بسم الله الرحمن الرحيم. والحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه الأبرار المنتجبين, وعلى جميع الأنبياء والصالحين الى قيام يوم الدين. السلام عليكم أيها الحفل الكريم أخوة وأخوات ورحمة الله وبركاته.
ودّعنا منذ أيام ذكرى وفاة الرسول الأكرم محمد(ص), ودخلنا في شهر ربيع الأول الذي يبشرنا بولادة النبي محمد (ص), وما بين الوفاة والولادة نتوقف عند الرمز والقائد والمعلم, عند القدوة: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة. وفي هذه الأيام ولادة النبي عيسى(ع) الذي كان لولادته المعجزة التي أرادها الله تعالى أن تكون محطة مؤثرة في التاريخ, وكانت ممهِّدة لرسول الإنسانية محمد(ص), في إطار إيماننا بأنَّ الرسل يشكلون مساراً واحداً لا يتجزأ, ولذا إحتفالنا بذكرى ولادة السيد المسيح(ع) هو إحتفالٌ أيضاً بقائدٍ وقدوة في هذه المسيرة العظيمة. وأنتهز الفرصة لأهنىء ملف العمل البلدي في حزب الله على هذه الإنجازات القيّمة والمهمة التي أُنجزت بالتعاون مع رؤساء وأعضاء البلديات والمجالس الإختيارية, وكذلك بعونٍ مباشر من الوزراء والنواب الكرام, وبتعاونٍ وثيق مع الأخوة في حركة أمل, وأهنىء كل الذين بذلوا هذه الجهود الطيبة الطاهرة آملاً بأن تكون مدماكاً على طريق مداميك العمل البلدي ليصل الى أعلى المستويات وأفضل الإنجازات.
سأقسم الحديث في هذا اللقاء الى قسمين: الأول يتعلق بالموضوع البلدي, والثاني يتعلق بالمواقف السياسية التي ترتبط بظروفنا الحالية.
أما في القسم الأول:
أولًا: نظرتنا إلى خدمة الناس.
توجد نظرة إسلامية لخدمة الناس, هذه النظرة هي جزء لا يتجزأ من إيماننا ومن قناعتنا, في المقابل نرى البعض في العالم وهم كثر يخدمون الناس بهدف إستثمار الخدمة لمصلحة الزعامة والرئاسة والنيابة والوزارة والمسؤولية, ولذلك تكون خدمتهم بعيدة عن العلاقة مع الله تعالى ولا جدوى لها في حسابات يوم القيامة, هؤلاء يخدمون الناس لكن الهدف هو هدف شخصي وليس هدفاً إجتماعياً, أما الخدمة في الإسلام فهي جزءٌ من الدين, وجزءٌ من الإيمان, وبالتالي عندما يتصدى الواحد منا لمسؤولية عامة عليه أن يسعى لخدمة الناس كمسؤولية أمام الله تعالى, فإن كان عاجزاً عن الخدمة فليتنحَ, لأن المسؤولية ليست منحة له إنما هي تكليفٌ, فإذا كان عاجزاً عن القيام بهذا التكليف فواجبه الشرعي أن يترك التكليف لغيره وإلا أثِمَ عند الله تعالى, ولو لم تتمكن المعادلات العائلية والحزبية أن تزيحه عن منصبه فلينتبه لحساب يوم القيامة, على هذا الأساس نجد أن الله تعالى قد أنزل سورةً كاملة وهي سورة الماعون أي سورة العون سورة الخدمة للناس, إفتتحها بقوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم, "أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ {1} (يعني يكذب بيوم القيامة), فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ {2} وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ {3} فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ {4} الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ {5} الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ {6} وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ", الماعون هو العون, وقد ربط الله تعالى حسن أداء الصلاة بحسن العون للناس, فتبين أن الرياء والمخادعة بشكل الصلاة الفارغ من المحتوى والمجرد عن أداء التكليف كما أراده الله تعالى متلازمٌ مع هؤلاء الاشخاص الذين يمنعون العون للناس. ما هذه الصلة التي أرادها الله تعالى في سورة الماعون؟ الذي يكذب بيوم القيامة هو الذي لا يخدم الناس, ولا يطعم اليتيم, ولا يعمل للمصلحة العامة, سأتجرأ وأقول لكم: من كان منكم في موقع لا يتجانس مع هذه الآيات الكريمة فليحسِّن عمله ونيته أو فلينسحب بصمت حفظاً لأخرته, لأن المطلوب أن نخدم الناس لا أن نستغلهم لمنافعنا ونتربع على قيادتهم, عن الرسول الأكرم محمد(ص): "الخلق كلهم عيال الله, وأحبهم الى الله عز وجل أنفعهم لعياله".
لدينا مسألة هامة قد تكون غائبة عن الكثيرين تتعلق بالخمس الشرعي سهم الإمام وسهم السادة, حيث يعتبر الفقهاء أن إحتفاظ الوكيل أو العالم بالخمس لفترة طويلة من الزمن في خزنة أو بنك أو في مكان معين تحت عنوان الحماية للمستقبل، أي المشاريع المستقبلية فيها إشكال شرعي, إذ المطلوب هو المباشرة بصرف المال على المستحقين, وتوكل على الله, فأصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب. لهذا الأمر علاقة بروحية خدمة الناس, وقد سئل النبي محمد(ص) عن "أحب الناس الى الله عز وجل؟ قال: أنفع الناس للناس". إسأل نفسك في هذا المجتمع الإنساني: ماذا قدمت؟ لماذا لم تغيّر, لم تبدل, لم تُنَمِّ, لم تحسن, لم تربي؟ ما هي قيمتك كإنسان في هذه الحياة الدنيا؟ إنَّ ميزة العمل الإجتماعي والعمل البلدي والعمل الإختياري والعمل النيابي والوزاري ومثل هذا النوع من الأعمال العامة أنها تُخرج الإنسان من الاكتفاء بدائرة العطاء الفطري والذي يأتي بشكل طبيعي كإعطائه لعائلته, ليعطي على المستوى الاجتماعي. إنَّ توجيهات الاسلام تُضيف الدائرة العامة إلى الدائرة الخاصة, الى أي لا تفكر فقط بإعطاء الدائرة الخاصة وإنما تفكر أيضاً بإعطاء الدائرة العامة, هذه هي القيمة الأرقى للانسان. يأتي أحدهم ويقول أنا أربي أولادي, هل تربِّح ربَّك جميلاً؟ هذا واجبك أن تربي أولادك, وهي مسؤوليتك الشرعية, نعم إذا أحسنت فلك مكافأة, ولكن الأمر الأهم هو أن تساهم أيضا ًفي خدمة المجتمع كما خدمتَ الحلقة الضيقة التي تتحمل مسؤوليتها.
ثانيًا: التقوى ضابط الايقاع.
قرر أمير المؤمنين(ع) إرسال مالك الأشتر(رض) لولاية مصر, فكتب له الكتاب المشهور بإسم عهد الأمير لمالك الاشتر, وهو عهدٌ عظيم جداً وفيه توجيهات تنفع كل واحد يتصدى لمسؤولية الإدارة العامة والخدمة العامة للناس. أول كلمات العهد: "أَمَرَه بِتَقْوَى اللَّه وإِيْثَارِ طَاعَتِه, واتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِه فِي كِتَابِه مِنْ فَرَائِضِه وسُنَنِه, الَّتِي لَا يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلَّا بِاتِّبَاعِهَا, ولَا يَشْقَى إِلَّا مَعَ جُحُودِهَا وإِضَاعَتِهَا".
بدأت توجيهات الأمير للإمرة في العمل العام بأمره بتقوى الله, ما هو السبب؟ لماذا البداية بتقوى الله تعالى؟ الشهيد المرجع السيد محمد باقر الصدر(رض) يناقش في كتاب إقتصادنا بأنَّ الإقتصاد له علاقة بالإيمان, والإجتماع له علاقة بالإيمان, والسياسة لها علاقة بالإيمان, أي لا فعالية لخطوات الاقتصاد بشكل مستقل ولا للخطوات الإجتماعية المستقلة, فالإيمان بالله تعالى له علاقة بكل هذه الميادين المختلفة وهو مرجعها, فإذا كان الإنسان مؤمناً نجح وأفلح في الإقتصاد والإجتماع والسياسة وكل الميادين الأخرى, لماذا؟ يقول لأنه فرق كبير بين أن تبني خطوات إقتصادية على العلم والقواعد حيث يمكن أن تصيب ويمكن أن تخطىء, وأحياناً تسير بشكل مجرد, وأحياناً أخرى تدخل عوامل الهوى والغش والسرقة وبعض الخدمات الخاصة وما شابه ذلك, لكن عندما تكون مؤمناً تشعر برقابة الله تعالى, عندها الفاتورة التي تكتبها لا تكون صحيحة خوفاً من ديوان المحاسبة بل لأن الله شاهد ورقيب وسيحاسب عليها.
فالتقوى يضبط إيقاعك لتعطي الأفضل وتستثمر هذه الإمكانات لمصلحة الناس بدل ان تضعها في جيبك أو تخصص المحاسيب الذين لا يجوز تمييزهم بالحرام, فكل شيء مرتبط بالتقوى. نحن اليوم مسؤولين في العمل البلدي والاختياري, نعم التقوى أساس, لأن التقوى تجعلك منضبطاً في الصرف المالي, التقوى تُنصف بسببها الناس, بالتقوى لا تنحاز ولا تقوم ببعض الأعمال المخادعة, وبالتعبير الشائع بعض الأفلام من أجل الإيقاع بين الناس وما شابه, ذلك لأنَّ التقوى تضبط الانسان. ولذا أدعوكم وأدعو نفسي الى الإيمان كأساس, والى التقوى كأساس, وعندما نقول بأن تجربتنا في حزب الله في العمل البلدي هي تجربة مميَّزة لا لأننا نُحسن إستخدام الاوراق وكتابة المحاضر وإنجاز الأعمال أفضل من غيرنا, ولا لأننا نضع الخطط والمشاريع بشكل متقن أفضل من غيرنا على المستوى العلمي, بل لأننا نضيف الى كل هذا إيماناً وطاعة لله تعالى فيتحول هذا العمل الى خدمة حقيقية يخرج من القلب الى خدمة الناس على الأرض ويبرز ويؤثر في هذا الجيل وفي الأجيال القادمة. هذه مسؤولية, نحن نفتخر أن أمير المؤمنين علي(ع) هو سيد المتقين, البعض رأى في أمير المؤمنين رجلاً شجاعاً ولم يرى من منظار الإمامة, ذهبت الفكرة لديه أن قيمة أمير المؤمنين وقوته أن سيفه يقطع وزنده قوي ويقتل, ويستطيع أن يقف في مواجهة مئة ومئتين وحده, ويقتلع باب خيبر بيده, كل ذلك بسبب رجولته. الإمام الخميني(قدس الله روحه الشريفة) في لقاء حضرناه في عيد الغدير أثناء انعقاد مؤتمر علمائي, تساءل: هل قيمة الإمام علي (ع) بزنده وسيفه؟ لا, كل الناس لديها زنود وعندها سيوف وإمكانات, ويمكن أن يكون هناك بعض السيوف قاطعة بشكل مختلف وبعض الزنود قوية بشكل مختلف, لكن قيمة علي(ع) أنه لم يستخدم زنده الا لله تعالى, ولم يضرب بسيفه الا في سبيل الله جل وعلا.
إختلفت النتيجة كلها, فهناك فرق بين شجرة تزرعها لتكون شجرة على الارض, وبين شجرة تعطيها من إيمانك وتقواك وطاعتك لله عز وجل, فستكون شكلاً ومضموناً مختلفة تماماً عن الشجرة الأولى, وهذا ما يراه الناس بوضوح من خلال النتائج. كنت أفكر أنه هل ما قاله تعالى في القرآن الكريم عن أهل بدر بأن قوة الواحد بعشرة في المعركة: إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين؟ أي الواحد بعشرة. تبين لي أن قاعدة الجري القرآنية يمكن أن تكون إن يكن منكم عشرون صابرون بالعمل النيابي أو العمل البلدي والاجتماعي في خدمة الناس يغلبوا مئتين بأعمالهم ونشاطاتهم لو تساوت القواعد والقوانين والأمكانات, لأن روح الإيمان تعطي إضافات لا يمكن ان يتوقعها إنسان, ولكن يراها الناس بأثرها في المجتمع, هذه مسؤوليتنا فالتقوى أساس.
ثالثًا: بين الخاصة والعامة.
كل واحد منا مبتلى بالخاصة والأقارب والاصدقاء, وهؤلاء يمارسون احياناً ضغوطات غير عادية للاستئثار ومخالفة القوانين للحصول على بعض المكتسبات, لا مشكلة عندما يطالبون بحقوق لهم كما للآخرين, فهؤلاء كمواطنين ومن موقعنا كمسؤولين علينا أن نعطيهم حقوقهم, لكن عندما يطلبون ما يخالف القوانين والأعراف والإلتزامات فلا يجوز أن نعطيهم لأنهم من خاصتنا. إسمعوا الأمير(ع) في عهده لمالك الاشتر: "ولْيَكُنْ أَحَبَّ الأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ - وأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ وأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ - فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ - وإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ".
إذا رضي الناس عنك فلا مشكلة إذا ما غضب إبنك أو أخوك أو إبن عمك أو أبن خالك, لكن إذا رضي واحد من الخاصة وغضبت القرية بأسرها بسبب الظلم والإنحياز فهذا فشل ذريع وهذه مشكلة كبرى تواجهها, فانتبه عندما تتعاطى مع الخاصة والعامة, وقدِّم العامة على الخاصة. هذا الأمر متعب وليس سهلاً, أحياناً يعيش الواحد منا معاناة شخصية, يدخل الى البيت فتبدأ العائلة بالضغط عليه ووعظه حول أهمية مساندتها, وضرورة مساندة هذا الولد او هذا القريب حتى ولو كان هناك مخالفات, لكن علينا أن نلتفت الى أننا نعمل برقابة الله تعالى, لا أحد سيشاهدنا وهذا صحيح لكنَّ الله تعالى يرانا, في النهاية ستقدم صحيفة أعمالك يوم القيامة للحساب. هل أتحدث عن أمور صعبة عليكم؟ كلا فما أذكره لكم هو ما قاله الاسلام, وعلى كل من اختار هذا الخط أن يلتزم بأوامره ونواهيه. تنشأ إشكالات من المقارنة أحياناً بالواقع الخاطىء, نسأل فلان لماذا تسرق الأموال العامة؟ يقول: وهل أفعل ذلك وحدي؟ الجميع يسرق! يريد القول بأن السرقة هي القاعدة ومن لا يسرق يكون متخلفاً عن الركب! فهو يتساوى مع باقي الناس! وأصبح التنافس من يسرق ببراعة وبشكل أفضل, فالتنافس في الحرام! انتبهوا, فحتى لو قام الأخرون بمخالفة الضوابط الشرعية علينا ان نلتزم بها, فنحن أهل الإيمان والحق.
رابعًا: توجيهات عامة.
