السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحار من أين أبدأ، فالحبُّ ملأ الحياة، هل أبدأ من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلَّم)؟ وهو الذي أضاء الكون بنور قلبه من نور الله تعالى، أم أبدأ من علي (عليه السلام)؟ وهو الباب إلى الخيرات والأنوار والعشق الإلهي، أم أبدأ من السيِّدة الجليلة، سيِّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام)؟ التي نوَّرت السماء بعبادتها، ونوَّرت الأرض بطُهرها واستقامتها، فكانت بحق الأم والمربيَّة والعالمة والقائدة، والتي أخذتنا إلى عناوين الرضا، حيث لا يصل الأنسان إلى درجة الكمال إلا إذا سلكَ طريق الحبِّ بطمأنينة لرضا الله جلَّ وعلا.
لا تستهينوا بما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلَّم): "إنَّ الله يرضى لرضاها ويغضبُ لغضبها"، لا تستهينوا بكلام محمَّدٍ (صلى الله عليه وآله وسلَّم) بأنها أمُّ أبيها، لا تستهينوا بإشادة عليٍّ (عليه السلام) بعطاءاتها ومكانتها وتعبيره عنها بأنَّه راضٍ عنها وأنَّها راضيةٌ عنه، والحبُّ الذي يغلِّف حياتنا عندما نكون في طاعة الله تعالى، وأينما مددنا يدنا التقطنا زمبقةً من ورود حبِّ السماء مرسلة إلى الأرض لتظلِّل قلوبنا أولاً، وحياتنا الخاصة ثانياً، ومجتمعنا ثالثاً ليكون بناء الحبِّ في المجتمع هو التمهيد لصاحب العصر والزمان ( عجل الله تعالى فرجه الشريف).
الحبُّ بستان، بستان الحياة، وفي البُستان ورودٌ وأولوانٌ وأشجارٌ وثمار، علينا أن نربِّي أنفسنا بما يمكِّننا أن ترى أعيننا ألوان الحياة كيفما نظَرت، وتشعر أنفسنا بالرَّحمة والعطاء والإحسان كيفما دارت، ونعيش نظرة الجمال إلى كلِّ شيء، فعندما نرى الله جميلاً نرى الحياة جميلةً، ونرى الآخرة جميلة، ونرى كلَّ لحظةٍ من حياتنا مفعمة بالحبِّ والجمال والرحمة والإحسان، كلها مفردات تعود إلى {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ}.
هذه الثورة الإسلاميَّة المباركة التي اقتحمت قلوب العالم، واستطاعت أن تبني سدود المواجهة للظلم والفساد والمعاصي، لم تكن لتنجح لولا هذا العشق الإلهي الذي عاشه الإمام الخميني (قدَّس الله روحه الشريفة) وبثَّه في حنايا الشعب الإيراني المسلم العزيز والعظيم والمعطاء والمضحِّي، هذه الثورة الإسلامية بثَّت فينا روح المقاومة، وما هي المقاومة؟ هي ليست سلاحاً نقاتل به، وكلُّ العالم يملك أسلحةً لا تقاوم، هي ليست فكرةً سياسية نقارع من خلالها، فأفكار المقاومة التي تقارع منتشرة على مستوى المعمورة، لكنها تحوَّلت إلى حكم أو اندثرت في ثنايا التاريخ، مقاوتنا ارتفعت وعلت وكبرت لأنها أعطت لله وفي سبيل الله، فكان المجاهدون يتحركون بمددٍ من نور، لا يرون الحواجز ولا تعنيهم قوّة أسلحة العدو، ولا يتأثرون بالدعاية والإعلان، ولا ينظرون إلى تحالفات العالم، إنما يرون مدد الله تعالى معهم في كلِّ آن، فينطلقون وأينما ذهبوا فتحوا وانتصروا وارتفعت راية الحقِّ عالياً.
هذه الدورة لم يكن الهدف منها إعطاء الثقافة والمعلومات وإن كانت مطلوبة، رغبتُ أن أعيش معكم حالة الحبِّ من مفردات الإسلام ومحمدٍ وآل محمد، لنتلمَّس معاً خلال ساعات أننا إذا دخلنا في عمق نور الحبِّ لله تعالى، نستطيع أن نغيِّر الكون، والكون بالنسبة إلينا هي هذه النَّفس التي بين جنبينا، لا يستصغرن أحدٌ قدرته على أن يكون عظيماً لأنَّ العظيم ليس من نصَّبه الناس عظيماً، وإنَّما من أقرَّت الملائكة عند الله تعالى بأنَّه عظيمٌ في الأرض وعظيمٌ في السماء.
كلُّ واحدةٍ منكنَّ قادرة أن تكون في بيتها في حياتها في عملها في ظروفها في صعوباتها في بلاءاتها قوَّةً كبيرةً تأخذُ المدد من الله تعالى، لتنتصر على هواها وعلى مشاكلها، وتواجهُ التحديات المختلفة بالحبِّ والتوكل على الله تعالى والرضى بما قسم لها.
هل رأيتم مصباحاً يدخلُ ظلمةً إلا ويبدِّدها غصباً عنها؟ دُلُّني على ظلامٍ انتصر على نور، ولكن في كلِّ آن النصر للنور، والنور حب، والحبُّ علاقة مع الله، والعلاقةُ تتجسَّد بالإسلام، فكونوا مع الله من خلال الإسلام ترون النور يبدِّد كلَّ ظلامكم في أيَّة لحظةٍ وفي كلِّ لحظة في حياتكم.
هذه المقاومة التي انتصرت في لبنان ليست مقاومةً عاديَّة، فنحن نعرف أن المقاومة تقاوِم لتحرِّر الأرض، ولكن مقاومتنا حرَّرت الارض والإنسان، ثم تحوَّلت الى قدرةٍ رادعة، ليست مألوفة في مقاومات الدنيا، فامتنعت إسرائيل عن اعتداءاتها على لبنان منذ سنة ٢٠٠٦ بسبب هذه المقاومة، التي وقفت صامدة ثابتة مصممة على أن تواجه التحدي وأن تحيي الأرض بعد تحريرها، وأن تحرر ما تبقى منها من دون خوفٍ أووجل، ومن دون حساب للبقاء على الحياة أو الشهادة في سبيل الله تعالى. مقاومتنا ليست عاديَّة، هي أرعبت العالم المستكبر وأصبحت محلَّ مواجهة من قِبله وكأنه لا يوجد في الأرض إلا هذه المقاومة الصغيرة بحجمها الكبيرة بآثارها، لماذا؟ لأنها تمثل الحق، ولأنها تعمل بشرفٍ وكرامة، ولأنها تتميز بأخلاقيات عالية، ولأنها استطاعت أن تقدِّم النموذج الذي يحرك المستضعفين على مستوى المنطقة والعالم، بل هي مدرسةٌ للتربية، وهي قوةٌ نحتاجها من أجل أن نواجه قوى الظلم، لا يمكن المحافظة على الاستقلال إلا بالرُّوح المقاومة، ولا يمكن حماية الأجيال إلا بالعمل المقاوم، ولا يمكن استجداء الحلول السياسية وإعادة الأرض من تجمع المستكبرين الظلمة على مستوى العالم، بل بالسلاح المؤمن المجاهد الذي لا يخضع إلا لله ويحقق أهدافه في تحرير الأرض وحمايتها.
من الطبيعي أن نجد هذه المواجهة العالمية لنا، لأنَّنا نواجه الظلم العالمي من خلال إسرائيل، ولأنَّنا ونواجه الاحتلال الدولي من خلال إسرائيل، نحن لا نقاوم من أجل أن نحقق مكتسبات سياسيَّة في داخل النظام، وأنتم تعلمون أنّا في لبنان نعمل كحزب الله مع شركائنا بمعادلات التمثيل الشعبي، والقوانين المرعية الإجراء من دون أن يكون لسلاحنا ومقاومتنا أيُّ فعلٍ مباشر في معادلات الداخل، لأننا مقتنعون أنَّنا في الداخل نعمل مع شركائنا، ويجب أن نحترم الشَّريك بخياراته ويجب أن نبحثَ عن القواسم المشتركة، أما مع العدو الإسرائيلي فلا توجد قواسم مشتركة لنبحثَ عن تسوية، بل المطلوب أن يخرج من الأرض وأن تعود إلى أهلها وأن يختار أهلها مستقبلهم وحياتهم من دون أيِّ تدخُّل، هذه المقاومة دعَّمها وثبَّتها مجاهدوها وشهداؤها، دعّمها المجاهدون والمجاهدات في عملهم الدؤوب كلُّ من موقعه من أجل نصرتها، دعَّمها القادة الشهداء الشهيد الشيخ راغب، الشهيد السيّد عباس، الشهيد عماد مغنيَّة، الشهيد مصطفى بدرالدين وكل الشهداء، ولا ننسى الشهيدة ام ياسر ولا ننسى طفلها، كلهم كانوا شركاء في إبراز هذا الدور العظيم الذي يحرر الأرض ويدعِّم الاستقلال.
شهداؤنا والقادة نماذج للبنان والمنطقة والمستضعفين في العالم، ونفخر بذلك لأنهم في الواقع لم يبحثوا يوما عن مغانم خاصة، وإنما بغيتهم دائماً من أجل العدل الإنساني والعدل البشري، ولذى استطاعوا ان يكونوا نماذجاً لكل الأحرار وكل الثوار.
الآن في لبنان تشكَّلت الحكومة، والحمدلله أنها استطاعت أن تقطع مجموعة من العقبات وتأخذ الثقة، ويبدو أن رئيسها وأعضاءها يهتمُّون بإنجاز خطوات عملية سريعة إصافةً إلى رسم رؤية إستراتيجيّة لها علاقة بالخطط والسياسات العامة للعمل من أجل معالجة الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي في البلد، ولكن نطالب الحكومة بإجراءات عاجلة إجتماعية وإقتصادية ونقدية، فكروا وقرروا ليتلمَّس الناس بعض النتائج في القريب العاجل خلال أيام وأسابيع، وأبرز نقطة أشير إليها، تستطيعون إيقاف موجة الغلاء غير المبرر في رفع الأسعار الذي يحصل في كلِّ يوم وبتفاوت كبير بين مكانٍ وآخر وتعاونية وأخرى ومحلٍ وآخر، بإمكان الحكومة أن تقوم بخطَّة طوارئ لكبح الأسعار ووضع حد لهذا التفلُّت غير المقبول في أخذ أموال الناس بحجةَّ الوضع الاقتصادي والوضع المالي، وهذه قضية تستحق الطوارئ، وتستحق أن يكون لها فريق عملٍ تطوعي أو ببدل مالي أو بأي طريقة، على الحكومة أن تختار الطريقة الأنسب لكبح الأسعار وإيقاف جشع التجار الذين لا يراعون واقع الناس ويتصرفون لمحاولة الاستفادة من الأزمة كعقلية أثرياء الحرب، هؤلاء بعضهم يعمل بعقلية أثرياء اللحظة الاقتصادية الصعبة على حساب أقوات الناس وعلى حساب أكل الفقراء وعوائلهم، إن شاء الله تستمر هذه المسيرة، والحمدلله الذي وفَّقنا أننا في زمن الإمام الخميني (قدس الله روحة الشريفة) والإمام الخامنئي (حفظه الله ورعاه) ولو راجعنا كل التاريخ لما رأينا أجمل من هذا الزمن إلا زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلَّم) ولكن إعلموا أننا إذا توفقنا لاستثمار هذا الزمن بشكلٍ صحيح، وإزددنا عدداً وعدّة فسنستقبل الزمان الأجمل في الحياة البشرية بقيام القائم (عجل الله تعالى فرجه الشريف).