ومما قاله:
حيث ما خضنا تجاربنا استلهمنا من محمد (ص) وأهل بيته (ع) وارتقينا بتعاليمهم وارتقت الأمة بنتاج هذه التعاليم في تطبيقاتها العملية ، يكفينا هذا العنوان الكبير الذي ذكره إمامنا السجاد (ع) في دعاء مكارم الاخلاق:"وحلِّني بحلية الصالحين وألبسني زينة المتقين"، ونسأل الله تعالى أن نجسد هذه المعاني لنعبِّر عن منهج أهل البيت (ع) ، حيث تكون الدعوة والتبليغ بالسلوك والعمل وليس بالكلام فقط ، ونحن ترى اليوم كيف أثّر أداء المجاهدين على خط أهل البيت (ع) في إثارة الاسئلة وفي الالتحاق بهذا المنهج عند الكثيرين في العالم من المسلمين وغير المسلمين ، لأنهم رأوا تجربة ناصعة مؤثرة في التطبيق ، سواء ما قامت به الجمهورية الاسلامية المباركة بقيادة الامام الخميني (قده)، ومن بعده الامام الخامنئي حفظه الله ورعاه ، حيث أعطت النموذج الخيّر لمنهج أهل البيت (ع) ، وما قام به حزب الله في لبنان من حركة جهادية ثقافية سياسية استطاعت أن تضيء في يماء عالمنا العربيوالاسلامي بشكل عام ، ما أدى إلى إقبال حقيقي لمعرفة منهج أهل البيت (ع)، وهذا هو تأثير السلوك العملي .
أنتم تعلمون أننا مرّينا في لبنان بعمل كبير جداً واعتداء لم يسبق له مثيل في منطقتنا ، وهو العدوان الاسرائيلي الذي حصل في تموز 2006، أي السنة الماضية على لبنان، وكان الهدف من هذا العدوان هو إلغاء وجود مقاومة حزب الله وإلغاء وجود سلاح هذا الحزب ، أي يتمعنى آخر إيجاد تغيير يبدأ من لبنان ، أساسه انعدام وجو المقاومة في مواجهة المشروع الاسرائيلي ـ الأمريكي . هذه الحرب لم تكن حرباً اسرائيلية بحتة ، وإنما كانت حرباً أمريكية دولية بالأداة الاسرائيلية ، لأن التغطية السياسية التي رآها الجميع من كل العالم تقريباً لعدوان اسرائيل ، والرعاية المباشرة والأوامر المباشرة من قبل الامريكيين لاسرائيل ، كانت واضحة للعيان ، وبالتالي كنّا أ/ام تحدٍ كبير يواجه منهجاً جهادياً يستلهم تعاليم الاسلام المحمدي الاصيل في الحركة والعمل والموقف والتضحية والشهادة . هنا في هذا الموقع حصل ما يشبه المعجزة ، تحقّق نصر إلهي عظيم للمؤمنين ذكّرنا بقول الله تعالى "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله"، وذكرنا بقوله وتعهده "وكان حقاً علينا نصر المؤمنين" ، وهكذا حصل النصر الكبير الذي أذهل العالم ، وأقول لكم بكل صراحة ووضوح كي لا يبقى أي التباس بأننا في حزب الله مع كل ما أعددنا ، ومع كل ما خططنا، ومع كل المنهج الذي أدى إلى تحديد مسارنا، لمسنا بالتطبيق العملي تسديداً إلهياً دفعنا لأن نقول بأن النصر ليس للمجاهدين، إنما هو نصر إلهي للمجاهدين والمؤمنين ولكل الاحرار في العالم، نحن لا نستدرج عبارة النصر الالهي لنعطي لجهاد حزب الله معنىً إضافياً، إذ أنكم كمؤمنين تعرفون تماماً آثار الايمان والتسديد الالهي والدعم للمؤمنين، فهذا أمر لا يحتاج إلى بيان في مثل هذا اللقاء . هذا النصر الذي حصل هو نصر عابر للقارات لأنه عابر للقلوب لا يستطيع أحدٌ بحدوده وضوبطه وقوانينه الدولية أن يمنع حب الناس لهذا النصر الالهي لأنه دفع من مقامهم ومعنياتهم، وأشعرهم بعزة الاسلام، وعزة رجال الله في الميدان عندما يقتدون بأهل البيت (ع). هذا الانتصار الاستراتيجي له آثار لا تتوقف عند حدود ما حصل منذ سنة ولا عند حدود ما حصل حتى الآن في اعتقادنا أن هذا النصر الالهي سيترك آثاره لعشرات السنين، وتداعيات الهزيمة الاسرائيلية ستترك آثارها لعشرات السنين، والسبب في ذلك أنه كان النصر المنعطف، ولم يكن نصرَ معركةٍ جانبية، كان نصراً على عملية إلغاء منظمة لخط الجهاد، فانتصر خط الجهاد لخرِّب معادلاتهم بأسرها وليفتح باباً أمام الامة لتأخذ دروساً من هذا الجهاد.
ثلاثة عناوين يمكن الحديث عنها في إطار الانتصر الاستراتيجي بآثاره المستقبلية : أولاً أثبت هذا الانتصر قدرة الاسلام على إعطاء مقدمات العزة والانتصر والسيادة والحياة ليكون الانسان شريفاً، عزيزاً بشرع الله تعالى في هذا الزمن المعاصر خلافاً لما يعتقد البعضمن أن زمن الرسالة قد ولّى، فجاء الانتصار ليقول بأن زمن الرسالة يتجلى بأبهى معانيه من خلال المجاهدين والمؤمنين والمؤمنات الذين أعطوا تجربة نموذجية في الصمود بأخلاقية الرسالة وبسماحة الاسلام، وبدعوة الاستفاقة التي يجسّدها اسلامنا المحمدي الاصيل، ثانياً قدمت هذه التجربة نموذجاً معاصراً في كيفية إثبات الحضور والوجود من دون التبعية للشرق أو للغرب، وبالتالي لسنا بحاجة لأخذ شهادات حسن سلوك، لا من مجلس الامن، ولا من أمريكا، ولا من الدول الكبرى، عندما نكون مع الله، وتحسن في العمل مع شعبنا،ونؤدي إلى أداء منسجماً مع شريعة الله السمحاء، سنكون النموذج الحيّ الذي يسطع في العالم. والحمد لله هذا النموذج المقاوم اليوم محل مفخرة لنا ولكم ولكل حر وشريف، لأنه ينطلق من مشروع متكامل، هذا نموذج الجهاد من أجل الحياة، وليس نموذج القتل من أجل التدمير والتخريب، الذي يحالو البعض أن يسوّقه في منطقتنا، ثالثاً أوجد هذا النصر حالة معنوية كبيرة للشعب اللبناني ولشعوب المنطقة، للمسلمين وللاحرار بحيث باتوا معها يفكّرون في كيفية التغيير، وأن بإمكانهم أن يسيطروا على المعادلة، وأن لا يبقوا أسرى لمعادلة الاستكبار.
أما الهزيمة الاستراتيجية لاسرائيل فلها تداعيات ثلاث بالحد الادنى على اسرائيل وعلى أمريكا، وهي تداعيات ستترك آثارها المستقبلية . أولاً كسرت هذه الحرب بنتائجها اندفاع امريكا لتأسيس الشرق الاوسط الجديد من بوابة لبنان، فتبين أن هذه البوابة قد دفنت مسروع الشرق الاوسط الجديد، فإلى أن يفحصوا ميّتهم ويبحثوا عن بوابة أخرى قد يسبقهم القطار، ثانياً هزم الجيش الذي لا يُقهر كما يُعرَّف عنه في منطقتنا، وهُزمت فزاعة المنطقة والعالم وبدأت التداعيات في داخل المجتمع الصهيوني من الاستقالات إلى التشاؤم إلى الهجرة المضادة إلى حالة الاحباط إلى الارتباك الذي يعيشه المجتمع الصهيوني، ثالثاً وهذا الاهم، انهارت ثوابت واسس في السياسة الاسرائيلية لا بد أن تعيد النظر على استنتاجات جديدة تريد أن تخطط لها اسرائيل لترى أن ما خططته لأكثر من خمسين سنة في المنطقة، ويجب أن يبتلعوا الارض ويقنِّنوا الابتلاع. اليوم عادت المقاومة في لبنان وفي فلسطين وفي المنطقة وهي تقول لهم مشروعكم، لم يعدْ قابلاً للحياة، ففكروا مجدداً بهذا المشروع الاستكباري. هذه أبرز التداعيات على المستوى الاستراتيجي، وهنا مهما وصفت في حديثي عن شباب حزب الله، وعن أخواتنا وأمهاتنا ونسائنا وبناتنا أثناء المعركة، من كان منهم في المواقع الامامية يقاتل بالسلاح، ومن كان منهم يحمي المجاهدين أو يقف عزيزاً في الخلف، لن أستطيع أن أنقل لكم الصورة بحذافيرها وبدقتها، كنا أمام مجاهدين أعاروا جماجمهم لله، والله لقد عشق هؤلاء محمداً وآل محمد، عشقاً لا يوازيه عشق على الارض، وأما النساء فكنّ يتحمّلأن مرارة التهجير والقتال، والواحدة منهن تقف امام وسائل الاعلام لتتحدى وتعلن أنها تتحمل ، تذكرنا بالزهراء (ع)، وتذكرنا بكل هذا المنهج لأهل البيت (ع) .
هؤلاء أبناء الولاية الشرعية، أبناء الامام الخميني (قده) استاذنا ومعلمنا ومربينا وصاحب هذا المنهج وصاحب هذا الخط، وعلى دربه نقتدي بالامام الخامنئي حفظه الله ورعاه، ونسأله جلّ وعلا أن يمكِّننا من أن نكون من الممهدين لصاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، نسأل الله أن يمكِّن هؤلاء الشباب من أن يصلوا مع هذه الامة إلى هذه الدرجة العظيمة.
وهنا أقول لكم بأن المقاومة حق، وهذه المقاومة لا تكون إلا إذا كانت مسلحة، من حقها أن تتسلح لتدافع، فالدفاع لا يحتاج إلى إذن، لا من أمريكا ولا من مجلس الامن ولا من أحد، نحن في موقع الدفاع ولسنا في موقع الهجوم، واليوم أقول لكم أننا سنبقى في موقع الدفاع، لكن سنهيّئ مستلزمات الدفاع بشكل كامل، حتى إذا فكرت اسرائيل في يوم من الايام بأي عمل فستجد الأمرَّ والأدهى مما وجدته في عدوانها في تموز 2006.
يتّهموننا بأننا جزء من المحور الايراني السوري، وأن هذا المحور يشكل علامة استفهام. هذا المحور ليس تهمة بالنسبة إلينا، وعندما يقولون ذلك نقول لهم بأنكم تصفون شرفاً نتمنى أن يستمر إن شاء الله، لأن هذا المحور هو محور خير ومحور صلاح. ما هي مشكلة إيران؟ أنها تريد أن تكون دولة لا شرقية ولا غربية؟ هذا فخر، أو أنها تريد أن تكتسب العلم النووي السلمي؟ هذا حقها، أو أنها تدعم حقوق الشعوب في المقاومة و التحرير؟ هذا عمل إيجابي جداً لكل حر في العالم. من حقنا أن نتحالف مع من نريد، وطبعاً هذا الحلف الذي يتحدثون عنه وصل إلى فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وإيران في الواقع ليس حلفاً منظماً له اسس تنظيمية، إنما أمريكا المعتدية لها مشروعها، وكل من يعارض مشروعها تضعه في هذا الحلف، وتعتبره في الخانة الاخرى. لنا الفخر أن نكون في المحور المعادي لسياسة أمريكا الظالمة والمنحرفة.
قد تتساءلون: طالما أنكم نجحتم في عدوان تموز، وحققتم هذا النصر الاستراتيجي، ما هي قصتكم في الداخل اللبناني؟ نحن نسمع كثيراً كلام يقول بأن وضع لبنان السياسي لم يجد حلاً بعد، وأن صراعاً موجوداً بين قوى السلطة والمعارضة التي يعمل من خلالها حزب الله، ولا يوجد حل مباشر في لبنان. سأكون صريحاً معكم، قتال العدو اسهل مئة مرة من المعالجات السياسية داخل البلد الواحد، لأن العدو واضح وقتاله بطرده، وهذا أمر له حلّ، بينما عندما نختلف سياسياً فالامر مختلف ، إذ أن كل المواطنين لهم الحق بأن يكونوا في هذا البلد، وباتالي لا بد من اتفاقات سياسية، وأساليب الاعتراض اساليب تتطلب الحشد الشعبي، وتتطلب التفاهم والتعاون. من هنا لا قدرة لأحد أن يُلغي أحداً، ونحن نقول بأنه ليس مطروحاً عندنا أن نُلغي أحداً، صحيح أن انتصارنا كان كبيراً على العدو الاسرائيلي، لكن إن شاء الله ينير هذا الانتصار في الداخل، إلا أن الامر يحتاج إلى صبر، فمشكلتنا في لبنان أن القرار ليس بيد من تخاصمه سياسياً في لبنان، القرار السياسي بيد أمريكا، أمريكا تقول لهم وافقوا أو لا توافقوا، لذا نعيش هذه المشكلة. على كل حال قررنا أن لا ندع هذه السلطة تحكم في لبنان حتى لا تأخذه إلى المجهول، وإلى الآن هي لا تستطيع أن تحكم، وسنبقى كذلك لتعي أن لا إمكانية لها على الحكم ، ونحن نعتبر أن نجاحنا هو أننا صمدنا حتى الآن في منع أخذ لبنان إلى المشروع الامريكي .
إذا نظرنا اليوم وجلنا في العالم سنجد أن كل مآسيه من أمريكا، في لبنان، في العراق الجريح من الاحتلال الامريكي، فنحن مع أن يقرِّر الشعب العراقي خياراته، ولسنا مع أن يتدخل معه أحد، أو أن يقف بوجهه أحد، هو حرٌّ أن يختار وأن ينتخب من يشاء، وأن يحكم بالطريقة التي يريدها وأن يتحرر، وتكون خيارات العراق بيد سلطته التي يختارها، هذا حق العراق، لكن أمريكا تحاول أن تُحدث الفتن في كل مكان ، فهي تحاول أن تفرض شروطها في فلسطين، فقد خلفوا بين الفلسطينيين، ويشجعون الاسرائيليين ويدعمونهم بالسلاح والامكانات، ويعطِّلون كل حلّ.
المشكلة مع إيران هي أن أمريكا لا تريد أن تسمح لإيران بأن تستخدم العلم الذي يسمح به القانون الدولي، تحت عنوان الهواجس من إيران، والخوف من إيران، في لبنان صنعوا ما صنعوا، في سوريا أيضاً وفي أفغانستان، كل مآسي المنطقة من أمريكا. بالفعل لا يوجد شيء اسمه دول معتدلة أو دول متطرفة، هذه صناعة أمريكية، لا يوجد خلاف بين السنة والشيعة على المستوى السياسي، والمشاكل هذه صناعة أمريكية، إنما يوجد خط أمريكي يريد أن يخلفنا، ويريد أن يحدث لنا المشاكل والتعقيدات.
أختم بعنوان أستفيده من أداء حزب الله في لبنان ومن المآسي التي تركتها أمريكا في كل منطقتنا، سنكتشف جميعاً أن المقاومة ليست خياراً لبلد دون آخر، يبدو أننا في زمنٍ ستكون فيه المقاومة خياراً لجميع البلدان في مواجهة الاحلالات التي تعنيها، كلٌّ يواجه احتلالاً يعنيه من أجل الخلاص، وبغير هذا ستمتدّ أيادي الاحتلال وستضرُّ بنا وتؤذينا كثيراً.
نشكر المجمّع العالمي لأهل البيت على هذا الجمع الطيب وعلى هذه الجهود الكريمة، وخاصة آية الله الشيخ يزدي وحجة الاسلام والمسلمين سماحة الشيخ أختري، ولكل من ساهم في إيجاد هذا اللقاء الطيب الكريم، وإن شاء الله تبقى هذه الشعلة والعطاءات الخيّرة على منهج أهل البيت(ع) سبباً لنشر الدعوة الاسلامية وفق هذا المنهج، لإعلاء كلمة لا إله إلا الله، محمد رسول الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .