محاضرات

الكلمة التي ألقاها في الجلسة الافتتاحية لاجتماع "لجنة المساعي الحميدة" المنبثقة عن المؤتمر الدولي السادس والعشرين للوحدة الإسلامية في مطعم الساحة في 16/5/2013

السنة لا يستهدفون الشيعة، والشيعة لا يستهدفون السنة، بل الشيعة والسنة مستهدفان

 بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد(ص) وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحبه الأبرار المنتجبين.
 السلام عليكم أيها السادة العلماء، أيها الأخوة الكرام ورحمة الله وبركاته.
 في البداية كل الشكر والتحايا لمؤتمر الوحدة الإسلامية السادس والعشرين الذي انعقد في طهران المجاهدة، والذي أنتج لجنة المساعي الحميدة برئاسة سماحة آية الله الشيخ الأراكي أمين عام المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية.
 وقد عودتنا إيران الإسلام بقيادة الإمام الخامنئي(حفظه الله تعالى ورعاه) ومن قبله الإمام الخميني(قده)، لأن تكون رائدة للصحوة الإسلامية ورائدة للوحدة الإسلامية ومحاولة جمع مقدرات هذه الأمة لتتجه في الاتجاه الصحيح.
 قال تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ"، ومن المهم أن نتعرف على البر والتقوى لأن المشكلة الأساس التي نعانيها في عالمنا الإسلامي، هي اختلاط المفاهيم إلى درجة يصبح فيها الحق باطلاً والباطل حقاً، نحن أمام خلافات نريد أن نتدخل لمعالجتها، وليكن معلوماً أن الخلافات التي نواجهها هي خلافات سياسية بامتياز، ولم أرَ في كل الخلافات الظاهرة على سطح العالم الإسلامي في كل البلدان الإسلامية أي خلافات مذهبية، لم أجد واحداً من العلماء أو من السياسيين أو من المفكرين يحتج على الجهة الأخرى أو الطرف الآخر في الخلاف الذي ينشأ في دولة عربية أو إسلامية بآية قرآنية أو موقف إسلامي أو حكم شرعي، كل النقاشات إما أنها تدور حول الخلافات السياسية، أو تحصل إسقاطات مذهبية لا علاقة لها بالموضوعات المختلف عليها، وهذه الخلافات السياسية في الواقع تتمحور حول ثلاثة أمور:
1- هناك خلاف بين مجموعات تعيش في بلدٍ معين مع السلطة السياسية حول المشاركة السياسية والإصلاحات، وهي خلافات داخلية بامتياز يحاول المستكبرون أن يستثمروها لمصالحهم.
2- الخلاف الإقليمي الكبير ومحوره فلسطين، وبسبب هذا الخلاف نشأ محوران: محور المقاومة لاستعادة الأراضي السليبة في فلسطين، ومحور أمريكا وإسرائيل بالهيمنة على المنطقة.
3- والخلاف الثالث هو المحاولات الحثيثة للدول المستكبرة للتدخل في شؤون بلداننا كمحاولة للهيمنة والوصاية والاستعمار.
إذاً نحن أمام خلافات سياسية ثلاثة: داخلية وإقليمية ودولية، ولا علاقة للخلاف المذهبي لا من قريب ولا من بعيد.
ولو أردنا التطبيق لتحدثنا عن المشكلة والأزمة الكبيرة الموجودة الآن في سوريا، هذا الخلاف لا علاقة له بالمذهب، ولا علاقة له بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد، هناك قرار دولي بانتزاع سوريا من قلب معادلة المقاومة، نظاماً وجيشاً وشعباً، وهذا الانتزاع تطلب أن يكون هناك تدميرٌ منهجي لسوريا بمحاولات حثيثة من أجل عسكرة المطالب الداخلية، وتحويلها إلى قضية مركزية نيابة عن الإصلاحات التي كانت صورة لم تأخذ مداها ولم تحقق أهدافها.
في هذا الأمر أعلنا بوضوح نحن لسنا حياديين في مشاكل الحق مع الباطل، نحن لسنا حياديين في الوقوف في الوسط بين الحق والباطل، بل لا بدَّ أن نتخذ موقفاً واضحاً، "وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ"، وقلنا مراراً وتكراراً الحل في سوريا هو حلٌ سياسي داخلي بين الأطراف المختلفة، بصرف النظر عن التطورات التي حصلت، وعن المجازر التي ارتكبت، وعن الأداء السلبي الذي أبرز بشاعة لم نرَ مثلها في هذا الزمن.
الحل السياسي في سوريا هو المخرج الذي يوقف التدمير المنهجي والذي يخدم في نهاية المطاف هذا التدمير إسرائيل، ونحن ندعم أي جهود تصب في إطار المصالحة، وإطار التفاهم والتعاون على القضايا المختلفة.
النموذج الثاني ما يحصل في البحرين، مطالب الشعب البحريني مطالب منحصرة بالتمثيل السياسي على مستوى الانتخابات النيابية وطريقة الحكم، وهي مطالب سياسية مشروعة، ولا يمكن للمساندة الدولية والإقليمية للحكم، أو الصمت الدولي عن ما يجري مع شعب البحرين أن يغير الحقائق، من واجب السلطة السياسية في البحرين أن تسمع وتناقش وتتواصل وتحاور وتصل إلى النتائج المناسبة، ليشعر كل مواطن بأنه ممثلٌ وأنه يبدي قناعاته بحرية واحترام من قبل الأطراف الأخرى، وقد رأينا كيف أن التحرك في البحرين كان تحركاً سلمياً لأكثر من سنتين ومع ذلك لم يكن هناك جدية حقيقية في محاولة الوصول إلى الحلول، في نهاية المطاف الحل السياسي هو الحل الأمثل بالتفاهم بين الأطراف المتنازعة.
في هذا اللقاء الكريم أقترح مجموعة من الأمور التي يمكن أن تساعد في نجاح لجنة المساعي الحميدة برئاسة آية الله الشيخ الأراكي، والتي تعبر عن ضوابط يمكنها أن تخطو خطوات إيجابية نحو الأمام:
أولاً: من الضروري أن نجري حوارات مكثفة مع علماء السنة والشيعة في عالمنا الإسلامي للتوصل معهم بأن المشكلة القائمة هي مشكلة سياسية، لأن بعضهم قد أُخذ على حين غرةٍ بالضوضاء السياسية والدولية والإقليمية، وانجرف أمام المشاعر العاطفية المذهبية التي لا أساس لها في الخلاف القائم، فهذه الحوارات يمكن أن تكسبنا المزيد من المشاركين في لجنة المساعي الحميدة.
ثانياً: التوضيح للرأي العام جميع الحقائق على الأرض بالأدلة الحسية، إذ لا يمكن أن يكون آكل لحوم البشر، وقاتل المدنيين والأبرياء في الأسواق من الذي يريدون إنصاف الآخرين وإعطاؤهم حقوقهم، ومن لا يتحمل صالحاً ميتاً في قبره لا يمكن أن يتحمل صالحين أحياء يمشون إلى جانبه في الحي وفي المدينة، وهذا الأمر يتطلب الكشف عن دوافع ونتائج وأهداف هذه الأعمال التي تجري والتي هي بعيدة كل البعد عن الإسلام الذي يعلن بكل وضوح وصراحة "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"، وهذا التوضيح للرأي العالم ليكن بالنتائج التي تحصل من الأعمال، نحن لا يهمنا أن يقف شخصٌ أو جهة ويدعون أنهم يعملون للمصلحة العامة نحن نريد أن نرى آثار أعمالهم.
ثالثاً: أمريكا حريصة على المشروعة الإسرائيلي، ولا يمكن أن تكون حكماً ولا مؤتمناً ولا طريقاً للوصول إلى رأب الصدع.
رابعاً: ليكن الموقف السياسي المختلف عليه مشروعاً من كل الأطراف، ولا يمكن أن نقبل بسياسة كم الأفواه، فمن حق أي جهة أن تقبل أو أن تعترض أو أن تبدي وجهة نظرها، وعلى الجهة الأخرى أن تقبل أو تعارض ولكن بطريقة سياسية.
خامساً: السنة لا يستهدفون الشيعة، والشيعة لا يستهدفون السنة، بل الشيعة والسنة مستهدفان بالأباطيل والتحريض وتحريف الأولويات، هما مستهدفان من المشروع الإسرائيلي الذي ينمو على التفرقة وعلى الصراعات الجانبية وتحويل البوصلة عن الأزمة الأساسية في مواجهة إسرائيل.
وكما قال أمير المؤمنين علي(ع): "وأعينوا على أنفسكم بلزوم الطريقة المستقيمة، وهجر الأمور المكروه، وتعاطوا الحق بينكم، وتعاونوا به دوني، وخذوا على يد الظالم السفيه، وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، واعرفوا لذوي الفضل فضلهم".
سادساً: من يطمئن إسرائيل ويستجدي نصرة أمريكا، ولا يقدم المال والسلاح للمقاومة، ولا يسعى لإعادة كامل التراب الفلسطيني المحتل، ولا يؤيد ذلك، ولا يقبل الحوار والحلول السياسية، لا يخدم المذهب ولا الإسلام لا من قريب ولا من بعيد، بل يخدم المشروع الإسرائيلي.
سابعاً: أقترح أن تعرض لجنة المساعي الحميدة رؤيتها للحلول بقواعده العامة، وتراسل الجهات المختلفة، وترى القابلية للاستجابة مهما كانت محدودة لتخطو خطوات علَّها تتوفق في مزيدٍ من رأب الصدع وتحقيق الوحدة بين المسلمين.
نؤكد مجدداً أننا لا نعتبر الدعوة إلى الوحدة عملاً سياسياً طارئاً، الوحدة دينٌ ندين به، وإن شاء الله تتوفق هذه اللجنة، وكل التحية لرئيسها وأعضائها وللجمهورية الإسلامية ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.