محاضرات

الكلمة التي ألقاها في في اللقاء الحواري الذي نظمه معهد المعارف الحكمية ضمن المؤتمر الدائم للمقاومة في قاعة الجنان في 22/5/2014

*المقاومة دفاع مقدَّس ومشروع.

كلمة نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم
في المؤتمر الدائم لدعم المقاومة, بدعوة من معهد الدراسات الحكمية, 22/5/2014

أولًا: تعريف المصطلحات
أ‌- المقدَّس:
هو الطاهر والمبارك، والأرض المقدَّسة هي الأرض المباركة.
وفي لسان العرب: المقدَّس هو المُبارَك. والأَرض المقدَّسة: المطهَّرة. وقال الفرَّاء: الأَرض المقدَّسة الطاهرة، وهي دِمَشْق وفِلَسْطين وبعض الأُرْدُنْ. ففلسطين وبعض محيطها أي ما له علاقة ببيت المقدَّس وأكناف بيت المقدَّس هي أرضٌ مقدَّسة. قال تعالى عن خطاب النبي موسى(ع) لقومه: "يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمقدَّسةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ" .
فلسطين هي أرضٌ مقدَّسة، هي أرضٌ طاهرة، طُهرها مما احتضنته، وطُهرها قائم بأنّها أرضٌ حرّة بذاتها، فمن وطأها وكان من أولادها وأبنائها فقداسته من قداستها، ومن اعتدى عليها وطرأ عليها انتهك المقدَّس وواجهها. قال تعالى في خطابه للنبي موسى(ع): "إنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمقدَّس طُوًى" .
فإذًا، هناك قداسة وهي تعبير عن الطهارة، والطهارة تعني التخلص من الدَّنس والآثام والانحرافات لمصلحة الاستقامة والحق. هذا في المقدَّس.
ب- الحق مقدَّس:  أمّا الحق الذي هو المحور فهو مقدَّس أيضًا، قال تعالى: "وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا" . وعندما نعمل لأي أمر إنّما ننظر إلى أبعاده ومنطلقاته, فإذا كان حقًا، فهو المقدَّس بعينه، لأنّ الحقَّ طاهرٌ بطهارة مضمونه ومنطلقاته, أمَّا ما يقابله فهو الباطل والانحراف والضلال أي غير المقدَّس.
ج- الجهاد: يكتسب الجهاد في الإسلام موقعًا محوريًّا أساسيًّا إلى درجة تجد معها أنّ آيات الجهاد كثيرة جدًا في القرآن الكريم، وكذلك على لسان النبيّ والأئمّة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
الجهاد مصطلحٌ ارتبط بالإسلام ارتباطًا وثيقًا، واتّخذ معناه الخاص من استعماله في التعبير عن تكليف الإنسان في هذه الدنيا ليجاهد الأعداء ويقاتلهم, وهو مأخوذ من الجهد، أي بذل الوسع والطاقة، والجهاد والمواجهة: استفراغ الوسع في مدافعة ومواجهة العدو دفاعًا عن الدين.
والعدو الذي يعتدي إمّا شخص وإمّا جهة، والمواجهة تكون جهادًا في القتال. وأمّا النفس الإنسانيّة التي تميل إلى اللذات المحرّمة والشهوات فتكون مواجهتها برفض الإنجرار إلى الفساد. فتحصّل لدينا نوعان من الجهاد: جهاد العدو وجهاد النفس.
د- المقاومة جهاد: المقاومة جهاد، وهي دفاعٌ عن الحق، فالمقاومة دفاعٌ مقدَّس، سواء اتّخذناها كذلك بالاعتبار الدينيّ الذي يحثّ على جهاد العدو لتحرير الأرض والإنسان، أو اتّخذناها بالاعتبار الإنسانيّ العام الذي يأبى بأن يكون الإنسان عبدًا ومُسيّرًا تحت إمرة المحتلّين، قال أمير المؤمنين علي (ع): (ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرًّا). هذا في المصطلحات.
ثانيًا: اسرائيل عدو للحق والإنسان ومحتلَّة للأرض.
إسرائيل عدوّ للحق والإنسان ومحتلّة للأرض, فقد احتلّ الصهاينة فلسطين كنقطة ارتكاز لمشروع توسّعيّ يتجاوز فلسطين, ويمتد من المحيط إلى الخليج كمتّكئٍ ثانٍ بعد المتكئ الأول, لينطلق بعد ذلك إلى السيطرة على كل العالم.
إسرائيل هذه قامت على المجازر والحروب، واستمراريّتها كذلك، ولا يوجد عنوان مشرّف واحد لقيامها، وإنّما تحتشد العناوين الباطلة والمنحرفة والظالمة لتعبر عن خصائص إسرائيل. إسرائيل هذه لا تؤمن بحدود ولا تحاصرها حدود، وبالتالي هي المشروع الذي لا يكتفي بالأرض بل يتجاوزها إلى الإنسان.
إسرائيل هذه هي الخطر على الأرض والإنسان والاقتصاد والثقافة وعلى مستقبل الأجيال، هي عبءٌ على فلسطين أولاً، وعلى العرب والمسلمين ثانيًا وقد احتلت أراضٍ عدّة، وعلى العالم بأسره ثالثًا، وهي تحرّض وتغتال, وكلنا يعلم مدى تأثير اللوبي الصهيوني على السياسة الأمريكيّة. بكل وضوح إسرائيل هذه هي نقيض الحياة البشريّة للآخرين وغير قابلة للتعايش مع أحد، إمّا أن تكون موجودة بإلغاء الجميع, وإمّا أن تُلغى ليحيا الجميع، وهذا ما عبّر عنه الإمام الخمينيّ (قدس سره) بوضوح عندما قال بأنها غدّة سرطانيّة, لا يمكن التعايش معها، ولا بدّ من اقتلاعها من الجذور.
ثالثًا: المقاومة دفاع مقدَّس ومشروع.
هذه هي إسرائيل التي نواجه، وهذه هي إسرائيل التي نحتاج إلى المقاومة لمواجهتها, لنسلك درب الدفاع المقدَّس والمشروع. المقاومة هي دفاع مقدَّس ومشروع عن الأرض والإنسان، هي دفاع عن الحق والعزّة والكرامة، وهي الحماية للهويّة, وهي المواجهة لمشروع إلغائنا.
المقاومة هي مشروعٌ وخيار له رؤيا وتضحيات ونتائج, مقابل التخاذل أو الاستسلام كمشروعٍ وخيار له رؤيا ورشاوى ونتائج، وقد استبدلتُ التضحيات بالرشاوى، لأنّ الرؤيا موجودة عند الطرفين، والنتائج يتوقّعها الطرفان. ولكن الفرق أنّ جماعة المقاومة يضحّون من أجل الوصول إلى تثبيت مشروعهم من خلال الدفاع المقدَّس, أمّا جماعة الاستسلام فهم يكتفون بالرشاوى التي تضيّع الأرض والكرامة والعزّة والهويّة. وبكلّ وضوح لا توجد منطقة رماديّة بين المشروعين، إمّا أن تكون مقاومًا، وإمّا أن تكون مستسلمًا متخاذلًا. والمقاومة لا تعني أن تبقى على بندقيّتك لحظةً بلحظة وفي حالة دائمة لإطلاق النار، وإنّما أن تحمل المشروع بكل آماله وآلامه وتضحياته وانتظارات المستقبل من أجل أن تمنع خط الانحراف الذي تمثله الصهيونيّة من أن يسيطر ويؤثّر.
رؤيةُ المقاومة هي استعادة الأرض بكاملها، وهذا هو الحق، وهذه هي الرؤية المقدَّسة والطاهرة، مشروعًا ودفاعًا ومواجهة. أمّا الرؤية المقابلة فهي التخلّي عن فلسطين أو الجزء الأكبر منها. وهنا أريد أن أوضّح خطأً شائعًا وقع فيه الكثيرون، عندما قالوا بأنّ مشروع التسوية سيعيد جزءًا من فلسطين، بينما في الواقع هو مشروع مبنيّ على التخلّي عن الجزء الأكبر عن فلسطين بل عن التخلّي عنها كلّها, وليس مبنيًّا على استعادة فلسطين أو جزءٍ منها، لأنّ الدويلة الفلسطينيّة المقترحة ستكون محميّة بإشراف إسرائيل في الأمن والاقتصاد والمياه والكهرباء، بل والحياة بأسرها.
إذًا، مشروع التسوية هو مشروع التخلي عن فلسطين. أمّا الحل فهو المقاومة. انطلاقًا من المقاومة الفلسطينيّة أولًا، وعلينا أن نؤكد مرارًا وتكرارًا بأنّ رأس الحربة في مقاومة إسرائيل هو الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينيّة. ولذا علينا جميعًا أن نقدّم الدعم, وأن نؤكد على هذه الخصوصيّة, وأن نحيّي هذا الصمود العظيم للمقاومة الفلسطينيّة بكل فصائلها، وللشعب الفلسطينيّ الذي واجه وضحّى وجعل إسرائيل تعيش قلقة على مشروعها لا ترتاح ولا تستقر, بل إن شاء الله تعالى تنتهي هذه الأزمة ولو بعد فترة من الزمن.
رابعًا: المقاومة الإسلامية في لبنان
أ‌- انطلاقتها:
انطلقت المقاومة في لبنان من رؤية عقائديّة سياسيّة بوجوب الدفاع لتحرير الأرض، فرأى مجاهدوها بأنّ قتالهم هو في سبيل الله تعالى, وهو جهاد مقدَّس بكلّ ما للكلمة من معنى. وفي آن معًا، لا يختلف اثنان أكان من المنطلق الديني أو المنطلق الإنساني العامّ بأنّ تحرير الأرض مطلب شريف ومحق وواجب.
اتّخذت هذه المقاومة خيارًا واضحًا لمواجهة العدو الإسرائيلي بالقتال أولاً، ورفضت أيّ معايير أخرى تحرف مسار القتال. وهنا اقصد أولئك الذين يوجدون حالة من الالتباس بالمزاوجة بين القتال والسياسة, ليسخّروا القتال من أجل خدمات سياسيّة, فيُخرجوا المقاومة عن اتّجاهها وعن رؤيتها وعن مستقبلها.
اختار حزب الله في لبنان أن تكون الأولوية للاتّجاه المقاوم من دون التوقف عند المكتسبات السياسيّة، بل قدَّم تنازلات سياسيّة دفاعًا عن المقاومة. وهنا كان النقاش محتدمًا بين من يقول بأنّ خيار التحرير يمكن أن يحصل بالديبلوماسيّة، وبين المقاومة الإسلاميّة والوطنيّة التي كانت تقول بأنّ الخيار لا يحصل إلا بالقتال وبالقتال فقط.
ثم تبيّن أنّ خيار التحرير بالديبلوماسيّة كان وهمًا، وهو ما كان يريده المشروع المعادي لنتلهّى ونضيع الوقت ونخسر تدريجيًّا إلى أن يهضم العدو مكاسب احتلاله، فالتحرير لا يتمّ بالديبلوماسيّة لخطأ هذا الخيار.
أمّا خيار المقاومة والتحرير بالبندقيّة فقد حقّق نصرًا فريدًا في لبنان والمنطقة، تجسّد في التحرير المميز في الخامس والعشرين من شهر أيار من العام 2000, حيث خرجت إسرائيل ذليلة بلا قيد ولا شرط, في انتصار يسجّل للمقاومة نموذجيًا وفريدًا بهذه الكيفيّة وبهذا النقاء في مواجهة المشروع الصهيوني منذ نشأته في العام 1948.
إنّ يوم 25 أيار يوم تحرير لبنان والأمة، 25 أيار يوم تحرير الإرادة وزرع الأمل وسقوط وهم الوحش الصهيوني، فتحية إلى المجاهدين والمجاهدات من أبطال المقاومة وإلى الشهداء صانعي هذا النصر ومثبّتي أوتاده وإلى الأسرى والجرحى والعوائل وإلى كلّ الذين ساهموا في دعم هذه المسيرة لتحقق بعضًا من أهدافها.
وضعت المقاومة الإسلاميّة أولويّة المقاومة قبل كلّ شيء, على قاعدة أنّ كلّ شيء يبدأ من السيادة على الأرض وحماية الاستقلال, ومع استمرار الاحتلال تسقط كل المكتسبات تِباعًا, أمّا عندما يتحقق التحرير فتأتي المكتسبات تباعًا, ما يعني بأنّ دعامة التحرير هي الأصل لبناء الوطن وتحقيق المكتسبات المختلفة.
أمّا استمرار الاحتلال فهو سلبٌ للحرية والأمن والاستقرار والمستقبل وكل شيء. نعم يجب أن نلتفت بأنّ مقوّمات المقاومة تتراكم مع الزمن بالاهتمام والمتابعة, وهي تغذّي ذاتها ومسارها، فأولئك الذين كانوا يشيرون إلى مجموعات المقاومة القليلة ويستبعدون النصر لم يتوقّعوا أن تتوالد هذه المجموعات بقوةٍ معنويّة وماديّة فتتراكم قدراتها وعديدها ببركة الدماء الطاهرة في ساحة الجهاد, وتؤدي إلى المزيد من التعبئة لها, لتصبح الساحة تدريجيًّا ساحة المقاومة, وتتحول البيئة تدريجيًّا إلى بيئة المقاومة, فما كان قليلًا عند الانطلاق أصبح كثيرًا في زماننا, وقد أثَّرت هذه التراكمات وكذلك إعطاء الأولويّة للمقاومة في النصر العظيم, متّكلين على الله تعالى أولًا وأخيرًا، فما عند الله من تسديد للمجاهدين لا يعلمه إلا الله والمجاهدين, وله آثاره تبرز نصرًا عزيزًا كما حصل في أيار سنة 2000.
ب‌- مسارها
1) أصارحكم بأنّه لا يوجد في كتاب المقاومة الإسلامية معنى للهزيمة ولا عنوانًا لها، وهي لا تناقش متى سننتصر ومتى سننهزم؟. بل لا تناقش إن كنّا سننتصر أو سننهزم، فالمقاومة منتصرة حتمًا بإذن الله تعالى وإن طال الزمان وواجهت العقبات المختلفة لأنّها صاحبة حق والحق منتصر, وهذه هي السنّة الإلهيّة، "وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ" (الروم:47)، وقال تعالى: "وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ".
لسنا مسؤولين في أنّ المخالفين لمنهج المقاومة لم يفهموا علينا هذه المقولة ولن يفهموها، وبكلّ الأحوال إن قبلوها أو رفضوها فالنصر حتمي كالشمس المضيئة في رابعة النهار لا يخفى إلَّا على من فقد الحواس والإحساس.
وفي مسار المقاومة نؤمن بضرورة التضحيات، والتضحيات أساس، ولكن تضحيات المقاومين في فهمنا أرباح وليست خسائر، فالنصر ربح والشهادة ربح. النصر ربح لأنّه ربح للجماعة، والشهادة ربح لأنّه ربح للفرد في أنّه بقي على منهجه وفكره وقناعته فختم حياته حاملًا للراية لينير من خلالها رايات إخوانه يحملونها من بعده فتساهم هذه الراية في نصر الجماعة بعد أن انتصر الفرد.
ولذا قال تعالى: "قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ", أمّا الفئة الأخرى فخاسرة على كل حال: "وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ" . وهنا أؤكد بأن مسار المقاومة لا يقتصر على المواجهة بالقتال, بل له متمماته السياسيّة والإعلاميّة والثقافيّة والاجتماعيّة وكلّ التفاصيل الأخرى التي تعتبر جزءًا لا يتجزّأ من المقاومة. بمعنى آخر، إنّ الدفاع المقدَّس (أو المقاومة) هو منظومة متكاملة لا تقتصر على السلاح, بل تشمل الإعداد والتدريب والتجهيز والترويج الإعلامي والحماية السياسيّة والاجتماعيّة والتعبئة وتجاوز عقبات الطريق. لذا كل المواقع المرتبطة بمشروع المقاومة يطلق عليها فعل المقاومة, في أي مكان وأي زمان وبأي شكل من الأشكال الداعمة للمقاومة. لأنّ البعض يقول لنا: المقاومة هي هذا السلاح الذي يقاتل، كيف تقولون أنكم مقاومة في الداخل ومقاومة في التدريب ومقاومة في المعسكرات ومقاومة في المستشفى ومقاومة في الأماكن المختلفة؟ نقول لهم: المقاومة كلٌّ لا يتجزّأ لأنّها مشروع, وكلّ الأفراد والأعمال والخطوات التي ترتبط بهذا المشروع هي جزءٌ منه.
ج- نتائج المقاومة.
استعاد لبنان عافيته ببركة التحرير, وأصبح موقعه مميزًا اليوم نتيجة ثلاثيّة الجيش والشعب والمقاومة في التحرير والنصر. وإذا ما أجرينا المقارنة بين لبنان سنة 2000 ولبنان وما قبل ذلك, لوجدنا الفروقات الهائلة، يكفي أنّ لبنان اليوم محجّة العالم وهو مرفوع الرأس, بينما كان مدعسة العالم وهو خفيض الرأس، وهذا الفرق مهم جدًا وهو ما صنعته هذه المقاومة.
وليعلم الجميع بأنّ المقاومة إرادة والسلاح أداة، ولا يمكن أن تُهزم الإرادة التي تغترف من الإيمان والحق والمقدَّس، ولا يمكن أن ينهزم الدفاع المقدَّس مهما بلغت التضحيات، عندها من يلاحق الأداة أي السلاح إنّما يلاحق سرابًا، فسلاح الإرادة هو الأصل وهو ثابت لا يتزعزع ما دام فينا نبض واحد يقول نعم للجهاد ونعم للحق ونعم للقضية.
لسنا بحاجة اليوم أن نبحث عن المقاومة والمقاومين لنتعرف عليهم, لقد جُبلت المقاومة في لبنان بحجره وبشره وشجره فأصبحت مكوّنًا من مكوّناته. ولذا، أينما التفتّ ترى المقاومة موجودة في البشر والحجر وهذا ما يجعلها ثابتة ومستمرة. أمّا أولئك الذين يرفضون خيار المقاومة فهو يقعون في المشروع المضاد عمليًّا بصرف النظر عن مشروعهم, وهذه مشكلتهم هم.
خامسًا: مواجهة المشروع الأمريكي الإسرائيلي التكفيري في سوريا.
كلكم يعلم أنّ الدول الكبرى قرَّرت والتحقت بها بعض الدول الإقليميّة والعربيّة, فأعطوا التسهيلات لاستقدام المقاتلين من ثمانين دولة بهدف نقل موقع سوريا من سوريا المقاومة إلى سوريا الأمريكيّة الصهيونيّة. هكذا وجدنا البدايات وقلنا هذا المعنى قبل أن يكتشفه الكثيرون بعد فترة من الزمن.
إن استهداف سوريا هو استهداف أحد أذرع مشروع المقاومة، وسقوط سوريا كان ضربة في الصميم لمشروع المقاومة، لذا كان لا بد من مواجهة هذا المشروع الأمريكي الإسرائيلي في سوريا كجزء من مشروع المقاومة.
مقاومة مشروع إسقاط سوريا هو لمنع الحريق أن يلتهم لبنان وإنجازاته, وهو حماية لتحريره وسيادته. بسبب تواجدنا في سوريا كانت التداعيات على لبنان محدودة أمنيًّا وسياسيًّا وهو ما تمثّل بإرسال بعض السيارات المفخخة التي أحدثت البلبلة التي تعرفونها. على عكس بعض التصورات التي تقول بأنّ التدخل في سوريا ورَّط لبنان في مشكلة.
بالله عليكم قولوا لي أين هي المشكلة التي تورط بها لبنان بسبب التدخل في سوريا؟ كل النتائج الإيجابيّة وجدناها في التدخل. وضعنا حدًا لهذا الموج التكفيري القادم إلينا, وقمنا بحماية لبنان من آثار الأزمة السورية, وتمت معالجة بعض الأمور فتشكلت الحكومة وأُنجزت التعيينات, وهدأت الأوضاع الأمنية في طرابلس, وأصبح البقاع في وضعٍ أفضل, وتنفّست الضاحية والجنوب وكل المناطق، أليست هذه من إنجازات تدخل حزب الله في سوريا؟
مع كل التطورات في سوريا كان الاستقرار هو السائد في لبنان، وعلى الرغم من أسئلة السفراء الأجانب عندما كانوا يأتون إلينا ويزوروننا ومنها: هل يريد حزب الله الاستقرار فعلًا في لبنان؟
كنا نجيبهم: نعم.
يقولون: لسنا مقتنعين. فما هو السبب ليبقى الاستقرار في لبنان مع أزمة سوريا المشتعلة؟
كنا نقول لهم بأنّ الناس في لبنان يحتاجون إلى الاستقرار، ونحن نواجه الأعداء ليبقى البلد محررًا مستقلًا مطمئنًا آمنًا، فلماذا نخرب بلدنا؟.
كانوا يسمعون هذا الكلام ولكنهم يخرجون من عندنا غير مقتنعين.
نسألهم: هل رأيتمونا نعمل لعدم الاستقرار وزعزعة الأمن في لبنان؟
يقولون: لا، لكن نتوقع ذلك لاحقًا.
عجيب أمرهم! اذ ما قيمة توقعاتهم ونحن نعمل فعليًا للماهمة في الاستقرار.
مع كل التوقعات، كان الاستقرار في لبنان خلافًا لها. والسبب الرئيس (وسجّلوا عليّ) أنّ حزب الله رفض زج لبنان في التداعيات السلبيّة للأزمة السوريّة, وبجهاده ودفاعه المقدَّس في سوريا منع هذه التداعيات على المستوى العملي وقاوم الخطر القادم, بالقوة المناسبة, وفي المكان والزمان المناسبين, وبالخيارات السياسيّة الواضحة التي أعلنها أمام الملأ. نحن مستمرّون ما دام هذا الموقف يساهم في حماية لبنان واستقراره.
سادسًا: أثر المقاومة في المنطقة
نحن لا نستخف بنتائج مشروع المقاومة على كل المنطقة وعلى كل الأحرار في العالم. بالتأكيد كان لهذا المشروع انعكاساته. ففي النهاية القداسة والطهر تنتشر مع فطرة الإنسان، وهذا ما أدت إليه حركة المقاومة. لولا المقاومة لما اشتعلت الحرية في فلسطين مجددًا، ولما عاد الأمل بالتحرير، ولما وجدنا تلك الحالة المعنوية في المنطقة العربيّة، والصحوة التي أوجدت حراكًا في بلدانها، ولما انكسر مشروع الأوسط الجديد، وعادت إسرائيل إلى نقطة الصفر ككيانٍ محتل لا حدود له، فإسرائيل اليوم بلا حدود ويجب أن نبقيها بلا حدود.
المقاومة في سوريا للمشروع من الرئيس بشار الأسد والجيش العربي السوري والشعب السوري كسرت مشروعًا كان محسومًا لحسابات أمريكا ومن معها، عندما أعلنوا مهلة الشهرين لإنجاز احتلالهم، فانهزموا وخسروا زمام المبادرة. وهنا يجب أن نذكر دائمًا إيران الملهمة للمقاومة والداعمة لها بقيادة وتوجيه الإمام الخامنئي (دام حفظه) على نهج الإمام الخميني (قدس سره). إيران هذه، ثابتةٌ في رؤيتها، شجاعةٌ في موقفها, تضحي لتحقيق خياراتها, وقد حققت لنفسها موقع الدولة القوية المقاومة والمحور المؤثر في مستقبل المنطقة, وهي تتقدم باطراد لأنها صاحبة حق.
سابعًا: تحديد الأولويات
المقاومة هي خيار ومشروع في مواجهة ثلاثي الأبعاد الأمريكي والإسرائيلي والتكفيري، وهذه المقاومة هي دفاع مقدَّس عن حق. هي مقاومة لإسرائيل، لأنّها محتلّة، وهي مقاومة للخطر التكفيري القادم إلينا كجزء من الدفاع المقدَّس للمشروع, وهي مقاومة للعوائق التي تعطل المقاومة كجزء من الدفاع المقدَّس والمشروع. "الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ" .
وليكن معلومًا أن لا عبثيّة في خطواتنا، بل هي خطوات مدروسة ودقيقة لتحقيق الأهداف، وهنا أتمنى أن تلتفتوا إلى هذه النقطة الجوهرية. إسرائيل هي العدو الأساس، وهي مركز المشروع المعادي، أمّا الأولويّة التكتيكيّة التي نشأت في سوريا فبسبب الخطر المباشر. لذا فإنّ مواجهتنا اليوم لخطر التكفيريّين في سوريا بسبب مباشرته لا تؤثر على جهوزيّتنا الكاملة لمواجهة أولويّتنا الأساس وهي العدوّ الإسرائيلي. فالبوصلة إلى هناك، وإنّما نقاتل في مواقع مختلفة من أجل حماية هذا المشروع الذي يريد أن يحقق الدفاع المقدَّس لمصلحة الحق واستعادة الأرض والكرامة.
تحية إلى الشهداء الأبرار، إلى السيد عباس(رض)، والشيخ راغب(رض)، والحاج عماد(رض)، وكل شهداء لبنان وفلسطين والمنطقة الذين قدموا لهذه المسيرة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.