محاضرات

الشيخ نعيم قاسم: الحب في الله

الشيخ نعيم قاسم: الحب في الله
الكلمة التي ألقاها نائب الأمين العام سماحة الشيخ نعيم قاسم في المجلس العاشورائي في السيدة خولة - بعلبك، في الليلة الثامنة من محرم الحرام 1439 هـ، 26/09/2017م. تحت عنوان: الحب في الله

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد(ص)، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين. 

السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا بن رسول الله وابن أمير المؤمنين وابن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، السلام عليك وعلى الأرواح التي حلت بفنائك، عليكم مني سلام الله ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم.

أيها الأخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإمام الحسين(ع) أحيا هذا الدين في زمن صعب، كان يمكن للانحراف أن يأخذ مأخذًا أكبر، وأن يزداد عبر الزمن فلا يصل الإسلام إلينا نقيًّا صافيًا كما وصل على يد الإمام الخميني(قده)، فكان لا بدَّ من هذه الثورة من أجل إحياء الدين. ثورة الإمام الحسين(ع) ثورة الإصلاح، الإصلاح في الأمة، والإصلاح في الأمة إعادة لفهم الدين الحقيقي كما أراده الله تعالى وكما جاء به محمد(ص). 

تبيَّن أن من يمكن أن يحافظ على هذا الإسلام العظيم من الأمة هم الذين تعلقوا به وأحبوه وتفاعلوا معه، أما الذين مروا مرور الكرام، أي أنهم آمنوا بهذا الدين من دون أن يتفاعلوا معه ومن دون أن يحبوه ويرتبطوا بمحمد وآل محمد(ص) فمن الصعب أن يقدِّموا الشيء الكثير للإسلام.

خاصة أننا لو رجعنا إلى التاريخ لوجدنا أن المسلمين صنفان: صنفٌ آمن في لحظات الشدة والصعوبة، وهم الذين آمنوا في مكة المكرمة، وبدأوا طلائع الإيمان في المدينة المنورة أي الذي كانوا يجتمعون في دار ابن الأرقم في مكة، والذين عُذبوا من أجل إيمانهم, وحوصروا في شعب أبي طالب، وكذلك مصعب بن عمير ومن آمن معه من الأوس والخزرج في المدينة المنورة, هؤلاء كانوا من أوائل المسلمين الذين حملوا الدين بصدق. وعندما فتح الله تعالى مكة المكرمة على يد المسلمين بعد صلح الحديبية، أقبَلَ الناس على الإسلام بشكل كبير، ونزلت الآيات الكريمة: "إِذَا جَاء نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجاً"، هؤلاء الأفواج الذين جاؤوا إلى الإسلام، قسمٌ منهم جاء لأن الإسلام انتصر، وهم مع الواقف، وقسم منهم جاء ليحمي نفسه لأنه لم يعد له مكان إلا إذا كان في دائرة الإسلام، ماذا تتوقع من هؤلاء الناس إذا لم يعملوا على أنفسهم، وإذا لم يتفاعلوا مع الإسلام, ولم يحبوا الله تعالى, ولم يقتدوا بالنبي بشكل صحيح، هؤلاء جماعة قسمٌ منهم نفعي يختبئ وراء الإسلام. السلسلة الأموية هي من هذا النموذج نموذج أبي سفيان، وهؤلاء هم الذين حولوا الملك عضود، وتوارثوه وسلموا من لم يكون جديرًا في أن يكون حاكمًا ووليًا. 

أمَّا الذين أحبوا الله ورسوله وتفاعلوا مع أئمة أهل البيت(ع) فكانوا كالثّلة ممن برزوا في كربلاء.

اليوم في حديثي معكم أريد أن أركز على هذا الجانب: جانب الحب والتفاعل مع الله، والتفاعل مع محمد(ص), والتفاعل مع أئمة أهل البيت(ع), كطريق من أجل إحياء الدين, ومن أجل الاستفادة في حياتنا من هذا الدين.

قال رسول الله(ص): "حسينٌ مني وأنا من حسين، أحبَّ الله من أحب حسيناً"، حسينٌ مني معروف لأنه ابن ابنته فاطمة الزهراء(عها) بنت محمد فهو مولود من محمد(ص)، وأنا من حسين يعني أن استمرار ذكر النبي وحضوره وقوة الإسلام من عطاءات الإمام الحسين(ع) الذي استشهد في كربلاء لإحياء هذا الدين، فذكر محمد(ص) مستمر ببركة عطاءات وشهادة الإمام الحسين(ع) وأهل بيته وأصحابه.

