بسم الله الرحمن الرحيم
أكمل الله تعالى النعمة على الانسان بالإسلام، وأرسل نبيه بها رحمة للعالمين، "وما أرسلناك إلى رحمة للعالمين"، الذي أوصى بها لسعادة البشرية في الدارين، قال رسول الله (ص): "يا أبا ذر: إحفظ ما أوصيك به تكن سعيداً في الدنيا والآخرة"، ثم عدَّد له وصايا الإسلام في مسائل الحلال والحرام.
شقَّ الإسلام طريقه في أصعب الظروف ومع أشد الأقوام جهلاً، فدخل الناس في دين الله أفواجاً، فانتشر انتشارا عظيماً، ثم واجه تحدِّيين كبيرين:
أحدهما داخلي وقد اتخذ أشكالاً متعددة: كالتنافس على السلطة، والتحجر، والمغالاة، والتكفير..
وثانيهما خارجي بمواجهة الأعداء على المستويات الثقافية والسياسية والعسكرية ومحاولة القضاء على الإسلام والمسلمين.
حفظ الأئمة والعلماء هذه المسيرة، وبذلوا جهوداً وتضحيات كبيرة، لإبقاء الشعلة مضيئة على خط الاستقامة، إلى أن نجحت نهضة الإمام الخميني (قده) في إقامة دولة الإسلام المباركة في إيران عام 1979، لتشكِّل بيرق الصحوة الإسلامية المضيئة في النصف الثاني من القرن العشرين, في ظل ظروف دولية وإقليمية قاتمة وخطرة في حياة أمتنا.
لقد شكَّلت الثورة الإسلامية الإيرانية الإنجاز المنعطف، وأمدَّت العلماء وحركات التحرر والشعوب بزخم النور الإلهي، وأعطت الأمل من جديد بعودة الإسلام إلى الحياة السياسية والقيادية والعملية، وكشفت زيف الأطروحات الاستكبارية والتابعة لها في منطقتنا، وهي التي مثَّلت ماء الحياة المعاصرة: "وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ" (الحج 5).
وقد نشطت محاولات الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية في منطقتنا بدل الاحتلال العسكري المباشر إلا في فلسطين، لكن بدأت تنمو في المقابل مساعي العودة إلى الأصالة ورفض التبعية، وعاد الإسلام يتصدر النقاشات وحياة الناس، فاصطدمت محاولات الأمركة والتغريب ذات الاتجاه المادي بحركة العلماء والمجاهدين وعامة المؤمنين، ثم حاول الغرب أن يستوعب موجة العودة إلى الإسلام, فصنَّف المسلمين واتجاهاتهم بين الاعتدال والتطرُّف، واصفاً جماعته بالمعتدلين وكل الآخرين بالمتطرفين. لكن هذا الأمر لم يغيِّر واقع انتشار الصحوة الإسلامية واتساعها, وتنوع آثارها, وبروزها كتحدٍّ حقيقي لمستقبل الشعوب الإسلامية.
ميزة هذه الصحوة الإسلامية أنها استوعبت العناوين الوطنية والقومية والتحررية واختلاف الأعراق واللغات، فقد تماهت مع حب الأوطان وتحريرها، واجتماع القوم على القضايا المشتركة، ومع التحرر من هيمنة الاستكبار وعملائه. وقوتها أنَّها تهدي أتباعها إلى سرِّ حياتهم العزيزة، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ" (الأنفال:24), وهي مستمرة ومتصاعدة وستشمل كل المنطقة بإذن الله تعالى.
وقد اتخذت الصحوة أشكالاً ثلاثة:
1- تغيير أنظمة الحكم بالحد أدنى, الذي تمثل بإسقاط الحكام الفعليين كتونس ومصر وليبيا، إلى الحد الأقصى بتغيير الدستور والقوانين كما حصل في إيران.
2- المقاومة ضد الاحتلال الأجنبي ومثاله المضيء مقاومة حزب الله في لبنان ضد إسرائيل، ومقاومة حماس والجهاد والمنظمات الفلسطينية ضد إسرائيل، ومقاومة الاحتلال الأمريكي في العراق وأفغانستان..
3- التحرك للمطالبة بالعدالة وحق التمثيل الشعبي كما في تحركات العديد من القوى الفاعلة في المنطقة وعلى رأسها ما يقوم به الشعب البحريني المجاهد.
من المهم أن تتركَّز أولوياتنا على مواجهة الاستكبار والاحتلال ومشاريعهما، وأن لا نضيع البوصلة في الالتهاء بخلافات جانبية أو جزئية، فالكل يعلم أن المشكلة الكبرى التي أرهقت منطقتنا والعالم هي "الاحتلال الصهيوني لفلسطين"، وكل مصائبنا من إسرائيل، التي تقتل وتدمِّر وتهجِّر وتخرِّب الاقتصاد والأمن، وتحيك المؤامرات على منطقتنا، ففلسطين قاعدة انطلاق المشروع الإسرائيلي الذي يتجاوز ما بين المحيط والخليج إلى مصائر الشعوب. إسرائيل خطرٌ علينا وخطرٌ على البشرية جمعاء، فمنطلقاتها عنصرية, وأدواتها إجرامية, وأهدافها تدمير البشرية، ولا حلَّ إلا بالمقاومة لتحرير كامل فلسطين من البحر إلى النهر، المقاومة التي أنجزت في لبنان وفلسطين، المقاومة التي هزمت إسرائيل في 2000 و2006 و2008 و2013، المقاومة التي صمَّمت أن تستمر وتنمي قدراتها باستمرار لتواجه التهديدات والتحديات.
لن ينفَع إسرائيل أن تستخدم لغة التهديد بالحرب، فالمقاومة جاهزة في الميدان بالمرصاد، متَّكلة على ربِّها، منطلقةً بسواعد مجاهديها ومجاهداتها، واثقة بالنصر من عند الله العزيز الحكيم.
يوجد تدمير منهجي للجمهورية العربية السورية بإشراف دولي إقليمي، ولا حلَّ إلا بالحوار الداخلي بين الأطراف المختلفة بعيداً عن السلاح والتدخل الخارجي، فقد مرَّت سنتان، والأزمة تتعقَّد، ويتبيَّن في كل يوم أن الحل السياسي هو المنقذ لسوريا مما هي فيه.
ستحصل إنجازات عظيمة في إطار الصحوة، وستواجهنا أخطاء وانحرافات، ولكننا مطمئنون بأنَّ بيرقَ الحق واضح، وسينكشف المزيفون والمحرضون والمفتنون الذين يسيؤون إلى هذه الأمة. فنورُ الإسلام يكشف الظلمات، ولا إمكانية لأحد أن يدَّعي الالتزام بدين الرحمة والأخلاق والإخلاص والتقوى ثم لا يكون في سلوكه الرحمة ولا في أدائه الأخلاق, ولا في عمله الإخلاص، ولا يتَّقي الله في عباد الله لأنهم يخالفونه فيكفِّرهم وهم من المسلمين. قال تعالى: "اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ" (الأعراف:3).
لا توجد خلافات مذهبية في المواقف السياسية، واختلافات الرؤى بين القوى الإسلامية المختلفة أو غير الإسلامية كذلك. واذا دقَّقنا النظر فسنجد أنَّ الخلاف الحقيقي هو بين محورين: محور الاستكبار التي تقوده إسرائيل وأمريكا، ومحور المقاومة الذي يريد الاستقلال وحرية الخيار وتحرير أراضي المسلمين والعرب وعلى رأسها فلسطين. علينا أن ننتبه من أولئك الذين يغلِّفون مواقفهم بلبوس الدِّين ليضلِّلوا عامة الناس, ويعوِّضوا ضعف قدرتهم على التعبئة الصحيحة. علينا أن ننتبه من الحكام الذين يستغلون علماء البلاط من أجل إيقاع الفتنة المذهبية لمصالح سياسية. علينا أن ننتبه فالخطر من أمريكا وإسرائيل، أما المذاهب الإسلامية فهي طريق لعبادة الله الواحد الأحد حيث نتشارك فيها جميعاً ونتنافس للتضحية في سبيل الله تعالى. وقد حذَّر الإمام الخامنئي(دام حفظه) من هذا المنزلق, فقال في المؤتمر الأول للصحوة: "توصيتي المهمة: الحذر من الاختلافات المذهبية والقومية والعنصرية والقبلية والحدودية. اعترفوا بالتفاوت ووجّهوه بإدارة حاذقة. التفاهم بين المذاهب مفتاح النجاح. أولئك الذين يضرمون نيران التفرقة المذهبية أو يعمدون إلى تكفير هذا وذاك، هم عملاء الشيطان وجنده حتى لو لم يعلموا هم بذلك. إقامة النظام عمل كبير وأساسي، إنه عمل معقد وصعب".
لقد أعلنَّا التزامنا كحزب الله بولاية الفقيه، لأنَّنا نؤمن بحاجتنا لتبرئة ذمتنا الشرعية بإشراف القيادة العالمة المقتدرة والمدركة لمصالح الناس، وهو وسامُ استقامةٍ واطمئنان إلى قيامنا بتكليفنا الشرعي، ولقد لمسنا بركات هذه الولاية في مسيرتنا بقيادة الإمام الخميني (قده) ثم بقيادة الإمام الخامنئي (دام حفظه).
إنَّ أبرز القواعد التي تحقِّق التغيير المعاصر الفعَّال بدافع الصحوة هي:
1) الإيمان بالله تعالى ورسالته الاسلامية السمحاء.
2) جهاد الشعوب من أجل التغيير.
3) التعاون مع كل أطياف المجتمع, ونبذ التفرقة ورفض الفتن بأشكالها المختلفة وخاصة المذهبية منها.
4) التركيز على سلم الأولويات وعلى رأسها تحرير فلسطين.
5) رفض التبعية الأجنبية بكل معالمها الفكرية والسياسية والعملية.
نحن معنيون بتوضيح الحقائق للناس، وتبليغهم برسالة الإسلام، ورسم الأولويات بدقة، والتأكيد على وجوب وحدة المسلمين من دون المساس بمذاهبهم وجماعاتهم، وتحرير شعوب منطقتنا من الزيف وضغوطات السياسات الاستكبارية, لتكون خياراتهم حرة، وعندها سيكونون جزءاً من الصحوة، ومن سلك طريقها فسينقِّي خطواتها ويواجه المخاطر التي تعترضها، ومن يتوكل على الله فهو حسبه.
كل الشكر والتحايا لسماحة الإمام القائد الخامنئي (دام حفظه), ولرئيس المؤتمر العالمي للصحوة الإسلامية الدكتور ولايتي, وللجمهورية الإسلامية الإيرانية بكل مؤسساتها, على رعايتهم لمؤتمرات الصحوة ومواكبتهم لانجازاتها, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته