بسم الله الرحمن والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا أبو القاسم محمد(ص) وعلى أهل بيته(عم) أجمعين وعلى جميع الأنبياء والصالحين إلى يوم قيام الدين.
السلام عليكم أيتها الأخوات والأمهات ورحمة الله وبركاته، هذه ليلة مباركة لأنها من ليالي شهر رمضان المبارك، ولأنها جمعت أحبة الجهاد والمقاومة، ولأنها تأتي تكريماً لأولئك الذين قدموا وضحوا في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية وكانوا قلباً واحداً مع المقاومة والجهاد، فبورك للجميع هذه الليلة المباركة، من السعادة أن نجتمع معاً في ظلال الطاعة والإيمان، ولا بدَّ أن نرسل تحية في بداية لقائنا إلى الشهداء الذين بسببهم ارتفعت رؤوسنا وأصبحنا نشعر أننا أقوياء بقوة الله تعالى، وأننا أعزاء بعزة الله تعالى ، حصلنا على نصر إلهي عظيم ولو كره البعض نسب النصر إلى الله تعالى، والتحية إلى كل هؤلاء الشهداء، إلى شهداء الجيش اللبناني، إلى شهداء الشعب اللبناني ، إلى شهدائكم الذين ثبتوا في الميدان، وإلى الأسرى، وإلى كل من أعطى في هذه المعركة المصيرية التي خضناها جميعاً فالتحية إليهم وتحية إليكم يا أحباء المقاومة وأحباء الجهاد.
في كل ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك نقرأ دعاء الإفتتاح، وهو دعاء منسوب إلى الإمام المهدي(عج) ويستحب أن يُقرأ ليلاً، بينما كنت أقرأه بالأمس لفتت نظري مقدمته، فقلت بأنها تصلح لحفلنا هذا، من ناحية نتعرف على الدعاء، ومن ناحية أخرى نتلمَّس هذه التعبئة الروحية العظيمة التي أرادنا الإسلام أن نتعبأ بها، فيقول:
" اللهم إني أفتتح الثناء بحمدك، وأنت مسددٌ للصواب بمنِّك، وأيقنت أنك أنت أرحم الراحمين في موضع العفو والرحمة، وأشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة، وأعظم المتجبرين في موضع الكبرياء والعظمة، اللهم أذنت لي في دعائك ومسألتك فاسمع يا سميع مدحتي ، وأجب يا رحيم دعوتي، وأقل يا غفور عثرتي، فكم يا إلهي من كربة قد فرجتها، وهموم قد كشفتها، وعثرة قد أقلتها ورحمة قد نشرتها، وحلقة بلاء قد فككتها"، هكذا ندعو الله تعالى في كل ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك، نناجيه ويستمع إلينا، ندعوه ويجيب أدعيتنا، نثق عندما نطالبه أنه سيلبِّينا، من لا يريد صلة بالله تعالى فهذا شأنه، نحن لمسنا من صلتنا بالله تعالى حناناً ورأفة ورحمة، هو الذي يتحرش بنا، يقول:" وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ "، نحن آمنّا بالله تعالى، لا إيماناً سطحياً يجرد الله تعالى عن الحياة ويبعده عن مسائلها، آمنّا بالله في جهادنا ، وآمنا بالله في بيوتنا، وآمنا بالله في تعليمنا وفي تربيتنا لأولادنا، وآمنا بالله في سياستنا، وفي أموالنا وفي تحصيلنا وفي صرفنا، في استقامتنا وفي طاعتنا لله تعالى، ولذا شعرنا أن الله تعالى معنا،" وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ "، وعشنا حالة من التفاعل نناجيه في اللحظة التي نريد، ويلبينا كما يريد، نطلب منه عندما نحتاج، ونشعر أنه لبَّانا بحاجاتنا، ولذا عندما كان المقاومون يقاتلون في عدوان تموز كانوا يطلقون الرصاصة بيد ويناجون الله تعالى بالقلب لتختلط الرصاصة مع نداء القلب فيرى المؤمن بعينه أنها أصابت أكثر مما تصيب لأن الله تعالى كان مع المجاهدين عندما قاتلوا عدو الله إسرائيل.
هو نصرٌ واضح أمام الناس، لا توازن في العدد ولا في القوة ولا في المعادلة السياسية الدولية، إذاً كيف انتصروا؟ كيف استطاعوا دكَّ معنويات إسرائيل واسقاط هذا الوهم الذي كان يخيف العرب والمسلمين والأحرار في العالم؟ عندما أمر الله تعالى المؤمنين في معركة بدر، ونحن على أيام من معركة بدر في السابع عشر من شهر رمضان المبارك، عندما أمرهم بالقتال، وصف قوتهم أمام قوة العدو، كل كتب التاريخ تقول أن عدد المسلمين كانوا حوالي 313، وعدد الكافرين كانوا 950، المؤمنون أسلحتهم متواضعة وبسيطة، الكفار عندهم من الخيل ومن الجمال ما يُعتبر من قوة المعركة، لا يوجد تكافؤ، يعني واحد مؤمن مقابل ثلاثة من الكفار، وقول الله تعالى:" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ " فالكفار ليس عندهم فهم ولا وعي ولا إيمان، المعركة بالنسبة لهم سلاح وسيف وخيل، بينما أنتم أيها المؤمنون تعلمون أن السيف وسيلة لكن إذا كان الإيمان في قلوبكم، وإذا كانت لكم الإرادة وإذا كنتم تحبون الوطن، وإذا كنتم تشعرون بالعزة والكرامة، سأضيف إلى قوتكم عدداً لا يراه العدو، لكنه يسقط العدو هكذا يكون الواحد بعشرة، وكأني بالمقاومين كان الواحد منهم أكثر من عشرة بكثير من رحمة الله ومن عطاء الله تعالى.
من يعرف ما هو موجود في السماء وما هو موجود حولنا، فنحن نؤمن بالغيب، الله تعالى في بدر قال لهم:" إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلاَئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ "، فالملائكة لهم دور، بعض الناس يقولون : ألا يكفينا الآن إيران وسوريا وأيضاً الله تعالى على الخط وأصبحت الملائكة معهم أيضاً، مساكين هؤلاء، ماذا تملك إيران وسوريا وماذا نملك نحن وماذا يملك العالم؟ من كان معه الله تعالى فهو أكبر من كل من على هذه الأرض، نحن لم نقل أننا رأينا الملائكة، ولكن الله تعالى له طرق يمد بها المؤمنين، كيف؟ لا أحد يعرف، فما هو الذي يُحرك المؤمن حتى يصبح في المعركة قوياً؟ اسألوا أنفسكم واسألوا النساء والأطفال، في قناعتنا لولا الإيمان بالله وبالقضية وبالحق وبالنصر لما كان هذا الصمود ، ولذا قلنا بأنه نصرٌ إلهي لأنه يعتمد على مدد الله تعالى.
نحن اليوم، في هذه الذكرى المباركة نعتبر أن الانتصار الذي حصل هو انتصار للأجيال القادمة، وما رأيتموه حتى الآن من آثار النصر لا يصل إلى واحد على مائة 100/1 من نتائج النصر، والنتائج إلى الإمام إن شاء الله تعالى، وأنا لا أتنبَّأ "ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير"، ولكن إذا كان هذا النصر خلال المعارك وخلال سنة واحدة هزَّ المجتمع الإسرائيلي، من عسكره إلى شعبه إلى سياسييه، مع كل الاستقالات والمعنويات الهابطة، وتحول الجيش لا يقهر إلى جيش يلملم جراحاته وهذه دفعة على الحساب ، والدفعة الثانية على الحساب أن هؤلاء المؤمنين رؤوسهم قد أصبحت أكثر ارتفاعاً وشموخاً، وهذا حقنا، فنحن انتصرنا على إسرائيل ونعلن هذا بالفم الملآن أحبّوا النصر أم لم يحبوه هو نصر المؤمنين المجاهدين.
يأتي شخص مثقف سياسي ويبدأ بالتنظير علينا: لا هذا ليس نصراً، نقول له: يا مسكين أنت لا تعرف النصر لأنك لم تتعود إلاَّ على الهزائم، ولأنه اعتاد ومن معه على هذا النمط من الانكسارات والهزائم، أصبح النصر عجيباً ومرفوضاً، اليوم العزة الموجودة في المنطقة هي بسبب المقاومة وستبقى وستؤثر في تربية الأجيال والأطفال، وأنا أحيلكم أنتم الآن على أطفالكم ماذا يقولون لكم، بالله عليكم أما تشعرون أن كل طفل عندكم هو مقاوم عظيم وكأنه في ساحة القتال.
إنَّ هذا الانتصار له تداعيات كثيرة، فاليوم في كل المنطقة العربية والإسلامية يشعرون بعزة ومعنويات ، أمريكا وإسرائيل يعرفون أنهم لم ينكسروا فقط في معركة تموز! بل هم يعتبرون أنفسهم قد انكسروا في معركة ولا يمكن معالجتها لأنهم يعلمون أن وراء هذا الانكسار انكسار ثقافي وانكسار سياسي وتربوي، لأن الجهة المقابلة انتصرت ثقافياً وأخلاقياً وتربوياً وعسكرياً، وانتصرت في تشكيل النموذج للأجيال، هم يخافون من من هذا النموذج ولذا يحاربون المقاومة، لكن النموذج يدخل إلى القلب، ولا يوجد من يمنعه حتى ولو أخذت الأمم المتحدة قرارات لمنعه.
هذا الانتصار لم يكن انتصاراً عادياً لأنه كان انتصاراً على عدوان دولي من بوابة أمريكا والدول الكبرى وباليد الإسرائيلية، نحن لم نكن نواجه عدواً إسرائيلياً فقط بل كنا نواجه تحالف الأعداء في العالم الذي صبَّ إمكاناته ودعمه لإسرائيل من أجل أن تواجه المقاومة والجيش اللبناني والشعب اللبناني، لذلك كان العدوان كبيراً ، والنصر بحجم العدوان، عندما يكون العدوان كبيراً يكون النصر كبيراً، هذه المعركة بالذات -عدوان تموز- لم يكن فيها إمكانية لنصف نصر أو نصف هزيمة فإمَّا نصر وإما هزيمة، ولذا كانت النتيجة النصر لنا والهزيمة لإسرائيل، لأن من أهداف إسرائيل كان إلغاء وجود حزب الله، وإلغاء سلاح المقاومة، ماذا كانت النتيجة، خرجنا بعد المعركة أقوى بحمد الله تعالى بالمعنويات والقدرات والطاقات والإمكانات، ولا أفشي سراً إذا قلت لكم لا نستطيع أن نلبي الشباب الذين يطالبون بأن يكونوا في صفوف المقاومة، ونحن نعتبر أن مقاومة فيها هؤلاء الرجال وهؤلاء النسوة هي مقاومة عظيمة لا يمكن أن تقهر.
إذاً استطاعت المقاومة أن تمنع إسرائيل من أن تستفيد من لبنان كساحة مفتوحة لعملياتها ومشاريعها السياسية في المنطقة، وهذا هزَّ الكيان الإسرائيلي هزاً كبيراً، وعندما أقول لكم أنها معركة انتصار أو هزيمة إنما أستند في ذلك إلى ما قاله شيمون بيريز، في قلب المعركة قال: هذه المعركة وجودية لإسرائيل، وأقول لكم : كانت معركة وجودية بالنسبة لنا، والحمد لله استطعنا أن نثبت حضورنا في هذه المعركة، ومن أثبت حضوره هو الراسخ في الأرض إن شاء الله تعالى إلى المدى البعيد في المستقبل.
إنجاز المقاومة في لبنان كان إنجازاً لبنانياً بامتياز، وهو أشرف الامتيازات لأنه يمثل تحرير الأرض، البعض يعتبر أن إنجاز المقاومة استفادت منه دول وجماعات ، فأي شيء سيحصل سيستفيد منه أشخاص ويتضرر منه آخرون، ربحت المقاومة فاستفاد أحباؤها، خسرت إسرائيل فخسر مؤيدوها، دخلت إسرائيل إلى فلسطين من أجل أن تحتل فلسطين أربكت كل المنطقة العربية وخسَّرت كل المنطقة العربية، لا يوجد خسارة في بلد من دون خسارة البلدان الأخرى، ولا يوجد ربح في بلد من دون ربح البلدان الأخرى، فإذا كان ربح المقاومة سيعطي خيرات لدول المنطقة وشعوبها فهنيئاً لهم ما حصلوا عليه لأن هذا الأمر لا يُنقص من ربحنا شيئاً، وإنما يضيف إلى ربحنا ربح أحبتنا، فهنيئاً لكم يا من ربحتم بانتصار المقاومة لأننا ربحنا أرضنا وشعبنا وكرامتنا وعزتنا قبل كل شيء.