أذكر لكم بعض التوجيهات العامة التي أراها مناسبة لتحسين وتطوير عملكم:
1. ضرورة التخطيط ودراسة الجدوى ورعاية الاولويات والوقت والقدرة والكلفة, لأن هذه العناوين التي ترتبط بالتخطيط ودراسة الجدوى هي التي تساعد على حسن الإنجاز, خاصة وأن إمكاناتنا قليلة, وبالتالي يجب أن نحدِّد الأولوية, وأن يكون الصرف أقل بإنتاجية أعلى. مثلاً أنظروا الى هذه الطريق التي تم شقها وتعبيدها, كم شخص يمر عليها؟ قالوا خمس عوائل, وتلك المتعرجة وغير المعبدة يمر عليها ألفا شخص, لماذا تأخير تعبيد هذه الطريق المهمة؟ يقول المسؤول لم يحن وقتها! كان يجب تعبيدها قبل طريق العوائل الخمسة, وذلك بحسب الأولوية, وهذا ما يعني المسؤولية والنجاح. المفروض أن تضع خطة على قدر إمكاناتك, فاذا كانت ضعيفة يمكن وضعها بما يتناسب مع القدرة, ثم تبحث وتفتش عن أساليب ووسائل وامكانات جديدة, قد تكون المشكلة من الأساليب التقليدية التي تضعها, هناك اساليب متطورة ومتقدمة, وكذلك السعي مع المؤسسات الحكومية والعامة والنواب والوزراء, والسعي مع بعض البرامج الأجنبية, هذا موضوع يجب ان يكون ضمن الخطة التي نضعها لنعمل عليها.
2. ضرورة الإهتمام بالتنمية والوضع الاقتصادي والزراعة وعدم الاقتصار على القرية المصيف, طبعاً هذا أمر صعب ومعقد, لأن قرانا اليوم بشكل عام مصايف, وبالتالي إمكانية أن يكون فيها خدمات اعلى تنسجم مع وجود فرص عمل وتنسجم مع تثبيت الناس في الأرض وتنسجم مع توسيع القدرة الاقتصادية يحتاج الى خطط ودراسات, أحياناً فكرة صغيرة يطبقها الواحد منا تغير الوضع داخل البلد, وأنا لست الآن في مجال تقديم إقتراحات عملية وإنما أطرح فكرة عامة.
3. ضرورة مراعاة القوانين والأصول حتى نرتاح.
4. ضرورة التواصل الدائم مع الناس والاستماع إليهم لأن الإستماع إلى الناس يحل نصف المشكلة. ففي خطاب لأمير المؤمنين علي(ع): "يا ابن عباس: عليك .. ان تبسط للناس وجهك, وتوسع عليك مجلسك, وتسعهم بحلمك, وإياك والغضب فإنه طَيْرة الشيطان, وإياك والهوى فإنه يصدك عن سبيل الله".
5. علينا أن نحرص دائماً أن نعمل موحدين داخل المجلس البلدي بالتعاون مع الاطراف المختلفة, لاحظوا النتائج العظيمة التي حصلت في بيئتنا وساحتنا بسبب هذا التفاهم والتحالف الرائع بين حزب الله وحركة أمل بحيث إنعكس على كل بيت وعلى كل قرية وبلدية وموقع, مهما تحدث الانسان عن خسائر الوحدة فخسائر التفرقة لا تحصى ولا تعد, بل الوحدة بلا خسائر, نحن نتوهم الخسائر بسبب الأهواء وإلا في الواقع لا يوجد خسائر. هؤلاء الموجودين في المجلس البلدي من عائلات مختلفة علينا أن نجد الطريقة المناسبة للتعاون بينهم, أحياناً واحد من المجلس البلدي يعطله بسبب الحسابات عائلية أو الشخصية, علينا أن نعود إلى البداية والمنطلق, نقول له إتقِ الله تعالى, وهذا لا يعني أن يكون مخطئاً دائماً, لكن قدر الامكان علينا أن نوجد جواً من الألفة والتعاون ما يساعد في نجاح العمل الجماعي, ولا نجاح من دون تكلفة.
خامسًا: السمعة الحسنة.
إذا أردت أن تقيس نجاحك بين الناس فتقصَّى سمعتك بينهم, لا تقل بأنهم كلهم ضدك وظالمون لك اذا كانت سمعتك بينهم سيئة, اعد النظر بعملك معهم وسلوكك بينهم, انظر كيف يتحدثون في الحي او الشارع أو القرية كل القرية عن فلان الكريم أو الخلوق أو الخدوم, هذا من ثمار عمله. لا تقسم بالله أنك جيد ومظلوم, بل راجع نفسك, واسمع قول أمير المؤمنين(ع): "وإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحِينَ - بِمَا يُجْرِي اللَّه لَهُمْ عَلَى أَلْسُنِ عِبَادِه - فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ".
أتمنى على الاخوة والأخوات ان يلتزموا بهذه القواعد التي لها علاقة بمنهجيتنا وقناعتنا الإسلامية, وأن نعمل لها من أجل أن ننجح, وهذا ما يتطلب جهداً وصبراً وتضحيات, فهو عمل تطوعي وليس عملاً مأجوراً, حتى البدل الذي يمكن أن يأخذه الرئيس أو نائب الرئيس أو غيره هو بدل عادي, فالأجر الحقيقي هو عند الله تعالى وفي خدمة الناس.
نحن ندعو كحزب الله الى مشروع البلدة المقياس أو البلدة النموذج, بمعنى أن كل بلدة من البلدات اللبنانية يجب أن يكون لديها عشرة أمور قبل أن تختنق بعض البلدات بكثرة الزفت وما يضعوه فيها تحت عنوان التوزيع الطائفي وهي لا تحتاج ذلك, فقد حصلت بعض البلدات في فترة من الفترات أكثر مما تستحق لإعتبارات عديدة, فلنوصّل كل القرى الى الحد الوسط أو الحد الأدنى. ومن المفيد جداً أن تعمل البلديات كما الأن لكن بشكل أفضل لسلامة الغذاء والصحة الوقائية والسلامة العامة والعمل الثقافي والأمور التربوية التي تساهم فيها البلديات وفي تنشيطها ودفعها الى الأمام وتوفير الأجواء المناسبة لها, فهذه الإهتمامات هي جزء لا يتجزء من اهتمامات البلدية وليس فقط تزفيت الطرقات أو مد الكهرباء فهذا مطلوب ولديها إهتمامات أخرى لها علاقة بالإنسان, لا يقتصر الأمر على تنمية الحجر بل أيضاًَ تنمية البشر, ونساعد لتوفير بعض الفرص التي تنعش القرية.
أما القسم الثاني فسنبين فيه نظرتنا إلى التطورات السياسية وموقفنا منها:
إن أميركا قد سلكت في منطقتنا خطوتين من أجل إجراء تغيير جذري في الخارطة السياسية وفي تركيبة المنطقة خلال فترة زمنية لم تتجاوز عقداً واحداً تقريباً، وقد كانت الخطوة الأولى التي قامت بها أميركا لإيجاد الشرق الأوسط الجديد هي خلال عدوان تموز عام 2006، حيث أعلنت وقتها وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية السابقة كونداليزا رايس أن ما يجري هو مخاض آلام ولادة شرق أوسط جديد، وكانت تعتبر أميركا أن نجاح إسرائيل في القضاء على المقاومة في لبنان سينشأ تغييراً سياسياً وجغرافياً يغيّر معالم المنطقة باتجاه خارطة أميركية إسرائيلية، ولكن هذه الخطة قد فشلت في عام 2006 بجهاد حزب الله ضمن معادلة الجيش والشعب والمقاومة التي كانت مؤثرة جداً في إيجاد مسار آخر.
إن الخطوة الثانية التي سلكتها أميركا في منطقتنا قد بدأت منذ حوالي أربع سنوات، أي منذ مطلع العام 2011 عندما اتخذت الإدارة الأميركية قراراً بتدمير سوريا لإيجاد شرق أوسط جديد بعد أن فشل الأول، وكانت تتوقع أن هذا الأمر يحتاج إلى ثلاثة أشهر، وأن التغييرات ستحصل بوضع نظام سوري موالي لإسرائيل وضرب خط إمداد المقاومة بين إيران ولبنان وفلسطين ومحاصرة المقاومة في لبنان وفلسطين، حيث ستحصل هناك تشعبات كثيرة بناء على هذه الخارطة الجديدة بعد القضاء على النظام السوري وتدمير سوريا.
