1- كيف تقيمون أهمية انتصار المقاومة الاسلامية في لبنان عام 2006 ومن ثم انتصار المقاومة في فلسطين خلال حرب غزة وتأثير هذه الانتصارات على المقاومة وكذلك مستقبل الكيان الصهيوني؟
انصار المقاومة الاسلامية في لبنان عام 2006 أحدث تغيراً كبيراً واستراتيجياً في المنطقة وفي العالمين العربي والاسلامي، تمثل بحصول هذا الانتصار النموذجي والتاريخي والذي لم يسبق له مثيل في منطقتنا منذ احتلال الكيان الاسرائيلي لفلسطين والقدس، أي منذ أكثر من ستين سنة، وبالتالي كان السائد في المنطقة أن إسرائيل لا تُقهر وأن جيشها هو الأقوى، ولا يمكن النقاش بجدوى مواجهة إسرائيل مع ما تمتلكه من أسباب القوة والدعم الخاص والدولي في آنٍ معاً. فجاء انتصار المقاومة الإسلامية ليُعلن بوضوح أن إرادة المقاومة أقوى من قدرة الاحتلال، وأن إمكانية التحرير مع القلة والتصميم والإيمان والاستعداد المناسب أمرٌ قابل للتحقق مهما كانت قوة المحتل وداعميه، وبالتالي هذا الانتصار فتح أمام المنطقة آفاق مرحلة جديدة استبدلت فيه الهزيمة بالنصر والإحباط بالمعنويات واليأس بالأمل والاحتلال بالتحرير، وضبط الواقع الدولي بإرادة الاستقلال الشعبي، وهذه أمور تؤسس لمرحلة جديدة، وبالفعل رأينا بعد هذا الانتصار كيف بدأت تتداعى الأمور في منطقتنا، ثم جاء انتصار المقاومة في فلسطين خلال حرب غزة في عام 2008 بمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها، وبالمحافظة على غزة رغم محاصرتها وضعف إمكاناتها، لتؤكد غزة من جديد أن منطقة المقاومة هو المنطقة البديل في مواجهة التحديات، وأن زمن الهزائم قد ولى وجاء زمن الانتصارات، وكذلك لا يمكن لإسرائيل أن تقرر ما تريد ثم تحققه، بل ستواجه تعقيدات ومقاومة قوية ومتينة ومؤثرة، فإذا قرأنا بدقة ما حصل بانتصار المقاومة الاسلامية في لبنان عام 2006 وانتصار المقاومة الفلسطينية خلال حرب غزة في عام 2008 سنرى أن مساراً جديداً بدأ يؤشر لقدرة التحرير ومنع الاحتلال الاسرائيلي من التمدد، وبداية حصول توازن ردع ورعب، ما يؤشر إلى أن مستقبل الكيان الصهيوني لم يعد آمناً ولا مستقراً ولا تستطيع القيادة الصهيونية أن ترسم طموحاتها على أساس قوتها، بل عليها أن تقرأ جيداً أن الأرض اهتزت تحت أقدامها مجدداً، وأن ما بنته منذ بدء الاحتلال الرسمي عام 1948 قد بدأ ينهار، لأن محاولات تطويع الشعب الفلسطيني فشلت، وتحييد الدول العربية من إطار الصراع فشل أيضاً، وها هي المقاومة الشعبية في لبنان وفلسطين تعود إلى الواجهة لتُحدث تغييراً حقيقياً يؤشر إلى إنجازات لا بد أن تتراكم مع الزمن بسبب هذه المنهجية العقائدية والعملية التي تؤمن بوجوب التحرير وحق استعادة الأرض. لذا نعتقد أن مستقبل الكيان الصهيوني لن يكون لمصلحة تثبيت الكيان والدولة الصهيونية وإنما سيكون لمصلحة استعادة الأرض ولو طال الزمن، بسبب وجود من يتصدى لهذا الاحتلال ويحمل الحق والإيمان والتصميم على المقاومة.
2- نشهد هذه الأيام ثورات وحركة صحوة اسلامية أطاحت بطغاة كانت لديهم علاقة مع الكيان الصهيوني، كيف سيكون تأثير هذه الثورات على القضية الفلسطينية؟
حركات الصحوة الاسلامية التي برزت في هذه الأيام من خلال شعوب المنطقة التي حركها إيمانها وشعورها بالمظلومية، وكذلك اتجاهها مجدداً نحو الالتزام الديني إنما هي مدينة بشكل أساس لانطلاقة الصحوة الاسلامية الكبرى التي أطلقها الامام الخميني (قده) مع انتصار الثورة الاسلامية المباركة في إيران في عام 1979، ليكشف الغطاء عن كل المؤمرات التي حيكت ضد الاسلام والمسلمين، وليثبت مجدداً أن الاسلام دين التغيير والتنمية والمستقبل والقوة الذاتية والاستقلال، وهذا ما بدأ ينتشر في العالم الاسلامي بعد محاولات حثيثة لحوالى مئة عام تقريباً من العمل الاستعماري الدؤوب، الذي عمل على تغيير الثقافة والتأثير على التربية وتغيير المنظومة الفكرية والسياسية التي تحيط بنا في منطقتنا.إذاً هذه الصحوة الاسلامية الكبرى في إيران انعكست بشكل كبير على إيجاد صحوات إسلامية منتشرة في عالمنا الاسلامي، وبالتالي ما رأيناه في تونس ومصر واليمن وأماكن عديدة إنما هي تحت شعار واحد هو شعار الإطاحة بالطغاة الذين سلبوا حرية الناس ومستقبلهم، والقاسم المشترك بين هؤلاء الطغاة أن دعمهم أمريكي وانطلاقتهم لخنق أي فكر إسلامي ملتزم، وكذلك تأمين الأرضية الصالحة لحماية الكيان الإسرائيلي على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، وهذا ما ثبت بالدليل والبرهان، ولعل إسم المعزول حسني مبارك يؤشر بشكل واضح إلى هذه الدعامة الاسرائيلية التي كانت موجودة في منطقتنا. إذاً سقوط هؤلاء الطغاة سينعكس بشكل مباشر على اتجاهات هذه الدول المختلفة، وسيؤثر في مستقبل الكيان الاسرائيلي، وسيعطي زخماً إضافياً لمصلحة القضية الفلسطينية، لأن الشعوب التي انتفضت في البلدان العربية المختلفة تحمل شعار فلسطين وتحريرها، وتحمل الرؤية الإيمانية الدافعة للجهاد والشهادة وإثبات الحق، وهذا ما يساعد على تظافر الجهود لمصلحة إحياء القضية الفلسطينية بشكل أوسع وأشمل وداعم في آنٍ معاً، ونحن نعتبر أن كل ما يحصل في المنطقة له عنوان مركزي اسمه القضية الفلسطينية، فإما أن تكون الدول والشعوب مع إسرائيل وإما مع القضية الفلسطينية، فمع سقوط الطغاة الذين منعوا الشعوب من التعبير عن ارتباطهم بفلسطين برز التأييد للقضية الفلسطينية بشكل واضح، وإن كان يحتاج إلى مزيد من البلورة بناء على واقع هذه الدول بشكل جديد، ولا يكون يؤثراً في قمع الشعوب من التعبير عن ارتباطها بالقضية الفلسطينية.
3- قبل ثلاثة وثلاثين عاماً دعا الامام الخمين الراحل في نداء لمسلمي العالم إلى إقامة يوم القدس في آخر جمعة من شهر رمضان. برأيكم ما هو أهمية إقامة مثل هذا الاحتفال السنوي الكبير وتأثيره على القضية الفلسطينية وكيف تقيمون تأثير ودور الامام الخميني الراحل وثورته الاسلامية في إحياء القضية الأولى في العالم الاسلامي؟
قبل ثلاثة وثلاثين عاماً دعا الامام الخميني (قده) إلى إقامة يوم القدس العالمي في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، وهذا التحديد لليوم والشهر والعنوان يحمل معانٍ كبيرة جداً، فاليوم هو آخر جمعة، والجمعة يوم العيد وصلاة الجماعة، ومن شهر رمضان المبارك أي في شهر الطاعة والتسليم لله تعالى وشحذ الهمة والإرادة من أجل التغيير، وفي الأسبوع الأخير من شهر رمضان المبارك حيث ليلة القدر، ليلة تقدير الأرزاق والأعمال وصنع المستقبل المشرق على أساس الإيمان بالله تعالى، أما المستهدف فهو القدس وما تعنيه من مرقد للأنبياء ومنطلق لرسالات سماوية عظيمة وقبلة للمسلمين وغيرهم في محطة من محطات التاريخ، حيث يكون الاتجاه إلى إحياء المقدسات والتمركز حولها كنقطة انطلاق لتوحيد جميع الذين يرتبطون بهذه المقدسات تحت لواء واحد، فالاختلاف موجود في المذاهب والرسالات السماوية، وموجود في البلدان والقيادات المختلفة عندما يتعلق الأمر بالفهم والرؤية والخطوات العملية، لكن توجد وحدة حقيقية في النظرة إلى القدس وتحريرها والالتفاف حولها، فدعوة الامام الخميني (قده) لإقامة يوم القدس العالمي، هي كما قال دعوة لإقامة يوم الحق ويوم العدل ويوم انتصار المستضعفين على المستكبرين ويوم إحياء الدين، أي أن هذا اليوم مملوء بكل المعاني المشرقة، الذي فيه التحرير البدني والروحي والنفسي، والذي يؤدي إلى إثبات إنسانية الانسان في تعبيره الارضي أثناء مواجهته للباطل. وهذا اليوم في الواقع أخذ أبعاداً مهمة، ورأينا أن القدس احتلت في قلوب المسلمين والمستضعفين خلال هذه الأعوام المكانة الكبرى، وعادت القدس مركز استقطاب في هذه المنطقة وفي العالم الاسلامي بشكل عام، ورأينا أن حيوية المقاومة الملتفة حول القدس إنما هي مدينة منذ الثورة الاسلامية المباركة في إيران إلى هذا الاتجاه الذي رسمه الامام الخميني، ومن يُجري مراجعة لما حصل بعد انتصار الثورة الاسلامية في إيران، وما وصلت إليه هذه القضية قبل الانتصار، لوجدنا أننا انتقلنا من مرحلة كاملة فيها التنازل والتراجع والاستسلام ومعاهدات التطبيع وإيقاف عمل المقاومة إلى مرحلة مغايرة تماماً للسابقة بحيث انطلقت المقاومة حيوية، وبدأت تكبر وحققت انتصارات، وارتفعت القضية الفلسطينية كقضية أساسية مركزية، وبدأ يهتز الكيان الاسرائيلي، وتوترت المنطقة بأسرها على قاعدة الحذر والوقوف بوجه الخطر الاسرائيلي، وعادت الحياة للشعب الفلسطيني المجاهد بمقاومة شريفة باسلة، استطاع من خلالها أن يُربك الكيان الاسرائيلي، وهذه النتائج ببركة تأثير ودور الإمام الخميني (قده) وثورته الاسلامية.
4- نظراً لهزائم اسرائيل خلال السنوات الأخيرة، هل يجرأ هذا الكيان على شن حرب جديدة؟
إسرائيل قائمة على الحروب والعدوان والاحتلال، وليس لديها أي منطقة ولا دليل ولا حق في أن تكون حيث هي في فلسطين، إسرائيل طردت شعباً لتحتل محله، وقتلت لتخلو الساحة لها، وتاريخها مليء بالحروب الابتدائية التي كانت تشنها على مستوى القرى والبلدات الفلسطينية، وكذلك على مستوى أوسع لتطال البلدان العربية المحيطة، حيث وصل الاحتلال الاسرائيلي إلى جزء من لبنان و سوريا والاردن، إذاً كل حركة الكيان الاسرائيلي مبنية على الحروب والاعتداءات، ونحن نلاحظ اليوم أن تهديدات إسرائيل كثيرة ولا تقتصر على محيطها فقط، وإنما وصلت إلى تهديد إيران أيضاً، وهي بذلك توسع من دائرة استهدافاتها، اعتقاداً منها أنها بذلك تحمي كيانها وتُبقي حضورها. إسرائيل إذاً دائماً في حالة استعداد لحرب جديدة، لكن ليس متاحاً لها أن تخوض هذه الحرب متى شاءت وكيفما أرادت، وذلك بسبب انتصار المقاومة في سنة 2006، والذي أسس لمرحلة جديدة تحسب لها إسرائيل ألف حساب، وعلينا دائماً أن نبني أن إسرائيل تريد حرباً في يوم من الأيام، لأنها لا تستطيع إقناع الفلسطينيين ولا العرب ولا المسلمين بالاحتفاظ بفلسطين واحتلالها، وبالتالي هي تريد أن تُثبت كيانها كما ترسمه، إذاً هي تعتقد أن الحل الوحيد هو القضاء على أصحاب الحق لتخلو الساحة لها، وهذا له مسار واحد هو مسار الحروب والاعتداءات. على هذا الأساس نحن نعتقد أن إسرائيل تعد نفسها دائماً لحرب بل لحروب، إلا أن الظروف الموضوعية تمنعها الآن من شن هذه الحرب لأنها غير مضمونة النتائج بالنسبة إليها، وإن كان علينا كمقاومة أن نبقى على استعداد دائم للمفاجآت، وهذا هو العمل السليم والمواجهة السليمة.
5- هل لديكم كلمة أخيرة؟
يجب أن تعود البوصلة لتُشير إلى إسرائيل بأنها العدو، وكل التهاء بالتخاصم والعداوة بين الدول العربية مع بعضها، أو في داخل كل بلد عربي أو إسلامي، بقضايا جزئية أو لمصالح إستكبارية إنما يصبُّ في مصلحة إسرائيل. علينا أن نستحضر أن إسرائيل هي سبب كل الأزمات في منطقتنا، وأن لا تخلو مواقفنا وبياناتنا وتعبئتنا ومواجهتنا من الإشارة دائماً إلى الخطر الإسرائيلي، وأن نرسم كل خطواتنا المستقبلية على أساس مواجهة هذا الخطر، ولا يجوز على الإطلاق أن نتلهى بأي أمر آخر مهما كان مهما، لأننا في نهاية المطاف سنُريح إسرائيل من حيث ندري أو لا ندري. إذاً فلسطين هي القضية المركزية، ويترتب على تحريرها تحرير المنطقة بأسرها، فلسطين هي البداية وهي النهاية، لنعد إليها كي نقوِّم مسارنا السياسي والعملي لمصلحة شعوب هذه المنطقة.