ويعتبر نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم ان الاضراب كان ناجحاً بامتياز، وذلك لأن جميع المناطق شاركت فيه ما أعطى الصورة الحقيقية حول تمثيل المعارضة في الشارع اللبناني، وأما الاعمال الاستفزازية والعدوانية التي قامت بها ميليشيات السلطة وقوى 14 شباط فقد ساهمت في إثبات وجود مشكلة حقيقية في البلد وساهمت أيضا في إنجاح مطلب المعارضة في التعبير من خلال الشارع لأن التوتر الذي أصاب أركان السلطة تحريضاً قبل الإضراب وتهديداً أثناء الإضراب واعتداءً على المتظاهرين إنما يؤكد ان فعاليات هذا التحرك كانت مهمة جداً.
ويرى أن الإضراب لو كان عادياً وليس له تأثير، برسائله الداخلية والخارجية، لكان قد مرّ بشكل عادي من دون هذا التأثير الكبير الذي استدعى تصريحات دولية عدة ونقاشات حول جدوى دعم حكومة السنيورة العاجزة عن إدارة البلاد، لافتاً الانتباه الى ان الرئيس الاميركي جورج بوش ومساعد وزيرة الخارجية الاميركية والناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية اندفعوا مرة واحدة لدعم حكومة السنيورة وانتقاد الإضراب، ما يعني ان أثر التحرك كان مؤلماً للمشروع الاميركي.
ويشير قاسم الى انه لم يكن هناك قرار بتنفيذ إضراب مفتوح، وإنما تقرر من الاساس ان يقتصر على يوم واحد مع فعاليات مختلفة في هذا اليوم، على ان يتم في المساء تقييم النتائج، تمهيداً لخطوات أخرى تُعلن ليلا او في يوم لاحق، وقد جرى اعتماد الخيار الثاني وبالتالي تقرر إعطاء فرصة للحكومة اللادستورية ومن يقف خلفها في الخارج كي يدرسوا جيداً نتيجة الاضراب ويفهموا الرسالة القوية التي تميزت عن كل الرسائل الاخرى منذ بدء الاعتصام في ساحتي رياض الصلح والشهداء، موضحاً انه وعلى ضوء ردود الفعل تحدد المعارضة خيارها وخطوتها في المرحلة المقبلة.
ولا يتردد قاسم في الجزم انه لو كانت التحركات التي تقوم بها المعارضة هي في مواجهة حكومة لا شرعية، تعمل من منطلق لبناني بحت وعلى أساس موازين قوى داخلية، لسقطت منذ تظاهرة 10 كانون الاول التي برز فيها حجم المعارضة والاعتراض الشعبي الكبير، ولكن هذه الحكومة تخضع للضغوط الاميركية، الأمر الذي يجعلها عاجزة عن الحوار الجدي وتقديم التنازلات الموضوعية والمناقشة في المشاركة المتوازنة لان أميركا لا تتحمل شراكة للمعارضة تحرم أدواتها من القدرة على إتخاذ القرارات الاستراتيجية بشكل منفرد وتعطل خطوات أميركية مرسومة ومدروسة للانطلاق من لبنان نحو تحقيق إنجاز ما في مشروع الشرق الاوسط الجديد.
هنا، يستذكر قاسم التجربة الاميركية في العراق، حيث وبدلاً من ان تستخلص واشنطن العبرة من الفشل في هذا البلد لجأت الى زيادة قوتها في هروب واضح الى الامام، وهذا ما يتكرر بشكل غير مباشر في لبنان حيث ان الاميركيين يدفعون جماعتهم للهروب الى الامام وإبداء المزيد من التعنت، الامر الذي يجعل العملية معقدة وخصوصاً أن المعارضة سلكت الطريق السلمي واعتمدت الضوابط القانونية في التعبير عن موقفها الاحتجاجي، ونحن قلنا منذ البداية إن المسألة تحتاج الى بعض الصبر وتجنبنا ان نحشر أنفسنا في جدول زمني، بل اتبعنا الخطوات المتدرجة في المكان والزمان.
ولئن كانت جولة البارحة من المواجهة بين السلطة والمعارضة لم تكن حاسمة، إلا ان قاسم يؤكد انها جعلت المعارضة أقرب الى أهدافها، ناصحا قوى السلطة ومَن وراءها بأن يستفيدوا من تجربة الاضراب ومفاعيله وإلا فإن المشهد لن يكون دائماً بمتناول أيديهم او محمولاً بالمعايير السياسية بل قد يكبر ويصبح أكثر تأزما، لأنه لا يمكننا ان نبقي البلد في دائرة الشلل التام الذي سببته هذه الحكومة ولا نقبل بصم الآذان عن مطالب الشعب، ومن حق الناس ان يختاروا الوسائل التي تتيح لهم إيصال صوتهم.
ولكن قاسم يتفادى الدخول في تفاصيل التحرك الجديد الذي ستلجأ اليه المعارضة في حال لم تتحقق مطالبها، مكتفياً بالتلميح الى ان هناك المزيد من الاسايب المتاحة، في الاطار السلمي، ويعود للمعارضة ان تقرر كيف ومتى تتصرف.
وهل هناك بعد من ذروة أعلى من تلك التي بلغها التحرك أمس الاول؟
يجيب نائب الامين العام لحزب الله: الكثيرون اعتقدوا ان استقالة وزرائنا من الحكومة هي الذروة إلا انه سرعان ما تبين انها ليست كذلك، ثم اعتقد آخرون ان تظاهرة 1 و10 كانون الاول هي الذروة ولم يصح التوقع، ليفترض البعض ان الاعتصام المفتوح في الساحتين غير المسبوق في العالم هو الذروة ومرة أخرى تبين ان هذا التقدير خاطئ، واليوم هناك من يظن بأن الاضراب العام هو الذروة، وهذا ليس صحيحاً لأن خيارات المعارضة مفتوحة وبالتالي عليهم ان ينتظروا كل شيء متوقع وغير متوقع.
وكيف ينظر حزب الله الى أداء الجيش اللبناني وطريقة تعامله مع الاختبار الذي واجهه؟
يعتبر قاسم ان الجيش قام بواجبه على أكمل وجه، لأن دوره هو ضبط الأمن وليس التصدي للمواطنين، لافتاً الانتباه الى ان قوى 14 شباط راحت تحرض الجيش على قمع المعارضة كي يخسر الإثنان وتستثمر هي النتائج لمصلحتها، لكن التنسيق الميداني ساعد في ان يقوم الجيش بدوره، أما من وصفه بـ«المتآمر» فقد ظن متوهماً ان بإمكانه ان يستدرج الجيش الى مشروعه الفتنوي والتقسيمي.
وتعليقاً على دعوة السنيورة وواشنطن وبعض الدول الكبرى الى استئناف الحوار من أجل حل الأزمة الراهنة، يقول قاسم إن الحوار كان منهجاً اخترناه وسلكناه ولم يكن الطرف الآخر جدياً معه، وإنما أفشل جلسات التشاور بشكل علني وواضح، علماً أننا امام محاولة لضرب المؤسات الدستورية من قبل الفريق المتسلط الذي يحاول ان يستعيض عنها بعناوين للحوار غير مجدية وغير دستورية ولا توصل الى نتيجة.
ويستشهد قاسم ببعض الأمثلة للدلالة على انتهاك الفريق الحاكم بالدستور ومنها: تمسكه بالحكومة على الرغم من خروج طائفة كاملة منها وهذا مخالف لمقدمة الدستور، تعطيله لموقع رئاسة الجمهورية ومحاولة تجاوز توقيع وصلاحيات الرئيس، هجومه على مجلس النواب الذي راحوا يبتدعون أفكاراً لا دستورية حول اجتماعه وطريقة إحالة مشاريع القوانين اليه.