إن المنطقة انعطفت انعطافتين كبيرتين بدل الخطوتين الأميركيتين بتغيير جغرافيتها، فقد بدأت تباشير الأولى سنة 2000 وتجسّدت بشكل كبير سنة 2006 من خلال حضور مشروع المقاومة بقوّة في المنطقة، وأصبح مشروعاً منافساً قادراً على المضاهاة وعلى مواجهة المشروع الأميركي الإسرائيلي، وهنا بدأ توازن الردع والرعب والمشاريع في عملية المواجهة، وأما الإنعطافة الثانية فقد حصلت بكسر مشروع تدمير سوريا، وبالتالي كانت النتيجة هي بروز مشروع المقاومة كقوة لها قرارها بحيث لا يمكن تجاوزه على الإطلاق، ففي الإنعطافة الأولى حضر مشروع المقاومة، وفي الثانية أصبح عصياً على مؤامراتهم وقراراتهم، وبالتالي لا يمكن للخططهم أن تمر في المنطقة بوجود هذا المشروع.
إننا في حزب الله شاركنا في سوريا، ونعتبر أن مشاركتنا حمت لبنان من تداعيات أزمة المنطقة وحصّنت لبنان ومقاومته، وبالتالي فإن أدلتنا واضحة، فلولا المشاركة في ضرب الإرهاب التكفيري في سوريا، ولولا هذه التضحيات التي جرت من سنة 2013 حتى الآن لكان الإرهاب التكفيري يتمختر على الأوتسترادات في الشمال والجنوب والبقاع، ويوزّع السيارات والإنغماسيين بطريقة لا يقر ّلأحد قرار في لبنان، وبكل وضوح فقد قطع رأس الأفعى، وكان أمراً مهماً، فضاع جسدها ولم تعد قادرة على أن تنفذ مخططاتها كما تريد.
إن حزب الله قد ساهم في تعطيل مشروع الشرق الأوسط الجديد، وكسر الإتجاه الإسرائيلي للمنطقة لمصلحة الإتجاه الوطني والإستقلالي، واليوم بدل من أن يكون المشروع الأميركي الإسرائيلي يحصد وينجح ويحقق إنجازات، جاءت المقاومة ومشروعها لتكسر هذه الإندفاعة وتمنعها من التقدم تأسيساً لثبات مشروعنا واستقلالنا وإرادتنا، واستقلال كل هذه المنطقة في مواجهة هذا المشروع، وأصبح واضحاً أن أميركا خرّبت وأخطأت وانحرفت وارتبكت بشكل غير عادي، وأكبر دليل أنهم جاؤوا بالتكفيريين إلى سوريا من أجل أن يكونوا استثماراً استكبارياً في منطقتنا، فتحوّل التكفيريون إلى عبء عالمي يطال أميركا وأوروبا كما يطال هذه المنطقة، وهذا يعني أن على أميركا أن تعلن فشلها، وإن لم تعلن فهي فاشلة والكل يعلم ذلك، وعلينا في لبنان أن نبقى متيقظين لمواجهة الخطرين المتمثلين بالإرهاب التكفيري والإسرائيلي، ولا يجوز أن نطمئن في أي حالة من الحالات وإن كنّا في الموقع القوي، وهذا تحدٍ حقيقي برسم الدولة وعلى الجميع أن يتعاون معها.
إن المنطقة اليوم هي في حالة مراوحة، فلا حلول ولا غلبة ولا إنجازات، وبمعنى آخر لا حل قريب في سوريا ولا في مواجهة داعش ولا في العلاقات السعودية الإيرانية ولا في مجموعة من المشاكل الموجودة في منطقتنا ومن ضمنها لا حل قريب في لبنان لكثير من القضايا العالقة لارتباطه بالمشروع الموجود في المنطقة.
إن حزب الله قد بذل جهوداً كبيرة وتضحيات كثيرة للمحافظة على الإستقرار في لبنان في ظل هذه الأزمات المتنقلة، ولولا تضحيات هذا الحزب وعطاءاته لانفجر لبنان منذ زمن بتأثيرٍ من أزمة سوريا وأزمات المنطقة، ولكن كنّا عامل استقرار مهم، ونجحنا في تعزيزه، وليكن معلوماً لا يستقيم وضع لبنان إلاّ بالتوافق، ولا يمكن لأي فريق أن يأخذ حصته وحصة غيره، وعلينا دائماً أن نتعاون في القضايا الرئيسية، وأن نكون موحدين لحماية لبنان وخدمة الناس، ومن هنا إننا ندعو إلى تفعيل المؤسسات وانجاز الاستحقاق الرئاسي، فمعالم الحلول واضحة، وخير لنا أن نقبل الحل اليوم من أن نقبله هو نفسه بعد سنة أو سنتين لأن الأمور واضحة، وبالتأكيد هي تحتاج إلى تضحيات من البعض، وعلى الجميع أن يضحوا من أجل إنجاز الإستحقاقات بشكلها المناسب والصحيح.
إننا نطمئن الجميع بأن وضعنا في القلمون ممتاز وكل التسريبات التي تحدثت عن مشاكل هناك واغتيالات وأسرى من حزب الله لا محل ولا مجال لها لأن النقاط التي نتواجد فيها والمنطقة التي نسيطر عليها بالتعاون مع الآخرين هي منطقة صلبة وعصيىة وقوية انشاء الله، والتكفيريون غير قادرون على إحداث ثغرة هناك بل يتقاتلون في ما بينهم على السلطة والمنافع ويعانون من بعض العمليات التي تجري ضدهم ويدفعون خسائر يومية، ولكنها لا تبرز كثيراً في الإعلام بسبب قلتها.
إننا نسأل كيف يقبل لبنان بمسؤوليه ومؤسساته الأساسية مهما كان المبرر أن نتفرج على ثروتنا النفطية ونتماحك على إصدار مرسومها أو على بلورة قانونها أو على تقديم البلوكات بعضها على بعض أو ما شابه ذلك وهي تضيع بفعل العامل الإسرائيلي، فكل هذه الأمور يمكن أن تحل ويمكن أن نجد خطوات نتفق عليها.
إننا ندعو إلى جدية في عقد الاجتماعات واتخاذ القرارات اللازمة من أجل التلزيم وبداية الخطوات التي لن تؤتي ثمارها إلاّ بعد حين، وإن كل تأخير سيؤدي إلى خسائر في المسألة النفطية أقلها في هذه المنافسة الإسرائيلية التي توصل إلى السرقة الموصوفة من دون قدرة بعد ذلك على إيجاد حل لما يمكن أن يحصل، ولكن لو تكاتفنا الآن في هذا الموضوع فلا تستطيع إسرائيل لا أن تسرق ولا أن تأخذ ثروتنا.
إن حوار حزب الله وتيار المستقبل الذي انطلق مفيد للبنان، فهو يقرّب وجهات النظر في معالجة بعض القضايا، فقد كان اللقاء الأول إيجابياً، ونحن نعتبر أن مساره هو المسار الصحيح في هذا البلد، ليس فقط بين حزب الله وتيار المستقبل بل بين أي أطراف موجودة على الساحة تحتاج إليه من أجل فضّ الإشتباكات والخلاف في ما بينها، فهو لا يعني أن تنعدم الخلافات، ولكن على أقل تقدير أن نخرّجها توتيراً واحتقاناً، فهي ليس فيها فائدة لأي لأحد، وعلينا جميعاً أن نسلك الطريق الذي يحمي لبنان، ونحن بدورنا خطواتنا ثابتة وسجلنا تصاعدي وانجازاتنا متراكمة وخياراتنا صائبة ودائماً إلى الأمام في التحرير والعزة والكرامة.