ دولة‏,‏ إذن لا أجد أن استخدام بعض المصطلحات مثل عربي مقابل فارسي أو سني مقابل شيعي‏,‏ أو مصري مقابل عراقي إلا محاولة إثارة عصبية جاهلية تواجه قدرة الطرف الآخر الذي لا يستخدم مثل هذه العصبيات علي أن يدخل القلوب ويعطي الإقناع الذي لا يقوي علي مواجهته من يستخدم تلك العصبيات‏.‏

‏*‏ تحدثت أنباء عن مناورات للحزب دون سلاح جنوب الليطاني ومناورات إسرائيلية ضخمة تمت علي الحدود مع لبنان وسوريا في إبريل الماضي وعاد وأجري مناورات في أواخر أكتوبر الماضي علي الحدود الشمالية للبنان‏,‏ علام تؤشر تلك المناورات؟

من المفيد أن نفكك بين الأمور بحسب واقعها لا أن نأتي بجملة من الأحداث ونربطها بشكل عشوائي‏,‏ أولا‏:‏ المناورات التي تحدثت عنها إسرائيل هي التي أثارتها وليس لدينا معلومات‏,‏ ثانيا‏:‏ وجود المناورات الإسرائيلية كجزء من الاستعدادات الإسرائيلية لأي اعتداء قائم وبمعزل عن كونها مهمة‏,‏ أو غير مهمة‏,‏ لا نتعامل معها كحدث استثنائي بل نحن أمام عدو بني وجوده في فلسطين المحتلة علي العدوان ومازال‏,‏ ويعمل حزب الله وكأن هذا العدو سيعتدي غدا‏,‏ لذا جهوزيتنا في أعلي مستوياتها وبشكل دائم تحسبا لأي مفاجأة‏,‏ لأننا في مواجهة عدو غدار‏.‏

‏*‏ ما مدي صحة ما تردد عن تولي السيد هاشم صفي الدين موقع الأمين العام‏,‏ والسيد حسن نصر الله يصبح مرشدا عاما ؟

كلما اقترب موعد مؤتمر الحزب الانتخابي تبدأ التحليلات وبث الرغبات والأفكار التي تستهدف التشويش علي الحزب‏,‏ وفي الواقع لم يحن بعد وقت مؤتمر الحزب الانتخابي‏,‏ وليس هناك أي نية لتعديل الشكل التنظيمي للحزب‏,‏ بما يعني وجود أمين عام علي رأس الحزب‏,‏ وستة أعضاء يشكلون معه الشوري التي تتخذ قراراتها وفق نظام داخلي محدد لها بقيادة الأمين العام سماحة السيد حسن نصر الله‏,‏ وستظهر الأشهر المقبلة حقيقة عدم وجود أي تعديل تنظيمي في رأس الهرم‏.‏

‏*‏ وماذا عما يطرح من أن السيد حسن نصر الله حقق مكانة عربية وعالمية‏,‏ ووجوده علي رأس الحزب الذي دخل المعترك السياسي الداخلي يمكن أن يمثل خصما من رصيده ما يستوجب وضعه في موقع المرشد العام؟

كون السيد حسن نصر الله علي رأس الحزب وله الامتداد العربي الواسع‏,‏ أمرين لا يتعارضان مع وجود آلية في الإدارة لمتابعة الصلاحيات وإدارة شئون الحزب‏,‏ وأي عائق عملي له حلول تنظيمية داخلية تتم متابعتها‏,‏ علي سبيل المثال خضنا حرب تموز بهيكلية عسكرية لها شكل تنظيمي معين في منطقة الجنوب اللبناني‏,‏ فاستفدنا من التجربة‏,‏ وعدلنا بتقسيم القطاعات في الجنوب بما يتناسب مع ضرورات المعركة المستقبلية فيما لو وقعت‏,‏ واستفادة من التجربة التي جرت‏,‏ هذه أمور تحصل لتسهيل العمل لكنها تفاصيل وليست في البنية المركزية‏.‏

‏*‏ أنتم في موقع سياسي رفيع‏,‏ ولكننا لاحظنا أن مؤلفاتكم جميعها دينية ماعدا كتاب سياسي واحد؟

أنا طالب علم ديني‏,‏ واهتممت بشكل كبير بالتحصيل الديني الذي أدي إلي امتلاك قدرة معينة بتوفيق الله للتثقيف والتوجيه‏,‏ فكانت مؤلفاتي التي تحمل الاتجاه الديني الذي اخترته وبما أن ديننا عين سياستنا‏,‏ فأنا اليوم في موقع حزبي يعمل من خلفية دينية تتماهي مع الموقع والموقف السياسي‏,‏ فكان تأليف كتاب حزب الله كتعبير عن الرؤية والتجربة‏,‏ وفي تصوري‏,‏ هذان الأمران لا يتعارضان‏,‏ لكن ساد في المجتمع الفصل بين ما هو ديني وما هو سياسي‏,‏ فتري بعض المهتمين بالدين لا يهتمون بالكتابات السياسية والعكس صحيح‏,‏ لذا ربما أثارك هذا الموضوع لكني أعتبره طبيعيا عما أنا فيه‏.‏

