محاضرات

الكلمة التي وجهها في المؤتمر العالمي لدعم حق العودة"فلسطين و60 عاماً من التطهير العرقي" في أندونيسيا (وقد ألقيت بالنيابة عنه) في 14 - 15 أيار 2008 .

أيها المؤتمرون والمؤتمرات الأعزاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية لكم من إخوانكم المجاهدين في حزب الله على درب الحرية والكرامة والعدالة وتمام النعمة بالإسلام، وبعد.
لم تجمع قضية معاصرة في العالم ما جمعته القضية الفلسطينية من عناوين طاولت جميع الأبعاد الدينية والإنسانية والوطنية والقومية والحقوقية.

أيها المؤتمرون والمؤتمرات الأعزاء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحية لكم من إخوانكم المجاهدين في حزب الله على درب الحرية والكرامة والعدالة وتمام النعمة بالإسلام، وبعد.

لم تجمع قضية معاصرة في العالم ما جمعته القضية الفلسطينية من عناوين طاولت جميع الأبعاد الدينية والإنسانية والوطنية والقومية والحقوقية. فهي قضية دينية بما للقدس من موقع في الرسالات السماوية وجوداً ودعوةً إلى الله تعالى، وبَرَكةً خاصة من السماء، قال تعالى:" سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ"(الإسراء1)، وهي قضية إنسانية لما رافقها من أداء عنصري صهيوني يقتل الآخر لمجرد الاختلاف في الدين ويسلبه أرضه وحريته بأبشع المجازر الجماعية وقتل الأطفال والنساء وتهديم البيوت والممتلكات وتهجير السكان من أماكنهم. وهي قضية وطنية لأهلها الفلسطينيين الذين يحق لهم كأي شعب على هذه المعمورة أن يكون لهم وطنهم الذي يعيشون فيه أحراراً وأسياداً ويدافعون عنه لدفع الأعداء وتحريره منهم. وهي قضية قومية عربية لاشتراك اللسان والتأثر بما يجري في فلسطين، فانعكاسات الاحتلال الصهيوني امتدت إلى المنطقة العربية منذ نشأة الكيان الصهيوني عام 1984 كما حصل باحتلال أراضٍ مصرية وسورية وأردنية ولبنانية. وهي قضية حقوقية بحسب ما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة في رفض الاحتلال، وحق أي شعب في مقاومة المحتل وتحرير أرضه.

على هذا الأساس من الخطأ مقاربة القضية الفلسطينية من بُعْدٍ واحد، بل يجب مقاربتها من جميع الأبعاد، وبذلك نرى أنفسنا معنيين بالقضية الفلسطينية بحسب موقعنا الديني أو الإنساني أو القومي أو الحقوقي... وهذا ما يرتب علينا مسؤوليات تستلزم مساهمتنا في إعادة الحق الفلسطيني إلى أهله، وعودة الفلسطينيين إلى وطنهم.

أثبتت التجربة إنحياز الدول الكبرى لإسرائيل، واستغلالها لمجلس الأمن الذي شكَّل الغطاء السياسي والعسكري والإعلامي والميداني لتثبيت الكيان الإسرائيلي كما يريده الصهاينة، وكل القرارات الدولية التي توحي بشيء من الإنصاف للفلسطينيين اتخذها مجلس الأمن محرجاً، ولكنَّه ضيَّعها في عدم ملاحقة تنفيذها، أو بإعطائها التفسير الإسرائيلي الذي يسقطها عن الفعالية، وفي المتابعة نجد إصطفافاً دولياً ضد مقاومة الشعب الفلسطيني وفصائله للاحتلال إذا ما دافع عن نفسه وقتل أو جرح بعض الإسرائيليين، ونجده في المقابل يضفي شرعيته على المجازر التي يرتكبها الإسرائيليون ضد المدنيين الفلسطينيين بذريعة حق الدفاع المشروع عن النفس وبتحميل المسؤولية للضحية.

كيف يمكن للفلسطينيين أن يستعيدوا أرضهم؟ وأن يعود اللاجئون منهم إليها؟ وأي سبيلٍ أجدى لهم بعد أن انسدَّت الأبواب الدولية بوجه حقوقهم؟ وهل التسوية المطروحة باسم السلام وبشكل ضبابي تعيد إليهم فلسطين؟

فلنترك لغة الأرقام تعبِّر عن الحقيقة:

تبلغ مساحة فلسطين 27027 كلم2.

منها المساحة المحتلة عام 1948 والتي يطلقون عليها أراضي 1948=20.770كلم2 بما يعادل 77% من فلسطين.

تبقى الأراضي المحتلة عام 1967، أي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس=6257كلم2.

وتريد التسوية أن تُخرج القدس والمستوطنات من يد الفلسطينيين بما يعادل نصف المساحة المتبقية، أي أن الدولة الفلسطينية المطروحة في حدها الأقصى تساوي 3128.5 كلم2 أي 11.5% من مساحة فلسطين، شرط أن لا تتمتع بحدود مستقلة عن إدارة إسرائيل، ولا بتسلُّح يحميها، أي أنهم يريدون مخيماً كبيراً تحت سلطة إسرائيل يضم الشعب الفلسطيني، فضلاً عن رفض حق العودة لحوالي أربعة ملايين ونصف مليون فلسطيني، ما يعني أننا أمام كارثة لشعب بأكمله بكل المعايير .

أدركنا بما لا يقبل الشك بأن مقاومة الاحتلال والجهاد في سبيل الله لتحرير الأرض والإنسان هو السبيل الوحيد لاسترداد الحق الفلسطيني، ونعتقد بأنَّ ستين عاماً على إنشاء الكيان كافية لإثبات جدوى هذا الحل، الذي لم نختره عبثاً، بل لا يجيزه الإسلام إلاَّ لرفع الظلم. ألم يتحمل المسلمون الأوائل معاناة القتل والتهجير والإهانة والظلم لسنوات عدة إلى أن أذن الله تعالى لهم بالقتال، قال تعالى:" أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ "(الحج 39)، فالجهاد لرفع الظلم أسمى وأشرف أنواع المقاومة.

وها نحن في لبنان، احتلت إسرائيل عاصمتنا بيروت عام 1982، وكانت قد احتلت قسماً من الجنوب اللبناني قبل ذلك عام 1978، وصدر القرار 425 من مجلس الأمن يطالب إسرائيل بإعادة الأرض إلى لبنان، ولم تخرج إسرائيل عام 2000 أي بعد 22 سنة من القرار الدولي إلاَّ بضربات المقاومة الإسلامية لحزب الله، وبقيت مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وبعض الأسرى والمعتقلين مع إسرائيل، فأبينا إلاَّ أن نتابع التحرير فكانت عملية الأسر الشهيرة التي أسر فيها حزب الله جنديين إسرائيليين على الحدود مع لبنان في 12 تموز عام 2006 للإفراج عن المعتقلين والأسرى، حيث لا حلَّ إلاَّ بالقوة، فشنت إسرائيل حربها الشاملة على لبنان لتدمير قدرة المقاومة، ولكن بحمد الله تعالى انتصر حزب الله والشعب اللبناني في المواجهة، فخرجت إسرائيل مهزومة، وأثبت العنوان الجهادي المقاوم جدواه في استرداد الحقوق، ولا خيار أمام إسرائيل إلاَّ أن تفرج عن الأسرى والمعتقلين وأن تخرج من الأرض المحتلة.

ولولا مقاومة الشعب الفلسطيني المجاهد لما بقيت القضية الفلسطينية حيَّة، ولسقط حق العودة منذ زمن بعيد، ولما كان العالم بأسره في مأزق الاحتلال الإسرائيلي الذي لم يحصل على دولته المستقلة، وهو إلى الآن بلا حدود بسبب صمود الفلسطينيين.

قد يطول الأمر، ولكن لا خيار إلاَّ بالمقاومة لاستعادة حقوقنا، وما ضاع حقٌ وراءه مطالب، ونحن ندرك حجم التآمر الدولي على القضية الفلسطينية، لكن كما قال أمير المؤمنين علي(ع) في نهج البلاغة في نتيجة المواجهة لمصلحة الحق:"من صارع الحق صرعه". وواجبنا جميعاً أن نكون مع الفلسطينيين في قضيتهم العادلة ليعودوا إلى أرضهم ويستردوا ممتلكاتهم، ويرفعوا الاحتلال عنهم، واجبنا أن ندعمهم بأشكال الدعم كافة بحسب ظروفنا وإمكاناتنا شرط أن تكون أولوية دعم ونصرة فلسطين حاضرة في برامجنا وتحركاتنا، واجبنا أن نكون معهم لأننا بذلك ندفع أيضاً عن بلداننا الاحتلالات الأخرى والسيطرة الأمريكية التي تعمل على تجريد منطقتنا من خيراتها وإمكاناتها واستقلالها لمصلحة الاستكبار والسيطرة الاستعمارية، فإذا ما تعززت المقاومة في منطقتنا حمت بلداننا جميعاً وأعطتهم درساً بعدم الاستخفاف بحرصنا على أرضنا وحقوقنا.

هل يعقل بأن يكون الحق ساطعاً إلى جانبنا ونبحث عن الدليل؟ هل نجد أصرح من توجيهات النبي محمد(ص) لنا في مكانتنا عندما لا نستسلم ونكون شهداء في سبيل الحق:"من قتل دون أرضه فهو شهيد"؟ جاءني صحافي كندي معترضاً على المقاومة ضد إسرائيل، فسألتُه: لو كان لديك بيت من ثلاث غرف، وطردك أحدهم منه، ثم أرادك بالقوة أن توقع على سند التنازل عن الملكية له، وأن يعم السلام بينكما بتناسيك لبيتك وحقك، فماذا تفعل؟ قال: لا أقبل، وأقاضيه بل أواجهه ما دمت حياً! فقلت له: وهل يعقل أن يطرد شعب بأكمله من أرضه ولا يحق له أن يقاوم؟ قال: ولكنها الإرادة الدولية. فقلت له : تباً للإرادةٍ ظالمة، ونحن لدينا إرادة الحياة بشرف وكرامة وتحرير، فسنقاتل ما حيينا لنستعيد أرضنا.

فلنثق بوعد الله تعالى ونصره، ولنقم بما علينا لنعيد الأرض الفلسطينية السليبة إلى أهلها، ولندافع عن حق العودة من دون أي تنازل، فمع الصبر النجاة والنجاح، ومع التضحيات الفوز ولو بعد حين، قال تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ "(محمد 7)، وعلينا إعداد العدة وعلى الله الاتكال:" وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ "(الانفال 60).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.