مقابلات

في حديث له إلى وكالة الأنباء الإيرانية في ذكرى انتصار الثورة الإسلامية في إيران

تعود جذور الثورة الاسلامية في إيران إلى أمرين أساسيين :‏

1- جذور الثورة الاسلامية في إيران .

تعود جذور الثورة الاسلامية في إيران إلى أمرين أساسيين :‏

الأول يتمثّل بالإسلام على منهج أهل البيت (ع) والذي كانت له الخصوصية والحضور والتأثير في الشعب الإيراني والذي يحثّ على سيادة حكم الاسلام وعدالته بين الناس وأما الأمر الثاني فله علاقة بالحركة العلمائية النشطة التي كانت لمراجعنا الأعلام في قم المقدسة والمناطق الأخرى والتي تزعمها في منتصف القرن العشرين الامام الخميني (قده) والتي كانت تجسِّد آمال الناس ومتطلبات الناس وفي آنٍ معاً تبرز الصدقية الحقيقية في التاطي مع قضايا الأمة ، فالثورة الاسلامية في إيران هي وليدة التكاتف الفعلي والعملي بين المبدأ الاسلامي وحركة العلماء باتجاه هذا المبدأ ومن الطبيعي أن تحاكي وتلامس مشاعر وقناعات الشعب الايراني المسلم الذي تعلّق بأهل البيت (ع) والذي حمل مفهوم الحرية والإيمان ما جعل قدرة الثورة الاسلامية المباركة قدرة عظيمة في إسقاط النظام الشاهنشاهي العميل الذي لم يكن مواكباً لمتطلبات وحاجات الناس .‏

2- معطيات وأبعاد الثورة .‏

إذا درسنا الواقع الدقيق في إيران ما قبل انتصار الثورة الاسلامية المباركة لوجدنا أن الأرضية كانت مهيأة لانتفاضة حقيقية ومواجهة حقيقية ، فالشاه مثّل رمز الفساد وربط إيران بالمستكبر الأمريكي وبالغرب وبدأ يعمل على تغيير عادات المجتمع الاسلامي ليجعله في ركب الحضارة الغربية ، بعيداً عن الفطرة وبعيداً عن الحضارة الاسلامية إضافة إلى ذلك فإن الشعب الايراني المسلم توَّاق إلى إثبات نفسه وخصوصيته وهو يعلم أن سر قوته هو سر ذاتيّ لا يحتاج إلى استيراد من الخارج وهو شعب معطاء عبر التاريخ ، فتكاتفت الظروف الموضوعية التي تمثّلت بفساد النظام وتدخُّل الاستكبار والعلاقة مع اسرائيل وعدم تلبية حاجات الشباب والمجتمع مع الرغبة الأكيدة عند الشعب الايراني في أن يعبِّر عن نفسه وعن حضوره وعن قدرته بشكل مستقل عن كل أجنبي ، فأتت الثورة الاسلامية المباركة لتحاكي تطلعاته بشكل مباشر ، هذه الثورة التي حقّقت أبعاداً عدة :‏

البعد الأول : أعادت للاسلام مكانته على ساحة إيران والساحة الدولية ، ثانياً أعادت للشعب المسلم في إيران حريته وكرامته ومعنوياته بشكل مباشر وسريع ، ثالثاً استفادت من القدرات الطبيعية التي أوجدها الله تعالى في إيران لمصلحة الشعب الايراني المسلم ، رابعاً أوجدت حياةً لتجربة إسلامية جديدة تغسل زيف الماضي وتعيد للاسلام المحمدي الأصيل مكانته ودوره ، خامساً شكّلت إشعاعاً حقيقياً للمسلمين وللأحرار في العالم ، فهي ثورة لا تقتصر على حدودها من حيث إشعاعاتها وإضاءاتها وإنما تتجاوز ذلك إلى كل العالم المستضعف والذي ينشد الحرية والعدالة والمستقبل ، وعليه فإن الثورة المباركة لم تكن ذات بعدٍ واحد وإنما كانت ذات أبعادٍ متعددة وهي رفعت شعار الوحدة الاسلامية لتعمل بشكل مخالف لأولئك التقسيميين الذين جزأوا العالم الاسلامي وفرَّقوا بين المذاهب وأوجدوا شرخاً في علاقات الجوار بين الدول المختلفة ، وبالتالي فإن حضور الثورة الاسلامية المباركة في هذه المنطقة وكمنطلق للواقع العالمي المتغيِّر يُعتبر معلماً حضارياً وانعطافة تاريخية هامة في هذا الزمن .‏

3- القيم الانسانية للثورة .‏

عندما نتحدث عن الثورة الاسلامية في إيران لا نستطيع تفكيكها عن الاسلام العظيم وما يحمله من قيم إنسانية فثورة إيران هي ثورة الاسلام وقيام دولة إيران هي قيام دولة الاسلام ، فهي تستمد من هذه التعاليم كل التفاصيل التي تجعلها في مصافِّ دولة الأنبياء والأوصياء وهي في قلب الحركة الانسانية وفي مقدمة الطرح الانساني المتكامل . الله تعالى تحدّث عن رسول الله (ص) فقال له :{ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } ، فالقيمة الأولى هي الرحمة في هذه الثورة التي تطرح عدالة السماء في الأرض والتي تنسجم مع فطرة الانسان { فطرة الله التي فطر الناس عليها ، لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } ، إضافة إلى ذلك فإن هذه الثورة المباركة تركِّز على البناء الأخلاقي الذي يعيد للإنسان معنوياته ولا يجعله منغمساً في الإطار المادي البحت وفي إطار الأهواء ولا يمكن الاستهانة بالتوصيف لرسول الله(ص) { وإنك لعلى خلق عظيم } فالأخلاق التي تتمثّل بالصدق والأمانة والوفاء والعهد وحسن الجيرة وصلة الرحم وكل هذه العناوين الاسلامية الرائعة في البناء الأخلاقي تساهم في إيجاد التوازن الحقيقي في شخصية الانسان وتجعله في مصافّ القدوة أمام تلك التصرفات المادية الغالبة في حياة الناس والتي دفع المجتمع الاسلامي أثماناً باهظة بسببها وبسبب الانحراف السائد ، ثالثاً فقد أعطت هذه الثورة قيمة للمرأة فجعلتها مصانة محترمة ، هي ليست أنثى للشهوات واللدعايات وللسلع التجارية ، بل هي إنسانة تعيش الأمومة وتشارك في الواقع الاجتماعي وتمارس دورها كنصف فاعل في داخل المجتمع في كل المواقع السياسية والاجتماعية والثقافية والجهادية بما يتلاءم مع قدرتها جنباً إلى جنب مع الرجل ، رابعاً أوجدت الثورة الاسلامية معنىً حقيقياً لحرية الانسان في أن يستقل عن الأجنبي وهذه قيمة إنسانية عظيمة في واقع الاسلام الذي انحسر عن واقع الأمة ووضعها خلال فترة طويلة من الزمن بسبب الحروب العالمية وسيطرة الأجانب على منطقتنا وبلدنا . خامساً عزّزت الثورة الاسلامية من حالة الارتباط بالأجر والعمل الصالح واستهداف رضوان الله تعالى وهذا ما يرقّق القلب ويجعل الانسان حريصاً على الضوابط الشرعية التي تمنع الاعتداء على الآخرين وتحترم خصوصيات الناس وتبلِّغ دعوة الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة { أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } ، ما يجعل منطق الحوار الانساني من موقع الثورة الاسلامية المباركة جديًّا وفعّالاً وحقيقياً وليس وهماً كما تحاول الأنظمة الاستكبارية أن تدلِّس من خلال شعار حوار الآخر على الآخرين وهكذا كيفما بحثنا في أبعاد وفي خصوصيات الثورة الاسلامية المباركة وجدناها مفعمة بالقيم الانسانية الفعالة والحقيقية .‏