‏*‏ أعلنتم أن النار ستلتهم المنطقة بأكملها إذا ما واجهت إيران أي عدوان‏..‏ علي أي أساس أطلقتم هذا الإعلان؟

سأكتفي بما قلته سابقا وأكرر بأن الاعتداء علي إيران سيشعل المنطقة‏,‏ والسبب أن أي اعتداء إسرائيلي أو أمريكي أو مشترك سيكون قاسيا وسيأخذ بعين الاعتبار محاولة تدمير مراكز ومواقع أساسية في إيران‏,‏ ما يعني حصول ردة فعل طبيعية صرح بها الإيرانيون مرارا وتكرارا وبالتالي لا نعلم إلي أين ستصل الأمور في المنطقة بأسرها‏,‏ لأن لأمريكا قواعد في المنطقة ستستخدمها ولإسرائيل أجواء ستخترقها من بلدان المنطقة‏,‏ وهذا يعني أن الأمر سيورط الجميع بشكل أو بآخر‏,‏ أما كيف؟ ومن الأطراف التي ستدخل علي الخط؟ وما حدود السعة؟ هذا أمر لا يستطيع أحد أن يحسمه من الآن‏,‏ لكن يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أن الاعتداء علي إيران ليس أمرا عاديا‏,‏ وبالتالي هناك تداعيات كثيرة محسوبة وغير محسوبة يمكن أن تحصل‏,‏ وفي اعتقادي أن هذه التداعيات هي المانع حتي الآن من الإقدام الأمريكي أو الإسرائيلي علي ضرب إيران‏,‏ وهذا الامتناع فيه حكمة‏,‏ أتمني أن تستمر حتي لا تشتعل المنطقة بأخطار لا يعلم قدرها‏.‏

‏*‏ وأنتم قد أعلنتم موقفكم من المعاهدة الأمريكية العراقية‏,‏ لم لم نجد دورا ضاغطا لكم علي حلفائكم للامتناع عن التوقيع علي ذلك المعاهدة ؟

نحن أعلنا موقفنا السياسي من الاتفاقية الأمريكية‏-‏ العراقية بكل وضوح‏,‏ حيث طالبنا البرلمان العراقي برفض الاتفاقية‏,‏ ولم نتحدث عن جزئيات وتحسينات وشروط‏,‏ لكن رفضنا الاتفاقية التي تشرعن الاحتلال وتعطيه فرصة إضافية للإضرار بالعراق وبانعكاسات هذا الضرر علي المنطقة‏,‏ ولكن في الأداء الإجرائي نحن لا نملك ولا يحق لنا أن نتدخل في الخيارات التفصيلية للشعب العراقي‏,‏ هناك مكونات في البرلمان وقيادات حاضرة في الساحة السياسية‏,‏ هناك تستطيع أن تتخذ المواقف المناسبة التي يمكن أن تؤدي إلي إفشال الاتفاقية أو التعبير عن رفضها بالأساليب التي يرونها مناسبة‏,‏ هذا شأن عراقي داخلي في التعبير التنفيذي‏,‏ وفي استخدام آليات مناسبة لمواجهة أو رفض هذه الاتفاقية‏,‏ وليس لحزب الله وجود ميداني أو سياسي في داخل العراق ليعطي تعبيرا ينسجم مع خيار الشعب العراقي‏,‏ هذه مسئولية الكيانات الموجودة هناك‏.‏

‏*‏ ولكن حلفاءكم في إيران هم من وقع المعاهدة ؟

أنا أعترض علي التقسيم التي تحاول أن تشرعنه في وجود حلفاء لنا في العراق وخصوم‏,‏ هذا غير موجود لأنه لا يوجد مكونات نبني معها تحالفات ورؤي مشتركة لكل حلقة‏,‏ ونكتفي نحن بالموقف السياسي‏,‏ لذا الحديث عن مكونات عراقية متحالفة معنا لا ينطبق علي الواقع العملي‏.‏

‏*‏ في هذا الإطار هل يمكن أن تستقبل سماحتكم وفدا من عرب الأهواز الذين يرون أنهم يتعرضون لظلم علي أساس عنصري‏,‏ وإذا رأيت أن قضيتهم عادلة يمكن أن تدافع عنها ؟

أنا لا أمانع في أن ألتقي أي جهة‏,‏ أنا إذا سمعت شيئا فيه مطالب محقة أنا حاضر أن أتكلم مع أي جهة‏,‏ علما بأن عليهم في بلدهم أن يتعاطوا مع شئونهم المختلفة‏,‏ لأنه كما تعلم تدخل أي جهة من بلد لبلد آخر فيه مشكلة‏.‏

‏*‏ ولكن هناك خصوصية في علاقتكم مع إيران ؟

كما حدثتك عن عدم تمكننا التدخل في الشأن العراقي أنا لا أستطيع أن أتدخل في الشأن الإيراني‏,‏ كل بلد له خصوصيته‏,‏ كون فيه توافق في وجهات النظر يمكن للإنسان أن يعطي بعض النصائح أو ما شابه‏,‏ لكن لا يستطيع أن يتحرك كما يريد كما كان في بلده‏*‏