مقابلة مع الأستاذ1 نصير الأسعد 31/8/2002
الملخص: هل من تفسير سياسي لعملية حزب الله في مزارع شبعا أول من أمس، وفي أي سياق يمكن وضعها تماماً؟
هنا قراءة لنائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، أجراها قبل ثلاث ساعات من العملية، الأمر الذي يعني أن الشيخ نعيم هو عضو شورى القرار في حزب الله كان على معرفة بالقرار السياسي الذي يجيز العملية، وأن كانت ساعة العملية وأهدافها الميدانية وتحسباتها أموراً تخضع للعلاقة المباشرة بين الأمين العام السيد حسن نصر الله وقيادة الجهاز المقاوم.
يبدأ الشيخ نعيم قراءته التي يشكل الموضوع الفلسطيني محورها، بالقول ان رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون دفن اتفاق أوسلو، وعليه تكون التسوية في صيغتها المطروحة ضمن مؤتمر مدريد ومفاعيلها الميدانية على الأرض وكل الاتفاقات المرتبطة بها قد سقطت. هذا الأمر يعني بحسب الشيخ وجود حاجة جديدة عند القيادة الإسرائيلية تستدعي صياغة مستقبل إسرائيل بشكل مختلف عن الصياغة السابقة التي تعطي للفلسطينيين هامشاً ما في حكم ذاتي داخل ما يسمى أراضي 67... وهذا ما لا يخفيه شارون في خطته التي تتحدث عن سقف 42 % من الضفة الغربية للفلسطينيين لكن ضمن شروط معقدة أبرزها إقفال ملف القدس وملف عودة اللاجئين بالكامل.
وفي هذا السياق، يأتي برأي الشيخ نعيم الإصرار الشاروني على إلغاء الرئيس عرفات، وهو إصرار يرتبط بتغيّر المشروع وبرفض البحث السياسي في انتظار من يقبل بخطوات أدنى. ويتوازى الإصرار الإسرائيلي هذا مع التركيز على العنوان الأمني بهدف إسقاط كل قدرة فلسطينية على الرفض سواء كانت باتجاه التحرير أو كانت في دائرة تحسين الوضع الفلسطيني التفاوضي.
حيال ذلك، أي حيال المشروع الشاروني الجديد الهادف إلى تيئيس الشعب الفلسطيني، يعرب المسؤول الكبير في حزب الله عن اعتقاده أنه لا يمكن الحديث عن تسوية سياسية ولا يمكن توقع أي تسوية قريبة تضع القضية الفلسطينية على سكتها، وأن ما هو قائم الآن هو تفرد إسرائيلي بدعم أمريكي يتجاوز كل الفرقاء الفلسطينيين، وهذا أمر لا يمكن أن يجد له صدى في الجانب الفلسطيني.
مرحلة الجمود السياسي فلسطينياً
وفي ضوء هذه المقدمة عن سقوط التسوية التي أخلت مكانها لمشروع شاروني أمني، يعتبر نائب الأمين العام أن أياً من الأطراف لا يملك خياراً غير الواقع القائم، إلاَّ إذا فكرت إسرائيل بعملية كبرى تؤدي إلى تهجير جماعي وإلى استبدال الدولة الفلسطينية بالخيار الأردني، وهذا أمر كبير يخلط الأوراق، لا يقدم حلاً للقضية الفلسطينية ولا يعطي شرعية لإسرائيل، فضلاً عن الآثار والتداعيات التي ستنشأ في المنطقة وردود الفعل التي ستنتج وتشمل بشكل اضطراري مصر والأردن وكل الداعين إلى حل سياسي، فضلاً عن سوريا ولبنان المعنيين مباشرة بتداعيات القضية الفلسطينية. ولذلك يعتقد الشيخ نعيم أن المراوحة تجمد الاحتمالات الغامضة والخطيرة... وهو أمر يتقاطع مع السياسية الأمريكية الراهنة.
أميركا - إسرائيل
ومن ذلك، ينتقل القيادي في حزب الله إلى الموقف الأمريكي، يقول إن الولايات المتحدة مع إدارة بوش تدرجت من اللامبالاة المطلقة حيال القضية الفلسطينية إلى المبالاة بتحريك نسبي لا يوصل إلى حل، بعد تفاقم الأزمة، وصولاً إلى المراهنة على الزمن وعلى تجميع النقاط بشكل هادئ وتدريجي وتراكمي ليصل الأمر إلى لحظة يمكن جدولتها.
ويرى قاسم أن أمريكا تفضل كل ما يمنع تفاقم الأزمة داخل فلسطين ويحقق تقدماً تدريجياً لمصلحة إسرائيل، وترغب في عدم إثارة الضوضاء عالمياً وفي المنطقة بما يمكن واشنطن من متابعة خطتها للسيطرة على المنطقة. ويلفت إلى أن إسرائيل في المقابل والتي تفضل تحريك الجمود لمصلحتها، تستعجل الضربة الأمريكية للعراق، ذلك أن تقدير إسرائيل مبني على أن التداعيات التي يمكن أن تحصل في المنطقة في ضوء ضرب العراق من شأنها أن تريحها لجهة الإجراءات ضد الفلسطينيين، وتريحها من عوامل القوة الفلسطينية والسورية واللبنانية، ذلك أن الحلول الأخرى معقدة وغير قابلة للتطبيق في هذه المرحلة. ويوضح أن الإدارة الأمريكية اختارت حلاً أدخلته في دائرة تقطيع الوقت المفيد في التحكم باختيار الشعب الفلسطيني لقيادته وبتنظيم شؤونه والإشراف المالي عليه ومتابعة أجهزته الأمنية مما يعني الرغبة في تفريغ محتوى السلطة الفلسطينية.. بما يمكن أمريكا من عدم الاكتفاء بالخيار العسكري الإسرائيلي الأوسع كخيار وحيد، وهذا التوجه الأمريكي وضعت له مهلة حتى الانتخابات التشريعية الفلسطينية في الربيع المقبل، مما يعني أن حصول أوضاع استثنائية خلال هذه المرحلة أمر مستبعد.. إن لم تفتح إسرائيل حرباً على حسابها في موازاة الحرب على العراق، أو إن قامت الحرب الأمريكية على العراق وحصلت انجازات أمريكية تفتح الآفاق لإسرائيل.
سوريا ولبنان.. التهديدات والضغوط
هنا يصل الشيخ نعيم إلى ان الولايات المتحدة وإسرائيل، الأولى في حاجتها إلى تقطيع الوقت والثانية في حاجتها إلى عدم خروج الجمود عن السيطرة في انتظار نتائج التطورات العراقية، تضغطان على سوريا ولبنان والهدف تفكيك القدرة المساندة للشعب الفلسطيني. ويقول إن حزب الله يشكل عامل إقلاق لإسرائيل بسبب جهوزيته ورفضه للتطويع في دائرة المشروع الإسرائيلي، وهذا ما أعطى قوة حقيقية للبنان، ولولا الجهوزية والقوة لكان لبنان مهمشاً في دائرة الاهتمام الدولي فيما هو الآن عنصر فاعل في قضية المنطقة. ويضيف أن استهداف سوريا قائم لأنها الداعم والراعي لحركة الواجهة العربية ضد المشروع الإسرائيلي، ولأنها تنسجم مع قناعتها بعدم السماح لإسرائيل في التوسع والسيطرة والإمساك بمفاصل المنطقة لأن الجميع سيسقط إذا أطلقت يد إسرائيل.. ولأن سوريا تمنع صياغة للمنطقة تسقط الجميع ولا تبقي أحداً.
ويشدد على أن هذا هو التوازن الذي يربك إسرائيل في سعيها إلى الحلول الجذرية الإقتلاعية، والذي يعين الانتفاضة على أن تعود هي المحور والأساس، فيصدق عندئذ القول أن الانتفاضة حجبت عن المنطقة بأسرها مخاطر كبرى وشكلت خط الدفاع الأول عن كل المنطقة، ويلاحظ أن التشجيع الإسرائيلي على ضرب العراق جزء لا يتجزأ من رغبتها في ضرب الجدار الفلسطيني المدافع عن المنطقة. ويلفت إلى أن ذلك يشكل محاولات إسرائيل فك الجمود لمصلحتها.
وفي هذا الإطار، يلفت إلى أن لمزارع شبعا طابعاً سياسياً بوتيرة أعلى قياساً إلى المناطق أخرى في الجنوب قبل التحرير، ويرى أن المطلوب من المزارع أن تعبّر في آنٍ عن استمرارية المقاومة ورفض الاحتلال الإسرائيلي ومنع إسرائيل من التفكير بالعدوان على لبنان، فضلاً عن إعلان حالة الجهوزية في موازاة التطورات في المنطقة والتي تنعكس على لبنان، ويختم بأن هذه المعاني جميعاً تتحقق في الأداء الحالي للمقاومة في مزارع شبعا سواء بإطلاق النار على طائرة إسرائيلية تخرق السيادة اللبنانية أو بعملية تستهدف مواقع الاحتلال.
عملية المقاومة: أبعاد أربعة
وبعد، لا شك أن نائب الأمين العام لحزب الله كان لدى مقاربته هذه في مناخ قرار سياسي بعملية للمقاومة في المزارع، لكن ليس هذا هو أهم ما يجب ملاحظته بل يستحسن استنتاج أن عملية أول من أمس وأي عملية لاحقة في هذه المرحلة تقع في دائرة تقاطع أربعة أبعاد:
البعد الأول: تأكيد حق المقاومة في العمل ضد إسرائيل في منطقة لبنانية محتلة، ونفي أن يكون ثمة قرار بوقف العمليات.
البعد الثاني: هو من دون شك تحذير إسرائيل من أن تحاول في الوقت الضائع الأمريكي حيال القضية الفلسطينية، كسر الجمود سواء تجاه الفلسطينيين أو تجاه سوريا ولبنان وإعلان أن حزب الله لا يزال في دائرة دعم الفلسطينيين.
البعد الثالث: هو بمثابة رد على الضغوط الأمريكية-الإسرائيلية المتزايدة على سوريا ولبنان والمستهدفة من جانب أمريكا تكريس الجمود ومن جانب إسرائيل وتحريكه.
البعد الرابع: هو أن أمريكا الساعية إلى حصر الأمر بالضربة على العراق لا بدَّ أن يقال لها فضلاً عن رفض هذه الضربة أن ثمة عناوين أخرى، أي حماية الموقف الرافض للضربة على العراق بتوسيع رقعة الإشكاليات.
بهذه المعاني فإن عملية أول من أمس عملية إعتراضية في السياسة، ولعل هذا معنى كلام الشيخ نعيم قاسم عن الطابع السياسي لمزارع شبعا.. فهل ثمة معنى آخر؟.