بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أبناء الحسين، وعلى أهل بيت الحسين، وعلى الشهداء الذين عرجوا في كربلاء، والسلام عليكم أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته.
عاشوراء محطة للعِبرة والعَبرة، وعاشوراء تتجدد في كل عام لتعطينا المزيد من عظمتها واستقامتها وأصالتها، واليوم سأتحدث عن الأصالة الإسلامية في مواجهة الانحراف، لنرى المقارنة التي توصلنا إلى النتيجة الإلهية العظيمة، وهي إحياء الإسلام قولًا وعملًا على مدى الأزمان حتى تقوم دولة القائم المهدي(عج).
أولًا: أصالة الإسلام منطلقها القرآن.
من القرآن نعرف ما هي الأمور التي تشكل القواعد الأساسية للالتزام والإيمان والانسجام مع أوامر الله تعالى ونواهيه، قال تعالى: " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ"، فالدين رحمة، ورسالة محمد(ص) رحمة، من أجل أن تتعظ البشرية وتتعلم، كي تؤمن وتعرف كيفية إدارة شؤونها في هذه الدنيا، فتسعد فيها ثم تُثاب في الآخرة عند الله تعالى بجنة عرضها السموات والأرض أُعِدَّت للمتقين.
وقال تعالى: " مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ"، فإذا أردنا أن نشير بالأصبع إلى المسلمين الحقيقيين الأصيلين وجدناهم أولئك الذين يتراحمون فيما بينهم، ويتعاونون في السراء والضراء، وتلهج قلوبهم بذكر الله وحب الله والنبي والأئمة(عم)، هؤلاء الذين يتكاتفون في مواجهة التحديات، ويدافعون في مواجهة المنكر فإذا واجهوا الكفار كانوا أشداء، وإذا كانوا مع بعضهم كانوا رحماء إلى درجة تستطيع أن تميز فيهم رحمة متناهية تصل من الأرض إلى السماء من عظم أخلاقهم ورقيهم وتقواهم، وفي المقابل يتواجهون في الميدان مع الكفار وكأنَّ الرحمة قد نُزعت من قلوبهم في مشهدٍ يعبِّر عن الانتقام لله تعالى ورفع راية الحق وإسقاط الباطل باسم الله وفي سبيل الله دون خوفٍ أو كللٍ أو ملل، فهؤلاء هم أصحاب القلوب الرحمانية في علاقاتهم مع بعضهم ينفذون أمر الله تعالى في مواجهة الكفار.
وقال تعالى: " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ"، والملاحظة هنا ليس التعريف عن الأخوة، وإنما المؤمنون أخوة، ولكن فأصلحوا بين أخويكم، إذ قد يدخل النزاع والاختلاف ومشاكل، ولكن أن ننظر إليها ونتفرّج على نتائجها لتتطور ونخسر تلك العلاقة القوية، لا، قال تعالى" فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ" لتبقى الرحمة الرحمانية في علاقات الأخوة موجودة بين المؤمنين وبين الناس.
سأكتفي بالحديث عن هذا الجانب في أصالة الإسلام والمنطق القرآني لأعبِّر عن أن الرحمة الإلهية تتجسد في سلوك المؤمنين وأدائهم وعلاقاتهم وأخوتهم إلى درجة تجد معها أن مجتمع المؤمنين هو مجتمع الرحمة على بعضهم بعضا، ويحسنون التعامل، ويتوادون مع بعضهم كأخوة في الإيمان والإسلام.
من هنا إذا أردنا أن نقيِّم أي سلوك أو أي ممارسة أو أي تصرف أو أي فكر علينا أن نعود إلى الإسلام وإلى القرآن، لنرى: هل هذه الأمور تنطبق على ما يقوله البعض بأنهم يحملون الإسلام الحق، إمامنا الصادق(ع) قال: " ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرفٌ"، فإذا كان هناك حديث شريف وتبين أنه يخالف قواعد وثوابت القرآن الكريم، فهذا الحديث ليس صحيحًا وعليكم أن لا تأخذوا به، فكيف إذا ذهبنا إلى السلوك الإنساني البشري، (ونحن لا نتكلم عن حديث شريف إنما عن شخص ذو لحية طويلة، ويدعي أنه يعرف دين الله تعالى، ثم يتصرف بلا رحمة ولا أخلاق ولا دعوة إلى الله تعالى ويعتبر نفسه يعبِّر عن دين الإسلام وعن أصالته).