4- تأثيرات الثورة على الساحتين الإقليمية والدولية .‏

كانت الثورة الاسلامية المباركة بقيامها سنة 1979 مفاجأة حقيقية أشبه بالمعجزة للشرق والغرب من ناحية ولدول المنطقة من ناحية أخرى . فلا الغرب كان يعتقد بإمكانية قيام مثل هذه الدولة الفتية المباركة ولا الشرق كان يتوقع أن تثبت حضورها وأن تنقلب على المؤثرات الأمريكية التي كانت سائدة في إيران الشاه ، هذه الثورة الاسلامية المباركة أوجدت خطاً ثالثاً وأوجدت حالة فريدة لم تكن موجودة في تقاسم الحصص بين أمريكا والاتحاد السوفياتي ، هذه الثورة المباركة جاءت كحلٍّ لعطاشى الحرية وللراغبين بالاستقلال وللذين يبحثون عن مبدأ يخلِّصهم وعن رمزية تقودهم بشكل صحيح ، من هنا كان للثورة الاسلامية آثاراً عدة ، أولاً على صعيد حركات التحرُّر فإن الكثير من حركات التحرُّر في المنطقة قد وجدت فيها بلسماً ورمزاً وبالتالي مدَّت يدها إليها لتتعاون معها ولتأخذ من هذه التجربة الفتيّة الغنية والتي عبَّرت عن نموذج لطالما فقدناه في منطقتنا، ثالثاً استطاعت الثورة الاسلامية المباركة أن تبني شبكة من العلاقات في المنطقة وأن تثبت حضورها كدولة فاعلة لا يمكن الاستغناء عنها بل كدولة لها متطلِّباتها ولها دعمها لحرية وكرامة دول المنطقة على الرغم من أن بعض الدول المحيطة بها قد خافت منها في الفترة الأولى والبعض الآخر قد كاد لها كيداً كبيراً لكن استطاعت إيران أن تتجاوز هذه المشاكل كلها فهي صمدت أمام الاعتداء العراقي الصدّامي وصمدت أمام تطورات أفغانستان ،وفتحت مجدداً جسوراً مهمة مع السعودية وباقي دول الخليج ، وكذلك تعاونت من اللحظة الأولى مع سوريا وكانت إلى جانب القضية الفلسطينية علماً مرفرفاً ، وهكذا فحصور الدولة الاسلامية المباركة في إيران في واقع المنطقة وفي التحوُّلات التي تجري فيها هو حضور مؤثِّر لا يستطيع أحد إنكاره أو إلغاءه وما تفسير تلك الهجمة الأمريكية الكبيرة على إيران ومحاولة محاصرتها بل التضييق على إيران منذ انتصار الثورة الاسلامية حتى الآن بأنواع الحصار كافة من قبل أمريكا والضغوطات الدولية التي تمارسها على إيران إلا دليل على متانة وقوة ومنعة هذه الثورة وما أحدثته من استقلالية ومن إلهام لشعوب المنطقة ويكفي فخراً أن تكون حركة حزب الله في لبنان وأداء المقاومة الاسلامية في تحرير الأرض من رجس الصهاينة عامل من عوامل الاستلهام من فكر وقيادة الولي الفقيه الامام الخميني (قده) وما أحدثه في واقع الأمة من عمل ومساعي ، ثالثاً على المستوى الدولي لها موقعية مهمة ، كل الدول الكبرى تحرص على علاقة مع إيران ، ونحن نلاحظ ان الدول الأوروبية لم تستمع إلى القانون الأمريكي في محاصرة إيران رغبة ببناء علاقات إقتصادية وسياسية ، فلو لم تكن إيران مؤثِّرة وتشكِّل رصيداً مهماً في المنطقة لما كانت هذه المساعي الدولية للتقرُّب من إيران إلى درجة أن الخلاف وقع بين الدول الكبرى حول طبيعة العلاقة مع إيران نظراً لمكانتها ودورها ، إذاً إيران الثورة حاضرة في الواقع الدولي والإقليمي بشكل كبير .‏

5 - ما هو مستقبل الثورة الاسلامية المباركة .‏

بما أن الثورة الاسلامية المباركة اتّخذت منهجاً عادلا ً والتزمت بخطٍّ ينسجم مع الفطرة الاسلامية وحملت الاسلام ديناً وهي تعمل بشكل دائم على أن تكون قائمة بإمكاناتها وقدراتها من دون الاعتماد على الشرق والغرب ، فهذا يؤشر إلى مستقبل باهرٍ لهذه الثورة، يكفينا أن ندرس تاريخها منذ نشأت حتى الآن لنجد أنها قد تجاوزت أخطاراً ضخمة ما كان يمكن لغيرها أن يتجاوزها كما في الحرب المفروضة على إيران لثماني سنوات بواجهة عراقية لكن بغطاءٍ دولي كامل وكما هي المحاولات الحثيثة من أجل التحريض الداخلي لإثارة القلاقل ، أو الاعتداءات المتكررة على إيران من قبل الاستكبار ، هذا كله يبيِّن ثباتاً وصموداً ونحن نرى تلك الحيوية الموجودة في داخل النظام الاسلامي الذي يتبلور يوماً بعد يوم والذي ينتج من داخله قدرة على الصمود والثبات وقد رأينا كيف تقدمت إيران إقتصادياً وسياسياً وكيف استطاعت أن تستوعب هذه الأعداد البشرية المتزايدة والتي تضاعفت بالولادة منذ انتصار الثورة الاسلامية المباركة حتى الآن وكيف شكّلت إيران قطباً حقيقياً في هذا العالم ، على هذا الأساس وعلى أساس نظام الولاية الذي يقوده اليوم الامام الخامنئي حفظه الله تعالى ورعاه ويؤسِّس لثبات وتماسك ووحدة متكاملة في الداخل الايراني ، هذا كله من عوامل الثبات وعوامل الاستمرار ونحن نعلم أن الوعد الإلهي قائم بحق المؤمنين دائماً بقوله تعالى { وكان حقاً علينا نصر المؤمنين}، فما هو مأمولٌ لهذه الثورة المباركة أن تتصاعد وأن تستمر وتستقر أكثر فأكثر وتكون من العوامل المهمة لنهضة الأمة بأسرها ، فالرؤية لهذه الثورة هي رؤية مشرقة وما محاولة بوش الأخيرة في الحديث والتحريض للبعض في إيران أن ينتفض على النظام الاسلامي إلا دليلاً على العجز العملي عن كل الأعمال الاستخبارية وعن كل المؤامرات التي حيكت ضد إيران ما يؤكّد ثباتها وقدرتها على أن تتجاوز كل محطات الضغط وكل اللإثارات الداخلية المحتملة ، الأمل كبير بمستقبل زاهر ومشرق إن شاء الله تعالى لهذه الثورة المباركة .‏