المقاومة أمر أساسي، ونحن نتمسك به لا لأنه يُعطينا قوة خاصة في مقابل القوى الأخرى الموجودة في بلدنا، لأنهم ليسوا في موضع التنافس بقوة المقاومة، فالحمد لله لدينا من الشعبية ما يكفي لنُثبت حضورنا وقوتنا من خلال الانتخابات النيابية ومن خلال اختيار الناس، وفي كل ما مر من انتخابات في لبنان منذ سنة 1992 وحتى الآن كنا نحضر في الساحة بقوة اختيار الناس في الانتخابات النيابية أو البلدية، ولم يكن حضورنا يوماً بواسطة سلاح المقاومة، فهو سلاح مخصص لمواجهة إسرائيل. بالتالي نحن اليوم عندما نؤكد على استمرارية المقاومة إنما نؤكد على مشروع الممانعة والمواجهة للمشروع الأمريكي الإسرائيلي الذي يريد السيطرة على بلدنا والذي يريد أن يسلبنا حقنا وقدرتنا ومكانتنا.
مشكلتنا مع جماعة 14 آذار ليست مشكلة سياسية لها علاقة بالمسائل الداخلية، بل ليس لنا مشكلة سياسية في خلاف سياسي معهم، لأنه في أي بلد ممكن أن يختلف فريقين سياسياً وهذا أمر طبيعي. مشكلتنا معهم أنهم أصبحوا جزءاً من منظومة استهداف المقاومة التي تصب في مصلحة المشروع الأمريكي والإسرائيلي، يعني هم يعملون كأدوات وليسوا كأصحاب مشروع، وبالتالي كل الاستهدافات الأمريكية الإسرائيلية نراها مترجمة بالمواقف الأمريكية الإسرائيلية من ناحية وبمواقفهم من ناحية أخرى. لهذا نقول لهم: تعالوا نختلف بشكل حضاري في الداخل، تعالوا نتفق بشكل حضاري في الداخل، تعالوا نتحاور لنصل إلى قواسم مشتركة في الداخل. أصرَّينا في وقت من الأوقات على أن تكون لدينا حكومة وحدة وطنية، لأننا نعتبر أن الخلافات الموجودة إذا كان طابعها داخلي أو لمصحلة لبنان فبإمكاننا أن نتعاون سوياً، لكن كانوا دائماً يتملَّصون بمدِّ الخطوط على الواقع الدولي وعلى متطلبات أمريكا وإسرائيل. هذه المنظومة التي تستهدفنا مبنية على ثلاثة استهدافات أساسية، وهذه الاستهدافات يخوضها جماعة 14 آذار بشكل سلبي جداً، وهي كما يلي:
الاستهداف الأول: يرفعون شعار إسقاط سلاح المقاومة لإسقاط القدرة التي جعلت من لبنان بلداً يستطيع أن يقبل أو أن يرفض، وأن يكون له قراره السياسي الذي يجب أن يحترمه الآخرون، ولولا هذه المقاومة لما احترموه.
الاستهداف الثاني: من خلال المحكمة، هي قرار دولي مفتوح يُملأ بما يُناسب في كل مرحلة وفي كل ظرف، وبالتالي استهدافات قرار المحكمة لا حدَّ لها، بينما كل قرارات مجلس الأمن تكون محددة ببند أو اثنين أو أكثر، أما قرار المحكمة هو قرار من مجلس الأمن ذو شُعَب كثيرة، ويفتح إلى سنة وإثنتين وعشرة وأكثر، ويستطيع أن يُدخل في داخله اللبناني والسوري والفلسطيني والإيراني والعربي، ويستطيع أن يُدخل فيه الجرائم والمسؤوليات، ويستطيع أن يُدخل أفراداً كثُر لا إحصاء لهم، ويستطيع أن يُدخل منظمات وأحزاباً وجمعيات.
الاستهداف الثالث: الإمساك بالسلطة لتسهيل تجاوز الدستور ومخالفة الميثاق الوطني، وتوفير آليات غير قانونية توضع بتصرف الدول الكبرى لاستهداف المقاومة من معبر الواقع الداخلي، لذلك السلطة بالنسبة إليهم أمر كبير جداً، فمن دون السلطة هم مجردون وغير قادرين على القيام بالمشروع الذي يريدونه.
في الاستهدافات الثلاثة فشل جماعة 14 آذار ومن وراءهم. أما أولاً، فقد فشلوا في إسقاط المقاومة وقدرة لبنان على المواجهة، على الرغم من أنهم لم يتركوا خياراً إلا واستخدموه، حتى وصلوا إلى خيار العدوان الإسرائيلي الشامل سنة 2006، فتحطم الإسرائيلي على صخرة الجيش والشعب والمقاومة في لبنان، وسُجِّل أعظم إنتصار في منطقتنا بل في العالم، وبالتالي فشل الاستهداف الأول عبر الضربة الإسرائيلية الكبيرة والعدوان الكبير. ثانياً، هالتهم خسارة السلطة التي سقطت من أيديهم في غفلة من أمرهم، ظنًّا منهم أنهم يتملكون عوامل الاستمرار بالإمساك بها رغم المخالفات والتجاوزات والارتكابات الكثيرة التي قاموا بها، فكان عند أول سقوط السلطة من أيديهم أن ارتكبوا أخطاء ميدانية وسياسية أبرزتهم كجهة منفعلة، غير قادرة على ضبط نفسها ولا ضبط جمهورها، ولا تعلم كيف تتصرف في مواجهة هذا التحدي، فبدأت تلجأ إلى الفوضى والتخريب والصراخ الذي ارتدَّ عليها مجدداً ولم ينفعها. كلنا يذكر يوم الغضب اذي أتى بعد السقوط المدوِّي للرئيس الحريري واتجاه الأمور لتكليف الرئيس ميقاتي، وكلنا رأى ما حصل عندما تشكلت الحكومة في استخدام السلاح في طرابلس وبداية التهديد بالفوضى والحركة الميليشياوية، في الوقت الذي كانوا يدَّعون أن لا ميليشيا لديهم ويدَّعون أنهم يريدون بناء الدولة، فتبيَّن أنهم هم الذين يعملون على تخريبها ولا يحترمون المؤسسات الدستورية والمسارات الصحيحة، لكن الحمد لله الأغلبية النيابية والشعبية لم تُسعفهم ولم يغيِّر ما فعلوا شيئاً، وإنما أعطى شهادة حضارية للأكثرية النيابية التي صبرت وتحملت ومدَّت اليد، وهي تستمر في بناء هذا البلد.
الفشل الثالث هو المحكمة، وهم يعتقدون المحكمة هي الورقة الباقية بالنسبة إليهم، فيتعلقون بأذيالها على قاعدة أنها تُشكل الاستهداف المفتوح، لكن هذه المحكمة سقطت وانكشفت لأنها مُثقلة بثلاثة أمور خطرة: بالتزوير وبالأسرلة – نسبة إلى إسرائيل – والافتراء. أما التزوير فكلنا يعلم قصة شهود الزور الذين صالوا وجالوا وكانوا الأساس والبنيان لاتهامات المحكمة، وطبعاً محكمة تبدأ بشهود الزور وتنتهي بشهود الزور، ولا يُحاكم شهود الزور ويُبنى على أقوالهم، والآن كل النتائج مبنية على شهاداتهم، وهذا يعني أنها محكمة فاشلة. أما الأسرلة، لأن إسرائيل معنية، وشريكة في القرارات التي صدرت عن الادعاء العام، وها هو باراك يفتخر أنه يعلم مسبقاً بأن سوريا ستتَّهم لاحقاً وأن هناك أشخاصاً آخرين سيُتَّهمون، وأن الفوضى ستعم في لبنان بعد هذه الاتهامات، هو يتحدث عن معطيات يراها ستتحقق بحسب وجهة نظره، فلو لم يكن جزءاً من هذه التركيبة التي اسمها المحكمة، لما كان يعيش هذا التفصيل، بل راجعوا التلفزة الإسرائيلية، كلهم كانوا يقولون ما صدر في القرار الاتهامي، وجاؤوا ببينات على ذلك. أما الافتراء، فلأنهم اختاروا شخصيات لها باع في المقاومة، وكل ما قدموه حتى الآن هو عبارة عن تحليلات يربطونها كما يريدون، ولعلمكم أن المحكمة تستطيع أن تتهم من تشاء في كل العالم من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، لأنها أضافت تعديلات على قانون عملها، أحد التعديلات يقول أنها تستطيع أن تُقدم شهادة من دون أن تُحضر الشاهد ليواجهه المشهود عليه.
اليوم لا بد أن ننظر بعين التقدير لصمود الرئيس نجيب ميقاتي في وجه التحديات والافتراءات والاتهامات المختلفة، من التكليف إلى التأليف ثم الثقة، وقد واجهت حكومة الرئيس ميقاتي اليوم ما لم يواجهه لبنان منذ تأسيسه، ومعه الحلفاء الأقوياء في مواقفهم والمدافعين عن حقهم، وهذا مؤشر على متانة تمثيل هذه الحكومة وقدرتها على مواجهة التحديات، وبالتالي هي تستطيع القول أنها تقف على أرض صلبة، لأنها حكومة عندها سعة تمثيل نيابي، وسعة تمثيل شعبي، ولديها حقوق وعندها إثباتات وأدلة، وتريد أن تبني لبنان، وأن تُحدث التغيير المناسب، وهذه كلها عناوين قوة لمصلحة المقاومة.