وهنا يُبيِّن لنا أمير المؤمنين علي(ع) كيف نميِّز الأمور، هل نُعِّرف المسلمين بالإسلام، أو نعرِّف الإسلام بالمسلمين؟ فنتطلع إلى المسلمين فنرى تصرفاتهم ونقول هل هذا هو الإسلام؟ أو أننا نعود إلى كتاب الله تعالى وإلى السنة والشريفة ونرى ما تنطق به وما تقوله، فمن توافق سلوكه مع هذه السنة والشريفة ومع القرآن الكريم كان مسلمًا حقًا، أمير المؤمنين علي(ع) يقول: "إنّ دين اللَّه لا يُعرف بالرجال بل بآية الحقّ، فاعرف الحقَّ تعرف أهله"، تعرف على الإسلام الحقيقي الأصيل وقتها تقدر أن تقول بأن فلانًا مسلم ملتزم، وفلانًا مسلم منافق، وآخر مسلم مدعٍ.
الإمام الخميني(قده) استخدم عبارة أصبحت مشهورة فكان يقول: نحن نميز بين الإسلام الأصيل والإسلام الأمريكي"، فهل يوجد إسلام أمريكي، أو إله أمريكي؟ نعم هناك إسلام أمريكي، هذا الإسلام المفرَّغ من المحتوى والبعيد عن طاعة الله تعالى، وليس فيه إلاَّ الصورة الفارغة من المحتوى تمامًا، فعندنا روايات أن بعض الناس يصلُّون ولا تقبل صلاتهم لأنهم منافقون! فكيف يكون منافقًا؟ فيركع ويسجد، وسورة الفاتحة يقرأها ويقوم بكل شيء، ولكن حركاته وقراءته ليست منطلقة من العبادة لله تعالى فهو منافقٌ في ثوب مسلم يتحرك بتعاليم الإسلام مفرغة من المضمون الداخلي، والتي لا تنسجم أبدًا مع ما أمر الله تعالى.
أصالة الإسلام منطلقها القرآن، إذا أردنا أن نعرف الإسلام ماذا يقول علينا أن نعود إلى القرآن وإلى السنة الشريفة إلى أقوال الأئمة(ع)، ونرى ماذا يأمروننا ثم نقارن فالحياة العملية.
ثانيًا: من هم المسلمون الحقيقيون؟
المسلمون الحقيقيون هم من قال الله تعالى عنهم: "الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ"، هؤلاء هم المسلمون، هؤلاء هم المجاهدون. إمامنا الحسين(ع) هو المسلم الحقيقي، لأنه عبَّر بشكلٍ واضح عن هدفه عندما خرج من المدينة المنورة، قال(ع): "إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي"، إذًا هو خرج للإصلاح على أساس الإسلام، وهو سيد شباب أهل الجنة، وهو الذي قال عنه رسول الله(ص): "حسينٌ مني وأنا من حسين، أحبَّ الله من أحب حسينًا"، وفي سلوك الإمام الحسين(ع) في كل حركة من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة إلى كربلاء، كان نموذجًا للأخلاق في التعاطي مع أعدائه وأحبته فكان يمثل الرمز الحقيقي في الدعوة إلى الله تعالى وفي تبيان الحقائق، ولم يرضَ أن يطلق سهمًا قبل أن يطلق الآخرون بعد أن استكمل كل وسائل الإقناع والأدلة التي قدمها لهم معِّبرًا عن منهج الإسلام الحق.
نعم، الإمام الحسين(ع) هو نموذج للمسلم الحقيقي، وهذا النموذج أيضًا ينطبق على كيفية الدعوة إلى الله تعالى، قال تعالى: "ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ"، يأتي أناس (كإعرابي الذي ذهب أول مرة إلى مجلس رسول الله(ص)، فأعجب من رسول الله(ص) فخرج وأراد أن يدعو إلى الله تعالى أول شخص يراه سيدعوه إلى الإسلام، فالتقى بشخص نصراني، فقال له: يا فلان أسلم، قال له أنا نصراني، قال له أسلم أو أقتلك، قال له كما تريد، ولكنه لم يعرف كيف يهديه إلى الله تعالى)، هناك أناس يريدون أن يحولوا العالم إلى مسلمين، كيف؟ بقطع الرؤوس وبث الرعب والإرهاب وغصبًا عنهم سيصبحون مسلمين! فلو أراد الله تعالى أن يجعل الناس مسلمين على وجه الأرض من أولهم إلى آخرهم لخلقهم كذلك يعبدونه كما تفعل الملائكة ولا يعصون الله طرفة عين أبدًا، لا، ولكن على الناس الاختيار : "وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاء فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاء فَلْيَكْفُرْ"، هناك حساب ولكن مؤجل، هناك حساب، نعم ولكن ليس بيد المسلمين وإنما بيد الله تعالى في يوم القيامة، فما هو تكليفنا؟ تكليفنا هو"ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ"، هذا هو التكليف، وليس التكليف أن تأتي بالناس إلى الإسلام بالقوة، وليس تكليفك أن ترغم الناس على قناعات أنت تحملها لا علاقة لها بالإسلام
حتى في النقاش مع أهل الكتاب: "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ"،هذا هو المسلم الحقيقي.
ثالثًا: الدين محفوظٌ ومنصورٌ من الله تعالى.
من اللحظة الأولى قال تعالى: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"، والدليل هو القرآن الكريم، ألف وأربعمائة سنة لم يُحرف ولم تتغير كلمة واحدة، فهو محفوظ من الله تعالى حتى يبقى إلى يوم القيامة، لأن إرادته أن يبقى الفكر الأصيل موجودًا وقائمًا من أجل أن نشكل دعامة للإيمان الصحيح الذي حمله النبي(ص) والأئمة(عم) والصالحون عبر التاريخ، فلذلك الله تعالى هو الذي يحفظ الدين، فلا يعتبر أحد أنه هو الذي يحفظ الدين.
والله تعالى نصر هذا الدين وسينصره، كيف نصر الدين؟ فإذا رجعنا إلى الوراء في التاريخ عندما جاء رسول الله محمد(ص) هل كانت في الجزيرة العربية من يحمل هذا الدين ويؤمن به؟ فاليوم انتشر هذا الدين في العالم كله، هذا نصرٌ من عند الله تعالى.
عندما وقف الإمام الحسين(ع) ليثبت استقامة الدين بجسده وروحه وعطاءاته هذا حفظٌ لتجربة الإسلام الأصيل في حياة الناس، عندما يعدنا الله تعالى بأن يظهر الإمام المهدي(عج) "وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ"، هذا يعني أنه يريد أن يحفظ هذا الدين قولًا وعملًا وأن ينصره في حياة الناس، "وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ"، لذلك نحن مطمئنون، هذا الدين منصور، ومنصور بالمؤمنين الخلص، أما أولئك الذين يدعون الإيمان والإسلام فسيُفضحون وينكشفون واحدًا بعد الآخر، لأن الله تعالى أراد حفظ الدين قولًا وعملًا.
لذلك عندما نقول وبكل جرأة: بأن شباب حزب الله في لبنان الذين يجاهدون بحق، والذين يعطون قربة إلى الله تعالى، والذين طردوا إسرائيل، هم المسلمون المجاهدون الأصيلون، الذين حملوا نهج محمدٍ وعلي والحسن والحسين وفاطمة(عم)، واستطاعوا أن يثبتوا هذه المعالم الأصيلة، حتى أن العالم بأسره يرى هذه الراية المنصورة الكبيرة، ولولا أنها راية من رايات الله ولرجال الله لما انتصرت.
الله تعالى عنده رجال، ولا يرسل فقط القرآن وإنما الرسل والأنبياء والصالحين مجاهدين ومجاهدات، المهم أن نكون صادقين ومخلصين، نعطي القليل فيعطينا الكثير، فالله تعالى وفق هذه القلة القليلة في لبنان على أعدائها، ووصلت إلى أعلى مراتب في لبنان وفي المنطقة وفي العالم، كل هذا ببركة الإيمان، وليس بالسلاح، لأن كل العالم يملك السلاح، وليس بالعدد فأعدادهم أكبر من أعدادنا، إنما بالإيمان مع هذا العدد وهذا السلاح، فالإيمان هو الذي ضاعف أضعافًا مضاعفة وسدَّد الله تعالى.
رابعًا: الحسين رمزٌ ونموذجٌ للإسلام الأصيل.
ربما بعض الأمور تغيب عن الناس، ولا يدركون بشكل صحيح أن الإمام الحسين(ع) هو إمامٌ للمسلمين: سنة وشيعة ومذاهب على امتداد مذاهبهم في العالم الإسلامي، لماذا الإمام الحسين إمام؟ "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا" ، كل المسلمين يُجمعون أن الإمام الحسين(ع) سيد شباب أهل الجنة بعد الإمام الحسن(ع)، فالإمام الحسين هو إمام لكل المسلمين، بعض المسلمين يحيون ذكراه بشكل مميز أكثر من غيرهم هذه مسألة أخرى، ولكن لا نقاش بأن الإمام الحسين(ع) هو إمام لكل المسلمين.
من الذي خذل الإمام الحسين(ع)؟ هناك مفهوم خاطئ، البعض يعتبر أن السنة هم الذين خذلوا الإمام الحسين(ع)، وبالتالي يزيد محسوب على السنة، ويصبح الشيعة ضد السنة! من قال هذا الأمر؟ هؤلاء جهلة ومنافقون، لا يعرفون حقائق التاريخ، متى كان يزيد سنيًا؟ ومتى كانت المشكلة بين الإمام الحسين(ع) ويزيد وبين السنة والشيعة؟ الذين تخلوا عن الإمام الحسين(ع) قسم كبير منهم كانوا مع أمير المؤمنين علي(ع) وتخلوا عنه، وخرج منهم الخوارج ولم يكن هناك تصنيفات لا سنية ولا شيعية، فالموضوع ليس له علاقة بالسنة ولا بالشيعة.
قال الإمام الحسين(ع): "يزيد فاسق فاجر شارب للخمر، قاتل للنفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله" ولم يقل لأنه من مذهب آخر، فالاختلاف ليس على المذاهب، الاختلاف على المواقف، الاختلاف اختلاف سياسي وديني وعقائدي، لا علاقة له بالمذاهب لا من قريب ولا من بعيد، الاختلاف على مناصب دنيوية يحاول أن يتمسك بها هؤلاء المنحرفون عن طاعة الله تعالى، يزيد فاسد يريد الحكم، والإمام الحسين(ع) يريد أن يمنع من أن يُنصَّب على حكم المسلمين باسم الإسلام فاسق فاجر، فيُفضح ويعرف الناس أنه فاسق فاجر عندها يلتفتون أنه لا يمثل الإسلام ويختارون لاحقًا من هو المسلم الحق، ويتبين الحق من الباطل، وتتبين الأصالة من الانحراف.
ابن زياد كان يريد الولاية، عمر ابن سعد يريد ملك الري، أهل الكوفة كانوا حريصين على أموالهم وأرزاقهم ومناصبهم ومواقعهم، ولا أحد من هؤلاء كان له علاقة بالسنة أو بالشيعة، من قال بأن إحياء ذكرى الإمام الحسين(ع) موجَّه ضد أحد، أبدًا. يقول الإمام الحسين(ع): "الناس عبيد الدّنيا والدّين لعقُ على ألسنتهم يحوطونه ما دارت به معائشهم وإذا محّصوا بالبلاء قلّ الدّيّانون"، فهم جماعة دنيا، إذًا الإمام الحسين(ع) واجه جماعة الدنيا، وواجه المنحرفين، وواجه البعيدين عن طاعة الله تعالى ولم تكن المواجهة على أساس مذهبي، فقضية سيد الشهداء قضية النموذج الذي يحافظ على الأصالة.
يقول الإمام الخميني(قده): "إنَّ قضية سيد الشهداء هي السر في حفظ الإسلام، والعلَّة الأساسية لبقائه، ويجب تخليد تلك الثورة التي قام بها ذلك العظيم.. ثم يضيف: إن كل ما لدينا هو من الحسين". البعض يسألنا أحيانًا: ماذا تفعلون حتى يوفقكم الله تعالى، وصيتكم ذائع في كل العالم وبين كل الناس، وأعليتم راية الحق؟ ما فعلناه أننا والينا الحسين(ع) وعاهدنا الله تعالى أن نعطي دماءنا كما أعطى، وأن تكون نساؤنا كزينب(عها)، وأن نسير صفًا واحدًا لنصرة الحق ولو كان على أجسادنا ودمائنا فنصرنا الله تعالى ببركة الإمام الحسين(ع). فالموقف الأصيل هذه نتيجته، فدين الله تعالى سيكون منصورًا، وعندما لا يكون منصورًا يكون المسلمون مقصرون، ولكن عندما يعملون بجدٍ يصلون إلى النتيجة.
الإمام القائد الخامنئي(حفظه الله ورعاه) يقول: "أن كلّ قول أو عمل يؤدي إلى إثارة نار الاختلاف بين المسلمين، وكلّ إساءة مقدسات أيّ واحد من الفصائل الإسلامية, أو تكفير أحد المذاهب الإسلامية, هو خدمة لمعسكر الكفر والشرك, وخيانة للإسلام, وحرام شرعًا". ماذا رأيتم منَّا في الحياة العملية، نقلوا لي عن أحد العلماء كان دائمًا مقتنعًا بأن الشيعة يحرفون القرآن الكريم. (في يوم من الأيام أخذوه في زيارة إلى إيران، وهو قال وقتها أنها أفضل فرصة لأثبت رأيي، عندما ركب الباص من قم إلى أصفهان قال عندي رغبة أن أنزل للصلاة في هذا المسجد في إحدى القرى، نزل وفتش في القرآن الموجود في المسجد فوجده نفس القرآن الذي يعرفه لا زيادة ولا نقصان، وقام بهذا الأمر في عدة قرى في الطريق فلم يتغير الأمر، فأيقن عندها أن قرآننا هو قرآن الله تعالى). في يومٍ من الأيام كنا مع الأحزاب اللبنانية، واتفقنا أن ننزل كل الأحزاب إلى الساحة ولكن من دون أعلام أو شعارات فتوافقنا على ذلك، ونزلنا مع الذين نزلوا، وفي اليوم الثاني كتبت الصحف: حزب الله يملأ المسيرة من أولها إلى آخرها، لماذا؟ لأن أخواتنا محجبات! فهو شعار لا نستطيع إخفاءه! فلا أحد يقدر أن يستر دينه، فالذين يقولون أنهم يعملون لله تعالى، وهم أبعد ما يكونون عن الله تعالى، ولن يصدقهم الناس لأن السلوك هو الأساس.
خامسًا: السلوك هو الأساس.
الذي ينتسب إلى الإسلام بأصالة يجب أن يكون سلوكه منسجمًا مع أصالة الإسلام، "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ* يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ *فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ"، المهم هي الرؤية، كيف يرى الناس، وكيف يرى الناظرون من الخارج، الحمد لله نحن نعتبر أن الله تعالى وفقنا لهذا الإسلام العظيم بهذه الأصالة التي تجسدت بالإمام الحسين(ع) ونحن نقتدي به، وليكن معلومًا: لا يوجد أحد يقدر أن يكذب على الإسلام ويبقى مختبئًا، فسينكشف عاجلًا أو آجلًا، ولا أحد يدعي أنه ملتزم وهو غير ملتزم إلاَّ ويفضحه الله تعالى، الإسلام كشَّاف عنده إضاءة، لأن نور الله تعالى لا يمكن إخفاءه وهذا النور يكشف الظلام.
اليوم عندنا انتشار لجماعة التكفير، البعض يستغرب! لماذا تستغرب فالانحراف موجود، يقول أمير المؤمنين علي(ع) عن الخوارج: لما قتل الخوارج وبقي منهم في المعركة أقل من عشرة، قال بعضهم لأمير المؤمنين علي(ع): يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم، قال(ع):" كَلَّا واللَّه إِنَّهُمْ نُطَفٌ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وقَرَارَاتِ النِّسَاءِ - كُلَّمَا نَجَمَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ - حَتَّى يَكُونَ آخِرُهُمْ لُصُوصاً سَلَّابِينَ"، وهذا ما ينطبق على التكفيريين اليوم، فهم قتلة وسّلابون وفجار باسم الإسلام، ولا أحد يصدقهم بأنهم يقومون بذلك باسم الإسلام، نحن علينا أن نعود إلى السلوك، أي واحد يدعي أنه مسلم: أول سؤال: هل لديك رحمة الإسلام؟ ثانيًا: هل تدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ثالثًا: هو أنت أخٌ للمؤمن وللمسلمين، ورابعاً: هل تعمل لمصلحة المسلمين. فلا أقدر أن أتعقل بأن جماعة يقاتلون المسلمين وهو يحيِّدون إسرائيل ويطمئنوها ويتسامرون معها على الحدود السورية الفلسطينية ويأخذون التمويل والإحداثيات منها لضرب الجيش السوري ثم يقولون بأنهم من المسلمين الذين يريدون تحرير بيت المقدس! لا علاقة لهم ببيت المقدس، هؤلاء أقل من اليهود بسلوكهم وأدائهم وتفكيرهم، فكيف يكون الإنسان مسلمًا ملتزمًا ويعمل مع أمريكا ضد قومه وشعبه؟ ولكن الحمد لله رب العالمين فالله تعالى يفضحهم ويكشفهم ويتقاتلون مع بعضهم البعض، على قاعدة : "وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ"، فالله تعالى يرعى المسيرة، والله تعالى سينصر المؤمنين المجاهدين، والله تعالى يرى الذين يقاتلون ويتحملون ويقومون لله تعالى! فعندما يرى الله تعالى بعض الرجال والنساء الذين يُستشهد لهم أولاد قربة إلى الله تعالى، منهن من تقول: استشهد ابني ويوجد عندي اثنين أو ثلاثة وتستطيعون أخذهم ليستشهدوا كما استشهد الإمام الحسين(ع) بروحية عالية وقلب مطمئن لأنها تريد أن ترضى عنها الزهراء(عها)، والله لا يوجد مثل هذه النساء في كل العالم، ممن لهن هذا الشرف الرفيع وهذه الكرامة العظيمة.
وإذا سألتموني: هل أنتم مطمئنون مع هذا الخطر الداعشي؟ نقول: هذا خطر بسيط أمام ما منحنا الله تعالى من الطمأنينة والثقة والالتزام، وهؤلاء انكشفوا وانفضحوا وليس أحد معهم، في النهاية مسار الحق ومسار الأصالة معروف، إذا أردت أن تعرف من هو مع الله ومن هو مع الإسلام، ومن هو مع القرآن، ومن هو مع النبي؟ انظر إذا كان ينفذ أوامر الله تعالى أم لا، فإذا كان ينفذ أوامر الله تعالى ونواهيه فهذا مع الإسلام، وإذا لم ينفذ فهو ليس مع الإسلام حتى ولو قرأ القرآن من أوله إلى آخره، ووصلت لحيته إلى الأرض، وكانت عمامته تطال السماء، فهذا لا ينفعه إذا لم يكن سلوكه سلوكًا إيمانيًا في طاعة الله تعالى.
نحن اليوم في الموقع الذي نعتز به، لأننا رفعنا رؤوسنا عاليًا باسم الحسين وآل الحسين، وقدمنا الشهداء والتضحيات، وكرَّمنا الله تعالى بعزة لا مثيل لها.
السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أبناء الحسين وأصحاب الحسين وشهداء كربلاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.