لماذا أضاف  النبي(ص) "أحبَّ الله من أحب حسينًا"؟ كان من الممكن أن يقول لنا إن استمرارية الرسالة من الحسين(ع) كما كان الحسين مني فتصل الفكرة، لكنَّه أضاف الحب ، يعني من أحب الإمام الحسين أحبه الله تعالى وقرَّبه منه، لماذا؟ وماذا يستفيد الإمام الحسين(ع) من حبنا له؟ قال تعالى على لسان النبي(ص): "يَا قَوْمِ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ "، لا يريد النبي(ص) منكم شيئًا فهو يبلغ الناس قربة إلى الله تعالى. وفي آية أخرى: "قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى"، المودَّة في القربى هي التي أريدها منكم، لكن أي أمر آخر لا أريده منكم لأن الأجر من الله تعالى، وهنا يأتي الاستثناء "إِلاَ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى"، لا يريد الله من الناس شيئًا, ولا يريد النبي منهم أجرًا مكافأةً لعمله، ولكن يطلب منهم أن يودوا القربى وهم آل محمد(ص).

وقال الله تعالى على لسان النبي(ص) في القرآن الكريم: "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ"، امشوا معي واتبعوا أوامر الإسلام التي أقولها لكم وانتهوا عن النواهي التي أنهاكم عنها، عندها يحبكم الله تعالى. فإذا جمعنا هذا الآيات والروايات يتبين أن المودَّة والمحبة لآل البيت(عم) لا يستفيد منها النبي شيئًا، ولكن نحن الذين نستفيد من مودتهم، لأنَّنا إن أحببنا الحسين أحببنا أفعاله وتضحياته وعطاءاته وجهاده وعمله النبيل، وقلدنا أداءه في خدمة الإسلام، فمن أحبَّ قلَّد المحبوب، وعندها بحبنا للحسين(ع) تقيدنا وقلدنا واقتدينا به, كما أننا إذا أردنا أن يحبنا الله تعالى وهذه مكرمة عظيمة للإنسان يكون ذلك بإتباع تعاليم الله، وإتباع تعاليم الله هي لنا لأنها تخدمنا نحن ولا تخدم رب العالمين لا من قريب ولا من بعيد، فهو ليس بحاجة إلينا، فيكون الحب لمحمد وآل محمد(عم) نورٌ يقذفه الله تعالى في قلوبنا من أجل أن نحيا بهذا الدين ومن أجل أن نعيش السعادة بعطاءات الإسلام كما أراد الله تعالى.

ديننا مبني على الحب، ومبنى على التفاعل مع الله تعالى، هل وجدت فكرًا أو  قناعة على وجه الأرض يقول الله تعالى لك: يا عبدي أريد من أن تتقرب مني؟! هذا الدين العظيم الذي يحاول أن يقرب الناس، مع أنه تعالى ليس بحاجة لنا, "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ"، فعلى الإنسان أن يدعو الله تعالى فهو قريب منه, "وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ"، "وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ"، الإله الذي نرتبط به والذي أخبرنا عن نفسه في القرآن الكريم، هو الذي يدعونا إلى حبه, ويلتزم أمامنا أنه سيحبنا, وإذا أحب الله امرءً أعطاه الخيرات والفضل والرحمة والسعادة في الدنيا والآخرة، فهنيئًا لمن أحب محمدًا وآل محمد(عم) فأحبه الله تعالى.

ديننا مبنيٌ على الحب، وليس مبنيًا على أوامر ونواهٍ قاسية، مبنيٌ على رقة القلب، لأن الإنسان إذا أحب أعطى كل شيء. الأم تحب ولدها، فتعطيه كل ما لديها، لماذا؟ بسبب الحب، يقول الإمام زين العابدين(ع) عن الأم: "حملتك حيث لا يحمل أحد أحدًا"، اليوم إذا أردت أن تضع ابنك عند الجيران فالجارة في اليوم الأول تقبل، وفي اليوم الثاني تقبل، وفي اليوم الثالث تقبل على مضض لأن الولد يخرِّب ويتحرك كثيرًا، فإذا سألنا الجارة: هل ابنك أحسن من هذا الولد أم يقوم بكل ما يقوم به هذا الولد، تقول تمامًا كهذا الولد ولكنه ابني، الحب هو الذي جعلها تعطي وتتحمل وتتعب، الإسلام يريد منا أن نرتبط به حبًا، الله تعالى يريد منا أن نحبه لنستفيد ونصبح أقوياء.

هذا الحب يعطينا قوة ويعطينا عزة ويعطينا عظمة، ويجعلنا نلتزم، لأن من يحب لا يرتكب الحماقات ويراعي الحبيب، أقول لبعض الأخوة سواء أكانوا معلمين في المدارس أو كانوا أهلًا في البيت: علموا أولادكم حب الله تعالى. كيف نعلم أولادنا حب الله تعالى؟ علموا الأولاد حب الله فعندما تقول للولد ما هذه العيون الجميلة، قل له هذه العيون الجميلة خلقها الله تعالى، وعندما يأتي متفوقًا في علاماته المدرسية فقل له هذه نعمة من الله تعالى، لأن الله تعالى خلق لك العقل وفيه الذكاء وأنت استخدمته فنجحت بتوفيق من الله تعالى. عندما يشعر الولد أن العقل من عند الله, والعيون من عند الله, والجمال من عند الله تعالى، وكذلك الرزق الذي يأكله, فنقول قبل الطعام بسم الله الرحمن الرحيم, وعندما ننتهي نقول الحمد لله رب العالمين، لماذا؟ لأن هذا الطعام من عند الله تعالى، ونحمد الله تعالى لأنه مكَّننا لهضم الطعام فحصلنا على الطاقة والقوة. كل هذه الأمور من أولها إلى آخرها من عند الله تعالى، فيرسخ عند الولد أن الله تعالى مصدر العطاء.

في بعض الأحيان يتعب الأب مثلًا مع ابنه، فيأمره فلا يرد عليه، فيقول إن هذا الولد عجَّزني، ولم يبقَ لي إلَّا بابٌ واحد لم استخدمه بعد ولكن سأستخدمه معك: سأقول لك: إذا عصيتَ لي أمرًا فمعنى ذلك أنَّك عاقٌّ، والعاق يدخل إلى جهنم وبئس المصير، فعدم سماعك لكلامي يُدخلك إلى جهنم! أحيانًا يستخدمون التهديد بجهنم سواء الأم أو الأب أو المعلمة...بشكل مكثف, للأمر الصغير والكبير, فيصبح عند الولد عقدة من الله تعالى بأنَّه يمثل العقاب وجهنم!، يا جماعة, الواحد منا يخطئ ويعصي وينحرف ويتوب أول مرة وثاني مرة ويعيش عشرين أو ثلاثين أو خمسين سنة والله تعالى يقول له : تب، إن الله يحب التوابين، وبعد انتهاء أعماله وحياته عندها يكون الحساب, فيدخل إلى الجنة أو إلى النار بعد خمسين أو ستين سنة عمل، فهل من أجل أن يأكل سندويشة لبنة يدخل إلى جهنم؟! ولأنه لم ينفذ أمرًا معينًا تدخله إلى جهنم؟! هذا ما يكرِّه هذا الولد بالله تعالى، أو يُشعره بأن الله تعالى للقتل والظلم والبطش وجهنم! هذه تربية خاطئة، ربِّ ابنك على الحب، قل له إذا لم تنفذ أمري معنى ذلك أنك ستخسر حب الله تعالى لك، الحب الذي أعطاك إياه سيوفقك ويعطيك، خذ ابنك إلى الناحية الإيجابية وليس إلى الناحية السلبية، لأنَّ ربَّ العالمين محبَّة.

يروى في الحديث القدسي أن الله تعالى خاطب النبي موسى(ع) فقال له: "يا موسى، هل عملت لي عملًا؟ قال: صليت لك، وصمت، وتصدقت, وذكرت. قال تعالى: أما الصلاة فلك برهان (هي لك تنفعك وتنهاك عن الفحشاء والمنكر)، والصوم جُنَّة (الصوم يحميك من النار)، والصدقة ظل (يوم القيامة عندما يجمع الناس يكونون معرضين لحر الشمس فالله تعالى يرسل فوق المؤمنين الذين تصدقوا ظلًا يُظلُّهم من حر الشمس)، والذكر نور (أنت عندما تذكر الله تعالى تنير طريقك وحياتك)، فماذا عملت لي يا موسى؟ قال موسى(ع) : يا رب ما هو العمل الذي هو لك؟ قال تعالى: يا موسى، هل واليت لي وليًا أو عاديت لي عدوًا؟ ففهم موسى(ع): أن أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله". 

فالموضوع هو موضوع الحب في العلاقة مع الله تعالى، لأنك إذا واليت أولياء الله وأحببتهم وأخذت منهم وكنت معهم في سيرتهم استطعت أن تحقق أفكارَ وقناعات الإسلام. لا يفكرن أحد أن أمر الصلاة والصوم ... والأوامر الإلهية هي نوع من الالزام لك، لا، أنت عليك أن تعبد الله تعالى وأنت مقتنع أنك تعبده لأنه أهلٌ للعبادة، تعبده لأنك أنت الذي ستستفيد من هذه العبادة، تعبده لأنك تحبه وتريد أن يرضى عنك لتصل يوم القيامة إلى النتيجة وهي الرضا, "رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"، هذا الاتجاه الذي علينا العمل عليه.

يقول الإمام الحسين(ع) في دعاء عرفة: "عميت عينٌ لا تراك عليها رقيبًا، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبًا"، ماذا يربح من لا يحب الله تعالى؟ لذلك على الإنسان أن يسعى لأن يكون بهذا المستوى من الإيمان. هل تعتقدون أن الشباب المجاهد الذي ضحى وقاتل وأعطى ونجح وتفوق كان يمكن أن يتفوق لولا هذا الحب لله ولمحمد وآل محمد(عم)؟ لا تستهينوا بشعار "لبيك يا زينب"، لبيك يا زينب أيتها الحبيبة الطاهرة العظيمة، نحن نعمل تحت لوائك وتحت جناحك لأنك تحبين الله، ولأنك من أهل بيت النبوة، ولأننا نحب هذا النموذج العظيم الذي يقربنا من الله تعالى، فعندما نقول: لبيك يا زينب، يعني لبيك يا محمد، لبيك يا حسين، لبيك يا رب، أنا أحبك من كل قلبي, فأعنِّي لأكون أهلًا لأدافع عن زينب ومشروع زينب(عها).

عندما بدأنا نستقبل بعض الشهداء، وأطلقنا عنوان الدفاع المقدس، بعض الكتاب والصحفيين الذين ليس لهم علاقة بالدين لا من قريب ولا من بعيد، قالوا: ستسبب هذه المعركة أزمة كبيرة داخل مجتمع المقاومة, لأنهم يأخذون الأولاد ليقاتلوا خارج البلد ثم يأتون بهم شهداء, هذا تبسيط، مرَّت سنة وسنتين وثلاثة، بدأ يزداد أعداد المجاهدين الراغبين للذهاب إلى القتال، في البداية كان يذهب الأخوة بالمئات وبعدها بالآلاف، كانت المعركة في بقعة أو بقعتين ثم أصبحت في بقع كثيرة. تأتي إلى عوائل الشهداء فتجدهم مفتخرين ويطلبون منك أن تأخذ المزيد من أجل الدفاع عن آل البيت(عم) وعن هذا المشروع العظيم، فالقصة ليست مقامًا فقط إنما القصة قصة مشروع. المقاومة رمز لمشروع، وإلاَّ مقام السيدة زينب موجود في منطقة السيدة زينب، وليس موجودًا في حلب أو دير الزور أو إدلب أو الزبداني أو أماكن أخرى، فلماذا لبيك يا زينب في كل الأماكن؟ زينب(عها) مشروع، مشروع حياة الإنسان، زينب مشروع العزة والكرامة، زينب مشروع الإمام الحسين(ع) لعزة المسلمين واستقلال بلدانهم، زينب توصلنا إلى حب الله تعالى لنكون أعزة على الأرض, وليقبلنا الله تعالى في يوم القيامة, فيكافئنا مع محمد وآل محمد(عم).

