بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد(ص) وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أصحاب الحسين وعلى أنصار الحسين وأهل بيت الحسين، السلام على ابن بنت رسول الله(ص) عليك مني سلام الله تعالى أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار، السلام عليكم أيها الأخوة الأخوات ورحمة الله وبركاته.
مدرسة الإمام الحسين(ع) مدرسة غنية، وتوفيق الله تعالى لنا أن جعلنا من أبناء هذه المدرسة الحسينية لأن من حُرم الحسين في قيادته ومنهجه لم ينل شيئاً من هذه الدنيا، ولم يحصل على طريق الاستقامة التي أرادها الله تعالى عندما قال:"اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا"، فكمال الدين بالإمامة، ورمز جهادها وسيد شهدائها الإمام الحسين(ع) الذي علَّمنا دروس متنوعة في كل مناحي الحياة.
اخترت لهذا اللقاء كلمات قالها الإمام الحسين(ع) عندما أراد الخروج من مكة المكرمة في اليوم الثامن من ذي الحجة أي يوم التروية، قبل الوقوف بعرفة بيوم واحد، وهو يريد الاتجاه إلى كربلاء، هناك وقف خطيباً وقال:" الحمد لله وما شاء الله ولا قوة إلاَّ بالله، خطَّ الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة" إلى أن قال:" لا محيص عن يوم خطَّ بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه، ويوفينا أجور الصابرين، لن تشذ على رسول الله لحمته، وهي مجموعة له في حظيرة القدس تقر بهم عينه، وينجز بهم وعده"، وهكذا كانت الكلمات تنطلق من الإمام الحسين(ع) عند خروجه من مكة المكرمة، لعلَّكم تتساءلون: ما هي العبرة التي نريد استخلاصها من هذه الكلمات، وعادة عندما يُفتتح أي كلام لنبي أو إمام أو حتى نحن عندما نريد أن نتحدث ربما توحي بعض الكلمات بأننا نقدم مقدمة طبيعية، مثل عندما قال :"الحمد لله ، ما شاء الله ، ولا قوة إلاَّ بالله"، لكن الإمام أراد أن يوصل رسالة من هذه المقدمة عنوانها الرضا بقضاء الله تعالى، فأحياناً يواجه الإنسان مصيبة أو مشكلة ويتذمر ويتضايق، ويعبِّر عن انزعاجه أنه ذاهبٌ إلى الموت، لكن الإمام الحسين(ع) أراد أن يُبيِّن للقوم وقد كان معه بعض الذين تركوه في مكة المكرمة، أراد أن يقول لهم: أنا رضيت بما قسم الله تعالى لي، وذاهبٌ ومطمئنٌ إلى مساري وإلى نهايتي، فالحمد لله هو تعبير عن الشكر والرضا، وما شاء الله فأنا مسلم لمشيئة الله كيفما كانت النتيجة، ولا قوة إلاَّ بالله فإذا أراد الله تعالى أن يمنحني شيئاً من القوة فمنه، وإذا أرادني بهذه القدرة التي تواجه العصابة فلن أكون أقوى من ذلك، والنتيجة "خط الموت على ولد آدم مخط القلاة على جيد الفتاة"، يعني هذا أمر محسوم " كل نفس ذائقة الموت"، فإذاً كل شيء يعود إلى الله تعالى، القوة بيد الله ، والمشيئة بيد الله، والموت بيد الله، فإذا كنت مؤمناً فعليَّ أن أرضى بما قسم الله تعالى لي من دون تذمر ومن دون اعتراض على حكم الله، فبعض الناس أحياناً لا يلتفتون إلى بعض العبارات التي يقولونها في حياتهم، مثلاً شخص يواجه مصيبة فيتساءل : لماذا يا رب أخذت مني ابني الآن، ولماذا أخذت مني زوجتي ،.. وفي النهاية يقول: لا اعتراض على حكمك، فأنت قد اعترضت وانتهيت، هذا يعني أن الإنسان لا يعيش حالة الرضا، فإذا أردت شيئاً قبل أن يقع ادع الله تعالى إمَّا أن يتحقق هذا الدعاء وإمَّا تكون إرادته مختلفة وعليك أن ترضى بالحالتين. أو إذا كان عندك ولد مريض، وتقول يا رب اشفِ لي ابني، فإن شُفي يكون لدعائك ثمرة مباشرة، وإن لم يشفَ لأن إرادة الله تعالى أن يموت في هذه اللحظة فيُسجل لك أجر الدعاء وترضى بما قسم الله تعالى لك، وتقرأ عليه الفاتحة، وترى كيف تزيد من صحيفة أعمالك بدل أن يعترض البعض على إرادة الله تعالى.
