بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأعز المرسلين مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحبه الأبرار المنتجبين، السلام عليكم أيها السادة العلماء أيها الحفل الكريم، ورحمة الله وبركاته.
في البداية كل التحية لاتحاد علماء بلاد الشام على هذه الدعوة الخيرة الطيبة، للحديث عن سماحة الإسلام وفتنة التكفير.كلنا يعلم أن دين الإسلام هو دين الرحمة، قال تعالى :"وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ "، وتكون الدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"، وعندها يصبح الإيمان خياراً حراً للإنسان، إما أن يؤمن وإما أن يكفر "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ"، فإذا اتخذ مسلك الكفر جاءته الآية الكريمة "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ"، فإذا أردنا أن نتعرف على النهاية فهي في الحساب عند الله تعالى، قال جلًَّ وعلا: "فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ*إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ* فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ*إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ".
من نصَّب هؤلاء من أجل يحاسبوا الناس ويميزوا بينهم بإدخال بعضهم إلى الجنة وإدخال الآخرين إلى النار، ومن فوض المكفرين ليكونوا رعاة لهذه الأمة يعيثوا فيها الفساد ويتدخلوا في خلاف أمر الله تعالى، صورتهم لا تنسجم أبداً مع صورة الإسلام، صورة الإسلام هي التي تنعكس على كل مفردات السلوك، أما الصورة الوحشية، وفرض الفهم الإسلامي بالقوة، وقتل المخالفين فهو خارجٌ عن صورة الإسلام والإسلام من هذه الصورة براء. حتى عندما دعا إسلامنا العظيم إلى الجهاد في سبيل الله تعالى، إنما دعانا للدفاع المشروع بالصورة الإنسانية التي تعطي أرقى معاني المواجهة مع الأعداء، فلا يجهز على الجريح، ولا يلاحق الهارب من المعركة كتعبير عن شرف القتال وشرف المواجهة.
نعم هناك مجاهدون في سبيل الله قدموا في زماننا نموذجاً راقياً رائعاً أذهل البشرية جمعاء، لأنه أعاد إلى الذاكرة تلك التعاليم العظيمة لإسلامنا الحنيف، عنيت بهم أولئك الذين قاوموا عدو الله إسرائيل، وواجهوا بكل صلابة وصدق، قالوا لا إله إلاَّ الله وقاتلوا، وآمنوا برسول الله محمد(ص) وواجهوا، وإذ بهم يدحرون إسرائيل ويحققون شرف الأمة ونصرها وعزتها وتحرير أرضها.
نعم هذه المواجهة هي التي تعطي العنوان لأولئك الصادقين الذين يعملون في درب الحق، علينا أن نواجه المشروع التفتيتي لبلاد المسلمين، الذي يحاول أن يبني شرق أوسط جديد ليهيمن من خلاله على مقدراتنا وعلى أجيالنا، ونحن مسؤولون أن نضح حداً لهذا العمل الإجرامي.
التكفير مشروع عبثي لا أفق له، هو يحقد على كل من حوله, وهو انحراف تربوياً واضح, لا يمكن أن نقبل بأن يكون هذا المنهج هو السائد في بلادنا، وهو الذي خربها وعمل فيها الفتن والمشاكل والمصائب التي لا تحصى ولا تعد.
هؤلاء المكفرون بدل أن يواجهوا أعداء الأمة إنما يقتلون الأمة من داخلها ليسهلوا لأعداء الأمة أن يسيطروا عليها، بكل صراحة ليس لديهم وضوح، لا في الأولويات، ولا في توجيه البوصلة، أولوياتهم منحرفة، وبوصلتهم خاطئة، وقناعاتهم بعيدة عن الحق، ولا يعبرون عن رؤية الإسلام بأي طريق من الطرق.
التكفيريون وبعض المغرر بهم يعملون بإرادة دولية ماكرة يواجهون من خلالها سوريا المقاومة، والموقع الاستراتيجي، وأهم مواقع الممانعة في منطقتنا، كلنا يعلم أن ما يحصل في سوريا اليوم هم تدميرٌ منهجي بإشراف دولي عربي إقليمي ومحلي في آنٍ معاً، هذا التدمير يحرم الأجيال من مستقبلهم، ويؤدي خدمة حقيقية لإسرائيل، أقول لهؤلاء التكفيريين بديلكم في سوريا معالجة الأخطاء ولا إنصاف الشعب، بل بديلكم تسليم البلد للأجانب والفوضى وهذا ما لا نقبل به.
ماذا تقولون عن تفجيرات العراق في الأسواق والمساجد أليست هذه الأعمال تذكرنا بأعمال إسرائيل في دير ياسين وباقي القرى الفلسطينية قبل أن تحتل من قبلهم؟ هل تريدون تحقيق الأمن والحقوق والدولة بقتل الناس ونبش قبور الصالحين، وأكل القلوب والأكباد، إنكم تخربون على الناس وعلى مستقبلهم.
ماذا نقول عن الاغتيالات التي حصلت في مصر بدافع التكفير فغي مواجهة أناس يخالفونهم في الرأي والموقف!
وعندنا في لبنان فتنة متنقلة يحاول البعض إثارتها بين حينٍ وآخر، ويحضرون عليها ليل نهار، من أجل أن يحققوا الفوضى، ومن أجل أن يأخذوا بلدنا إلى المجهول. البعض يسلك المسار التكفيري تحت عنوان أداء الدور الذي ينقذ البلد، كيف تنقذون هذا البلد وأنتم تعيثون فيه فساداً وإرهاباً وتحريضاً، لقد سمعنا بالأمس مساعد وزير الخارجية الأمريكية "بيرنز" وقبله "أوباما" قالوا بأن حزب الله هو المشكلة فردد مسؤولو العرب وأتباعهم من اللبنانيين العبارة نفسها بأن حزب الله هو المشكلة، وأقول نعم، حزب الله مشكلة لإسرائيل وأمريكا وللتكفيريين، فمرحباً بمشكلتنا على ثلاثي الإفساد الدولي في القرن الواحد والعشرين: أمريكا وإسرائيل والتكفيريين.
بالله عليكم أية صورة قدمها المجاهدون وما هي الصورة التي قدمها التكفيريون؟ صورة المجاهدين : تحرير وعزة وكرامة ووحدة والتحام وتكبير موحد، وإيمان موحد، وقرآن واحد وموقف واحد في مواجهة التحديات وتربية لأجيال الأمة حتى تكون على طاعة الله وعلى خط الاستقامة.
أما صورتكم أيها التكفيريون فصورة القتل والإجرام والبشاعة والتخريب ونشر الفساد، وخدمة أمريكا وإسرائيل، هل هذه الصورة هي صورة الإسلام! لا والله ليست صورة للإسلام.
بكل صراحة أنا لم أسمع حتى الآن منذ أكثر من عشر أو عشرين أو ثلاثين سنة نقاشاً سنياً شيعياًُ برز في آفاق الأمة الإسلامية وسبب خلافاً على موضوع واحد من موضوعات السنة والشيعة، كل الذي سمعناه هو الخلاف السياسي بين من يكون مع المقاومة ومن يكون مع إسرائيل، تارة نجد سنة وشيعة في الخندق الواحد في مواجهة إسرائيل، وأخرى نجد سنة وشيعة في الخندق الواحد مع أمريكا وإسرائيل، هذا هو الصراع صراع السياسة وليس صراعاً دينياً على الإطلاق، ونحن نرفض أخذه في هذا الاتجاه، وعلى كل حال نحن نرى فشلكم يوم بعد يوم، ونرى إحباطاتكم يوماً بعد يوم، ونعلم أنكم إنما تعيثون الفساد في الأرض من آلامكم ومراراتكم، ولكن أقول لكم: ما دامت هذه الثلة المؤمنة تمثل هذه الرصيد وأمثال اجتماعكم اليوم هو تعبير عن هذه الثلة المؤمنة فالأمة بألف خير ونحن منتصرون إن شاء الله تعالى "أن تنصروا الله ينصركم"
المشكلة في سوريا سياسية، والمشكلة في العراق سياسية، هي إسرائيل، والمشكلة في البحرين سياسية، وفي كل المواقع إنما تثار الفتنة بأيدي العاجزين والمستكبرين والحكام الظلمة.
أسألهم: ما هو مشروعكم وما هي انجازاتكم؟ عندما يقول تعالى في كتابه العزيز"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً" أي ود بينكم وبين أحد من المسلمين في كل العالم؟ وعلى كل حال قولوا لي: ما هو صالح أعمالكم الذي تفتخرون به لتقدموه على مائدة رسول الله(ص) في يوم القيامة؟
لقد أشار لي سماحة الشيخ حسون، بينما كنا جالسين: إذا كانت هناك رغبة جامحة عند هؤلاء أن يستعجلوا الذهاب إلى رسول الله(ص) فنحن حاضرون لنتفاهم معهم على طريقة نسرع لهم أن يذهبوا إلى رسول الله(ص) بدل أن يضروا الأمة، ويخرجوا من هذه الدنيا من لم يبحث عما يبحثون عنه، فإن لنا طرقاً كثيرة يمكن أن نخدمهم بأن نوجههم ليقاتلوا إسرائيل فيستشهدوا هناك، وعندها يأخذون المكرمة في الأرض وفي السماء، بدل أن يأخذوا اللعنة من الأرض والسماء في آنٍ معاً "أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ"، هل يمكن أن يتساوى هؤلاء؟
بكل وضوح الفتنة المذهبية والتكفيرية وجهان لعملة واحدة, من ضمن المشروع الأمريكي – الإسرائيلي، والآن أمريكا وإسرائيل يعيشان على الفتنة بعد أن سدت الأبواب الناعمة والصلبة أمامهم، ولكن أنتم تواجهون رجال الله، ورجال الله يقظون وسيبقون في الميدان بإذن الله تعالى، كلما وجهتم سهام الفتنة إلينا وجهنا البوصلة إلى العدو الحقيقي لنكشفه ثم نكشفكم معه ثم يكون الانتصار لرجال الله بحمده وشكره جلَّ وعلا.
كل التحية إلى اتحاد علماء بلاد الشام، والرحمة كل الرحمة لشهداء هذا الخط وعلى رأسهم الشهيد الكبير العلامة الشيخ الدكتور محمد سعيد البوطي، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.