بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد(ص)، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم أيها الحسينيون والزينبيات ورحمة اله وبركاته.
عاشوراء تملأ قلوبنا بالحب والعشق والعلاقة مع محمد وآل محمد(ص)، عاشوراء تنبض بالحياة فينا وتربينا في كل عام لتتجلى تلك الرواية في حياتنا اليومية عملاً وتضحية ورفعاً لراية الإسلام، عاشوراء نراها أمامنا من خلال جهاد المقاومة الإسلامية حيث يقوم المجاهدون على خطى أبي عيد الله الحسين(ع)، ويسطروا ملاحم البطولة والنصر والتوفيق كترجمة عملية لإمامهم الحسين(ع)، وكأن كربلاء بدأت واستمرت وهي تعطي نتائج شهادة الحسين(ع) وأهل بيته وأصحابه في يومنا مؤزراً عظيماً لتقول لكل العالم بأن الحسين(ع) هو الأصل وهو المنهج وهو الجهاد وهو النصر.
اليوم سأتحدث عن العلاقة مع أهل البيت(عم) التي نعبر عنها بعلاقة الحب والتفاعل معهم، لنرى كيف نترجم هذه العلاقة كجزء لا يتجزأ من إيماننا والتزامنا بشرع الله الحنيف، قال تعالى: "ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ"،هذا التوجيه القرآني لرسول الله(ص) ليوجهنا به: "ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى"، والمودة حالة عاطفية شعورية، لماذا ذكر المودة؟ كان يمكن أن يذكر عناوين أخرى، ولكن أرادنا ان نرتبط بأهل البيت ليس من ناحية المنطقية والعقلية فقط، وليس بالدليل والحجة وهذا موجود، ولكن أرقى تعبير في العلاقة مع الآخر هو تعبير المودة، فاليوم ابنك لا تقول بأن ابني مجبور فيه، أو ابني عليه واجب اتجاهه، لا، إنما تقول هذا ابني أحبه ولأني أحبه أعطيه وأقدم له، فالحب يولد العطاء والتضحية وكل ما يمكن أن يبذله الإنسان وبغير الحب يصبح العطاء مختلفاً، عندما يقول الإمام زين العابدين(ع) ويحدثنا عن حقوق الأم: "حملتك حيث لا يحمل أحدٌ أحد" لماذا حملتك حيث لا يحمل أحد أحد؟ بسبب علاقة الحب، وبسبب علاقة المودة التي تجعل الإنسان في حالة تضحية وفي حالة عطاء، لاحظوا عندما حدثنا عز وجل عن الأسرة: " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"، الأسرة الناجحة التي تكون فيها المودة والرحمة، أما إذا الشخص فتح دفتر الحقوق، والزوجة فتحت دفتر الحقوق، وأصبح كل واحد يخاطب الآخر على قاعدة المواد والحقوق الموجودة فيه، الله تعالى يقول جعل بينكم مودة ورحمة، ورسم لكم خطوات تشجعكم على التضحية وأن يتنازل كل واحد منكم للآخر حتى تنشأ المودة، إذا نشأت المودة عندها لا يعطل أي أمرٍ هذه العلاقة في داخل الأسرة وتكون علاقة سعيدة.
واحدة من أكبر مشاكلنا أننا لا نعمل على القلب، فعليك أن تضع أمامك هدفاً وتقول أنه يجب عليك أن تبني هذه العلاقة على قاعدة المودة، فكيف تحصل؟ بالتضحية والبذل والعفو والتعاون وبتقدير ضعف الآخر وعجزه وهكذا، الله تعالى طلب منا :" قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى" هنا حالة عاطفية متفاعلة تشعرون معها أنكم مستعدون لتقدموا كل شيء في سبيل الله بسبب هذه العلاقة.
الإمام الكاظم(ع) قال: " قال رسول الله: من أراد ان يتمسك بعروة الله الوثقى التي قال الله تعالى في كتابه، فليوال علي بن أبي طالب والحسن والحسين، فان الله يحبهم من فوق عرشه"، لاحظوا الربط، فليوالي والله تعالى يحبهم، فعني الموالاة النصرة، والموالاة الانقياد، فلا يكفي أن يكون هناك انقياد وموالاة فيجب أن يكون معهم الحب، هناك قول نذكره دائماً في عاشوراء عن النبي(ص) في حديثه عن الإمام الحسين(ع) وهو قول مروي في كتب السنة والشيعة على حدٍ سواء ومتواتر في كل كتبهم، يقول: "حسينٌ مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا"، إذا أردنا أن نتحدث عن المضمون ممكن أن حسين مني وأنا من حسين، وهذه تكفي وتعبر عن أن المطلوب بأن نفهم أن الرسالة تستمر بالإمام الحسين، لا، إنما عليكم أيها المؤمنون أن تحبوا الحسين كما يحبه الله تعالى، والله تعالى طلب منكم ذلك وأمركم به، مع أنه هو الذي أحيا الرسالة، وهو الذي يستمر بعد رسول الله(ص) فيكون حبكم مع استمرارية الرسالة هو الدافع لنصرتكم ونصرة الحق وإقامة الإسلام على خط محمد وآل محمد(عم).
وفي الحديث الشريف: " من كان يحبني فليحب ابني هذين، فان الله أمرني بحبهما"، هذا يعني أن الحب لأهل البيت(عم) مكون أساسي من مكونات الاعتقاد عندنا والالتزام الديني واتضاح وسلامة المسيرة، وكيف نصل إلى هذا المستوى، علينا أن نعبر عن هذا الحب بأشكال مختلفة، نحيي مجالس ذكرهم، نحتفل بولاداتهم ووفياتهم، نذكر رواياتهم، نذكرهم دائماً في مجالسنا، نتوسل فيهم إلى الله تعالى، نتعرف على سيرتهم وعلى الأحداث التي مرت معهم لنستفيد العبر منها، نحاول دائماً أن نجعلهم معنا وبيننا وفي شؤوننا وشجوننا، كي تتولد حالة الحب والعاطفة. اليوم نحيي مجالس عشرة أيام عاشوراء تلاحظون أنه بعد مجالس عاشوراء نخرج بحالة عاطفية ومعنوية مع الإمام الحسين(ع) وأهل البيت(عم) أكبر وأقوى وأفضل مما كنا قبل أن نحيي هذه المجالس بسبب هذا الذكر الدائم وبسبب هذه اللقاءات الطاهرة مع المؤمنين الذين والوا رسول الله(ص) وأهل بيته(عم).
هذا الحب هل المطلوب أن يكون حالة عاطفية فقط؟ أم المطلوب أن يكون له انعكاس عملي في حياة الناس؟ في الواقع ليس المطلوب أن يكون الحب لمجرد الحب، أذكر أثناء الأحداث اللبنانية كان هناك جماعة يسكنون في منطقة النبعة، وهؤلاء كانوا يحبون أمير المؤمنين علي(ع)حباً جماً، وكانوا مستعدون للمشاكل إذا ذكر الأمير بسوء، وكان أغلبهم لا يصلي ولا يصوم ولا يتقي الله...، هذا نموذج، هل هذا النموذج مقبول؟ لا. فمن يدَّعي حب الرسول وآل البيت(عم) فعليه أن نعطي العلاقة التي توثق كلامه، فمعرون أن الإبريق إذا كان فيه عسل يصب العسل وإذا كان فيه ماء يصب الماء، فإذا تقول بأن في قلبك حب فلا نرى هذا الحب يظهر إلى الحياة، ولا يترجم على المستوى العملي، فعليك أن تترجمه بالاقتداء بأهل البيت(عم) وتسير بسلوكهم وتسمع أوامرهم، " وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً"، عليم أن نطيع الله تعالى وتلتزم بأوامر ونواهيه حتى تكون مع أهل البيت، وإلا لا يوجد عندنا حب مجرد وحب مفصول عن العطاء والعمل والتضحية والبذل.
الإمام الباقر(ع) يقول لجابر الجعفي: "يا جابر! بلغ شيعتي عني السلام، وأعلمهم أنه لا قرابة بيننا وبين الله عز وجل، ولا يُتقرب إليه إلا بالطاعة له، يا جابر! من أطاع الله وأحبنا فهو ولينا، ومن عصى الله لم ينفعه حبنا"، لاحظوا الربط الحب يجب أن يكون معه الطاعة لله تعالى، وإلاَّ واحد يعصي رب العالمين ويحب الأئمة(عم) فلا وزن لها الحب، عليك أن تترجم هذا الحب بالعمل الذي يتناسب مع أوامرهم ونواهيهم، هكذا تربينا وتعلمنا، هذه هي الرسالة، عندما نتحدث عن السيدة الزهراء(عها) ونقول: أنها عظيمة وأنها الإنسان الكامل لماذا؟ لأنها هي في نفسها تستحق ذلك بسبب علاقتها مع الله تعالى، وهي ابن الرسول وزوجة أمير المؤمنين وأم الأئمة(عم) وهذه أمور إضافية جيدة ولكن الأصل مكانتها من إيمانها وعملها وعلاقتها بالله تعالى. فلا يصح أن يعتبر الشخص أن انتسابه إلى العسيرة أو القبيلة أو الجماعة ينقذه يوم القيامة، لا، كل واحد منا يجب أن يكون في قلبه الحب وفي حياته العمل بطاعة الله تعالى حتى يكون محباً حباً حقيقياً.
الإمام الخميني(قده) يحدثنا عن الإمام الحسين(ع) ليبرز حقيقة ما قام به فيقول: "إنَّ استشهاد سيد المظلومين وصحابة القرآن يوم عاشوراء كان بداية للحياة الخالدة للإسلام والحياة الأبدية للقرآن الكريم .. فتلك الشهادة المظلومة، وإثارة آل رسول الله، قضت على عروش اليزيديين"، فقيمة الإمام الحسين(ع) أن عمله في طاعة الله غيَّر المعادلة وأسقط يزيد. فقيمتك أنك تحب أهل البيت(عم) فما هي الترجمة العملية، نعم إذا كنت تحب أهل البيت وتجاهد في سبيل الله وتُسقط الطواغيت لك قيمة عند الله تعالى، إذا كنت تحب أهل البيت وتلتزم بالضوابط الشرعية في تربية الأولاد على طاعة الله تعالى، وتكون ملتزماً في سلوكك ولباسك وأموالك وطعامك فأنت في طاعة الله تعالى، فأنت إذاً محب لله تعالى وتستحق المكانة المطلوبة.
إمامنا علي(ع) يقول: "أنا مع رسول الله ومعي عترتي وسبطي على الحوض، فمن أرادنا فليأخذ بقولنا، وليعمل بعملنا"، في يوم القيامة في الجنة هناك مكان خاص هو حوض رسول الله(ص) يجتمع فيه الرسول والأئمة(عم) وهو أرقى وأفضل مكان في الجنة، فإذا أردت أن تكون مع محمد وآل محمد(عم) خذ بأقوالهم واعمل بعملهم. طبعاً هذا الموضوع يتطلب منّا بذل الجهد، لنتعرف على الأحكام الشرعية حتى نلتزم بها، ونراقب سلوكنا وتصرفاتنا هل هي منطبقة مع الأحكام الشرعية أم لا، ولا أحد يفكر بأن الالتزام بالضوابط الإسلامية هي الركعتان التي يقوم بهما الإنسان، لا، أو الصوم والصلاة والالتزام بالحجاب، هذه الأمور تساوي 2% 100 أو 200، قل لي كيف هي أخلاقك؟ لسانك ماذا ينطق؟ علاقاتك مع الآخرين كيف تبنيها؟ حسن الظن أو سوء الظن؟ ترتاد مجالس الحرام أو مجالس الحلال؟ كيف حصلت على مالك وكيف صرفته؟ هل أن منضبط بكل الأمور الصغيرة والكبير بحسب ما أراد الله تعالى؟ هناك سلوك عملي في كل حياتك، كل عمل نقوم به إما حلال وإما حرام. وهكذا كل الأعمال التي تعتبر في دائرة السلوك الإسلامي علينا أن نعمل بها، من أصغر عمل له علاقة بقطعة الجنة الحلال إلى أكبر عمل له علاقة بالقتال والقتل في سبيل الله تعالى والشهادة في سبيل الله.
الإمام علي(ع) يقول لرجل "ألا أخبرك بالحسنة التي من جاء بها دخل الجنة، والسيئة التي من جاء بها كُب على وجهه في النار؟ قال: بلى، يا أمير المؤمنين. قال: الحسنة حبنا أهل البيت ، والسيئة بغضنا"، فالأمر عظيم جداً، للأسف بعض المسلمين لا يعرفون قيمة حب أهل البيت(عم) ومعنى حب أهل البيت(عم) علينا أن نعلمهم ونعرفهم ونرشدهم إلى ذلك، لأن كل منهج حياة الإنسان يتأثر بحب أهل البيت(عم)، وإذا كان في المقلب الآخر يصبح له مكان آخر تماماً، أهل البيت(عم) لديهم ثروة عظيمة اكتسبنا منها الكثير الكثير، أخذنا الدعاء من أهل البيت، وأخذنا الروحية العظيمة منهم، وأخذنا الاستقامة والتفكير الصحيح بشريعة الله المقدسة من أهل البيت(عم)، عرفنا أنه في الإسلام يمكن أن يكون الحاكم يزيداً ويمكن أن يكون الحاكم علياً، فاخترنا علياً ورفضنا يزيداً، وكل هذا من معرفتنا بأهل البيت(عم).
في الحديث الشريف: "من رزقه الله حب الأئمة من أهل بيتي فقد أصاب خير الدنيا والآخرة، فلا يشكن أنه في الجنة"، فهو الحب المقرون بالعمل، وإما إذا لم يكن هناك عمل فمشكلة كبيرة.
هناك آثار ونتائج لهذا الحب وأنتم ترونها في حياتكم اليومية، يقول الإمام الصادق(ع): "من أحبنا أهل البيت، وحقق حبنا في قلبه جرى ينابيع الحكمة على لسانه"، يجعلك الله تعالى حكيماً، إذا أحببت أهل البيت(عم) تعلقت بالطهر والاستقامة، وعرفت طريق الحياة الحقيقية، وعندما تقتدي بهم وتسير على مسارهم تفهم كل الحقائق وينكشف إليك النور، ومن سار في النور ازداد نوراً كلما سار فيه عندها تتفتح الحكمة من قلبه على لسانه.
اليوم في العصر الحديث وليس في التاريخ، اتباع منهج أهل البيت(عم) والذين يرفعون راية عاشوراء في هذا الزمان يعيشون حالة من الالتحام والتفاعل والثقة بالله تعالى، والأمل بالنصر القادم، ويتوفقون في مساراتهم، وينتظرون ولي الأمر الإمام المهدي(عج)، ويستعدون بكل ثقة، ويشعرون أن الحياة لها معنى ولها طعم حقيقي في طاعة الله تعالى، ويشعرون أن أعمالهم تسير خطوة بخطوة في الطريق الصحيح. بينما ترون الضياع عند الآخرين، لا يعرفون أنهم يسيرون على الشرق أو على الغرب، هل سيصلون إلى الجنة أو إلى النار، هل يعرفون مسار الطريق أم لا، ضياع كامل، لأن الاستقامة على طريق أهل البيت(عم) تساعد في هذا الانكشاف لهذا الطريق العظيم.
في الحديث الشريف: " إن أوثق عرى الإسلام أن تحب في الله وتبغض في الله"، هذا الأمر يرجع ويصب في حب أهل البيت(عم) أو بغضهم، فالمطلوب منك أن تحب لله، حب للأئمة(عم)، وتبغض لله وتبغض للأئمة(عم). رب سائل: ألا يقدر الإنسان أن يحب ويترك الأئمة(عم) جانباً؟ لا، لأنك إذا أحببت أي شيء في هذه الدنيا فيه خير وصلاح واستقامة فأنت محبٌ لله ولرسوله ولأهل بيته(عم)، وإذا أحببت ما يأتي على مزاجك ورغباتك وفيه حرام ولا يرضى عنه الله تعالى، فإن استأنست بالحرام فهذا يعني أنك ابتعدت عن الله ورسوله وأهل البيت(عم). لذلك يجب أن يكون الحب لله والبغض لله تعالى.
الإمام الباقر(ع) أعطانا طريقة للفحص، ليعرف الإنسان مكانه، يقول الإمام الباقر(ع): " إذا أردت أن تعلم أن فيك خيراً فانظر إلى قلبك، فإن كان يحب أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته ففيك خير، والله يحبك، وإن كان يبغض أهل طاعة الله ويحب أهل معصيته فليس فيك خير، والله يبغضك، والمرء مع من أحب". في يوم القيامة يُحشر الإنسان مع من أحب، كترجمة عملية: سهراتك مع من؟ إذا تسهر من أناس لا قيمة لهم، فما نفع هذه الصحبة والسير معهم، أما إذا سهرت مع أناس مؤمنين فمهما قالوا وفعلوا لا يحيدوا عن الاستقامة ورضا الله تعالى، يلعبوا بالحلال، ويأكلوا بالحلال، فأنت مع من؟ المرء مع من أحب، أفضل دعوة تدعيها لأحد من دون شتيمة أو إهانة وتعرف معاشرته للأناس السوء تقول له: أسأل الله تعالى أن يحشرك مع من تحب ، فيقول لك، لا دخيلك.
بعضهم صلى وزراء أمير المؤمنين(ع) جماعة وهو كان موالي لمعاوية، جماعة ابن زياد صلوا في كربلاء جماعة قبل المعركة عندما كان الحر الرياحي يجعجع بالإمام الحسين(ع)، وبعد انتهاء الصلاة والجماعة وبدأت المعركة قاتلوا الإمام الحسين وأصحابه، هذه الأمور غريبة! تصلوا جماعة مع الإمام الحسين وتقتلوه، أو تصلوا جماعة مع الإمام علي(ع) وتدورون مع معاوية! أحدهم من باب اللطيفة قال: الصلاة وراء علي(ع) أثوب، ولكن الطعام مع معاوية أدسم، فهذا الدسم سيذهب بالثواب. أو عندما قتل حجر ابن عدي الكندي(نبشوا له قبره الآن في الشام) يومها الأمر كان من معاوية لقتله، أحد المسلمين، سألوه: ما الذي حصل؟ قال: قتل حجر بن عدي(رض). ومن قتله؟ معاوية(رض). لماذا؟ لأن من أصحاب علي(رض)!
الحب يجب أن ينعكس انحياز لمصلحة أن نكون موالين لأهل البيت وسلوكهم وأن نعمل أعمالهم التي هي أعمال الإسلام "حسينٌ مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا".
أصبح المشهد في المنطقة واضحاً جداً لا إمكانية لإقصاء سوريا المقاومة، ولا إمكانية لتمرير المشروع الأمريكي الإسرائيلي من البوابة السورية، وهناك حالة احباط يعيشها المعسكر الآخر وتفكك في جبهة المعارضة المسلحة التي يقاتل بعضها البعض الآخر، وتقدم عسكري في الميدان للجيش السوري في مواقع مختلفة من سوريا، وارباك واضح على مستوى أمريكا والدول الغربية في كيفية التعاطي مع الشأن السوري، فلا هم قادرون على المجيء بمعارضة تستطيع أن تجلس في جنيف2 كمعارضة موحدة، ولا هم قادرون على قبول بعض هذه المعارضة التي تتمثل في التكفيريين الذين يقتلون الناس قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، هذه الحالة الموجودة في الطرف الآخر يقابلها جو إيجابي لمصلحة المقاومة ومشروعها.
إذاً المنطقة قلقة ومتوترة ولم تستقر معالمها بشكل نهائي حتى الآن, فلا يصح أن نربط مصيرنا في لبنان بتطورات المنطقة، لأننا في ذلك سننتظر وهذا الانتظار سيكون بلا فائدة ولو طال الأمر أشهراً أو سنوات، فنكون منتظرين في الوقت الضائع ويدفع لبنان الثمن مجاناً من دون أن يحصل على شيء وتتعطل مؤسساته كما هو الحال اليوم لبعض المنتظرين.
إن حجم ما يواجهه لبنان من تحديات واستحقاقات يتطلب أن تتشابك الأيدي, وأن نبحث عن الآليات المناسبة لتذليل العقبات والتعاون وإطلاق عجلة المؤسسات وتشكيل الحكومة الجامعة. بكل صراحة قدرنا في لبنان أن نكون معاً مهما اختلفنا, نحن أبناء وطن واحد وعلى أرض واحدة، نحمل الآمال والآلام معاً نتأذى معاً ونربح معاً, ولا ينتفع أحد لا من التعطيل ولا من المقاطعة بل يتضرر الجميع.
بالنسبة إلينا بكل وضوح نحن مرتاحون على وضعنا, ومطمئنون بأن ما يحاك ضد لبنان سيصطدم وسيتحطم على أعتاب لبنان ولا يستطيع أحد أن يفرض علينا شيئاً ولا أن يستثمر لبنان لمصالح إقليمية أو دولية، هذا الأمر انتهى منذ زمنٍ بعيد والحمد لله, ولا نرى أي فائدة من انتظار تطورات سوريا أو المنطقة, ومشروع إسقاط سوريا فشل, وقد خسر المراهنون على المشروع الآخر, وسيزدادون خسارة يوماً بعد يوم.
لذا نطرح الحل مجدداً: الحل أن نفكك بين الأمور الداخلية في لبنان وبين صفقات الرهان الخارجي من وعلى لبنان من الذين يريدون أن يستخدموا لبنان مطية.
نحن نشجع على التواصل والحوار بين أي جهة سياسية وأخرى, وبين مجموعة مكونات وأخرى, وأن تنعقد طاولة الحوار بين جميع أطياف الشعب اللبناني قبل أو بعد تشكيل الحكومة, لا فرق عندنا, فالمهم هو إنجاز أي خطة لمصلحة البلد.
وعلى الرغم من قناعتنا بأن مشروع المقاومة انتصر وسينتصر أيضاً إن شاء الله تعالى, فإننا نتعاطى داخلياً على أنَّ لنا شركاء نختلف معهم في الرؤية وفي التقييم ونتوافق معهم على بعض الأمور الآخرى, ولكن لا نهضة للبنان إلاَّ بإبعاده عن تحمل وزر القضايا العربية والدولية وأن نتشارك في الحكم بين مكونات 14 و 8 آذار وكل القوى السياسية الوازنة في البلد من أجل أن ننهي هه المرحلة السيئة من تاريخ لبنان.
نحن نقول لجماعة 14 آذار ولكل القوى الأخرى: تعالوا نتحاور, فنتفق أو نختلف, على قاعدة أن نصل إلى نتيجة ونطلق عجلة بناء الدولة, فمهما كانت النتيجة بعد الحوار ستكون أفضل من الجمود والتترس خلف الاستحقاقات الاقليمية الموجودة حالياً. هذه بادرة إيجابية نعلنها ونقوم بها فقط لمصلحة لبنان، لأن هذا الواقع الموجود حالياً كله أضرار، والأضرار على غيرنا أكثر من الأضرار علينا، وإذا كان أحد منتظر أنه يمكن أن تحصل هناك تطورات تخدمه، لا، التطورات معروفة والنتائج أصبحت معروفة.