يجب أن نتربى على الرضا، وأن نكون قابلين بما قسم الله تعالى لنا في كل شيء، لاحظوا ما قاله الإمام الحسين(ع)" لا محيص عن يوم خطَّ بالقلم"، " قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ "، فمكتوب أن فلان ستصيبه هذه المصيبة ، أو سيخسر هذا المال، أو يفقد عزيزاً، أو سيقتل إلى آخره من الابتلاءات التي تحصل للناس، ولكن انتبهوا "رضا الله رضانا أهل البيت" ، يعني من أراد أن يحصل على رضوان الله تعالى بأنه رضي بما قسم الله تعالى له فليتعب ليكون على منهج أهل البيت (عم) يأتمر بأوامرهم وينتهي بنواهيهم، عندها يرضون عنه، فإذا رضوا عنه رضي الله تعالى عنه لأنه اختار الطريق الصحيح طريق محمد وآل محمد(ص).
إذاً هذا الرضا هو الذي يريحنا في حياتنا، أتريدون أن تكونوا سعداء في هذه الدنيا؟ يجب أن ترضوا بما قسم الله تعالى لكم، الإمام الباقر(ع) يفسر لنا الآية الكريمة التقول:" فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً "، يعني لن يكونوا مؤمنين إلاَّ إذا قبلوا بحكمك أي يرجعون إلى رسالة الإسلام، وإلى أوامر الله تعالى، ويرضوا بقضائك ويسلموا ويعتبروا أنك ترشدهم إلى الطريق الصحيح، فسَّر الإمام الباقر(ع) هذه الآية بأنها تعبِّر عن التسليم والرضا والقنوع بقضاء الله تعالى وقضاء الرسول عندما يحكم بين الأطراف، وبالتالي علينا أن نرضى بقضاء الله تعالى بعد أن نبذل جهدنا ونسلم، عندها نكون من الذين آمنوا إيماناً حقيقياً.
ويُروى عن الرسول(ص) أنه لم يكن يقل لشيء قد مضى لو كان غيره، يعني مثلاً: شخص يقوم بصفقة تجارية ربحها حوالي مليون ولكنها تربح مئتان ألف، الذي يسلم بقضاء الله تعالى لا يقول: لو كانوا خمسمائة ألف وليس مائتان ألف، لن يأتي إلاَّ رزقك، حتى ولو كانت عبارة نقولها بطبيعة الحال ، أو أحد الأشخاص مات أحد أقرباؤه، فيقول: هل من الضروري أن يموت فلان لو مات فلان آخر لأنه أكبر منه بسنوات كثيرة وشبع من الدنيا، لو لو ..، هذا اعتراض على حكم الله عزَّ وجل، فالسؤال المركزي: هل نستطيع أن نغيِّر ما يحصل؟ لا نقدر، وبما أننا لا نقدر علينا أن نقول: الحمد لله سنرضى بقضاء الله تعالى حتى نرتاح ونطمئن.
النبي (ص) يقول: " ثلاثة من رزقهنَّ فقد رزق خير الدارين (الدنيا والآخرة): الرضا بالقضاء( فبدل لو و لو والاعتراضات نقول الحمد لله)، والصبر على البلاء( فعند اختبار الله تعالى لك بأي شيء عليك أن تصبر)، والدعاء بالرخاء( فعند نعم الله تعالى عليك وتعيش في حالة من الرخاء لا تنسى احتياجك لرب العالمين وعليك أن تكون دائماً في حالة دعاء والشكر لله)". بهذه الطريقة يعبِّر الإنسان عن رضاه بقضاء الله تعالى، وهذا ما يساعده على أن يكون سعيداً في الدنيا، إنما نتحدث عن الرضا بقضاء الله تعالى، لا بدَّ أن نتحدث عن علاقة المؤمن بربه، فكيف يكون الرضا ولا توجد علاقة مع الله تعالى، ، يقول: سأل أحدهم الإمام الصادق(ع): بأي شيء يُعلم المؤمن بأنه مؤمن؟ قال(ع):" بالتسليم لله، والرضا بما ورد عليه من سرور أو سخط" ، هكذا يُعرف المؤمن بدرجته الحقيقية،ليجب كل واحد منكم على هذا السؤال بينه وبين نفسه ويجري لنفسه اختباراً، هل يملك هذه الصفات؟ ويعطي لنفسه علامة . واعلم أنك إذا توكلت على الله تعالى سترتاح وستطمئن، يقول رسول الله(ص):"إذا أحبَّ الله عبداً ابتلاه"، "الأنبياء أشدّ بلاءً ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل"، أكثر من ابتلاهم الله تعالى هم الأنبياء، ولكن تجوهر معدنهم بالابتلاءات وبرزوا كشخصيات قادرة على أن تُعطي وأن تضحي وأن تصل إلى المراتب العليا.
اليوم نحن نحتفل بذكرى عاشوراء، الإمام الحسين(ع) أي بلاءٍ أصابه؟ بلاء لم يسجل التاريخ مثله ، ولكن لأنه الإمام الحسين(ع) هذا البلاء أبرز جواهره وأبرز مكانته وأبرز عظمته، فـ"إذا أحب الله عبداً ابتلاه، فإن صبر اجتباه وأن رضي اصطفاه"، فالصبر درجة أدنى من درجة الرضا ، فإذا أصاب عبد مصيبة قبلها وصبر عليها ولم يعترض على حكم الله اجتباه ولكن لو رضي بهذه المصيبة اصطفاه أي رفع مكانته، هذا يعني أننا نستطيع أن نتعامل مع البلاء إمَّا بالصبر وإما بالرضا ، فإذا صبرنا كنا في درجة مقبولة ولكنها أدنى ، ولكن إذا كنا في درجة الرضا كان الأمر أعلى وأرفع.
في الواقع سلوكنا يحتاج إلى تهيئة وتدريب من أجل أن نصل إلى مرضاة الله تعالى، ومن أجل أن نكون من الذين يرضون بقضاء الله تعالى، لأننا عندما نرضى بقضاء الله تعالى نكون من المحققين لمرضاته، وبالتالي إذا رضيَّ الله تعالى عنَّا فهذا الأمر سيكون له انعكاسات إيجابية في جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، هذا الطلب له مفاتيح على مستوى الأرض، لنسمع من الإمام الحسين(ع) التمييز بين الذي يرضى وكيف يجب أن يرضى، وبين الذي يرضى بطريقة خاطئة في الجهة الخاطئة، يقول(ع):"من طلب رضا الله بسخط الناس كفاه الله أمور الناس، ومن طلب رضا الناس بسخط الله وكّله الله إلى الناس"، فإذا أردت أن تحصل على رضا الله ولو غضب الناس عليك لأنك تريد رضا الله تعالى، فلا أحد يقدر من الناس أن يقوم بأي شيء معك لأنك مع الله تعالى يؤيدك ويساندك، فإذا كنت راضياً كنت نوراً يشع ويرتفع ، ولست بحاجة إلى هؤلاء جميعاً فسيتفرجون عليك وأنت ترتقي وسيكفيك الله تعالى من شرورهم، لكن إذا كنت تحرص على رضا الناس ولو غضب الله تعالى، فعندها ليس الله تعالى من سيتدخل حتى يعاقبك، بل الناس الذين ذهبت إليهم، سيقول لك رب العالمين ليكافؤك ويساعدوك، ويوكلك إلى الناس ومن توكل أمره الناس عاش تعيساً لأن الناس تأكل بعضها بعضا، ولأن مع الناس الكبير لا يرحم الصغير، ولأن مع الناس الغني لا ينظر إلى الفقير ، ولأن الظالم لا يُبقي للمظلوم شيئاً، ولأن التسلط والاستكبار الفردي والجماعي يؤثر سلباً على المستضعفين في الأرض، وعليك أن تختار بين توكيل أمرك لله تعالى أم للناس.
اليوم أحد أسباب عزتنا وكرامتنا ومكانتنا سببها الأساس أننا لا نخاف مع الله تعالى شيئاً، كما انطلق الإمام الحسين(ع) وهو لا يخاف من أحد ولا ينظر إلاَّ على رضوان الله تعالى، وكما قال علي الأكبر لأبيه الحسين(ع) : أولسنا على الحق؟ قال: بلى. إذاً لا نبالي أن نموت محقين. لا يؤثر فينا الموت لأننا سائرون على الحق وسائرون مع الله تعالى وفي سبيل الله عزَّ وجل، هذه المعنويات هي التي رفعت من شأن شباب المقاومة الإسلامية، وهي التي جعلتنا نشعر بتآمر الاستكبار ، لأنه تآمر لن يستقر ولن يؤثر ولن يثنينا عن عزيمتنا، ما الذي يملكونه حتى يهددوننا به؟ يهددوننا بالمال والمال مال الله، ويهددوننا بالقوة والقوة نستمدها من الله تعالى، ويهددوننا بالموقف الدولي وما ينفعنا الموقف الدولي إذا كان مع الظلم والانحراف وكنا مع الحق والمقاومة والجهاد في سبيل الله وتحرير الأرض، ويهددوننا بأنهم سيطوّقوننا إعلامياً، ولو صدحت كل أصوات الإعلام العالمي ضدنا وكان صوت السماء معنا فإننا لا نتأثر ولن نتأثر وبحمد الله تعالى رَفعَنا غصباً عنهم، وأصبحت أصوات المقاومين تصل إلى كل مكان في العالم، لأن الذي يبحث عن عزة وكرامة ومكانة ورمزية فلينظر إلى المقاومة الإسلامية في لبنان وما صنعت بإسرائيل.
"اعبد الله تعالى كأنك تراه، وإن لكم تكن تراه فإنه يراه "، ألا تشعر بالله تعالى عند صلاتك وصومك وركوعك وسجودك! فلتفكر، وهذا التفكير وهذا التفاعل وهذا الذكر لله تعالى يجعلك تقترب من الله عزَّ وجل، والله تعالى سهَّل لنا عملية التواصل معه، وهو يقول لنا كيف نتقرّب منه، وكيف نتكلم معه، وكيف نسمعه وهو يتكلم معنا، ألم يقل لنا الله تعالى اقرأوا القرآن؟ فالقرآن هو كلام الله الذي أنزله على عبد ورسوله محمد(ص)، ألم يأمرنا بالصلاة، وتقول أصلي قربة إلى الله تعالى لمخاطبة الله تعالى، وعندما أسمع الله تعالى في القرآن الكريم فإنما أسمع خطاباته وأوامر وتوجيهاته وقراراته، إذاً أستطيع أن أكون على صلة بالله تعالى، ومن كان مع الله جلَّ وعلا لا يبالي.
يقول في الحديث القدسي:أن الله تعالى أوحى إلى داوود (ع)، والحديث القدسي هو عادة ما كان بين الله والنبي، فينقله النبي نقلاً عن الله تعالى يعني موحى إلى النبي بهذه الصيغة، يقول تعالى: تريد وأريد ، وإنما يكون ما أريد(لأن الأمور من الله تعالى وكل شيء بيد الله تعالى) فإن سلمت لما أريد كفيتك ما تريد( إذا سلمت بما يريده الله تعالى، وتقوم بما أمرتك وما قلت لك سأكفيك ما تريد وستشعر بالراحة والطمأنينة)، وإن لم تسلم لما أريد ( لم تسمع كلامي ولم تطع الأوامر) أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلاَّ ما أريد"، فالأمور كلها راجعة إلى الله تعالى ، فلا أحد يقدر أن يقوم بأي أمر إلاَّ بإذن الله تعالى وبرضا الله تعالى، وهذا فرعون وهامان ويزيد ومعاوية لم يقدروا على عمل أي شيء، استطاعوا أن يقوموا ببعض المشاكل ولكن كلهم ذهبوا إلى جهنم وبئس المصير، لكن الله تعالى أراد أن تسير الأمور بحسب القوانين المرعية الإجراء التي رسمها لهذه الدنيا، فإذا أردت أن تكون مرتاحاً ومطمئناً يجب أن تكون في رضا الله جلَّ وعلا، عندها ستحصل على نتائج عظيمة.
