محاضرات

الشيخ نعيم قاسم: علينا أن نمسك مفاتيح التربية: وهناك أربع مفاتيح للتربية

الشيخ نعيم قاسم: علينا أن نمسك مفاتيح التربية: وهناك أربع مفاتيح للتربية
الكلمة التي ألقاها نائب الأمين العام سماحة الشيخ نعيم قاسم في مجمع سيد الشهداء في المجلس المركزي، الليلة الثانية من محرم الحرام 1439 هـ، 22/09/2017م، ومما جاء فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق  مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد(ص)، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحبه الأبرار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والصالحين إلى قيام يوم الدين.

السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا بن رسول الله وابن أمير المؤمنين وابن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، السلام عليك وعلى الأرواح التي حلت بفنائهم، عليكم مني سلام الله ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا كان آخر العهد مني لزيارتكم والسلام عليكم أيها الحفل الكريم ورحمة الله وبركاته.

التربية العاشورائية مدرسة قائمة بذاتها لأنها متنوعة في كيفية تفصيل شخصية الإنسان رجلًا كان أم امرأة، التربية الحسينية أنجبت المجاهدين والمجاهدات، ورفعت من قيمة استعداد التضحية والعطاء، التربية الحسينية هي جزء من مشروع الإسلام المحمدي الأصيل، وهي التي صوَّبت المسار وحدَّدت لنا معالم الطريق، عاشوراء مشروع الحياة الإسلامية السعيدة بتعاليمها الواضحة، عاشوراء مدرسة  في التربية توصل الإنسان إلى أعلى المراتب في طاعة وتقوى الله جل وعلا، عاشوراء هي التي جعلتنا ننتقل من حال إلى حال، ومن ذل إلى عز، ومن جهل إلى علم، ومن ضياع إلى هدى، عاشوراء مدرسة حقيقية لتربية الأجيال، وعندما نحيي هذه الذكرى إنما نحاول أن نستكشف من هذه المدرسة العاشورائية ما يساعدنا على بناء حياتنا ومستقبلنا، وما يساعدنا على أن نعيش في هذه الدنيا عيشًا صافيًا مخلصًا سعيدًا ومستقيمًا.

 

سأتحدث اليوم عن مسؤوليتنا في التربية العاشورائية، محاولًا أن أوصل الصورة من خلال خمسة عناوين:

 

العنوان الأول: يجب العمل على النفس الإنسانية، لأن النفس هي الأساس وهي التي تتحرك نحو صلاحها أو فسادها، قال تعالى: "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا"، وفي آية أخرى: "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى"، هذه النفس الإنسانية بين أيدينا سواء أكان الإنسان يتعامل مع نفسه أو كان الإنسان يتعامل مع من يربيه، هذه النفس تحتاج إلى عمل وإلى توجيه وإلى تربية من أجل أن تعرف المسار الصحيح من المسار الخاطئ، وإلا كيف يمكن أن يهتدي الإنسان وكيف يمكن أن يتعرف على الحقائق إذا لم يهده أحد أو لم يطلعه أحد على الخيار الصحيح. 

من هنا نفهم السبب المركزي لإرسال الأنبياء والرسل، لأن الله تعالى الذي يريد أن يربينا ويهدينا ويرشدنا اختار إرسال الأنبياء والرسل لينقلوا عنه ما يصلح حياتنا ومستقبلنا، قال تعالى: " وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ"، فإذا استهدى الإنسان بهدي الله تعالى واتبع ما أرشد إليه الأنبياء والرسل لا يمكن أن يكون لديه خوف لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولا يمكن أن يحزن على ما فاته لأنه أمرُ عابر، ثم في يوم القيامة يكون في جنة الخلد إن شاء الله تعالى فيعوض كل ما خسره في يوم من الأيام فيكون بذلك بلا خوف كما يعيش أولئك الذي لا يرون الدنيا إلا مسرح لحياة واحدة لا بديل عنها.

علينا أن نعمل على هذه النفس الإنسانية حتى نرشدها ونهديها، وعلينا أن نعمل على أطفالنا فنربيهم منذ الصغر، ونتعب من أجل أن نرشدهم إلى الطريق الصحيح، لأننا إن لم نربهم نحن سيربيهم الآخرون، سيربهم شياطين الأرض، سيربيهم أولئك الذين لم يعرفوا الله تعالى، سيربيهم الجهلة. من هنا مسؤوليتنا أن نعمل على هذه النفس الإنسانية ونأخذ الطفل من أول حياته فنعمل على تغذية عقله وروحه بحب الإسلام وطاعة الله تعالى، وإلا إذا أهملنا وتركنا فسيملأ غيرنا الفراغ، طبعًا أقصد بالتربية ليس الطعام والشراب، الحمد الله الكل ناجح في الطعام والشراب، وليس اللباس والذهاب إلى المدرسة، أقصد بالتربية ماذا يفهم، ماذا يريد من الحياة، كيف يتصرف بأخلاق مع أهله، كيف يبني حياته على مكارم الأخلاق، كيف يكون مستقيمًا فيبتعد عن الحرام، كيف يلتفت إلى طاعة الله وعدم معصيته، كيف يكون إنسانًا مؤمنًا، هذه هي التربية المقصودة.

في إحدى الجلسات قلت: لولا أني أخاف من إحراجكم لسألت كيف يربي الواحد منكم ولده؟ وكيف تقضي الـ 24 ساعة مع ابنك؟ نستيقظ صباحًا ونهيئ الفطور للولد ونطعمه ونلبسه وننتظر باص المدرسة ونرسله إلى المدرسة، يغيب عنا ست أو سبع ساعات ويعود بعد ذلك، نستقبله ونطعمه ونسأله عن الدرس، بعد ذلك يحضر قليلًا من التلفاز ثم ينام. في كل هذه الحركة لا يوجد تربية! السلوك الذي تمارسه الأم تربية، التصرفات التي يقوم بها الأب تربية، طريقة الكلام مع الولد تربية، أسلوب الجلسة مع العائلة تربية، طريقة الجلوس على المائدة تربية، الصلاة في وقتها تربية، الصوم وقت الصوم تربية، والانتباه إلى عدم ارتكاب الحرام بالنظر تربية، هذه هي التربية، نحن علينا أن نعمل حتى نربي لأن النفس الإنسانية التي بين أيدينا قابلة لأن نزرع فيها. يقولون لنا هناك مرحلة لا يستطيع أحد فيها أن يربي، مرحلة المراهقة، لا بدَّ أن يمر الشاب والفتاة في مرحلة المراهقة بانحراف ومعصية، لماذا؟ لأن طاقاتهما الجسدية تتبدل وتنتقل من حالة إلى حالة، وهذا التبدل يصاحبه ثوران الجسد واشتعال الغريزة والتصرف بطريقة تنقل الإنسان من الطاعة إلى المعصية ومن الاستقامة إلى الانحراف. من أين أتوا بهذه النظرية؟! فهل إذا بلغ الشاب سن المراهقة عليه أن يقضي سنة أو سنتان في المعصية؟! هل عليه أن يكون قليل الأخلاق مع أهله؟ ويجب أن يذهب مع أصدقائه ويقضي السهرة بالمعاصي والحرام؟! وهل على الشابة في هذه المرحلة أن لا تلتفت للضوابط والأمور الشرعية لأنها تريد أن تبرز جمالها أمام الآخرين؟! من قال بأن مرحلة المراهقة هي مرحلة معصية، أبدًا، الإمام علي (ع) يقول في نصيحته لولده الإمام الحسن(ع): "وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شي قبلت، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك"، فإذا زرعت الأرض تفاح يطلع تفاح وإذا زرعت شوكًا يطلع شوكًا، فما تزرع تحصد، فالأرض أرض خالية ما تزرعه تحصده، فعلى الإنسان أن يُعبئ المضمون بطريقة صحيحة قبل أن يعبئ الآخرون هذا المضمون بطريقة خاطئة.

ويروى أن الإمام الصادق(ع) التقى بأحد أصحابه وكان عائدًا من البصرة، سأله الإمام(ع): كيف رأيت إيمان الناس؟ قال أغلبهم يبدو أنهم ليسوا على إيمان صحيح، فقال له الإمام(ع): "عليك بالأحداث فإنهم أسرع إلى كل خير"، فالكبار الذين أخذوا خيارات في الحياة وأصبح عودهم قاسي لا تقدر معهم على التغيير والتبديل، لكن الأحداث اعمل عليهم وعبِّئهم وأعطهم المقومات الصحيحة، ستجد أنهم أسرع إلى كل خير، وهذا الأمر رأيناه جليًا واضحًا أمامنا من دون أي لبس، رأينا شباب المقاومة وهم أحداث في ريعان العمر وفي فترة المراهقة وبعد المراهقة، يخوضون الحروب الكبرى بهدف العزة والكرامة والاستقامة، هذه الطاقة الشبابية بدل أن تتوجه إلى المراقص والخمارات توجهت إلى قمم الجبال وقتال إسرائيل والتكفيريين، هذه القدرات بدل أن تذهب إلى مجالس اللهو وإضاعة الوقت ذهبت لتبني رصيدًا وطنيًا يمكنها من أن ترفع رؤوسنا عاليًا باسم الله وفي سبيل الله، هؤلاء الشباب لم يقف بوجههم ظالم إلا وواجهوه بقوة العزيمة وطاقة الشباب وعظمة الإيمان والطاعة لله تعالى، فحولوا طاقاتهم من طاقات يمكن أن تهدر إلى طاقات تحقق النصر تلو النصر وإن شاء الله تعالى تستمر الانتصارات ببركة هؤلاء الشباب.

عندما كان الإمام الحسين(ع) جالسًا بعد نوم، جاءه ولده علي الأكبر(ع)، وكان الإمام(ع) يعبِّر أننا ذاهبون إلى المنايا، بناء على رؤية رآها، ماذا قال علي الأكبر الشاب، يا أبت لا أراك الله سوءً، ألسنا على الحق، قال بلى والذي بيده مرجع العباد، قال: يا أبت لا نبالي نموت محقين. قال الحسين(ع): جزاك الله من ولد خيرا ما جزى ولدًا عن والده"، فإذًا العبرة أن هذا الشاب تعبأ بطاعة الله تعالى، ولذا كان بهذا المستوى وبهذه الروحية التي تعمل وتواجه. 

أعود إلى شبابنا وإلى عطاءاتهم ألا ترون في ساحتنا كيف أن أخواتنا المحجبات من بناتنا وزوجاتنا وأمهاتنا يدفعن الشباب للقتال والطاعة لله تعالى ويتقبلن تمامًا هذه النتائج، هنَّ جزء من الجهاد، هن جزء من القوة التي حصلنا عليها، هن جزء من الانتصارات، لولاهن لما كان هناك انتصار مضيء وعظيم يلوح في سماء لبنان وفي سماء المنطقة، فحيى الله رجال المقاومة ونساء المقاومة إنهم رجال الله وإنهن نساء على طريق الله تعالى، وهذه هي التربية والتعبئة الصحيحة لطاعة الله تعالى.

في حديثه عن رجال الله تعالى، قال الشاعر : 

هم الرجال رجال الله قد كتبوا نصرًا أبيًا مع الأزمان قد عظما

هم البناة في أكنافهم شرفٌ هم الحماة حموا لبنان والذِمما

هذه النماذج هي نماذج من العمل على تربية النفس.

 

العنوان الثاني: ضرورة تهيئة البيئة النظيفة الصالحة: علينا أن نهيئ بيئة لتساعد الأولاد على طاعة الله تعالى، أحيانًا يعتبون علينا أن الواحد يأتي إلى الضاحية الجنوبية فيشعر أنه في إيران أو في النجف الأشرف أو في مكان فيه تقوى وطاعة لله تعالى، فهل هذه تهمة، فهل تريدون أن يدخل الواحد إلى الضاحية فيشعر أنه في المراقص أو في لوس أنجلوس أو في فرنسا أو في مكان آخر، هذه البيئة ضرورية، لو لم تكن هذه البيئة لما أمكننا أن نتابع ونُخرِّج ويتربى هؤلاء الأطفال على الطاعة الحسينية وعلى التربية الحسينية.

هل تعرفون ماذا فعلوا في الغرب: عندما ذهب بعض النازحين السوريين إلى المناطق الأوروبية، درس الأوروبيون أنهم يريدون أن يستقبلوا بعض النازحين ولكن بشروط، ألمانيا اشترطت أن يكون مع العائلة النازحة أطفال، لماذا؟ على أن تلتزم العائلة أن يدخل الأطفال خلال خمسة أيام في الأسبوع في مدرسة داخلية، ويذهب إلى أهله يومي السبت والأحد للعطلة، لأنهم يريدون إيجاد بيئة خاصة خلال خمسة أيام صباحًا ومساءً، ليغسلوا عقله وقلبه فيصبح كما يريدونه بعيدًا عن طاعة الله تعالى. فرنسا التي أصدرت قرارات بمنع الحجاب في المدارس العامة والمؤسسات الرسمية، فما هي حجتها؟ نحن نريد أن نحافظ على قيم الجمهورية الفرنسية، ما هي القيم الفرنسية، القيم أن لا يكون هناك دين عند الناس، لأنهم يخافون، فهذه المحجبة بين ألف محجبة مثل أكسير الذهب يتأثر بها 5 أو 6 فيتحجبن، فهم يخافون من هذا الأمر. لا يريدون للإيمان أن يطل برأسه ولو بمسافة قصيرة، من حقنا إذًا أن نوجد بيئة. أمريكا التي تدعي أنها تقبل الرأي الآخر وحرية الرأي فهي لم تتحمل تلفزيون المنار أن يصل للبنات لأن النور فيه وهم لا يريدون له أن يصل إلى أطفالهم وأولادهم وإلى الناس هناك، فيقفون بوجهه حتى لا تصبح البيئة مؤاتية لتلقي أفكار الصلاح والاستقامة.

ترون اليوم بعض الأنظمة المستبدة لا تتحمل كلمات على وسائل التواصل الاجتماعي فيسجن الشخص سنوات على كلمة، لأن كلمة وراء كلمة وحق وراء حقًا ونورًا وراء نور فيتبدد الظلام ويصبح الوضع أفضل، وهم لا يريدون ذلك.

من هنا علينا أن نعمل لإيجاد هذه البيئة ونستطيع في هذه البيئة أن نقوم بما نريد بما حلَّل الله تعالى، فالبعض يقولون: ماذا ستفعل بالشباب هل تريد أن تبقيهم محجوبين عن العالم، وتحرمهم الدنيا، من قال أننا سنحرمهم الدنيا، "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ"، فأقول للشباب: العبوا رياضة، واملؤا وقت فراغهم بالتسلية الشريفة، اذهبوا إلى البحر، واجلسوا مع أصدقائهم، وادخلوا إلى الكشاف...، وكذلك الفتاة أمامها مجالات لتقوم بها وتتسلى وتستأنس وتضيع بعض الوقت في التسلية المشروعة، ، ألا يصح أن تأكل طعامًا شرعيًا بعيدًا عن الحرام، ألا يصح أن تشرب شرابًا حلالًا طيبًا بدل الشراب المسكر...، عندهم الحياة الدنيا هي الذهاب إلى أماكن اللهو المحرمة، وتعاطي المخدرات بأنواعها، وارتكاب المحرمات، وهذا الذي يدخل إلى الحرام ويأكل الحرام ويشرب الحرام ويعاشر جماعة كل تعاطيهم الحرام، هو سيحمل منهجًا مبنيًا على الحرام بعيدًا عن طاعة الله تعالى، ففكره وعمله ومنهجه أصبحوا في مكان آخر، من هنا على أن نهيئ البيئة النظيفة التي تساعد.

 

العنوان الثالث: علينا أن نمسك مفاتيح التربية: وهناك أربع مفاتيح للتربية:

 

المفتاح الأول: غير موضوع البيت، الصحبة: "قل من تعاشر أقل لك من أنت"، من صاحب الشاب، ومن صحبة الشابة، من يصاحب أصدقاء لا يصلون ولا يصومون ويتكلمون بكلمات غير أخلاقية، فيقول أبني يعاشرهم ولكن لا يسمع لهم، فهل يصمد الشاب أمام الصحبة السيئة والرياح السيئة التي تعصف بأفكاره يوميًا، فلا بدَّ أن يستجيب لهذه الأفكار. أو تلك الأخت التي تصاحب أخوات همهم الأول التبرج والزينة وكل شيء جديد، فواحدة تجلس خمس ساعات مع مجموعة بنات كلامهن عن المسكرة والفزلكة...ففي النهاية ستجرب فتدخل في المجموعة وعليها السلام أصبحت في مكان ثانٍ. فالصحبة أساس، يذكر الله تعالى في كتابه الكريم مشهد في يوم القيامة: " يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً".

 

المفتاح الثاني: المدرسة: ابنك بأي مدرسة، وابنتك بأي مدرسة؟ اسأل ماذا تفعل المدرسة تربويًا وليس تعليميًا لأنه تعليميًا كل المدارس تعلِّم، تربويًا: كيف يقضون أوقات الفراغ؟ وفي عيد رأس السنة ماذا يفعلون في المدرسة؟وفي الحفلة ماذا يضعون؟ وفي النزهات المشتركة ماذا يفعلون؟ وكيف يجلسونهم قرب بعضهم البعض؟ وعندما ينزلون إلى المسبح كيف ينزل الاثنين إلى المسبح؟ عليك أن تعلم كيف تربي هذه المدرسة، يقولون: مولانا لحد هون؟! نحن نتكلم عن تربية وعن ولد ما تعطيه يتلقى، عليَّ أن أرى المدرسة التي أضع ابني فيها على ماذا تربيه، إذا كان في المدرسة واحد آراءه وأفكاره وقناعاته خربانة ويحكيهن بالصف ويحاول أن يقنعهم بالقناعات التي عنده، فأنت لست معه، بتمرق، إذا مدرسة دايرة على أفكار خاصة بكيفية الحياة، تصوروا واحدة بدى تنظرن عن الحياة كيف تعيش حياتها، فتطلع هي مثلًا لنفترض معلمة مطلقة ومقضية مشاكل خاصة بحياتها وبدى تعد الخراب يلي وقعت فيه بدى تعطي نصيحة للبنات حتى ما يوقعوا، الله وكيل شو حاتكون نصيحة واحد واقع بمشكلة. بدكن ننتبهوا للمدرسة هذا المفتاح الثاني.

 

المفتاح الثالث: وسائل الاتصال: الفايسبوك، توتير، واتس آب، الخ...، وسائل الاتصال اسمها وسائل، يعني ممكن أن تكون حلال وممكن أن تكون حرام، استعملوا الوسائل ولكن انتبهوا عند استخدام أولادكم الوسائل كيف تضبطونهم حتى لا يقعوا في الحرام، (مرة واحد قلت له: لماذا تفعلون كذا على الفايسبوك؟ قال: ماذا نفعل، قلت له: شرشحتوا فلان أليس حرامًا عليكم. قال: هذه أصول الفايسبوك، هذه الخدمة خاصة للشرشحة، وإذا لم يهتك حرمة الآخرين على الفيسبوك يعني أنه لا يعرف كيفية استعمل هذه الخدمة،(يعني هذا متخلف فايسبوكي)، نحن عندنا في الإسلام إذا واحد استغاب آخر يرتكب حرام، والغيبة أشد من الزنا، والغيبة: إذا كشف عيبًا موجودًا ومستورًا في الشخص والناس لا يعرفونه وهو فضحه، فالذي يحصل على الفايسبوك ليس فقد فضائح وإنما بهتان وزور، وكل الأخبار التي تنقل على وسائل التواصل من واحد لواحد وكلها غير دقيقة ، وسمعت، وقالوا لي، وكتبوا، .... فنحن عندما يأتوا بحكم شرعي، علينا أن نعرف من رواه، ثقة، غير ثقة، راوي صادق أو غير صادق...، فلنتأكد من الحديث وبعدها نأخذ به أو لا، وكذلك السياسيين يقولون سمعنا، فهل رأيت وتأكدت؟ فيبنون المواقف والأحكام من خلال السمع. الخلوة حرام إذا اجتمعوا مع بعضهم، ولكن إذا كان هو بغرفة وهي بغرفة ويتكلمون مع بعضهم البعض على وسائل التواصل ولا يراها ولا تراه فما المشكلة في ذلك؟ من باب الاستلطاف وكل براءة ببراءة ولا أبغي من ذلك إلا أخلاقية الفايسبوكي الذي يتكلم مع الأخت الأخرى وكله على الماشي! فلماذا تشعل النار ولا تريد أن تحترق بعدها! فإذا تكلم الشخص مع واحدة أول كلمة وثاني كلمة فتوصل إلى محل... فهل هناك قلة في النساء لتتكلم مع بعضها البعض، ومن قلة الرجال أن يتكلمون مع بعضهم، ويقولون هذا انفتاح، فماذا تريدون من هذا الانفتاح، هل يكبر عقلك بهذا الانفتاح؟ لا ولكن يصبح عندي شبكة واسعة من الأصدقاء، أين تصرف هذه الشبكة وما هي النتيجة؟ شحار وتعتير. فلنتيجة التي نراها تورط امرأة متزوجة تتكلم مع شاب وتقع مشكلة وتخرب الأسرة، ويضحك شاب على فتاة ويعطيها معلومات خاطئة ويعلقها به ثم يتركها، وشاب يدَّعي ادعاءات معينة تحت عنوان أنه صادق فيتورط بعمالة. لذلك لا يوجد قواعد اسمها قواعد الاتصال هناك قواعد اسمها قواعد الانضباط الشرعي، استعمل الوسائل بما حلل الله وليس بما حرم الله تعالى.

 

المفتاح الرابع: تأثير قادة الرأي، قادة الرأي هم العلماء والسياسيون وأصحاب الفكر، علينا أن نعرف نحن مع أي قادة رأي نسير، لأننا سنأخذ منهج حياتنا وسنطلع على التفاصيل، وعلينا أن نعرف قادة الرأي ليس بأشكالهم وإنما بكلامهم ومدى صدقتهم هذا الذي يجب أن نبحث عنه.

إذًا عندنا أربعة مفاتيح علينا أن ننبه لها غير موضوع البيت: الصحبة، وسائل الاتصال، المدرسة، وقادة الرأي. لا أحد يقول أننا في زمن لم نعد نملك قدرة فيه، أبدًا، نحن في زمن نستطيع أن نغير فيه المعادلة، دليلي على ذلك أننا خلال ثلاثين أربعين سنة قلبنا المعادلة في لبنان وغيرنا وجه المنطقة، وأعطينا نموذجًا إسلاميًا رائدًا، وانتشر الحجاب انتشارًا راقيًا عظيمًا وكثر عدد المؤمنين وسيكثر أكثر وأكثر إن شاء الله تعالى، لأن الإمام  المهدي يريدهم معه، ونحن نهيئ له إن شاء الله تعالى ليبسط العدل على مستوى العالم.

العنوان الرابع: الجميع مسؤول: لا أحد يضع المسؤولية على الآخر، الأب مسؤول والأم مسؤولة، والمعلم مسؤول، والعالم مسؤول، القائد مسؤول، كل واحد مسؤول، في الحديث عن رسول الله(ص): " ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راعم وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم"، كل واحد في موقعه مسؤول، لذلك علينا أن نتحمل مسؤوليتنا".

تجربة وعظمة عاشوراء أنها قدمت لنا الجميع في موقع المسؤولية في مكان واحد وفي ثورة واحدة، وفي بقعة جغرافية شريفة وفي أداء استمر مضيئًا للعالم تجسد في عاشوراء، فف بكربلاء كان موجود: الطفل الرضيع، والقاسم، والشاب علي الأكبر، وأبو الفضل العباس زينة الرجال، حبيب بن مظاهر الشيخ الكبير صاحب الرأي، جون العبد، زينب(عها) القائدة الإعلامية الفذة التي استطاعت أن تنقل لنا مسرح عاشوراء في كل أبعاده وأهدافه، كانت كإنسانة عظيمة موجودة، الرباب وأم وهب وغيرهن من النساء، وعلى رأس الجميع القائد الملهم العظيم الإمام الحسين(ع) الذي جسد البطولة والفداء والأخلاق والانتصار العظيم لمصلحة استقامة الإسلام وكان حقًا قائد الأمة عبر تاريخها لأنه حقَّق ما أوصل إلينا الإسلام نقيًا "حسينٌ مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا".

هذه المجالس هي مجالس تربوية لتستحضر كل الذين كانوا حاضرين، وكلهم مسؤولون، وكلهم معنيون كل واحد بحسبه، الجميع مسؤول وهذه المجالس مصنع لسلوك سبيل الله تعالى فكرًا وعملًا ومجالس تربوية وليست للاستعراض ولا لبراءة الذمة، ,إنما من أجل إحياء هذا الدين على درب الإمام الحسين(ع).

العنوان الخامس: مرجعيتنا التربوية أساس، فقل لي ما هي أهدافك؟ مرجعيتك ما هي؟ حتى تقول هذا صح وهذا خطأ، إذًا مرجعيتك التربوية رأيك، فعلى ماذا تبني رأيك؟ أو سمعت من الأستاذ الفكرة أو سمعت من الأستاذة الفكرة، أو سمعت من الدكتور هذه الفكرة، فأنت تأخذ أفكار الالتقاطية، فالذي يأخذ من كل واد عصا فهو من دون فكر. بينما عندما تكون مرجعيتنا التربوية هي عاشوراء الحسين المبنية على الإسلام المحمدي الأصيل، فنقدر أن نعرف الصواب من الخطأ، فالخطأ نبتعد عنه والصواب نسير به، وإذا أخطأنا نتوب ونتراجع ونعدل، ولكن يكون عندنا مرجعية تربوية، كل واحد منا يجب أن يكون عنده مرجعية تربوية. البعض يقول لنا: أن مرجعيتنا التربوية بهذه الطريقة لا تمشي في لبنان لأنه بلد طائفي، نقول له: من هذه المرجعية التربوية الحسينية أحببنا وطننا ودافعنا عنه وحررناه، من هذه المرجعية دعونا إلى الوحدة الوطنية، من هذه المرجعية التربوية رفضنا الفساد والفتن والانحراف، من هذه المرجعية التربوية عملنا بأخلاقنا واستقامة والتزمنا بالعهود والمواثيق وكانت مقاومتنا أشرف مقاومة في الجنوب وفي مواجهة التكفيريين في البقاع وفي كل المنطقة، لم نخلف عهدًا ولا ميثاقًا، ولم نقتل هاربًا ولم نقتلع شجرًا، ولم ندخل بيتًا ولم نسرق أثاثًا، كل ذلك بتربية الإمام الحسين(ع). هذه المرجعية التربوية هي التي صاحبت محافظتنا على صلاتنا وصيامنا وإيماننا، وتبين أنه يقدر الإنسان أن يكون مؤمنًا وسياسيًا، ويقدر أن يصلي ويقاتل وينتصر، يقدر أن يصوم ويكون عزيز النفس ويعمل لاستقلال الوطن ويطرد المحتلين. ومن قال بأن استقلال الوطن بحاجة إلى قلة الدين! ومن قال أنه إذا أراد الشخص أن يكون عزيزًا عليه أن يكون محتالًا! لا، عليه أن يكون مستقيمًا، فالذي تقولون عنه أنه محتال هو الذي يستسلم فيغشنا ويغش البيئة التي يعيش فيها، فيحول الاستسلام إلى انتصار وهو خادم للاستعمار، بينما نحن لا نركع إلا لله ولا نقبل إلا أن نكون مرفوعي الرأس ولو كلفنا ذلك ما كلف، وقد أعطانا الله تعالى انتصارات متتالية لأننا أعطيناه ما عندنا فأعطانا بعض ما عنده، وإن شاء الله تعالى الخير والانتصارات إلى الأمام.

إذًا عندنا خمسة عناوين: العمل على النفس الإنسانية لتربية الأجيال، وتهيئة البيئة النظيفة، والإمساك بمفاتيح التربية، وليعلم الجميع أنهم مسؤولون، وعلينا أن نحدد علينا مرجعيتنا التربية حتى نتمكن من الوصول إلى الانتصار.

نحن واجهنا من لبنان مشروعًا تكفيريًا خطيرًا جدًا، تمثل بإمارتي داعش والنصرة البائدتين، واللتين خرجنا بذل من لبنان ببركة تضحيات المجاهدين والشرفاء من أبناء المقاومة والجيش اللبناني.

هذا المشروع التكفيري أساء للإسلام وللمسلمين، وتعريته أزاحة هذا الكابوس وأعادة الوجه المشرق للإسلام إلى الواجهة، هل تعرفون لو بقي هؤلاء التكفيريون بإماراتهم التي كانت موزعة بين الموصل والرقة ودير الزور وإدلب وجرود عرسال وجرود رأس بعلبك  الخ، هذه الإمارات التكفيرية لو لم نواجهها وبقيت لتوسعت وانتشرت وضربت أي اتجاه إسلامي  صحيح ليسود الاتجاه الذي يريدونه منحرفًا بعيدًا عن طاعة الله تعالى، مما يعني القضاء على آمال كثيرة على هذه الأرض، ولكن الحمد الله تعالى رجال الله كانوا حاضرين، أبناء الحسين ومحمد وعلي وفاطمة والحسن(عم) كانوا حاضرين، أبناء الإيمان بالحق  والاستقلال والوطن كانوا حاضرين، ولذلك حصل هذا الانتصار.

الانتصار الأكبر من الانتصار بتحرير الأرض هو الانتصار على أفكارهم، الانتصار على طروحاتهم الخاطئة، كشفناهم بأن طروحاتهم بعيدة عن الإسلام وأن طروحاتنا هي الإسلام، وهذا أثر كثيرًا وحقَّق النتائج العظيمة.

هذه الانتصارات هي ثنائية الهدف: هي انتصارات استقلال وتحرير، وثنائية الاستهداف: استهدفت إرهاب االمنظمات والدول، وقيمتها أنها أتت من محور المقاومة الذي لا يمتلك ما يمتلكه الآخرون لكن عنده وضوح رؤية وإيمان وإرادة وهو صاحب الأرض والحق ولذا انتصر لمشروع.

وأما لبنان المستقر أمنيًات وسياسيًا فببركة ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، فليدلوني هؤلاء الذي يعتبرون أن لهم فضل في استقلال لبنان خارج الجيش والشعب والمقاومة، عندما كان القتال أين كانوا؟ وعندما كان الشعب يلتحم بوجه إسرائيل والتكفيريين ما الدور الذي لعبوه؟ عندما كان لجيش يقاتل أين كانوا؟ إذًا ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة هي التي صنعت لبنان المستقر.

وهنا أركز على مسألتين: الأولى نحن ضد توطين الفلسطينيين، وضد توطين النازحين السوريين، وضد توطين أي جهة يمكن أن تكون موجودة في لبنان بعنوان اللجوء أو النزوح أو بأي عنوان آخر، نحن نعتبر أن حق الفلسطينيين أن يعودوا إلى أرضهم في فلسطين، وحق النازحين السوريين أن يعودوا إلى أرضهم، وأما إذا اعتمدنا على أمريكا ورئيسها والخزعبلات الموجودة عنده فهو يريد قلب المعادلة رأسًا على عقب، فهو يقول بصراحة : أنا لا يريد النازحين في أمريكا ولا لاجئين ولكن فلينتشر اللاجئون والنازحون حيث هم موجودون في البلدان، وهذا أيضًا يخدم مشروع إسرائيل، ولكننا لا نقبل بذلك.

الأمر الثاني: أدعو الحكومة اللبنانية أن تناقش بهدوء مشروع إعادة النازحين الآمنة بالتنسيق مع القيادة السورية قبل أن يأتي القرار بعد الحل السياسي فيقولون لكم الآن ارجعوا النازحين، فأكرم لكم ولنا أن نرجعهم الآن وبالطريقة الآمن ومن دون الضغط على أحد، لكن هذا يحتاج إلى تنسيق مع الدولة السورية، فالأردن ينسق مع سوريا من أجل العبور الاقتصادي، أوروبا تنسق مع سوريا من أجل المستقبل، الرئيس الحريري وعد من روسيا أنه يريد أن يشارك لبنان في إعمار سوريا، فإذا أردت أن تشارك في إعمار سوريا فستأتي برؤوس الأموال من لبنان وتفتح علاقات سياسية واقتصادية، فساعد نفسك وساعد البلد ولنعمل بمبكرًا على إعادة النازحين بالاتفاق وبنفس الوقت تبيض صفحة البعض ويمكن أن تكون لهم حصة في الإعمار، ما يهمنا هو إعادة النازحين السوريين إلى بلدهم، وتفتح الطريق للشاحنات والتسويق من أجل إنعاش الاقتصاد اللبناني، ونكون قد حلينا مشكلتين: النزوح والاقتصاد.

المحاضرة كاملة: 

 

https://www.youtube.com/watch?v=g_CCS3EnkHs&list=PL32wgFYdmaVqnjiJ-ufFojvOhBNR2uYh0&index=2&t=25s