ظنوا بأننا نقاتل من أجل "قطعة أرض"، ظنوا أننا نقاتل لأن هناك بعضًا ممن نريد التخلص منهم، ظنوا أننا نقاتل من أجل أن نصبح قوة مهابة الجانب، لا، هذه كلها وسائل ونتائج، نحن نقاتل من أجل أن نحمي خياراتنا، نحن مؤمنون بالله تعالى، نريد أن نصلي على أرضنا من دون أن يُلزمنا أحد بأي أمر آخر، ونريد أن نربي أولادنا على طاعة الله تعالى من دون أن يأتي المنحرفون فيبعدونهم عن طاعة الله، ونريد أن نكون مستقلين حتى لا يتحكم بنا الشرق أو الغرب أو إسرائيل أو أمريكا، نريد أن نأكل القليل من الطعام بحلال وعزة لا أن يكون طعام الأذلة أو ممن يمنُّ علينا الطعام فنعمل لمشروعهه، لا, والله لن نعمل إلَّا لله ولن نركع إلَّا لله، ولن نكون إلَّا مرفوعي الرأس ولو قتلنا من أولنا إلى آخرنا, لأننا إذا قُتلنا في سبيل إحياء الدين فقد أحيينا الدين بموتنا كما أحياه الحسين(ع) بموته وشهادته فنقله إلينا عزيزًا كريمًا، وها نحن نرفع راية الحسين خفَّاقة عالية ببركة سيد الشهداء(ع).

أدعوكم إلى أن تتعاملوا مع الإمام الحسين(ع) وأهل بيته وأصحابه بكل شوقٍ وحب، كلما تقربتَ منهم أكثر أحببتَهم أكثر، مثلًا اليوم عندك صاحب تتعرف عليه أول مرة فتسلم عليه سلامًا عادي لأنك لا تعرفه بعد، في اليوم الثاني تدعوه إلى فنجان قهوة فتشعر بلطفه وبساطته فتأنس به، فيدعوك إلى العشاء, ثم بعد أسبوع يبين أنه مهتم بعلاقته بك، تمر أربعة أو خمسة أشهر فيصبح صاحبك، لماذا؟ لأنه يظهر عليه بأنه إنسان صاحب أخلاق وتعامله جيد وينصحني وأحببته. أعطانا الله تعالى النِّعم, وأرسل لنا الأنبياء وختمهم بمحمد(ص)، وأعطانا أرقى وأفضل تشريع فيه الكمال لمصلحة الإنسانية، ومن عظمته قال: يا عبدي هذا لمصلحتك ولكن على راحتك, "فَمَنْ شَاء فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاء فَلْيَكْفُرْ". إذا أحببت هذه الطريق فأهلًا وسهلًا بك ولك من الله: "ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر"، هل يوجد أعظم من أن يُخيِّر رب العالمين الإنسان بالإيمان أو عدمه. فرسول الله محمد(ص) وآل محمد(عم) الذين ضحوا ليوصلوا لنا الرسالة وتعاملوا معنا برفق وهم شفعاؤنا يوم القيامة عند الله تعالى، ومن أحب محمدًا وآل محمد دخل معهم إلى الجنة، فرب العالمين يشفع لمحبي أهل البيت(عم).

إذا عزَّزنا حالة الحب ننال أرباحًا كبيرة، والحمد الله الانتصارات الكبيرة التي تحصل هنا وهناك هي ببركة هذا الحب وببركة هذا التفاعل، أحيانًا ينتقدوننا لتعلقنا بالولي الفقيه، الولي الفقيه يمثل منهج للإسلام، منهج أهل البيت، لديه كل الرأفة والرحمة، ويرشدنا إلى صلاحنا وفلاحنا، فكيف لا نتعلق به ونرتبط به؟ هو صلة الوصل مع الإمام المهدي(عج) في غيبته، ونحن ننتظر الإمام(عج) ليملأ الأرض قسطًا وعدلًا بعد أن ملئت ظلمًا وجورًا، ليستطيع الناس أن يعيشوا حياة كريمة وعزيزة، الحياة الكريمة لا يعادلها شيىء. وأنتم يا أهل البقاع تعرفون معنى العزة والكرامة لأنكم أهل العزة وأهل الكرامة، أثبتم ذلك في مواجهة الإرهاب التكفيري، وأثبتم للعالم أن الشرف من هنا ببركة هذا الإيمان الذي حملتموه طاعة لله تعالى.