وسأذكر لكم بعض نتائج الرضا والتي ستشعرونها في حياتكم، رُوي في الحديث القدسي أيضاً عن النبي موسى(ع) أنه قال:" يا رب أخبرني عن آية رضاك عن عبدك؟ فأوحى الله تعالى إليه: إذا رأيتني أهيئ عبدي لطاعتي وأصرفه عن معصيتي فذلك آية رضاي"، عندما ترى أن الله تعالى يسهِّل لك طريق الطاعة ولك رغبة فيها ويبعدك عن المعصية، فهذا يعني أن الله تعالى راضٍ عنك. في أحد الأحاديث "أن الله تعالى يأنس بالمؤمن في جوف الليل المظلم يدعوه ويصلي ويقرأ القرآن والبطّالون نيام"، فيجب أن تشكر الله تعالى لأنه هيّأ لك الظرف لتعبده، فالله تعالى كل يوم يذكرنا ويدعوننا، " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ "، وهذه فرصة عظيمة أن يتوفق الإنسان لطاعة الله تعالى ولا يكون في معصيته، ولا تفكروا بالملذات البسيطة التي تمر بلحظة لا يبقَ لها أثر إيجابي وتبقى الآثار السلبية، فيجب أن يكون الإنسان قوياً ليبتعد عن المعاصي قربة إلى الله تعالى، فليتذكر أنه سيقابل محمد وآل محمد(ص) في يوم القيامة.
إمامنا أمير المؤمنين علي(ع) يقول عن الرضا والقضاء:"نعم الطارد للهم الرضا بالقضاء"، إذا رضيت بقضاء الله عزَّ وجل لن يكون عندك أي هم في الدنيا، وطبعاً هذا يلزمه تدريب نفسي وثقافي حتى يرضى بقضاء الله عزَّ وجل، فالأئمة (عم) أو العلماء أو المجاهدون والمجاهدات عبر التاريخ وفي حاضرنا من وصل منهم إلى درجة ومرتبة عظيمة من الإيمان والإخلاص والطاعة لله تعالى ، حتى كأنك تشعر بالنور يخرج من وجهه، وبالنور ينطق من فمه ويسير مع حركاته، هل كان قد وصل إلى هذا المحل العظيم والمقام الرفيع لولا الإقبال على الطاعة والامتناع عن المعصية؟ طبعاً فالأمر بحاجة إلى إرادة، ولأكن صريحاً معكم فالمعصية جذابة، فقيمتنا أن نألف أن نمتنع عن المعصية الجذابة ونذهب إلى الطاعة التي نشعر أنها صعبة في بداية الأمر ولكن بعد فترة من الزمن نصبح نألف الطاعة ونحصل على أنس عظيم جداً وكأننا في هذه الدنيا نعيش في جنة الله تعالى إذا أصبحت الطاعة مألوفة ، وإذا أصبحنا نألف القرآن كما نأنس بمغريات حياتنا الدنيا وأكثر، ونأنس بطاعة الله أننا نخاطبه كما نأنس بجلوسنا مع قائد من القادة وأكثر، ونأنس أننا مع المؤمنين المجاهدين الذين سيكونون مع الإمام المهدي(عج).
اختم بقول رسول الله(ص) في موضوع الرضا بقضاء الله تعالى، يقول(ص):"ارض بقسم الله تكن أغنى الناس"، ليس الغني من يملك المال لا، وليس الغني من يملك الإمكانات لا، الغني هو من كان غنياً في عقله وقلبه وإيمانه، لأنه عندها لا ينظر إلى كل ما ينظر إليه الآخرون، إن أكل كسرة صغيرة من الخبز شعر وكأنها مائدة نزلت عليه من السماء، وإن لبس ثوباً لائقاً طبيعياً عادياً شعر أن التقوى قد جلّلته بلباسها، وإذا كانت حياته متواضعة في مكان سكنه أو جلوسه أو تنقله أو ما شابه، تذكر أن هذه هي قسمة الله تعالى له ، والله يراه ، ولو لم يكن يرى الله تعالى أن هذا هو ما يناسب هذا العبد لما اقتتر عليه، عندها إذا رضي بقسمة الله تعالى يكون من أغنى الأغنياء كما قال رسول الله(ص).
نحن نتربى في هذه المدرسة الحسينية على هذه المعاني، فهل ذهب الإمام الحسين(ع) إلى كربلاء وقاتل واستشهد وبرز بهذا المستوى العظيم من دون أن يكون قد عاش الرضا الكامل بما قسم الله تعالى له ، وهو القائل : " شاء الله أن يراني قتيلاً وأن يرى النساء سبايا"، ولكن طالما أن الله عزَّ وجل إرادته هكذا أن تحصل الأمور وتصل إلى هذه النتيجة، فهو يقوم بما عليه ويسلم أمره إلى الله تعالى " وأفوض أمري إلى الله"، عندها يصبح الإنسان ذا عزيمة وذا قوة، وأنا أقول أن هذه الثلة المؤمنة التي تربت على منهج أهل البيت(عم) والتي وصلت إلى هذه الحالة من اليقين والثقة بالله تعالى لن تهزم على الأرض أبداً ولو اجتمع العالم من أوله إلى آخره شرقه وغربه وشماله وجنوبه لأن من رأى قوة الله في قلبه لا يمكن أن تقهره قوة على الأرض أبداً.
نحن نرى أن قادة العرب بشكل عام يلهثون وراء بوش، ويحاولون أن يتقربوا منه، ويقدمون له متطلبات السيطرة الأمنية، والتطبيع مع إسرائيل في المنطقة من دون أن يرفّ لهم جفن، معتقدين أنه سيرفعهم وأنه سيعطيهم المكانة، في الوقت الذي يسجَّل لبوش بأنه أفشل رئيس جمهورية لأمريكا بحسب استطلاعات الرأي الأمريكية، وأنه ما دخل في قضية من قضايا المنطقة إلاَّ وخرَّب ما دخل فيه وكان منحازاً وقام بأعمال ضد مصلحة الناس في المنطقة ، وضد مصلحة مستقبل المنطقة، وفي الزيارة الأخيرة سمعناه عندما قال أنه يريد دولة يهودية عنصرية ، يعني أنه يريد أن يُخرج مليون ومئتين ألف عربي بين مسلمين ومسيحيين من فلسطينيي 48 لتصبح يهودية بالكامل ويمنع حق العودة بدفع تعويضات، وهو يلتزم بأمن إسرائيل حتى ولو اعتدت على كل العالم ، هذا الرئيس الذي يسيء إلى أجيالنا وإلى مستقبلنا ، ويعمل من أجل أن يثبّت المنطقة تحت جناح إسرائيل ، وبالتالي لا بدَّ أن يكون الموقف مختلفاً تماماً من المقاومات لهذا الاحتلال ومحاولة الهيمنة، سواء كانت في لبنان أو فلسطين أو في أي مكان فيه مقاومة للاحتلال، وباستطاعتنا أن ننصر أهلنا ، وأن نمنع هذا الكيان العنصري المتحجر والمعتدي من أن يسيطر على مستقبلنا، بإمكاننا أن نحرر كل أرضٍ محتلة كما تحررت أرض لبنان، بإمكاننا أن نقف ونرصد التآمر الدولي ولن يصنعوا معنا شيئاً، نعم سيعتدون علينا وسيضروننا ببعض شهدائنا وأملاكنا وقدراتنا، لكنهم لن يتمكنوا من إخراج هذه المعنويات الكبيرة الموجودة عند شعبنا الذي يريد أن يصمد وأن يصنع استقلاله ومستقبله وسينتصر الشعب بإرادته على تدخل كل العالم. هكذا رأينا في حرب تموز، كانوا يتوقعون أن لا تبقى مقاومة ولا سلاح مقاومة، وخرجنا بعد حرب تموز فتحولت المقاومة إلى ملهمة للشعوب، وستكتشفون يوماً بعد يوم أن نجاح المقاومة في لبنان بركة ستحل على كل المنطقة والعالم الحر ، الذي سيقتبس من مشروع المقاومة ضد أي محتل، وسيبقى يرفع الموقف والسلاح ليغيّر الواقع لمصلحة التحرير ضد الاعتداءات مهما كانت إمكاناتهم ضعيفة ، ومهما كانت قدراتهم محدودة، لأن من امتلك الإرادة الحقة وتوكل على الله تعالى يستطيع أن ينتصر عندما يبذل الجهد ويعمل بإذن الله تعالى.
كنا نتمنى أن يرى شركاؤنا في الوطن الطلعات الجوية الإسرائيلية والاعتداءات اليومية على لبنان، بدل أن يضيِّعوا البلد بالمكاسب الآنية والأعداد، كنا نتمنى أن يعترفوا بخطر إسرائيل الأساسي والوحيد في المنطقة الذي يسقط معه كل خطرٍ آخر، بل يُعالج كل خطر آخر غير الخطر الإسرائيلي المدعوم أمريكياً بدل أن يسهلوا لأمريكا وصايتها، وبالتالي يسهلوا لإسرائيل مشروعها من خلال الإدارة الأمريكية، كنا نتمنى أن يلتفتوا بأن لبنان القوي يستطيع أن يحافظ على أرضه وعلى استقلاله، بينما لبنان الضعيف الذي يريدونه سيكون محتلاً كما كان، وسيدفع ثمناً باهظاً كما كان قبل أن تكون المقاومة وتحرر هذه الأرض وترفع الرأس عالياً في مقابل المشروع الأمريكي والإسرائيلي ومن ورائه الدعم الدولي، كنا نتمنى على هؤلاء أن يكفوا عن المهاترات التفصيلية والجزئية ، وأن يقلعوا عن لغة السباب والشتائم، وأن لا يضللوا الناس في تحاليل لا معنى لها ولا فائدة منها، أمام الواقع الواضح، وهو التدخل الأمريكي في الحياة اللبنانية، لسلب اللبنانيين إرادتهم في الاستقلال والتحرير والتغيير، وهذه الأمور واضحة من خلال التدخل اليومي لبوش وجماعته في كل القضايا.
لكن لن نتعب ولن نتراجع عن هذا الحق، ولن نفرط بدماء الشهداء، سنبقى منطلقين ويدنا ممدودة للتعاون، بأصول التعاون التي تحفظ التمثيل الحقيقي، وسنبقى نعطي الفرص التي تتناسب مع قدرة الناس على التحمل، علَّهم يستفيدون من تجربة سنة وشهر من محاولات اللعب على الدستور ، والعمل بطريقة غير قانونية وغير شرعية ما الذي جرته على البلد، وما الذي أنتجته ، جربوا الاستئثار وفشلوا ، وجربوا الإقصاء وفشلوا ، وجربوا عدم الاعتراف بشركائهم من المعارضة في الوطن وتراجع الوضع إلى أسوأ حالاته في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، هل يريدون تكرار هذه التجربة المرَّة، نحن ندعوكم إلى تجربة الحياة والنهضة ، إلى تجربة التعاون الذي يعالج مشاكل لبنان بتشابك الأيدي ، آمل أن يلتقطوا الفرصة في أوانها وأن لا يضيعوها كما ضيعوا الفرص الأخرى.
السلام عليك يا أبا عبد الله ، السلام عليك يا ابن رسول الله وابن أمير المؤمنين وابن فاطمة الزهراء(عم)، السلام على الشهداء الذين حلوا بفنائك، عليكم مني سلام الله ما بقيت وبقي الليل والنهار، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته